المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللغة العربية...................مأساتنا كامنة في الإنسان لا في اللسان!!



أيمن حمامية
04/06/2007, 12:00 PM
إنني أقول بملء الاقتناع والإيمان
بأن مأساتنا كامنة في الإنسان لا في اللسان!!

د.محمد بن أحمد الرشيد


في مقالتي الأسبوع الماضي تطرقت إلى التنظيم الجديد الصادر عن وزارة التربية والتعليم والقاضي بالسماح للمدارس الأهلية (للبنين والبنات) في المملكة باختيار المناهج وطرق التدريس ولغة التعليم فيها باستثناء مادتي (الدين، واللغة العربية) فيجب أن تدرسا بالعربية كما ورد في ذلك التنظيم العجيب.

وفي مقالتي اليوم أواصل الحديث عن هذا الشأن الجلل..

إن حرص بعض أولياء الأمور على تعليم أولادهم لغةً حية أخرى إلى جانب لغتهم العربية حرص مشكور، لأنها تفتح لهم نوافذ على العالم لا تفتح بدونها، وتعبد لهم إلى المعرفة الإنسانية طرقاً لا تعبد إذا اقتصروا على لغتهم، في ظلال قلة ما يترجم من العلوم والفنون من لغات أبنائها إلى لغة القرآن العبقرية الخالدة.

أما أن يصل الأمر ببعض أولياء الأمور من أبناء هذا الوطن إلى أن يحرصوا على وضع أولادهم في مدارس لا تعلم بالعربية إلا الدين واللغة العربية فعلامة لا تبشر بالخير، وتنطوي على محاذير قد لا يدركون آثارها السلبية إلا بعد فوات الأوان.

دعونا نتأمل قليلاً: إذا رضينا - على سبيل المثال - أن يدرس الطلاب الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، وعلوم الحاسب باللغة الإنجليزية. فهل هذا مدعاة لأن يتفوقوا فيها؟؟ لو كان الأمر صحيحاً لتفوقت البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية في هذه المجالات، بل إن آخر نتائج المنافسات العالمية بين مدارس التعليم العام جعلت كوريا الجنوبية، واليابان في طليعة الدول المتفوقة في الرياضيات والعلوم، إذ احتلتا المرتبة الأولى والثانية مع أن كلاً منهما تدرس بلغتها القومية (الكورية، واليابانية)، وهي بذلك سابقة بمراحل الدول الناطقة بالإنجليزية!!، ثم هل يدرس طلابنا أيضاً: التاريخ، والجغرافيا، والتربية، والاجتماع، وعلم النفس، والتربية الوطنية.. إلخ باللغة الإنجليزية؟؟ يا لها من فاجعة!.

أليس لكل لغة مخزون ثقافي، ومخزون عاطفي يكون عقلية الذين يتعلمونها، ويؤثر على نفسياتهم؟ فأي مخزون سيتأثر به أبناء مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وأبها، وتبوك.. وغيرها من مدن وطننا عندما يدرسون هذه المقررات بلغة غير اللغة العربية؟.

ما الفرق بين المدارس الأهلية والمدارس الأجنبية القائمة في المملكة إذن؟ لقد كان - ولا يزال - مطلوباً من المدارس الأجنبية عندنا أن تعلم لطلابها مادة عن الحضارة الإسلامية، ومقرراً في اللغة العربية مع احتفاظها بمناهجها في المواد الأخرى، وحين لا يكون هناك مانع من أن تختار المدارس الأهلية التي تحتضن أبناءنا المنهج الأجنبي الذي تريده لتدرسه باللغة التي تختارها، وعليها فقط أن تدرس هذين المقررين بالعربية - ألا تكون المدارس الأهلية في المملكة التي اختارت لغة للتعليم غير العربية قد انقلبت - بهذا التنظيم الجديد - إلى مدارس أجنبية؟؟.

بل ما المسوغ لإنشاء (18) مدرسة وأكاديمية سعودية في الخارج؟؟ لقد قامت تلك المدارس والأكاديميات لتوفر لأبناء السعوديين المقيمين بعيداً عن أوطانهم الدراسة باللغة العربية حتى لا يكونوا غريبين عن مجتمعاتهم عندما يرجعون إلى أوطانهم مع أن كلفتها المالية هي أضعاف أضعاف ما ينفق على المدارس في داخل المملكة؟؟ فإذا لم تكن اللغة العربية العامل الأول في إنشاء تلك المدارس فلنترك للذين يعيشون في بلدان أجنبية من السعوديين أن يدرسوا في مدارس أهل تلك البلاد.

إن قرار مجلس الوزراء الموقر المنظم للائحة المدارس الأجنبية، الذي صدر عام 1418ه يقرر بحزم وجزم ووضوح، أن أبناء المواطنين السعوديين لا يجوز لهم الالتحاق بالمدارس الأجنبية إلا لظروف خاصة تسمح لهم باستثناء قصير الأمد، كأن يكونوا مع أسرهم في إحدى تلك البلاد، وقد درسوا في مدارسها، فيسمح لهم لعام أو عامين أن يدرسوا في المدارس الأجنبية ريثما تقوى لغتهم العربية، ويتأقلموا مع الجو الجديد الذي انتقلوا إليه.

ومنذ سنوات عدة سمحت وزارة التربية والتعليم (المعارف آنذاك) لإحدى المدارس الأهلية بافتتاح قسم لتعليم المنهج السعودي - في غير المواد الدينية والعربية - باللغة الانجليزية. وكانت الرقابة صارمة على ألا يلتحق بذلك القسم من السعوديين الا المضطرون حسب القواعد المنظمة لذلك، وقد كان محل مؤاخذة أن يلتحق طالب بذلك القسم إلا حين تتأكد حاجته إليه مع أن المنهج كاملاً هو المنهج السعودي!!.

إن الدول التي لا ترقى لغاتها إلى اللغة العربية في خصائصها وسعة مفرداتها، وقدرتها العجيبة على الاشتقاق والتوليد، تأبى ان تدرس - حتى العلوم - الا باللغة الوطنية، وذلك لأسباب نفسية وحضارية وفكرية.. ولعل كوريا، وإسرائيل، ورومانيا، أمثلة قليلة من كثير.

إنك يندر أن تجد بلداً عربياً يدرس أبناؤه في مدارسه بلغة غير العربية، فهل يبدأ بلد الحرمين الشريفين بفتح هذا الباب للناس وسن هذه السنة؟؟!!.

إن الذين يريدون أن يصنعوا إلى أولادهم معروفاً بسلوك هذا السبيل الذي يضعفهم في لغتهم الأم واهمون واهمون. إنهم يؤذون أولادهم أكبر الأذى لأنهم سيتركونهم يعيشون حالة من الفصام:

فهم في بيئة عربية الوجه واليد واللسان، كما في البيت، والشارع، والمسجد، والنادي.

وفي مدرستهم يتلقون تعليمهم كله تقريباً باللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية.. وكان خيراً لهم لو جمعوا بين الحسنيين فتأخذ لغة الأم والأب حقها لغةً أصلية، وتأخذ اللغة الثانية حقها لغةً أجنبية، وتبقى المملكة العربية تعينهم على تذوق آداب اللغة، وعلى فهم كلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأنا على علم بموقف الكثير من العلماء والحكماء العرب الذين ينادون أن تكون اللغة العربية هي لغة التعليم الجامعي في كل التخصصات وأقتبس من محاضرة للعالم الدكتور محمد هيثم الخياط وردت في النشرة الشهرية الثانية لشبكة تعريب العلوم الصحية لغرة رمضان 1424ه إذ يقول ضمن الحقائق التي أوردها الآتي:-

"الحقيقة الأولى: أن اللغة ليست لغة العلم فقط ولكنها لغة الثقافة والحضارة، والثقافة هي ذلك الجو الاجتماعي الذي تتنامى فيه شخصية الفرد وطباعه، وهو جو يتألف من قيم وأفكار وأخلاق وأسلوب للحياة، ويشارك كل فرد من أفراد المجتمع في إغنائه، فيوم تكون لغة الثقافة غير لغة الأمة، تنهار الأمة وتتلاشى، ويوم تكون لغة العلم غير لغة الثقافة، تصاب الأمة بفصام ثقافي، ويغدو العلم غصناً غريباً مطعماً في شجرة لا تألفه، ويؤدي ذلك إلى بقاء الأمة أمة ناقلة بدل أن تكون أمة مبدعة.

"من أجل ذلك التزمت جميع أمم العالم بتدريس العلوم بلغاتها الوطنية بدءاً باليابان وانتهاءً بإسرائيل التي أصرت على إحياء لغتها العبرية الميتة وجعلتها لغة الأبحاث الذرية في معهد وايزمان، ويوم قال الأستاذ سلامة موسى قبل أربعين عاماً: (إن اليهود الصهيونيين قد انقلبوا عبرانيين وأحيوا لغتهم التي كانت قد انقرضت.. وظني أنهم يخسرون بذلك لأن هذه اللغة لن تتسع للثقافة العصرية كما أن الإيرلنديين الوطنيين قد خسروا أيضاً بإحياء لغتهم القديمة لأن اللغة الإنجليزية خير لهم - ولم أنها لغة الفاتحين الغاصبين - من لغتهم التي لن تتسع للثقافة العصرية..) يوم قال ذلك مريداً صرف العرب عن استعمال لغتهم ليستعملوا لغة الفاتحين الغاصبين، كذبه التاريخ بأعلى صوته تكذيباً.. وتبوأت إسرائيل هذا المركز العلمي المتقدم في العالم لأنها استعملت في تدريس العلوم لغتها التي انقرضت.

"الحقيقة الثانية: أن اللغة العربية تنفرد من بين اللغات جميعاً بأنها لغة أمة ذروة السيادة الحضارية في العالم نيفاً وعشرة قرون، ولم يكد أعداؤها يصدقون أنهم تمكنوا من تنحيتها عن مركز الصدارة والسيادة والريادة، ولذلك فإنهم يفعلون ما في وسعهم حتى لا تصبح هذه اللغة لغة العلم والتكنولوجيا بأي شكل من الأشكال.. إن الأمر إذن يصبح جد خطير.. والحل هو إقناع عديد من أبنائها المخلصين بأن مصلحة الأمة تقتضي التدريس باللغة الأجنبية، فإذا كثر المقتنعون صارت الدعوة إلى التعليم باللغة العربية شيئاً يستنكره أبناؤها المخلصون، وأحب أن أقول بكل صراحة: ذكر هذه الحقيقة ليس استثارة للمشاعر أو استجاشة للعواطف، ولكنه واقع يغفل عنه الكثيرون أو يتغافلونه.

الحقيقة الثالثة: أن المناسبات التي قلبت فيها لغة التدريس في العصر الحديث من العربية إلى الأجنبية توافقت دائماً مع الاحتلال الأجنبي. فلغة التعليم الطبي مثلاً في كلية طب قصر العيني بمصر ظلت هي اللغة العربية سبعين عاماً، وقلبت إلى الإنجليزية على يد اللورد كرومر بعد الاحتلال البريطاني..".

ويسترسل في ذكر الحقائق قائلا..

الحقيقة الأخرى: أن العراقيل التي تذكر في وجه تعريب التعليم الجامعي هي في الواقع نتائج له وليست بأسباب له. فلمن تؤلف الكتب وتصدر المجلات وتصاغ المصطلحات باللغة العربية إذا لم يكن ثمة تعليم بالعربية؟ في حين أن التعليم لو كان بالعربية فسيتسابق المؤلفون إلى التأليف واللغويون إلى وضع المصطلحات وسوف تتسابق دور النشر إلى إصدار المجلات العربية.

ثم حقيقة أخرى هي: أن عجز الأستاذ الجامعي العربي عن التعليم بالعربية وهم كبير أو (رهاب "ويعني خوفاً مرضياً")، مرده إلى هذا الجو النفسي المريض الذي أقيم حول موضوع التعريب، وإلا فهل يصدق عاقل، أن المرء يعجز عن أن يستعمل لغته الخاصة في التعبير عن أفكاره بأي مناسبة وفي أي موضوع؟.

"ثم أخيراً: إن جميع دساتير الدول العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وان قوانين تنظيم الجامعات في جميع الدول العربية تنص على أن لغة التعليم هي اللغة العربية، وأن التدريس بغير العربية يحتاج إلى استثناء خاص، وأن العودة إلى الأصل وهو التدريس بالعربية لا يحتاج إلى قانون ولا قرار. فالقرار السياسي متضمن حكما في الدستور والقانون، وإنما الحاجة إلى العزم والتوكل على الله" إنتهى الاقتباس.

هذا في التعليم الجامعي! فما بالكم في التعليم العام؟.

أيها القراء الكرام: إنني أقول بملء الاقتناع والإيمان:

أن مأساتنا كامنة في الإنسان لا في اللسان.. إنها ليست أزمة جهل بلغة أجنبية هي أحد أوعية حضارة اليوم، بل هي أزمة إنسان عاجز عن مسايرة حضارة اليوم.

أيها الغيورون لغتنا العربية أمانة، عززوها في النفوس ولا تحملوا أهلها على انتقاصها والزهد فيها.

وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم أجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.


نقلاً عن جريدة الرياض