المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار حول القصة القصيرة.



مصطفى لغتيري
29/10/2006, 10:50 PM
حوار أجراه عبد الحميد الغرباوي مع

مصطفى لغتيري

1. ماذا يعني إليك جنس القصة القصيرة؟
كثيرا ما طرحت على نفسي هذا السؤال، وعبثا حاولت الإمساك بتعريف يشفي الغليل.. فهو سؤال حول الماهية، وهذا النوع من الأسئلة يكتنفه الغموض و الالتباس، و الإجابة عليه تعدد بتعدد وجهات النظر و اختلاف الرؤى.. لذا أميل- شخصيا إلى التعريف الإجرائي.. ففي رأيي المتواضع يمكن لهكذا تعريف أن يحقق حدا أدنى من الاتفاق حوله.. هكذا فحين أفكر في القصة القصيرة، يمثل أمامي حيوان الزرافة.. فالمتأمل في هذا الحيوان، سيلاحظ أنه استعار كثيرا من أعضائه من حيوانات أخرى، ومع ذلك فهو حيوان جميل، لا يعيبه في شيء هذا الاقتباس، و لا يحط من شأنه.. فالقصة القصيرة أشبه ما تكون بالزرافة، فهي جنس هحين أخذ من الأجناس الأخرى أكثر صفاته و خصائصه.. فمن الرواية استعار النفس السردي و الاهتمام بالتفاصيل و الوصف.. ومن القصيدة الشعرية اقتبس التكثيف و التوتر و الإيجاز.. ومن المسرحية النفس الدرامي و تجسيد الأحداث و الحوار.. ومن المقالة الدقة، و التحليل المنطقي و القصر.. ومن الموسيقى الإيقاع الداخلي الذي يتميز به النثر الفني عامة.

و بالرغم من ذلك سأغامر بتقديم التعريف التالي: القصة القصيرة جنس أدبي يعيد الكاتب من خلاله ترتيب جزء من العالم نثرا، ضمن شريط لغوي قصير يستند على صوغ حكاية عبر مجموعة من الأحداث التي تقوم بها شخصية أو مجموعة محدودة من الشخوص في زمان ومكان معينين.

2. يفهم من القصة القصيرة أنها ذات حيز ضيق، فهل تجد في هذا الحيز متسعا كبيرا للكتابة؟
بعد إنتاجه لعدد محترم من النصوص، يستبطن كاتب القصة القصيرة جملة من الخصائص المميزة لهذا الجنس الأدبي، وضمنها الحيز القصير أو الضيق .. و بالتالي، ونتيجة لهذه الخبرة المكتسبة ينتفي لديه الاهتمام بضيق الحيز أو اتساعه.. إذ يعمد إلى توظيف تقنيات خاصة تمكنه من استغلال هذا الحيز مهما ضاق .. فقصر الحيز لا علاقة بقصر المتخيل.. فالكاتب يمكنه أن يضرب عميقا في الزمان و المكان، باستعمال تقنيات الفلاش باك والأحلام والفنطاستيك وغير ذلك من الوسائل المتاحة.

ولعمري فالفيصل في الأمر هو امتلاك رؤيا وتصور واضحين لوظيفة القصة القصيرة، و الدربة على استعمال وسائلها التقنية.. فالقصة القصيرة هي كذلك لأنها لا تكتب إلا قصيرة.. ضيق الحيز- إذن جزء من ماهيتها و بدونه تنتفي صفة من أهم الصفات المحددة لها.

3. ماهي تقنياتك الخاصة في صياغة نص قصصي قصير؟

- من الصعب جدا الحديث عن الثقنيات الخاصة في كتابة القصة القصيرة، فهذا الأمر يتوجب أن يقوم به النقاد.. ومع ذلك سأحاول أن أتحدث عن أهم ما يشغلني أثناء كتابتي لقصة قصيرة:
أ- الحكاية: حين أرغب في كتابة قصة قصيرة لا أتنازل على شرط توفر الحكاية، وذلك نابع من تصور خاص للقصة القصيرة يعتبر الحكاية نسغ القصة القصيرة.. ومن ثمة فانعدامها يضعف النص القصصي، ويفقده جزءا أصيلا من هويته.

ب- الرؤيا: يهمني جدا أن تستبطن قصصي معنى ما، ومن الأفضل أن يكون إنسانيا انسجاما مع تصوري الشخصي للانسان و العالم.. فحين أكتب قصة قصيرة أشتغل على النص بحيث يتضمن في آخر المطاف معنى عميقا يكتشفه كل من تجاوز معناه الأول، وغاص للبحث عن المعاني الأخرى التي غالبا ما لا تعطي نفسها بسهولة.

ج- الدقة: بستهويني بشكل كبير الوضوح، فأنا أسعى –دائما- لتكون قصصي مفهومة من طرف الجميع خاصة على مستوى المعنى الأول للنص.. لهذا أحاول البحث عن الكلمة الدقيقة و المناسبة و الجملة التي لا يحول حائل دون فهمها.. هذا بالطبع دون التضحية بعمق الكتابة، الذي أحرص أن تتوفر نصوصي عليه.

د- اللغة: أشتغل على اللغة بشكل كبير، وأسعى لأن تكون رشيقة وسلسة، دون الانزلاق نحو التكلف و افتتان اللغة بذاتها.. أحبها جميلة و هادئة، تقود القارئ بلطف نحو الهدف الذي أبتغيه من وراء القصة.

4. هل أنت كاتب قصة قصيرة فقط، أم تمتلك مشروعا جماليا ونظريا لكتابة القصة القصيرة؟

أعتقد أن كل كاتب يسعى لامتلاك مشروع جمالي ونظري لكتابة القصة القصيرة .. ببساطة لأن الكتابة ليست عملية تقنية فحسب، و إنما هي – أوهكذا يفترض- مؤطرة بوعي جمالي وخلفية ثقافية، تساهمان في منح النص القصصي بريقه الجمالي وعمقه الدلالي.. شخصيا إنني منشغل إلى أبعد الحدود بإكساب نصوصي لهاتين الصفتين.. وفي رأيي
لن يتحقق ذلك إلا من خلال تخليص النصوص من كل الزوائد، و الابتعاد قدر الامكان عن التعاطي الرومانسي و العاطفي مع اللغة و البناء و الرؤيا، و الاشتغال على التكثيف و الإيجاز.. و لعمري فان القصة القصيرة جدا و اعدة في هذا المجال.. فهي لا يتسع صدرها للحذلقة اللغوي أو التباكي المجاني.. فمن خلالها يمكن اقتناص الهدف بشكل مركز و فعال.. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالبعد الإنساني في النصوص.. و لا يتأتى ذلك إلا بالإطلاع العميق على الأشكال الثقافية الأخرى كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها.. ثم الإنصات الجيد للحظة الزمنية التي ينتمي إليها الكاتب.

5. كيف تضع البداية لقصة قصيرة ما؟ ومتى تقرر أن تضع لها نقطة النهاية؟

- يتفق الجميع على أن بداية القصة ونهايتها تكتسيان أهمية خاصة في عملية التلقي.. لهذا على الكاتب الاءهما اهتماما خاصا.. شخصيا، فيما يتعلق بالبداية، كثيرا ما أجد نفسي رهين طريقتين مختلفتين عند الشروع في كتابة قصة ما.. أولا هما انتظار اختمار الحكاية في ذهني ومن ثمة أتيح المجال للأحداث المعبرة عنها لتتشكل بالوضوح المطلوب .. وحين أبلغ ما يمكن أن أطلق عليه مرحلة انبثاق المعنى، لا احتاج –حينذاك- سوى افراغ القصة على الورقة.. أما الثانية، ففي لحظات معينة تتملكني حالة معينة، أحس معها أن شيئا ما يجول بذهني يسعى لينكتب، لكنه لا يتمتع بالوضوح الكافي.. حينها لا أضيع الفرصة، أتناول القلم وأشرع في الكتابة كيفما اتفق.. ومع مرور الزمن تبدأ ملامح القصة في التشكل.. في نهاية المطاف أجدني أمام قصة قصيرة بعد أن أحذف البداية، لأنها كانت مجرد مخفر و بالتالي فهي لا تنتمي عضويا إلى القصة.
أما بخصوص النهاية، فأتأنى في كتابتها كثيرا، وغالبا ما أعيد صياغتها أكثر من مرة.. هدفي أن تكون – في الغالب- نهاية مفتوحة، وتكسر أفق انتظار القارئ..
أما نجاحها ، فيتحقق- بالنسبة إلي- حين تكون محفزة لكتابة قصة أخرى..

6. هل تسعى إلى أن تكون كاتبا في جنس القصة القصيرة بامتياز، أم تطمح للكتابة في كل الأجناس؟

الكتابة في كل الأجناس أمر صعب التحقق، وقد يكون – في بعض الأحيان- دون فائدة.. شخصيا لي ارتباط عاطفي بالقصة القصيرة.. فقد وجدت فيها ضالتي، وأتاحت لي المجال للتعبير عن تصوري لذاتي و للعالم من حوالي بطريقة فنية.. ومع ذلك لا أخفي استهوائي من طرف جنس الرواية.. و بالفعل كتبت ضمن هذا الجنس دون أن يرى النور ما كتبته الى حد الآن، باستثناء رواية "أحلام النوارس" التي نشرت في حلقات بإحدى الجرائد الوطنية.. فان كانت للقصة القصيرة مميزاتها، وخاصة سهولة النشر، و التركيز في صوغ ما يهدف الكاتب قوله، فالرواية تمنح مجالا أرحب لبناء عالم أكثر غنى ومرونة مما تتيحه القصة القصيرة..

7. يقول الكاتب المكسيكي خوان رولفو: " ليس في القصة القصيرة سوى ثلاثة مواضيع أساسية: الموت، الألم، الحب" هل توافق وجهة نظر هذه؟
بشكل عام يمكن الاتفاق مع هذه القولة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل موضوع من هذه المواضيع المطروحة فيها يمكن تجزئته إلى مواضيع فرعية.. و بصفة عامة أظن أن القصة القصيرة تستهدف الإنسان في جوهره، هدفها الكشف عن بعده الوجودي العميق.. فهي تصور اغترابه و انسحاقه و عبثية كينونته.. ضالتها البحث في العلاقات الإنسانية خاصة تلك التي تتميز بالعمق و التحول، وذات التأثير الكبير في مصير الفرد أو الجماعة.
إنها تقتنص المفارقات الدالة التي يمكن من خلالها الكشف عن أحد الأبعاد المؤطرة للوجود.. بناء على ذلك يمكن اختصار مواضيع القصة إلى الحد الأدنى بتحديدها في " كل ما يحدث للإنسان"، و يمكن كذلك تفريعها إلى ما لا نهاية، فكل ما يهم الإنسان و يشغله يصلح ليكون مادة للحكي: الفرح- الحزن- الأمل- الألم- النجاح- الفشل- الطموح- الاغتراب- القهر- الموت- الاستغلال.. وهكذا دواليك.

شوقي بن حاج
02/05/2009, 12:49 AM
أخي الغائب / مصطفى لغتيري

قمت بنقل هذا الحوار الممتع إلى منتدى القصة القصيرةا

فتقبل التقدير كله