المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "لُغْز" العبسي!



جواد البشيتي
05/06/2007, 01:14 PM
"لُغْز" العبسي!

جواد البشيتي

في خبر صغير (الحجم) نشرته صحف يومية أردنية، في مكان من صفحاتها يعكس ضآلة أهميته (السياسية والإعلامية) جاء الآتي: تنظر محكمة أمن الدولة، في جلسة تعقدها.. في قضية جديدة للمتَّهم شاكر يوسف حسن العبسي، زعيم تنظيم "فتح الإسلام".

المتَّهم، وفي هذه "القضية الجديدة"، اتُّهِم بـ "إدارة معسكر تدريبي في داخل سورية، لإيواء وتجهيز انتحاريين، وعناصر مرتبطة بالقاعدة، قبل إرسالهم للقتال مع تنظيم القاعدة في العراق". وفي الوقت نفسه تقريبا، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية ناصر جودة، في إجابته عن أسئلة لصحافيين أردنيين، أن لا وجود لتنظيم "فتح الإسلام" في الأردن، قائلا: "زعيم هذا التنظيم هو مواطن يحمل الجنسية الأردنية".

"التهمة الجديدة"، على ما أحسب، ليست بالجديدة إلا لجهة "إعلانها"، فهذا "اللغز"، أو هذا الإرهابي ـ اللغز، المدعو شاكر العبسي، لم يَقُمْ بهذا العمل (إدارة ذلك المعسكر) الذي ستَنْظُر فيه محكمة أمن الدولة بوصفه "تهمة جديدة" الآن، أو قبل بضعة أشهر، وإنَّما قبل أن تُعْلِنَه السلطات السورية شخصا معاديا لسورية. وقد حرصت السلطات السورية على إظهار وتأكيد العداء المتبادل بينها وبين العبسي وجماعته بعد، وبسبب، تأكيد قيادات من قوى الرابع عشر من آذار (في لبنان) أنَّ ظاهرة "فتح الإسلام" هي "ظاهرة أمنية سورية"، أي أنَّها جزء من جهود سورية لنشر الفوضى الأمنية والسياسية في لبنان، ولإحباط قرار مجلس الأمن الدولي إنشاء محكمة (دولية) بموجب "الفصل السابع" لمحاكمة قتلة الحريري.

"الخبر"، في نصِّه وسطوره، لم يأتِ بما يُمكِّن تلك القيادات من قوى الرابع عشر من آذار من اتِّخاذه دليلا على صحَّة اتِّهامها لدمشق بأنَّها هي التي زرعت تلك الظاهرة الإرهابية في شمال لبنان، وفي مخيم نهر البارد ومحيطه على وجه الخصوص؛ ولكنَّه انطوى على ما يؤكِّد ويعزِّز تهمة أخرى (مزدوجة) تُتَّهم فيها سورية، وهي أنَّ لها صلة بتنظيم "القاعدة"، في العراق، وأنَّ انتحاريين وعناصر مرتبطة بـ "القاعدة" يُدرَّبون ويُجَّهَزون (في عِلْم وموافقة السلطات السورية) في معسكر تدريب (في الأراضي السورية) كان يديره الإرهابي العبسي، ليرسلوا (في علمها وموافقتها أيضا) إلى العراق ليقاتلوا فيه كما قاتلوا ويقاتلوا.

ويقال إنَّ "أبو خالد العملة"، القيادي في "فتح الانتفاضة"، والمطرود منها الآن، قد عمل، عن وعي، أو عن غير وعي، على جَعْل فرع هذا التنظيم (فتح الانتفاضة) في مخيم نهر البارد "حصان طروادة" لجماعة "فتح الإسلام"، فمن خلال هذا "الحصان"، الذي لا ريب في عدم فلسطينيته، أسَّست جماعة "فتح الإسلام" وجودا لها في المخيم قبل أن تختطفه.

هذا "اللغز" اسْتَغْلَق أكثر، فالمعارضة اللبنانية التي يقودها "حزب الله" اتَّهمت قيادات من قوى الرابع عشر من آذار، في مقدَّمها سعد الحريري، بأنَّها، وبالتعاون مع أجهزة أمنية لبنانية، وغير لبنانية، هي التي جاءت بجماعة "فتح الإسلام"، ومكَّنتها من أن تبلغ ما بلغته من قوَّة ونفوذ، حتى تستعملها في مواجهة "حزب الله"، فقد ثَبُت في التجربة العراقية أنَّ الجماعات السياسية والعسكرية المذهبية (من شيعية وسنية) لا بدَّ منها لإشعال فتيل الحروب الأهلية الطائفية، ولتأجيجها، فالعصبية الطائفية والمذهبية لا تعدلها عصبية أخرى لجهة قدرتها على إعماء الأبصار والبصائر.

جماعة "فتح الإسلام" خانت، أو شقَّت عصا الطاعة، على ما يبدو، فتقرَّر، بالتالي، القضاء عليها؛ ولكن في طريقة تؤدِّي إلى الهدف ذاته. و"الطريقة" كانت هي هذا الصراع بالحديد والنار بينها وبين الجيش اللبناني؛ وبـ "قوَّة الضرورة"، وليس بـ "قوَّة المصادفة"، اتُّخِذ "المخيم" مسرحا لهذا الصراع.

إنَّ "القاعدة"، وما يشبهها، أو يتفرَّع منها، هي النسخة السياسية من "قصَّة إبليس".. قصَّة تمرُّد "المخلوق" على "خالقه"!