علي ابريك
08/06/2007, 09:31 PM
وضع راسه على التراب ، و مدّ قائمتيه الاماميتين تكاسلا .. عيناه نصف مغلقتين ، يفتحهما كلما اقتربت منه الاقدام .. أو يرفع إحدى أذنيه في حركة تنم عن يقظته .. قريبا منه وبجانب الرمة اليمني للبيت ، كان وعائه الفارغ تقريبا ، يحوم حوله الذباب ..
تتحسس جدتي الكفيفة الطريق إليه .. تدعوه باسمه .. فيقف على قوائمه ويزمجر بصوت تعرف منه انه جائع .. تسحب يداها بموازاة الرمة ، حتى تصل الى الوعاء ، تضع بعض الدقيق في الاناء وترش بعض الماء عليه وتخلطه بيدها ، يأتي " دلعاب " مسرعا للوليمة يدس رأسه في الوعاء ،حتى يختفي معظمه ، تاركا العجوز تربت على ظهره وتداعبه ..
وكما هي عادة الاطفال كنت ملحاحا ، اتساءل عن كل شيء من حولنا .. وأذكر إني سألت جدتى عن مصدر الوعاء .. ومن اين ..؟! وكيف ..؟! وكانت تخبرني تارة عن جنية وهبته للكلب .. وتارة اخرى عن طائرة سقطت وكان بها صحون كثيرة ، لم يجدوا في حطامها شيئا سليما الاّ هذا الصحن ..
لا اذكر اني رايت احدا ينظفه ابدا .. او انهم غيروا مكانه .. فقد كان مكان الوعاء مميزا .. كبيت جدتى ، الذي تنتشر خيام النجع حوله .. فهو اكبر البيوت حجما ، ومقرا للضيوف ايضا .. وكانت جثة الكلب الضخمة تضيف هيبة على اروقته المشرعة ..
حتى بعد ذهابي للمدينة .. واستكمالي لدراستي الاعداية ثمّ الثانوية .. ظل الوعاء مكانه .. وكذلك خيمة جدتي ، التي رفضت ان تقيم بحجرة في منزلنا الجديد المجاور للمزرعة ..
وفي صيف العام الذي توفت فيه جدتي .. غير والدى مكان " دلعاب " فقد ربطه بشجرة التين قرب السانية حتى يمنع اطفال المعزيين بالعبث بأشجار الكروم .. رغم انهم كانوا يستطيعون ان يدوروا حول " الطابية " ويدخلونها من الخلف ..!
ابي ظن ان الحزن قتل الكلب .. بعد أن فقد شهيّته فجأة..!! وتكدست الفضلات في إنائه الجديد .. إذ لم يعد يهتم بما يعطي له .. غير إني فطنت لغياب وعائه .. لقد اختفي .. لربما عبثت به ايد الاطفال .. لم أعرف له مكان ..وتتدافع الاسئلة برأسي .. هل مات " دلعاب " حزنا لفراق جدتي ..؟!! أم أنه مات كمدا لخسارته وعائه ..؟!!
وقبل ان اغادر اهلي لالتحق بوظيفتى الجديدة ..عاودنى الفضول .. فسألت امي عن قصة الوعاء .. وكان ابي قائما يصلي قربنا .. فإذ به يقهقه عاليا .. و يقول معاتبا لي ..
- " اضحكتني ياولد ، إنه هدية جدتك " لدلعاب "..!! " فتمالكتني الدهشة والاستغراب ، بينما ضج كل من حولنا ضحكا لسذاجة سؤالي ..!!
في الطريق الى المدينة ، اخبرني ابي قصة الوعاء وعن سبب اهتمام جدتي به .. فقبل جدي ، تزوجت ابن عم لها ميسور الحال .. قدمه لها كمهر زواج ، فقد كان وعاء من فضة ، ولكن بعد الفرح بأيام طلقها ، وهرب مع ابنة خالتها ، دون ان تعرف لماذا ..!!
بقلم / على ابريك المسماري ..
تتحسس جدتي الكفيفة الطريق إليه .. تدعوه باسمه .. فيقف على قوائمه ويزمجر بصوت تعرف منه انه جائع .. تسحب يداها بموازاة الرمة ، حتى تصل الى الوعاء ، تضع بعض الدقيق في الاناء وترش بعض الماء عليه وتخلطه بيدها ، يأتي " دلعاب " مسرعا للوليمة يدس رأسه في الوعاء ،حتى يختفي معظمه ، تاركا العجوز تربت على ظهره وتداعبه ..
وكما هي عادة الاطفال كنت ملحاحا ، اتساءل عن كل شيء من حولنا .. وأذكر إني سألت جدتى عن مصدر الوعاء .. ومن اين ..؟! وكيف ..؟! وكانت تخبرني تارة عن جنية وهبته للكلب .. وتارة اخرى عن طائرة سقطت وكان بها صحون كثيرة ، لم يجدوا في حطامها شيئا سليما الاّ هذا الصحن ..
لا اذكر اني رايت احدا ينظفه ابدا .. او انهم غيروا مكانه .. فقد كان مكان الوعاء مميزا .. كبيت جدتى ، الذي تنتشر خيام النجع حوله .. فهو اكبر البيوت حجما ، ومقرا للضيوف ايضا .. وكانت جثة الكلب الضخمة تضيف هيبة على اروقته المشرعة ..
حتى بعد ذهابي للمدينة .. واستكمالي لدراستي الاعداية ثمّ الثانوية .. ظل الوعاء مكانه .. وكذلك خيمة جدتي ، التي رفضت ان تقيم بحجرة في منزلنا الجديد المجاور للمزرعة ..
وفي صيف العام الذي توفت فيه جدتي .. غير والدى مكان " دلعاب " فقد ربطه بشجرة التين قرب السانية حتى يمنع اطفال المعزيين بالعبث بأشجار الكروم .. رغم انهم كانوا يستطيعون ان يدوروا حول " الطابية " ويدخلونها من الخلف ..!
ابي ظن ان الحزن قتل الكلب .. بعد أن فقد شهيّته فجأة..!! وتكدست الفضلات في إنائه الجديد .. إذ لم يعد يهتم بما يعطي له .. غير إني فطنت لغياب وعائه .. لقد اختفي .. لربما عبثت به ايد الاطفال .. لم أعرف له مكان ..وتتدافع الاسئلة برأسي .. هل مات " دلعاب " حزنا لفراق جدتي ..؟!! أم أنه مات كمدا لخسارته وعائه ..؟!!
وقبل ان اغادر اهلي لالتحق بوظيفتى الجديدة ..عاودنى الفضول .. فسألت امي عن قصة الوعاء .. وكان ابي قائما يصلي قربنا .. فإذ به يقهقه عاليا .. و يقول معاتبا لي ..
- " اضحكتني ياولد ، إنه هدية جدتك " لدلعاب "..!! " فتمالكتني الدهشة والاستغراب ، بينما ضج كل من حولنا ضحكا لسذاجة سؤالي ..!!
في الطريق الى المدينة ، اخبرني ابي قصة الوعاء وعن سبب اهتمام جدتي به .. فقبل جدي ، تزوجت ابن عم لها ميسور الحال .. قدمه لها كمهر زواج ، فقد كان وعاء من فضة ، ولكن بعد الفرح بأيام طلقها ، وهرب مع ابنة خالتها ، دون ان تعرف لماذا ..!!
بقلم / على ابريك المسماري ..