المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الامازيغ



رامي
12/06/2007, 09:51 PM
الامازيغ

الامازيغ هم السكان الأصليين لشمال أفريقيا أو ما يصطلح عليه ب"تامازغا"أي بلاد الامازيغ و هو جمع مفرده أمازيغ و يعني الحر النبيل . و بسبب استقلال لغتهم أو اختلافها عن لغة الرومان فقد سموهم ب"البربر" التي تعني العجمة .
عاش الأمازيغ في شمال أفريقيا ..... موطنهم الام ...في المنطقة الجغرافية الممتدة من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي. ولم يعرف أي شعب سكن شمال أفريقيا قبل الأمازيغ. مع حلول الإسلام في أفريقيا ودخول العرب استعربت اقلية نخبوية من الأمازيغ بتبنيها اللغة العربية أو بالأحرى اللهجة العربية المغاربية . أما أمازيغ جزر الخالدات المقابالة لساحل الاطلسي فقد تبنوا اللغة الأسبانية غير أن الكثير منهم يعتبرون أنفسهم أمازيغا.
ينتشر الأمازيغ في تامزغا على شكل تكتلات لغوية / قبلية / أو عائلية بالبوادي وأيضا بجميع الحواضر الكبرى (الدار البيضاء، الجزائر، طنجة، باتنة، تيزي وزو، بجاية، غرداية، البويرة، الناظور، الحسيمة، الرباط ...) ولا تعترف الدول المحتضنة لهم بحقوفهم الثقافية فلا يسمح لهم باستعمال أسمائهم ولا يعترف بلغتهم إلا في الجزائر فالأمازيغية هي لغة وطنية بموجب الدستور، غير أن الأمازيغ أصبحوا أكثر نشاطا من أجل حقوقهم السياسة والثقافية والاقتصادية خاصة أمازيغ القبائل والريف وسوس. أمازيغ الجزائر تتقسم إلى عدة قبائل: (القبائل الكبرى -الشاوية- بن مزاب -الطوارق - والتبو المعروفون بـ تداد او ابناء الصحراء الكبرى .)
لغة الأمازيغ:
بالعودة إلى تاريخ ابن خلدون، البرابر ينقسمون إلى برانس وبتر. وإبان الفتح الإسلامي كانت أوربة من البرانس أقوى قبائل المغرب، فهي التي حاربت مع زعيمها كسيلة المسلمين، وهي التي استقبلت إدريس الأول وبايعته وكان ملكها من ملك الأدارسة. هذه القبيلة متواجدة في نواحي مدينة تازة. اللغة التي يتكلمها أبناؤها هي العربية ولا تعرف لهم لغة أخرى. كما أنها تنتمي إلى القبيلة التي تحتفظ بالإسم البرانس، والبرانس جميعا يتكلمون العربية، وقبائل أخرى كغياتة وهوارة وكتامة وصنهاجة جميعهم يتكلمون العربية. وهذا لا يخفى على مغربي. لذلك، عندما يتكلم أحد على الأمازيغ عليه أن لا ينسى أن يذكر هذه القبائل التي يظن البعض من أنها قبائل عربية والتاريخ ينفي ذلك، ويؤكد أنها قبائل بربرية. يتحدث البتر اللغة الأمازيغية، وهي تتفرع إلى تنوعات تختلف قليلا من منطقة إلى أخرى. وهو ما قد يشكل عائقا لتطوير الأمازيغية، الشيء الذي يستدعي معيرتها وهو ما شرع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تحقيقه. ولكن مما يجدر ذكره هو ان التنوعات (اللهجات) الامازيغية متحدة فيما بينها بشكل كامل في مايخص قواعد اللغة والصرف والنحو والاشتقاق. وتنحصر الاختلافات في المعجم (حيث تستعمل مترادفات لها نفس المعنى) وبعض الاختلافات الطفيفة في التنغيم والنطق. ومن المعروف ان عدم تعليم اللغة الامازيغية في المدرسة والجامعة هو الذي يعقد المسالة. ويمكن لاي امازيغي من الجزائر مثلا ان يتقن التحدث بأمازيغية شمال المغرب في بضعة اسابيع بسهولة لانه ليس بصدد تعلم لغة جديدة بل بصدد اغناء لغته الامازيغية بمفردات مترادفة جديدة! ولهذا تطالب الحركات الثقافية الامازيغية بتدريس اللغة الامازيغية على جميع المستويات وإدماجها في الادارة والاعلام والقضاء.
تنتشر اللغة الامازيغية (بتنوعاتها المختلفة : ثاريفيت، تاشلحيت، تاقبايليت...) في 10 من البلدان الإفريقية أهمها:
- المغرب : حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 39.9% من السكان البالغ مجموعهم 33.3 مليون نسمة.
- الجزائر: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 45.35% من السكان البالغ 32.9 مليون نسمة.
- ليبيا: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 0,5% من السكان البالغ مجموعهم 5.9 مليون نسمة.
وفي ليبيا يشكلون اقلية بالغة الصغر أما في البلدان التالية فتقل نسبة الناطقين بالأمازيغية كلغة أم عن 5% :
تونس، موريتانيا، مالي، النيجر و بوركينافاسو ومصر.
في أوروبا الغربية توجد جالية أمازيغية مغاربية كبيرة لا يقل تعدادها عن المليونين نسمة. وتتميز هذه الجالية بارتباطها القوي بوطنها ثامازغا (شمال أفريقيا) وبتمسكها بهويتها الأمازيغية.
كتابة الأمازيغ:
للمقال الكامل اقرأ تيفيناغ
ابتكر الأمازيغ خط التيفيناغ وهو من أقدم الأبجديات التي عرفتها الإنسانية وقد نجح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في معيرته. وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي في المغرب لتلقين الأمازيغية. تجدر الأشارة ألى أن كتابة التيفيناغ بقيت مستعملة بدون انقطاع من طرف الطوارق في حين كتب الأمازيغ بكتابات أجنبية غير أمازيغية بعد خضوعهم للأجانب وتأثرهم بهم.
تاريخ الامازيغ:
التقويم الأمازيغي
يحتفل العديد من الأمازيغ وبعض القبائل ا لمعربة برأس السنة الأمازيغية التي توافق اليوم الثاني عشر من السنة الميلادية، ويستعمل الأمازيغ الأسماء الغريغورية مع بعض التحريف، غير أن الأمازيغ نسجوا حول تلك الأسماء قصصا ميثولوجية وجعلوا منها جزءا من ثقافتهم.
يعتقد بعض العامة من الأمازيغ أن السنة الأمازيغية تبتدئ بعد تمكن زعيمهم شيشنق من هزم جيوش الفرعون الذي أراد أن يحتل بلدهم، وحسب الأسطورة فأن المعركة قد تمت بالجزائر بمدينة تلمسان. أما من الناحية التاريخية فأن المؤرخين يعتقدون بأن شيشنق الذي أسس الأسرة المصرية الثانية والعشرين لم يصل إلى الحكم عن طريق الحرب، بل من خلال ترقيته في مناصب الدولة المصرية الفرعونية، ذلك لأن المصريين القدماء قد إعتمدوا على الأمازيغ بشكل كبير في جيش دولتهم خاصة منذ عهد الأسرة العشرين.
يعود أصل شيشنق إلى قبيلة المشوش, وهذه القبيلة هي على الأرجح من تونس الحالية ويمكن ملاحظة بعض التشابه الثقافي بين أمازيغ الجزائر والمشوش.
يعتقد المؤرخون أن التفسير الأمازيغي العامي ليس تاريخيا علميا، فبعض الباحثين يعتقدون أن التقويم الأمازيغي قد يعود ألى آلاف السنين حتى أنه قد يكون أقدم من التقويم الفرعوني.
أديان الأمازيغ:
تختلف العادات الأمازيغية من منطقة وحقبة زمنية ألى أخرى. عبد الأمازيغ القدماء كغيرهم من الشعوب الأرباب المختلفة، فبرز من معبوداتهم تانيث وآمون وأطلس وعنتي وبوصيدون. ومن خلال دراسة هذه المعبودات وتتبع أنتشارها في الحضارات البحر الأبيض المتوسطية يمكن تلمس مدى التأثير الثقافي الذي مارسته الثقافة الأمازيغية في الحضارات المتوسطية. ويمكن أعتبار آمون وتانيت نموذجين لهذا التأثير الحضاري.
آمون:
عبد الأغريق آمون الأمازيغي، وفي ما بعد شخصوه بكبير آلهتهم زيوس كما شخصه الرومان في كبير ألههم جوبيتر وفي ما بعد أحدثوا بينهم وبين آمون تمازجا، كما مزجه البونيقيون بكبير آلهتهم بعل. بالأضافة ألى هذا فقد كان آمون أعظم آلهة مصر وإلى وقت كان يعتقد أن آمون مصري الأصل على الأرجح غير أنه في ما بعد أصبح يرجح الأصل الأمازيغي له حسب الأستاذ غابرييل كامبس.
تانيث:
تانيث هي ربة الخصوبة وحامية مدينة قرطاج، وهي ربة أمازيغية الأصل عبدها البونيقيون كأعظم ربات قرطاج وجعلوها رفيقة لكبير ألههم بعل، كما عبدها المصريون القدماء كأحد أعظم رباتهم وقد عرفت عندهم باسم نيث، ويؤكد أصلها الأمازيغي (الليبي) ما أشار أليه الأستاذ مصطفى بازمة من أن معظم مؤرخي مصر الفرعونية أشاروا إلى أنها معبودة أمازيغية استقرت في غرب الدلتا. ثم عبدت من طرف الإغريق حيث عرفت بإسم آثينا بحيث أشار كل من هيرودوت وأفلاطون أنها نفسها نيث الليبية، وقد سميت أعظم مدينة إغريقية إلى هذه الربة الأمازيغية أثينا. أما تأثير هذه الربة في بلاد الأمازيغ يتجلى في ما يعتقده البعض من أن تونس قد سميت نسبة إلى هذه الربة تانيث، بحيث أن الأسم القديم لتونس كان هو تانيس مما جعلهم يعتقدون أن الإسم مجرد تحريف للثاء إلى السين. ويرجح المؤرخون أن هذه الربة قد عبدت في تونس الحالية حول بحيرة تريتونيس حيث ولدت وحيث مارس الأمازيغ طقوسا عسكرية أنثوية تمجيدا لهذه الربة.
إلى جانب هذه الآلهة عبد الأمازيغ أيضا الشمس وهو ما ذكره هيرودوت وابن خلدون كما مارسوا العبادة الروحية التي تقوم على تمجيد الأجداد كنا أشار إلى ذلك هيرودوت.
من خلال نقوشات موجودة في شمال أفريقيا يتبين أن اليهود قد عاشوا في تسامح مع القبائل الأمازيغية. يرجح أن اليهود نزحوا أول الأمر مع الفينيقيين إلى شمال إفريقيا ويذكر ابن خلدون أن قبائل عديدة من الأمازيغ كانت تدين باليهودية قبل الفتح الإسلامي وبعضها بقي على هذا الدين بعد الفتح.
آمن الأمازيغ أيضا بالديانة المسيحية ودافعوا عنها في محنتها من أمثال توتيلينونس وأرنوبيوس، كما برز أوغسطين كأحد أعظم آباء الكنيسة. وآمن الأمازيغ أيضا بالديانة الاسلامية وجاهدوا في نشرها حتى أن أول المسلمين الذين فتحوا الأندلس كانوا في معظمهم أمازيغ بقيادة الشاب الأمازيغي طارق ابن زياد.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AFAFF60F-D439-47A0-AA3B-D9CFB8B0E70D.htm

رامي
14/06/2007, 07:00 AM
بقاء الأمازيغية.. مطلب ديني وضرورة حضارية

تتوزع المواقف والرؤى المطروحة بشأن الحفاظ على الأمازيغية إلى اتجاهين رئيسيين، ما بين مؤيد وداع للدفاع عن اللغة الأمازيغية، أو رافض معلن العداء لكل ما يتعلق بالمسألة الأمازيغية.
فالمسألة الأمازيغية بالنسبة لمعسكر الرافضين ليست أكثر من قضية مفتعلة، ولا تستحق أي اهتمام. وقد يصل بهم الأمر -الرافضين- إلى حد اتهام دعاة الأمازيغية بالعمالة لبعض الدوائر السياسية والثقافية في الغرب، وغالبا ما يتعامل هؤلاء الرافضون للشأن الأمازيغي مع الشعوب الأمازيغية، وكأنها لا تملك تاريخا يميزها عن غيرها، وكأنها عارية من كل ثقافة أو خصوصية؛ وكأني بهذا المعسكر الرافض يريد لهذه الشعوب أن تنسى -أو تتناسى- ذاكرتها الجمعية والتاريخية؛ وهي التي ساهمت في استمرار هذه الشعوب في الوجود والعطاء على مر القرون!.
أما بالنسبة لمعسكر المدافعين عن أفكار الاتجاهات الأمازيغية فيلاحظ -دون عناء جهد- في خطابها طغيانا كبيرا للغة "اللعب على عواطف الناس".. وغلبة لخطاب القوة على حساب قوة الخطاب؛ إذ يمكن اختزال أغلب خطاباته في مجموعة من المواقف والشعارات التي تشير إلى التهميش الذي يتعرض له الأمازيغ، وجملة من الإنشاءات التي تعتبر العرب طليعة من المستعمرين وظفوا الدين الإسلامي لأغراض قومية استعمارية، وبالتالي كان لزاما عليهم أن يرحلوا من تلك البلدان التي استعمروها وإعادتها للشعوب الأمازيغية الأصلية والأصيلة!!
وغالبا ما يشار في أدبيات هذا الفريق إلى سياسة التعريب باعتبارها تستهدف بالدرجة الأولى سحق الهوية الثقافية الأمازيغية، وصهرها في الذات العربية؛ خاصة المشرقية.
وباستثناء طائفة من الجهود العلمية / الأكاديمية والمعرفية / الثقافية القليلة التي تناولت المسألة الأمازيغية بالبحث والتحليل والرصد، تبقى معظم الإنتاجات "الفكرية" الأمازيغية مجرد جملة من التحريضات على "الآخر" العربي بالأساس، المغتصب لأرض وثقافة شعب أمازيغي عريق مغلوب على أمره.
وتهدف هذه الورقة إلى تقرير بعض الأمور باختصار، وما ورد فيها من إشارات غير خاضع لترتيب منهجي، إنما راعينا في الترتيب الهم الفكري الذي يسكن هذه الإشارات، ومن ثم فقد يتداخل بعضها في بعض؛ لأننا أمام موضوعات يستحيل فيها الفصل الكلي.
التنوع اللغوي من مطالب التوحيد
بداية، ينبغي اعتبار الدفاع عن اللغات واللهجات المختلفة مطلبا إسلاميا بامتياز؛ فليس من أخلاق المسلم أن يترك مجموعة من اللغات والألسن تنقرض، بل المطلوب أن يحافظ على التنوع اللغوي عن طريق تطوير اللغات التي كتب لها البقاء، وإنقاذ تلك التي تقف على حافة الانقراض، وإحياء تلك اللغات التي لسبب أو لآخر انقرضت بالفعل.
وبيان ذلك، أن جوهر الإسلام الأساسي هو التوحيد؛ فالمرجعية الإسلامية هي مرجعية توحيدية، والنص القرآني يعتبر التفكر في آيات الله (في الآفاق والأنفس..) من أبرز السبل الموصلة إلى توحيد الله عز وجل، والمسلمون مطالبون بالعمل على تعبيد الناس لله تعالى (أي ترسيخ عنصر التوحيد في أنفسهم وتجذيره في عقولهم)، وبالتالي لا مناص من استعمال هذه الآيات بغية الوصول بالناس إلى هذا الهدف النبيل، فكلما كانت آيات الله الكثيرة بارزة للناس قريبة منهم كان احتمال اعتناقهم وانخراطهم في دائرة التوحيد احتمالا كبيرا وراجحا.
ومن المنطقي إذا سلمنا بهذا الكلام، أن يحرص الإنسان المسلم على بقاء هذه الآيات؛ إذ إنه -بحساباته التوحيدية- ليس من مصلحته أن تختفي أو تنقرض هذه الآيات، فإذا ما حصل هذا الأمر فالمسلمون بمنطقهم التوحيدي مطالبون بإظهار هذه الآيات إذا اختفت، وبإحيائها إذا ما قذف بها في عالم الانقراض والزوال والنسيان.
ولعل من أبرز الآيات التي ذكرها الكتاب العزيز اختلاف الألسن -أي اللغات واللهجات- يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ} (الروم: 22).
فعندما تشير هذه الآية الكريمة إلى أن من آيات الله اختلاف الألسن فهذه دعوة إلى توظيف كل الإمكانات التي يوفرها عصر من العصور وزمن من الأزمنة في إظهار هذه الآيات إلى الناس بالشكل الذي يجعلهم يتجاوبون مع خطاب "الإظهار"، والآية الكريمة وإن جاءت في معرض الإخبار، فإن مفهومها يقتضي العمل على تحويل هذه الآيات إلى خطاب، أو بتعبير آخر التفكير في إيجاد آليات كفيلة بجعل هذه الآيات (اختلاف الألسن في حالتنا) تقوم بدورها في جعل الناس تلتف حول التوحيد ومرجعية التوحيد.
وفي اعتقادي، فإن تعاملنا مع اللسان الأمازيغي ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار ما سبق ذكره.
اللغة العربية اختيار ذاتي
إن الإسلام في تجربته التاريخية لم يفرض على الشعوب الأخرى -غير العربية- اللغة العربية ولم يلزمهم بتعلمها. فقد كان الدفاع عن اللغة العربية وعن تعلمها وتعليمها مطلبا ذاتيا اختصت به هذه الشعوب ولم يلزمهم أحد بنهج هذا السلوك الذي يجعل الارتباط باللغة العربية ارتباطا بالمقدس (الوحي)؛ وبيان ذلك أن شعوبا كثيرة -دخلت في الإسلام- استهوتها قيم الإسلام قبل أن تستهويها لغة الإسلام؛ فالتفت -هذه الشعوب- حول تلك الأخلاق الفاضلة التي حملها الإسلام إليهم. فالتعلق باللغة العربية كان يمر على الدوام عبر التعلق بقيم الإسلام الخالدة وتصوراته الفاضلة.
واستمرار الشعوب الأمازيغية المسلمة في التعلق بلسانها الأمازيغي يمكن اعتباره أكبر دليل على أنه ليس من شرط انتشار الإسلام القضاء على الثقافات الأخرى أو إحالة لغاتها على التقاعد كما يقال.. كما هو شأن بعض الحضارات الأخرى.. كالحضارة الغربية التي علمنا تاريخها -خاصة الحديث والمعاصر- أنها لم تستطع أن تهيمن على العالم انطلاقا من فكر ذاتي يستهوي الناس، بل هيمنت وسادت عن طريق إبادة حضارات بأكملها وتدمير ثقافات بأجمعها!.
ويجدر بنا في هذا الصدد أن نذكر بأن الأمر لم يقتصر عند الشعوب الأمازيغية بالمحافظة على لسانها في التداول اليومي فقط، بل عبرت بهذه اللغة على كثير من أساسيات الإسلام؛ فنجد -على سبيل المثال- كتبا في الفقه وكتبا في الأصول باللغة الأمازيغية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد إنما أصبح المجتمع بأكمله تقريبا يعبر عن الإسلام بلغته الأمازيغية وبطريقته الخاصة؛ كما تجلى هذا الأمر في طائفة من الأمثال الشعبية وجملة من القصائد الشعرية.
وما أشرنا إليه هو الذي يفسر لنا لماذا كان غير العرب أكثر الناس خدمة للإسلام وعلومه، وهذا ما يقرره -صادقا- ابن خلدون في مقدمته الفريدة من أن العجم (يقصد غير العرب) خدموا علوم الإسلام أكثر من العرب؛ بل إن منهم من حقق قفزات نوعية باللغة العربية وساهم في خدمتها وتطويرها، كابن أجروم الأمازيغي صاحب متن الأجرومية أشهر المتون في النحو، على سبيل المثال لا الحصر.
الخط الفكري بوصلة اللغة الأمازيغية
الأولوية للغة الأمازيغية (تعلما وتعليما وتداولا) لا يعني حتما -كما يظن البعض- حتمية امتلاك مفاتيح التقدم والنهوض في مجالات الحياة المختلفة. بل لا بد أن تكون هذه اللغة حاملة ومعبرة عن فكر/تصور معين، والمقصود بالتصور هنا نظرة كل جماعة بشرية إلى الحياة والكون والإنسان؛ فاللغة تشتغل بناء على منظومة معرفية معينة؛ فالشعوب كما الجماعات يصعب توحيدها -إن لم نقل يستحيل- بناء على توحيد لغتها فقط دون أن تكون هذه الشعوب والجماعات موحدة على مستوى جملة الإجابات التي تقدمها للأسئلة النهائية/الوجودية التي هي مقدمة ضرورية وأساسية لتأسيس تصور ما وبناء رؤية ما.
ويؤسفنا أن نقرر في هذا الصدد أن الحركات (الثقافية) الأمازيغية لا تملك إلى حد الآن خطا فكريا/تصوريا واضحا!.
من جانب آخر، أميل إلى القول بأن إيصال الكثير من الأساسيات المتعلقة بالنهوض والتقدم يتطلب، في البلدان التي فيها نسبة كبيرة من الأمازيغ، صياغة خطاب فكري وثقافي يركز على اللغة الأمازيغية بشكل كبير. ولكن شريطة ألا يتصادم ذلك مع المقومات الثقافية والحضارية للشعوب التي نخاطبها؛ لأننا قد نجد نسبة كبيرة من الشعوب الأمازيغية لا تجيد اللغة العربية أو على الأقل لا تجيد العربية بشكل كبير؛ فكان من الضروري مخاطبتها باللسان الذي تفهمه.
وإن قوة المجتمع والجماعات البشرية تكمن في التعبير على ذاكرتها الجمعية وتصوراتها المشتركة انطلاقا من التعدد الثقافي واللغوي الذي يميز كل جماعة عن جماعة أخرى. وفي مجتمع يتميز بتعدد لغوي وتنوع ثقافي يعتبر من الانتحار الثقافي أن نلزم كل الوحدات البشرية أن تعبر على ذاكرة المجتمع الثقافية والعقدية انطلاقا من لسان لغوي واحد، أو انطلاقا من عادات ثقافية واحدة!.
فلا ضير -مثلا- بل من اللازم أن تكون هناك إنتاجات مختلفة في مجال الفن، بألسن مختلفة وثقافات متعددة، وأعني هنا الثقافة بمعناها الأنتروبولوجي، أي ما يميز جماعة بشرية على أخرى في مجال العادات والأعراف.. وليس بمعناها الفكري الذي يشير إلى مجموعة من السمات الفكرية التي يشترك فيها جميع أعضاء تلك الجماعة وإن تعددت تعبيراتهم وترجماتهم لهذه السمات والرؤى.
لقد تعلمنا من تاريخ الكثير من الجماعات التي أطرتها مرجعية فكرية واحدة، وفي الوقت نفسه عرفت تعددا لغويا وتنوعا ثقافيا؛ علمنا هذا التاريخ مدى قدرة هذه الجماعات الموحدة/المختلفة على إنتاج مجموعة من الرموز وفيها قدر كبير من الإبداع الذي يشير إلى إمكانية التعبير بامتياز على المتفق عليه (المرجعية النهائية) انطلاقا من المختلف فيه (لغات-عادات-نفسيات...).
فبناء المساجد ودور العبادة يتنوع من منطقة إلى أخرى في طول وعرض العالم الإسلامي؛ فهناك السمت الصيني في مساجد مسلمي الصين المدببة، وهناك السمت الماغولي والهندي في مساجد جنوب شرق آسيا، وهناك التمايز الفني الراقي بين معمار العثمانيين ومعمار الفرس المسلمين والمماليك وفي الأندلس والمغرب، وهذا التنوع الشديد في الفن المعماري يعكس من جهة تنوع واختلاف الشعوب الإسلامية، ولكن وفي الوقت نفسه وحدة المضامين والأبعاد المعمارية التي تجعل الأمة الإسلامية واحدة موحدة.
وقد تجلى هذا الأمر في مجالات متعددة من الحياة؛ ففي مجال الأفراح نجد اختلافا كبيرا في طريقة التعبير على الأفراح، مع وجود سقف إسلامي مؤطر من خطبة وعقد نكاح ووليمة تتمظهر في أشكال متنوعة تعكس تنوع المجتمعات الإسلامية. وفي مجال التعاون أبدعت كل جماعة لغوية/ثقافية أسلوبا معينا في التعبير على هذا الخلق النبيل، وفي مجال إحياء بعض المناسبات الدينية نجد أن هناك اختلافا في إقامتها، بل حتى في مجال الأكل قد يكون هناك تمايزات متعددة في طريقة تحضير الطعام.
وبناء على هذا فلا يمكن أن نناقش بجدية وعمق القضايا والإشكاليات المتعلقة بالأمازيغية، وسيظل نقاشنا وحوارنا عديم الجدوى ما لم نتطرق للحديث عن المرجعية العليا التي تؤطر -أو ينبغي أن تؤطر- المجتمع.
والمقصود بالمرجعية العليا (أو المرجعية النهائية كما يسميها عبد الوهاب المسيري، أو الثابت الفكري كما يسميها محمد عمارة) تلك الأرضية الفكرية والتصورية التي يقف عليها مجتمع ما، وتحدد له نظرته إلى الوجود، وموقفه من الدين، ومدى إيمانه بوجود مطلقات وقيم تتجاوز الأرض وتعانق السماء، وعلاقته وموقفه من الآخر الذي يخالفه في المنطلقات والمبادئ.. فعندما تتضح هذه الأرضية فإن كل مقاربتنا للمسائل اللغوية والقومية ستكون جلية واضحة.
فمثلا -على سبيل المثال- عندما نناقش الموقف الصحيح من مسألة تدريس اللغة الأمازيغية والتدريس بها، لا يمكن حسم مثل هذه المسائل على طريقة "مع أو ضد"؛ لأن المشكلة هنا تتعلق بتحديد مرجعية المجتمع النهائية والأرضية التي يقف عليها من أجل معرفة طبيعة الأفكار التي يتعين للغة الأمازيغية أن تحملها معها قصد إيصالها إلى المجتمع ومخاطبته بها.
فإذا كان من المشروع أن نختلف حول البرامج الثقافية والأولويات العملية التي يتعين على المثقفين نهجها في تعاملهم مع الواقع الإسلامي.. فإنه -في المقابل- من غير المشروع أن نختلف حول المرجعية التي ينبغي أن تراعى أثناء صياغة البرامج وتعيين الأولويات.
ومن نافلة القول أن نشير في هذا الصدد إلى أن تعدد المرجعيات/الأرضيات في مجتمعنا العربي والإسلامي يمكن اعتباره أكبر عائق يحول دون تحقيق النهوض المنشود بالشعوب العربية والإسلامية.. فإذا كان من الضروري أن نتعدد بعد أن نوحد المرجعية الفكرية النهائية للدولة والمجتمع والنخب الثقافية، فإنه من قبيل الانتحار الثقافي أن تتعدد المرجعيات النهائية!.
الأمازيغية مطلب حضاري
يعتبر الدفاع عن اللغة الأمازيغية شأنها شأن سائر اللغات من أوجب الواجبات الفكرية المطلوبة في عصرنا الحاضر.. بسبب ما نشهده من سعي غربي حثيث لتنميط العالم وتغريبه، والقضاء على كل الخصوصيات اللغوية والتمايزات الثقافية.
فدفاعنا عن التعدد اللغوي والتنوع الثقافي نابع من اعتقاد مفاده أن المستهدف من عمليات التغريب وأساليب التنميط، ليس المسلمون فقط، بل المستهدف هو الإنسان – مطلق الإنسان. والوقوف إلى جانب اللغة الأمازيغية ينبغي أن يندرج ضمن هذا الإطار.
وفي الوقت نفسه نرى أن اختيار اللغة العربية لتكون لغة الرسالة الخاتمة والخالدة أمر ينبغي أن نتوقف عنده مليا. لأن هذا الاصطفاء يدل على أن هذه اللغة تتوفر من الخصائص والسمات ما يمكنها من ملامسة كل آمال الإنسانية وآلامها المختلفة.
فالخلود يشير إلى أن القرآن الكريم قادر على معالجة الانحرافات البشرية في مختلف أطوارها، وكيفما كانت طبيعتها.. وهذا الأمر يتطلب لغة في مستوى القيام بهذه المهمة؛ أي لغة تحمل في بنيتها الداخلية قدرة كبيرة تمكنها من مخاطبة الناس بالمبادئ والرؤى التي تحملها هذه اللغة.
بكلمة أخرى، إن خلود النص القرآني يناسبه لغة في مستوى قدرة هذا النص على الخلود ومعانقة آمال وآلام الإنسانية؛ لأن النص القرآني معني بالإجابة ليس على الأسئلة النابعة من عمق الواقع الإسلامي فحسب، وإنما أيضا على الأسئلة الوجودية التي تؤرق الإنسانية.
وعلاقتنا -نحن المسلمين- المتميزة مع اللغة العربية نابعة من اعتقادنا أن هذه اللغة اصطفاها الله تعالى لتكون لسان الرسالة الخاتمة القادرة على إعادة المعنى لحياة الإنسان وتعميقه في نفسه وسلوكه.
فلا يمكن أن نفصل بين علاقتنا بالإسلام (الدين والرسالة) بخصائصه التي تشير إلى عالميته وخلوده وإنسانيته.. وبين علاقتنا باللغة العربية.. فالفصل مستحيل.. والله أعلم.
http://www.islamonline.net/arabic/ar...rticle04.shtml