المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علامات من مجتمع المعلومات 1



سمير بسباس
15/06/2007, 08:35 PM
العلم والتكنولوجيا إلى أين ؟
هل التكنولوجيا محايدة؟ هل من الجائز نقد التكنولوجيا والحال أنّها تفتح لنا كلّ يوم مجالات أوسع وتدعّم قدراتنا على التحكّم في الكون والطبيعة ومجابهة المصاعب كما أنّها توفّر لنا آلات وأدوات دقيقة وتساهم في تطوير كلّ القطاعات وتنعكس فوائدها على كلّ مجالات الحياة اليوميّة؟ التاريخ يبيّن لنا أنّه كلّما برزت تقنية جديدة إلاّ وتعالت أصوات بعض المعارضين الذين يرفضون التقدّم ويحنّون إلى العهود الغابرة. أليس قدر التكنولوجيا أن تتطوّر في صراع متواصل مع هذه التيارات التي يعيش أصحابها على هامش المجتمع والتّاريخ؟
معظم الأيدولوجيات من اليمين إلى اليسار من الليبرالية بجميع مكوّناتها إلى الماركسيّة بمختلف فروعها قد مجّدت التكنولوجيا واعتبرتها محايدة وكلّها بحثت عن التقدّم. "من كلّ حسب طاقته ولكلّ حسب حاجته" (ماركس). هدف المجتمع الشيوعي هو تحقيق الرخاء وتلبية كلّ الحاجيات وصولا إلى مجتمع الوفرة، كلّ ذلك بفضل العلم والتكنولوجيا.
نحن اليوم في عصر المعلومات ومجتمع المعرفة وبصدد القطع مع مرحلة قديمة. نحن في مجتمع صناعة المعرفة. من يتحكّم في المعلومة يتحكّم في العالم. هل ننصهر؟ هل نتقبّل؟ هل نزاحم ونسابق؟ ثم هل مسموح لكلّ الشعوب بأن تلحق بهذه المسيرة الظافرة؟ كيف ستكون الكرة الأرضية لو تعمّم نمط الحياة الغربي على كامل بلدان العالم؟
أنتم ترفضون العلم والتقدّم وتعادون التكنولوجيا، إنّكم ظلاميّون ! تريدون أن نعود إلى العصور الحجرية؟ هكذا يتوجّه المدافعون عن المسيرة الحالية إلى حماة البيئة وإلى دعاة بديل التنمية.
ما هي الدّوافع الأساسيّة للبحوث العلميّة الحالية وتطبيقاتها التقنيّة؟ إنّها في المقام الأوّل التسابق من أجل ضمان الأرباح القصوى وتدعيم القدرات العسكريّة. لا تكترث البحوث العلميّة والتكنولوجية بالآثار الاجتماعية والبيئية والاقتصادية : تفكّك العلاقات الاجتماعية، الحيف الاجتماعي، فقدان المواطن لاستقلاله الذاتي، إهدار مصادر الطاقة، استغلال فاحش لبلدان الجنوب، القضاء على التنوّع البيولوجي، تلوّث المحيط وما ينتج عنه من تفشّي بعض الأمراض والقائمة تطول.
نحن نستعمل كلّ يوم عديد الآلات دون أن نعلم مصدرها والمواد التي تحتويها وطرق إنتاجها وتوزيعها. تتكفّل وسائل الدّعاية بتقديم هذه المواد والترويج لها. لمصلحة من تتطوّر هذه التقنيات؟ من يقرّر تخصيص الاستثمارات الضرورية لتطوير تقنية ما؟ من الذي يحدّد الأولويات والاختيارات؟ من يحقّ له تقييم هذه التقنيات، فوائدها وآثارها الجانبيّة؟
أنتم لا ترون سوى الجانب السلبي للتكنولوجيا والحال أن تاريخها حافل بالإنجازات الباهرة؟
فعلا لقد حققت التكنولوجيا إنجازات باهرة فلقد أصبحت الطائرات أكثر دقّة وتطوّرت تقنيات المراكب الفضائيّة كما أصبحت شاشات التلفزيون أكثر تسطيحا. خذوا على سبيل المثال طائرة الآرباص A380. لقد وقع إنتاجها سنة 2005 فهي أضخم طائرة تجارية وهي قادرة على حمل 800 مسافر وتبلغ طاقة حمولتها 560 طن. تحوي هذه الطائرة على خزّان للكيريزين تبلغ طاقته 310 ألف لترا. هي تنفث كميات كبيرة من الغازات التي لها دور أكيد في الاحتباس الحراري. خصّص 11 مليار يورو لتطوير هذه الطائرة. حسب منظمة يونيسيف Unicef يعادل هذا الاستثمار ما تحتاجه البشرية لتوفير الماء الصالح للشارب والتعليم والعلاج الأساسي لكلّ البشريّة. من ناحية أخرى تعرّض أربعون من العمّال المكلّفين بدهن هذه الطائرة إلى التسمم بمادة الكرومات والـ Glycol وقد ظهرت علامات اضطرابات في الكبد وتورّم وقروح والتهابات في الخسيتين.
إنّكم أعداء التقدّم: أتنكرون أنّ العلم والتكنولوجيا قد سمحا بإطالة معدّل الأعمار؟
فعلا لقد زادت معدّلات الأعمار ومكّنت التكنولوجيا الحديثة من إطالة عمر البشر وهذا خلال القرن الماضي. لكن المواطنين البالغين 80 سنة من العمر قد ترعرعوا في عالم لم تبلغ فيه درجة التلوث المستوى الحالي حيث كان استعمال المبيدات محدودا كما أن الماء والهواء لم يكونا معرّضين للتلوّث الذي نشهده اليوم. هل سيتمكّن المواطنون في سنة 2050 من بلوغ سن الثمانين؟
لقد بلغ تصنيع العالم حدّا بدأت تلوح معه الآثار السلبية على صحّة الإنسان وذلك ناتج عن ارتفاع نسبة الإصابة مجالات التسمّم الحاد والمزمن وبالحساسية وأمراض السرطان... . يجيب المدافعون عن التكنولوجيا : لكن الطب الحديث أصبح قادرا على معالجة هذه الأمراض بل وحتّى الوقاية منها بفضل تقنيات التشخيص الحديثة. لكن أليس أفضل أن نتجنّب المبيدات والاسبست والبنزان Benzène ومادة الكلور من ماء الحنفيات والإشعاعات النووية والملوثات الكيميائية؟ ثمّ ماذا يعني أن يمضي الإنسان جزءا من حياته في دار المسنين وفي عزلة نفسية تامّة؟ فليس المهم أن نعيش أطول مدّة ولكن أن نقضي حياة متوازنة.
لكن ألم تتحسّن ظروف الحياة بما توفّر من مرافق وظروف حياة أفضل ممّا كانت عليه في السابق؟
لقد تعمّمت المرافق في البلدان الصناعية (توفير الماء الصالح للشراب، التدفئة، الكهرباء، النقل،...). لكن هل يمكن تعميم نمط الحياة السائد في هذه البلدان؟ فلقد تحقق النمو الصناعي على حساب المصادر الطبيعيّة التي أهدرت بالخصوص طيلة الـ 150 سنة الماضية : مصادر طاقة، مناجم، الماء النقي، الأراضي الصالحة للزراعة، المحيط والهواء... لنتصوّر أنّ 6 مليار بشرا يستهلكون ما بين 200 و300 غراما من اللحم في اليوم (وهو معدّل استهلاك المواطن الأمريكي) و30 لترا من الماء في اليوم ويلقون 500 كيلو غراما من الفواضل المنزليّة كلّ سنة. لنتصوّر كميّة الغازات الملوّثة التي تنفثها السيارات لو عممنا هذه الأخيرة طبقا لمعدّلات الدول المصنّعة (أي 3 مليار سيارة). لنتصوّر 3 مليار جهاز تلفزة يقع تجديدها كلّ 5 سنوات. ما ذا سيكون مصير البشريّة؟ في الحقيقة سيؤدّي تعميم هذا النمط إلى القضاء النهائي على الكون والمحيط بخلاصة هو انتحار حتمي للبشريّة.
لكن لقائل أن يقول : أليس بإمكان التقنيات العصريّة أن تسمح بإنتاج أقل تلويثا للمحيط؟ فبفضل التقنيات الحديثة سنصبح قادرين على التوفيق بين التنمية المستديمة والحفاظ على المحيط؟
هناك اعتقاد سائد مفاده أنّه يمكن إيجاد حلول تقنية لكل القضايا الاجتماعية والبيئية من ذلك استعمال مصادر الطاقة المتجدّدة والتقنيات المقاومة للتلوّث ومراقبة تسرّبات الأشعّة النووية واستعمال تكنولوجيا النانو القادرة على تشخيص الأورام في بداية ظهورها ومن ثمّة القضاء عليها. في الحقيقة رغم التطوّر الحاصل في ميدان التقنيات وخصوصا التقنيات العالية والجديدة فإنّ كلّ ذلك لم يحل دون زيادة نسبة تلوّث المحيط. فكل تقنية جديدة تسمح بحلّ معضلة ولكنّها تخلق معضلات جديدة. لدرء هذه الآثار الجانبيّة نلجأ لتقنيات جديدة أكثر دقّة. على سبيل المثال تسمح الأسمدة بالرفع من الإنتاج الزراعي ولكنّها تلوث التربة والمياه التي تتطلّب معالجة لكي تصبح صالحة للشّراب تتسبّب عمليّة معالجة المياه في تراكم نفايات إضافيّة. إنّ تعميم التقنيات الأقل تلويثا للمحيط يسير بخطى متثاقلة ولا يواكب تراكم القضايا البيئيّة.
على سبيل المثال يمكن اختراع محرّك سيارة "نظيف" وغير ملوّث للمحيط ولكن الاستعاضة عن السيارات القديمة التي تعمل بمحرّك عادي يتطلّب وقتا طويلا. فهذه التقنيات الخاصّة بالتخلّص من التلوّث تعجز عن إنجاز مهمّتها بل إنّها تتسبّب هي الأخرى في تلوّث المحيط. فعلى سبيل المثال تلفظ محطات علاج المياه المستعملة خليطا من المواد التي تحتوي معادن ثقيلة ويقع التخلّص منها إمّا بدفنها أو بترويجها في الأراضي الزراعيّة او حرقها وكلّ هذه الطّرق تتسبّب في تلويث الهواء والتربة. إذن نحن إزاء تغير مواقع التلوّث. من ناحية أخرى تستهلك هذه التقنيات كميات كبيرة من الطاقة. بعض الآثار الجانبيّة السلبيّة للتكنولوجيا نهائية من ذلك آثار حادثة تشرنوبيل وتأثير المبيدات المتبقيّة وذوبان أكوام الثلج القطبيّة... بعض هذه الآثار لا يمكن التعرّف عليها إلاّ بعد سنين من استعمال التكنولوجيا. على سبيل المثال للتخلّص من مادّة الديكسين المتأتّية من حرق الفواضل المنزليّة وقع اعتماد مقاييس علميّة خاصّة بالأفران الحارقة. من بين هذه المقاييس الرّفع من درجة حرارة حرق الفواضل. لكن أليس من الجائز أن يتسبّب رفع درجة الحرارة في بروز مواد سامّة جديدة؟ من ناحية أخرى كلّما تقدّمت التكنولوجيا في مجال الحفاظ على البيئة إلاّ وتراجعت كلفة استعمال موارد الطاقة وهذا من شانه أن يوفّر مزيدا من المال الّذي يوظّف في الأسفار والتنقلات وبالتالي يساهم في تلويث المحيط.
يسود اعتقاد مفاده أنّ التكنولوجيا محايدة. هي ليست نافعة أو مضرّة. المهمّ هو كيف سنوظف هذه التقنية ! يتحكّم الإنسان في الآلة : فهو الذي يشغّل جهاز التلفزة ويمسك بمقود السيارة ويستعمل الحاسوب ويضغط على الأزرار. لا زال الإنسان يفكّر بينما تنفّذ الآلة ما يؤمر بها (إذا استثنينا تكنولوجيا النانو). لكن ما هي تأثيرات التكنولوجيا على الإنسان؟ هل يختلف سلوك الإنسان الذي يقود سيارة مع سلوك مواطن يركب درّاجة؟ ألا تهيّء التقنيات الجديدة (كالهاتف الجوّال والألعاب الالكترونّية) الإنسان لسلوكيّات جديدة؟ حياد التكنولوجيا ليس سوى وهما خادعا. فالتقنيات تجسّد قيما اجتماعيّة (وضعتها أجهزة الدّعاية ووسائل التعليم والإعلام وغيرها). فهي تكيّف أساليب نشاطنا ورغباتنا. هناك انعكاسات وتأثيرات جلية للتقنيات على كلّ المجالات كالصحّة، البيئة رغم أنّ الغالبية لا يكترثون بها. فمن الفجر إلى المساء تحيط بنا التقنيات والآلات الأكثر دقّة. منذ نعومة أظافرنا نتعلّم كيف نتعامل معها بصفة آلية ودون التفكير في نتائج هذا السلوك. من منّا يفكّر في تلوّث المحيط بمجرّد أن يشغّل محرك سيارته؟ من منا يتساءل عن الانعكاسات النفسية لجهاز التلفزيون؟
عند شراء حاسوب هل يخطر ببال أحد كيف وقع صنع هذه الآلة العجيبة وما هو مصيرها بعد سنين من استعمالها؟ كلّ هذه الجوانب تتغاضى عنها وسائل الدعاية والإعلام بما في ذلك القضايا الأخلاقيّة والسياسيّة التي تطرحها هذه التقنيات.
حتّى وإن قبلنا بأن التقنيات ما هي سوى أداة يمكن توظيفها في اتجاه أو آخر أليس من الجائز أن نتساءل عن طبيعة المشروع المجتمعي الذي يقف وراء إنتاج مثل هذه التقنيات؟ لمصلحة من نطوّر تقنية ما؟ ما هي الأهداف من ذلك؟ من يتكفّل بمراقبتها؟ في الحقيقة أنّ دراسة خاطفة للتقنيات الجديدة تبرز أن الغايات الأساسية منها كانت إمّا عسكريّة أو مرتبطة بضرورة إحكام المراقبة للمواطنين أو تدعيم هيمنة بعض المؤسسات العالميّة.
كلّ تقنية قابلة لأن توظّف لغايات غير تلك التي صنعت من أجلها. منذ البداية كان واضحا انّ البحوث الجينيّة يمكن أن توظّف لأهداف أخرى كالاستنساخ والتحوير الجيني تماما كما أن النانوتكنولوجيا تقدّم الأدوات الضروريّة لإحكام مراقبة المواطنين والتأثير في تصرّفاتهم كما أنّ الدّراسات العلميّة الخاصّة بالنوم قد وظّفت لصنع مواد تجعل الجنود يسهرون طول الليل. كلّ المشاريع التقنية المدنيّة قابلة لان تستعمل في الأغراض العسكريّة بل إنّ العديد من التقنيات الحديثة قد تطوّرت بعلاقة بالقطاع العسكري. معظم السياسيّين والمسؤولين الإداريّين ورجال التخطيط يعتبرون أنّ البحوث التكنولوجية من شأنها أن تدعّم الابتكار الذي يساهم في تدعيم القدرة التنافسيّة للمؤسّسة وبالتالي توفّر نموّا وإمكانيات جديدة للتشغيل. لكن أي مواطن شغل؟ لإنتاج ماذا؟ لمصلحة من؟ ما هي انعكاسات هذا الإنتاج؟ ما هي الفائدة الاجتماعية من ذلك؟ من يقوم بإدارة عمليّة الإنتاج ويتحكّم في شروطها؟ ما هي مقاييس الإنتاج؟ أي مجتمع نبتغي؟
في فرنسا تبلغ إنتاجيّة العامل الفرنسي المرتبة الثالثة عالميا ولكنه يحقق الرقم القياسي العالمي في استهلاك الأدوية المضادة للانهيار العصبي والمهدّئات والأقرصة المنوّمة (مواطن من أربعة يتعاطون هذه الأدوية بمعدّل استهلاك سنوي يقارب 15 مليون علبة دواء).
كلّ يوم نتعرّض إلى مختلف وسائل الدعاية الإشهاريّة من ومضات تلفزيّة ومعلّقات إشهاريّة على الجدران وفي الطّرقات وفي حاويات الرّسائل والأنترنيت... ستنهار المؤسّسات الصناعيّة لو كفّ المواطن عن شراء المنتجات التي تتطوّر كلّ يوم. فعلى سبيل المثال تعرف صناعة الهواتف المحمولة تطوّرا وكلّ يوم تظهر علامات جديدة وتصبح هذه الآلة أكثر دقّة وتجهّز بأحدث التقنيات : شاشات – آلات تصوير... هذه سنّة التقدّم ولا بدّ للمؤسّسات مسايرة هذا التوجّه حتّى تتمكّن من البقاء وفرض منتجاتها في السوق. أصبحت وسائل الدعاية جزءا لا ينفصل عن النشاط الاقتصادي لهذه المؤسّسات. فهي تكيّف إلى حدّ بعيد "حاجيات المواطن". بل لقد أصبحت بعض المؤسسات تخصّص أكثر من نصف ميزانيتها في الدّعاية. تعمد المؤسّسات المختصّة في صنع المواد الالكترونيّة وآلات المراقبة إلى التأثير على الأوساط السياسيّة بل هي تقترح على الدّولة إدراج موضوع الأمن والأمان في برنامج تعليم الأطفال في المدرسة وروضات الأطفال حتى يشبّ الطفل على قبول هذه التقنيات
من بين العلامات البارزة التي ميّزت العقود الأخيرة والمتعلّقة بالابتكار التكنولوجي تعميم تقنيات دون اعتبار الغالبيّة منها فتعميم الزراعات المحرّرة جينيّا وبناء المفاعلات النووية وتطوير البحوث المتعلّقة بالنانوتكنولوجيا بهدف تعميمها كلّ ذلك لم يخضع إلى استشارة مسبقة أو إعلام رغم أنّ جزء هاما من المواطنين أصبح يتوجّس ريبة من هذه التقنيات ويرفضها. لقد برزت خلال العقود الأخيرة لجان الأخلاق العالمية لتهدئة حواطر المواطنين. لكن أعضاء هذه الهيئات عادة ما يكونون من المتحمّسين لهذه التقنيات بل أنّ غالبيتهم يرتبطون بألف خيط بالمؤسّسات الصناعيّة ومراكز البحوث التكنولوجية. إنّها سياسة الأمر المقضي التي تميّز السباق المحموم حول التقنيات الجديدة.
ماذا يقدر الإنسان على فعله أمام هذا التطوّر الهائل للتقنيات الحديثة؟ ما يقدر أن يفعل أمام ارتباط هذه المؤسسات بالقطاع العسكري والدوائر السياسية ذات النفوذ؟ هل يقبل بحالة الفصام بين خبراء وعلماء ومختصّين وسياسيين يقرّرون وبين غالبيّة تتقبّل وتقبل؟ هل سيقتصر دور المواطن في اختيار لون سيارته العصرية وماركة هاتفه الجوال؟ هل يثق في الخبراء والعلماء في عصر عرف انتشار مرض جنون البقر وأنفلونزا الطيور والأمراض التي تسبّبها المبيدات ومواد سامّة كالبنزان والاسبست والفتالات والمعادن الثقيلة والنفايات النويية والمواد الملوثة للطعام والهواء والتربة؟ هل يقف مكتوف الأيدي أمام أحداث ككارثة تشرنوبيل وبوبال وتلوث البحار بالنفط وتقلّص طبقة الأوزون وارتفاع حرارة المحيط؟ أم أنّ لكل معضلة حل تقنيّ؟
من الواضح أنّ التقنية لن تقدر على حلّ كلّ هذه القضايا. فالبشريّة بحاجة لرؤية جديدة ترسّخ العلوم والتقنيات في المجتمع وتعيد الاعتبار لدور المواطن في الاختيارات التقنية لا عن طريق الممثلين السياسيين ولكن بالمساهمة المباشرة في مواقع العمل والسكن ومختلف الأطر والمجالات.