المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استخدام القوة



Prof. Ahmed Shafik Elkhatib
31/10/2006, 03:24 PM
استخدام القوة
للكاتب الأمريكي ويليام كارلوس ويليامز

كانوا مرضى جدداً بالنسبة لي ، كل ما أعرفه عنهم هو الاسم ، أولسون. من فضلك احضر إلينا بأسرع ما تستطيع ، ابنتي مريضة جداً.
وعندما وصلت قابلتني الأم ، وهي امرأة ضخمة الجسم تبدو عليها أمارات الحيرة ، ذات مظهر نظيف ولهجة معتذرة واكتفت بقولها هل أنت الطبيب ؟ ثم دعتني إلى الدخول. وفي الجزء الخلفي من المنزل أضافت : لابد أن تعذرنا يا دكتور إذ أننا وضعناها في المطبخ حيث المكان دافئ. إن الجو رطب جداً هنا أحياناً.
وكانت الطفلة في كامل ملابسها وتجلس على حجر أبيها قرب مائدة المطبخ. وحاول النهوض ، ولكني أشرت إليه ألا يزعج نفسه ، وخلعت معطفي وأخذت في النظر حواليّ. واستطعت أن أرى أنهم كانوا جميعاً في حالة عصبية ، وينظرون إليَّ من قمة رأسي إلى أخمص قدمي بطريقة تنم عن عدم الثقة. وكما يحدث كثيراً في مثل هذه الحالات ، فإنهم لم يخبروني بأكثر مما كان يجب عليهم أن يخبروني به ، فقد كانت مسئوليتي أنه أخبرهم أنا ؛ وهذا هو السبب في أنهم كانوا ينفقون ثلاثة دولارات عليّ.
وكانت الطفلة تكاد تأكلني بعينيها الباردتين الثابتتي النظرة وبلا أي تعبير على وجهها على الإطلاق. ولم تتحرك وبدت هادئة داخلياً ؛ وكانت فتاة ضئيلة الحجم جذابة بصورة غير عادية ويدل مظهرها على أنها في مثل قوة بقرة صغيرة. ولكن وجهها كان محتقناً ، وكانت تتنفس بسرعة ، فأدركت أنها كانت تعاني من حمى شديدة. وكان لها شعر أشقر رائع غزيـر. واحدة من هؤلاء الأطفال الذي تظهر صورهم كثيراً في نشرات الإعلان وفي القسم الذي تتم صوره عن طريق الحفر الضوئي في صحف يوم الأحد.
وكانت قد عانت ومازالت من الحمى لمدة ثلاثة أيام ، هكذا بدأ الأب كلامه ، ولسنا نعرف من أي شيء. وقد أعطتها زوجتي بعض الأشياء ، كما تعلم ، مثلما يفعل الناس ، ولكن هذا لم يُفد بشيء. وهناك كثير من المرض منتشر حولنا. لذلك فقد ظننا أنه من الأفضل أن نكشف عليها وأن تخبرنا بالأمر.
وكما يفعل الأطباء كثيراً حاولت أن أشخص المرض مبدئياً كنقطة بداية ، فقلت هل تعاني من ألم في حلقها ؟
وأجاب كلا الوالدين في نفس واحد : لا … لا ، إنها تقول إن حلقها لا يؤلمها.
هل يؤلمك حلقك ؟ أضافت الأم موجهة كلامها للطفلة. ولكن تعبير الطفلة الصغيرة لم يتغير كما أنها لم تحرك عينيها بعيداً عن وجهي.
هل نظرتم ؟
حاولت ذلك ، قالت الأم ، ولكني لم أستطع أن أرى. وقد تصادف أنه كان هناك عدد من حالات الدفتيريا في المدرسة التي تذهب إليها هذه الطفلة خلال ذلك الشهر ، وكنا جميعاً ، على ما يبدو ، نفكر في ذلك ، بالرغم من أن أحداً لم يكن قد تكلم بعد عن هذا الأمر.
حسناً ، قلت ذلك ، فلنلق نظرة على الحلق أولاً. وابتسمت بأفضل طريقة مهنية وسألت الطفلة عن اسمها. ثم قلت هيا يا ماتيلدا ، افتحي فمك ودعيني أنظر إلى حلقك.
ولم يحدث أي شيء.
أوه ، هيا ، شجعتها قائلاً ، فقط افتحي فمك عن آخره ودعيني أنظر. انظري ، قلت ذلك وأنا أفتح كلتا يديَّ مباعداً بينهما ، ليس معي أي شيء في يديَّ. فقط افتحي فمك ودعيني أرى.
ياله من رجل لطيف ، تدخلت الأم. انظري كم هو لطيف معك. هيا ، افعلي ما يقوله لك. إنه لن يؤذيك.
عند هذا الحد صررت على أسناني في استياء. آه فقط لو لم يستخدموا كلمة "يؤذي" لكنت استطعت أن أصل إلى شيء. ولكنني لم أسمح لنفس بأن أتعجل أو أنزعج ، ولكن تحدثت بهدوء وببطء وأنا أقترب من الطفلة مرة أخرى.
وعندما اقتربت بمقعدي منها قليلاً ، فجأة وبحركة واحدة تشبه حركة القطط أخذت كلتا يديها تنشبان بصورة غريزية في عينيَّ وكادت تصل إليهما. وفي حقيقة الأمر فقد اصطدمت بنظارتي فجعلتها تطير وتسقط ، بالرغم من أنها لم تنكسر ، لمسافة عدة أقدام بعيداً عني على أرض المطبخ.
وكاد الأم والأب يقتلان نفسيهما من الحرج والاعتذار. أيتها البنت المؤذية ، قالت الأم ، وهي تمسكها وتهزها من ذراع واحدة. انظري ماذا فعلتِ ؟ الرجل اللطيف …
بحق السماء ، صحت فيها. لا تدْعيني رجلاً لطيفاً لها. إنني هنا لكي أفحص حلقها خشية أن تكون مصابة بالدفتيريا ومن المحتمل أن تموت بسببها. ولكن هذا لا يعني شيئاً بالنسبة لها. انظري هنا ، قلت للطفلة ، إنني سأنظر إلى حلقك. أنت كبيرة بما فيه الكفاية لكي تفهمي ما أقوله. هل ستفتحين فمك الآن من تلقاء نفسك أم أنني سأضطر لفتحه لك ؟
لا حراك. حتى تعبير وجهها لم يتغير. وكانت أنفاسها مع ذلك تلهث أسرع فأسرع. ثم بدأت المعركة. وكان لابد من أن أخوضها. لقد كان لابد من عمل مزرعة للحلق من أجل حمايتها. ولكنْ في بداية الأمر قلت للوالدين إن الأمر كان متروكاً لهما كليةً. وشرحت الخطر ولكن قلت إنني لن أصر على فحص حلقها طالما أنهم كانوا سيأخذون الأمر على مسئوليتهم.
إذا لم تفعلي ما يقوله الطبيب سوف تضطرين للذهاب إلى المستشفى ، حذرتها الأم بشدة.
حقاً ؟ وكان لابد من أن ابتسم لنفسي. فبالرغم من كل شيء كنت قد وقعت بالفعل في حب الطفلة العنيدة ، وكان الوالدان جديرين بازدرائي. وفي الصراع التالي أصبحا أكثر انهزاما ، منسحقين ، ومنهكي القوى بينما هي تصل بالتأكيد إلى ذرى شاهقة من الغضب المجنون والجهد النابع من رعبها مني.
وبذل الأب قصارى جهده ، وقد كان رجلاً ضخماً ، ولكن كونها ابنته ، وخجله من تصرفها ، وخوفه من أن يؤلمها ، كل هذا جعله يطلقها في اللحظة الحرجة تماماً عدة مرات عندما كدت أحقق النجاح ، حتى أنني شعرت برغبة في قتله. ولكن خوفه أيضاً من أنها ربما تكون مصابة بالدفتيريا جعله يطلب مني الاستمرار ، الاستمرار بالرغم من أنه هو نفسه كاد يغمي عليه ، بينما كانت الأم تتحرك جيئة وذهاباً خلفنا وهي ترفع يديها وتخفضهما في عذابها من الخوف.
ضعها أمامك على حجرك ، أمرت بهذا ، وأمسك بكلا رسغيها.
ولكن بمجرد أن فعل ذلك أطلقت الطفلة صرخة. لا تفعل. إنك تؤلمني. أطـلق يديَّ. اتركهما، أقول لك. ثم صرخت صرخة مخيفة ، بهستيرية. كف عن هذا ! كف عن هذا ! إنك تقتلني !
هل تظن أنه بإمكانها تحمل ذلك ، يا دكتور ! قالت الأم . أخرجي ، قال الزوج لزوجته. هل تريدينها أن تموت من الدفتيريا ؟
هيا الآن ، امسكها، هكذا قلت.
ثم أمسكت برأس الطفلة بيدي اليسرى وحاولت أن أُدخل مُنَحِّية اللسان الخشبية بين أسنانها. وحَارَبَتْ. وبعدها طبقت أسنانها ، باستماتة ! ولكن الآن انتابني أنا أيضاً غضب عارم ـ ضد طفلة. وحاولت أن أكبح جماحي ولكني لم أستطع. إنني أعرف كيف أكشف عن حلق لأفحصه. وبذلت أقصى ما في وسعي. وعندما تمكنت في النهاية من إدخال المنحية الخشبية خلف أسنانها الأخيرة وإدخال طرفها في داخل تجويف الفم ، فَتَحَتْ فمها للحظة ولكن قبل أن أستطيع رؤية شيء أغلقته مرة أخرى وأَمْسَكَتْ بالنصل الخشبي بين أضراسها وحولته إلى شظايا قبل أن أتمكن من إخراجه مرة أخرى.
ألا تخجلين ؟ صاحت الأم فيها. ألا تخجلين من التصرف هكذا أمام الدكتور ؟
احضري لي ملعقة ذات يد ناعمة ، قلت ذلك للأم. سنمضي قدماً في ذلك الأمر. وكان فم الطفلة ينزف بالفعل. وكان لسانها قد جُرح وكانت تصرخ صرخات هستيرية ضارية. ربما كان يجب أن أتراجع وأن أعود بعد ساعة أو أكثر. لا شك أن هذا كان سيكون أفضل. ولكنني كنت رأيت طفلين على الأقل يرقدان وقد فارقا الحياة في الفراش من جراء الإهمال في مثل هذه الحالات ، ونظراً لأنني أحسست أنه لابد من أن أتوصل إلى تشخيص الآن وإلا فإنني لن أتوصل إليها أبداً ، فقد حاولت مرة أخرى. ولكن أسوأ ما في الأمر هو أنني أنا أيضاً قد تجاوزت الحد المعقول. فكان من الممكن أن أمزق الطفلة أثناء غضبي وأن استمتع بذلك. لقد كانت متعة لي أن أهاجمها. وكان وجهي يشتعل من الرغبة في تحقيق ذلك.
فالطفلة الصغيرة اللعينة لابد من حمايتها من بلهها ، هكذا يقول المرء لنفسه في مثل هذه الأوقات. والآخرون لابد من أن تتم حمايتهم منها. إنها الضرورة الاجتماعية. وكل هذه الأمور صحيحة. ولكن الغضب الأعمى ، والشعور بالخجل كشخص بالغ ، الناشئ من الرغبة الملحة في الارتخاء العضلي ، هي الأمور المتحكمة. ويستمر المرء حتى نهاية المطاف.
وفي هجوم نهائي غير متعقل تمكنت من الإمساك برقبة الطفلة وفكيها. ودفعت الملعقة الفضية الثقيلة إلى ما خلف أسنانها وإلى داخل حلقها إلى أن كادت تختنق. وهناك اكتشفت الأمر ـ فقد كانت كلتا اللوزتين مغطيتين بغشاء. وجَاهَدَتْ بشجاعة لمنعي من معرفة سـرها. لقد كانت تخفي ذلك الحلق المحتقن على مدى ثلاثة أيام على الأقل وكانت تكذب على والديها لكي تهرب من نتيجة مثل هذه.
والآن أصابها الغضب فعلاً. لقد كانت تأخذ موقف الدفاع من قبل ولكنها الآن بدأت في الهجوم. فحاولت أن تنزع نفسها من حجر أبيها وأن تطير ملقية نفسها عليَّ بينما كانت دموع الهزيمة تعمي عينيها