المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوضى تبّانات



جبران الشداني
17/06/2007, 08:32 PM
حبيبتي،
أحلم منذ ساعة بشخص يمر خطأ من هذه الغرفة، فيناولني كأس الرون الموضوع على المائدة، أنا متعب للغاية، لكني مازلت مصرا على أن أشرب أكثر، ومازلت أنتظر مرورها أو مروره، رغم أني أعرف أني أسكن فقط مع كلب فقد سمعه، و امرأة نائمة فقدت زوجها منذ ثلاثين سنة..
ليس مهما أن تعرفي بأن زوجها كان محاربا فرنسيا في الجزائر، لسبب ما التقينا و لم نتحدث، بعد ذلك، أبدا عن الطفل الذي قتله سهوا هناك، و هي ربما نسيت كل شيء بمجرد ما حكت لي هذا السر، أصرت أن تعيش بعده وحيدة كما لو كان نبيا أسيئت قراءة رسالته.. .يلزم الكثير من الشجاعة كي تقتل طفلا يلعب الحجلة، وأول ما تفكر فيه هو أنه قد لا يسقط تماما في المربع المطلوب، يلزم أيضا الكثير من الحب كي تقرر أن الأطفال ليسوا أكثر براءة من كلاب البيريني التي كانت تحمل بشجاعة إلهية رسائل أثناء الحرب ضد الألمان، عائلتها رغم ذلك اخفت جنديا نازيا في العلية عن عيون الأمريكيين، لم يكن يرتدي سوى تبان صنعه من الخيش، ومازالت لحد اليوم تحتفظ بهذا الثوب البدائي، وما زال هو لحد اليوم يبعث ببطاقة بريدية لبنايات الاسمنت من بون كل سنة، لم تنم معه سوى مرة واحدة، و حين مرض زوجها اكتشفت أنها لم تنم مع رجل طيلة خمسة عشر عاما، و كانت مستعدة في لحظات ما، لأن تلاحق زبال الحيّ، لكنها مرة أخرى لم تفعل ذلك سوى مرة وحدة، ليس للأمر علاقة بالحب، أو بالخجل، و إنما بتباناتها القديمة التي لا تصلح للظهور في غرف النوم، كانت تصممها عند حرفيّ مغمور في- لاساي - من أثواب تقلد زخرفات الورود المرسومة يدويا، كما تظهر في لوحات قديمة تركتها أمها قبل أن تموت، و الزبال لم يتنبه لهذا التفصيل، كان يفضل أن تحمل تنورة قصيرة من الجينز كي تكشف عن ساقيها المتوحشتين، كانتا أوقح ساقين في حي- سان جيليان – كما قال، و كان يتوسل إليها أن لا تحمل تحتهما شيئا على الإطلاق.
حين هاجرت إلى اسبانيا، أحضرت معها مجموعة كبيرة من الملابس الداخلية التي أهداها لها رجال كثيرون، تعرفت على قديس اسمه باكو، يداوي الناس بقراءة الإنجيل، و قد حقق معجزات أعظم من معجزات المسيح نفسه، فالكل هنا يشهد أنه خلص فتاة في السادسة عشر من إعاقتها، حضرت إليه كسيحة يوم جمعة، ولكنها ليلة الغد شوهدت تراقص شابا في ملهى ليليّ، باكو عاش معها في نفس الغرفة طوال حياته، و عاش زوجها المقعد في الغرفة الأخرى، و قد نبهها باكو قبل موته إلى أن واحدا من التبانات المهداة سرق يوما من زوجة الشيطان، و أن رجلا راقصته يوما في حفل زفاف كان من معارف الشيطان نفسه، و تذكرت في تلك اللحظة كيف أنها اكتشفت ليلا وجود بصمتيّ يدين محترقتين في ظهر فستانها، لم تعرف مصدرهما آنذاك، كان شابا لطيفا و أنيقا رفض بلباقة أن يقبلها، لكنه أهداها تبانا أزرقَ جميلا لم تر مثله من قبل، و قد لبسته حين التقيتها أول مرة لسبب لم أفهمه، لم تكن مختلفة عن النساء الأخريات، سوى أنها كانت تشرد أحيانا لتحدث شخصا لا أراه، و سألتني في بداية تعارفنا إن كنت سأقبل أن أعيش مع امرأة ما تزال تحب شخصا آخر، سألتها:
- من هو؟
- روفينو
- لماذا لا تعيشين معه إذن ؟
- هو مشغول باستمرار في أسفاره، يريد أن يرحل منذ سنوات إلى- التيبت- لاستكمال دراسته الروحية و يبحث عن أصدقاء يرحلون معه..
- إذن، لماذا لا تسافرين معه؟
- لا أريد أن أراه يوميا هذا سيطفئ اشتياقي إليه
- أنا لا أحبك
- ليس مهما، المهم أن تكون في الغرفة المجاورة لغرفة نومي حين يزورني هو.
- تقصدين أنه سيزورك أكثر من مرة
- بالطبع كلما فكر في أن ينكحني
- و أنا ؟
- لا أعرف إذا أردت يمكن أن نتزوج
- هل تدركين حقا ما تقولينه ؟
- بالطبع، ألست قاصا ؟
- و ما علاقة هذا بالقص ؟
- يلزمك حزن لتكتب باستمرار
- و ما شأنك بأحزاني؟
- أريدك أن تحبني، أنا امرأة صادقة، لكني لن أفرض عليك هذا الحب، في جميع الأحوال يمكنك أن تحضر على مسافة معقولة كل خياناتي، و سأصارحك أيضا بكل ما أفعله في غيابك.
- إذن يجب أن أسجل حضوري دائما هناك؛ في الغرفة المجاورة... لماذا تفعلين هذا ؟
- لآني هكذا؛ أحب أن أنكَح أمام زوجي
حبيبتي، أنا لا اخجل من قص هذه الوقائع، فقد مر على هذا الحوار سنوات كثيرة، و اليوم حين أفكر في كل أخطائها، لا أستحضر إلا صورة عدد لا نهائي من التبانات الرجالية و النسائية التي تضعها مع صورها الخاصة، و صورة ابتسامتها الملائكية و هي تعانقني صباحا قبل أن تذهب إلى مكتب البريد، و قد أضحك أحيانا حين أتذكر ما تصفه لي بدقة مثيرة عن الملابس الداخلية لزوجات رجال معروفين في تاريخ المغرب عشن و متن منذ قرون، و عن مدن بيعت و احتلت من أجل سراويل داخلية و حاملات نهود، و أشياء أخرى مما لم ندرسه مطلقا عن تاريخنا الوطني.
أما باكو الذي حدثتك عنه فهو شخصية فريدة، و معجزاته يعلم بها كل من سكن الأحياء القديمة في هذه المدينة، لا بد أن تصدقي هذه الحكاية؛ لأننا قد لا نتواصل أكثر مادمت لا تصدقين كلماتي، لقد رأيت ذلك التبان الغريب صباح هذا اليوم، و كان بين كومة من الأوراق و الأقلام و الرسائل التي لم تفتحها بعد.
يجب أيضا أن تصدقي أني احبك، و لنا أن تختلف بعد هذا حول معنى الحب، قررت هذا الصباح أن أسرق ذلك التبان و أبعثه لك، و في الحقيقة كنت أريد أن أبعث لك هدية أخرى، كتلك التي أهداها عزوز لصاحبته هنية بعد أن أنعم الله عليه و حصل على فيزا لايطاليا، كان يحبها بشكل مشكوك فيه، و هي كانت تقسم لي شخصيا كلما جلسنا في مقهى الحارة، بأنه سيضاجع أول ايطالية تلقي عليه السلام، و قد حكيت هذا لعزوز فغضب غضبا شديدا و قرر أن يترك لها بعد رحيله هدية تذكر صديقته بوفائه المطلق، فحمّلني علبة و هو في طريقه إلى المطار و طلب مني أن أبعثها عبر البريد المضمون إلى هنية، لكن هنية رحلت، ففتحت العلبة يوما لأجد قضيبه مقطوعا.
مازلت حبيبتي أحتفظ بقضيبه ملفوفا بقطع من الشاش الأبيض في الثلاجة، ولمزيد من الحرص فأنا أواظب على الاطمئنان عليه كل وقت خلسة، و يمكن أن أبعثه لك إذا كان هذا سيجعلك أكثر ثقة بما أقول، المهم أن عزوز الآن في بلاد و صاحبته في بلاد و قضيبه في بلاد أخرى، و أعتقد أن الوفاء المطلق لا يمكن إلا يكون دائما هكذا...و ربما كان لكل هذا علاقة محتملة بالحب.
أؤكد مرة أخرى أني أحبك، و أن تبان زوجة الشيطان سيصلك مع هذه الرسالة، فماذا ستفعلين به ؟
تنبهي أنك قد تحصلين على حب أبدي من كل الذين ينامون معك و لو لليلة واحدة، أعرف أنك متديّنة و أنك تستحضرين دائما صورة الله في ساعات متأخرة من الليل، و لكن من يهتم بذلك، للرجال فيما يعشقون مذاهب، و منهم من تثيره مشية المحجبات و الملثمات أكثر مما يثيره تموج خصور الغانيات الهنديات، و سيأتي يوم تسقطين فيه على سرير رجل إباحي، تماما كما قد تسقط من السماء عصافير صغيرة أعياها التحليق دونما استراحة.
لا شك أنك الآن تنظرين إليه، و تتحسسينه بين أناملك، حذار ِ؛ فثمة شخص غريب قد يظهر بجانبك حالما ترتدينه، و أنا لست مسئولا عنه، حاولي أن تتجاهليه، لا تهتمي به، و لا بما سيقول؛ فقد عاش سنين طويلة مع زوجتي، و نام معها، و سيحدثك عن كل ذكرياتي معها قبل أن أتعرف إليك، و أنا لا أعرف من هو، لكني أفترض أنه الرجل الذي رأيته كثيرا حين كنت بين ذراعيها، كانت هي، ربما، تحب النوم مع رجلين في نفس الوقت، لكنها لم تصارحني أبدا، و هنا يجب أن أوضح أن هذه الممارسات لا تعجبني، لكن يبدو أن مصمم هذا التبان لم يكن يهتم بآرائنا البشرية، و لا بأفكارنا عن أخلاقيات الحب، كان مجرد خياط يؤدي عمله على أحسن وجه ممكن، و كان يصنع التبانات عادة في أوقات فراغه، بعد أن يحدق جيدا في عيون المرأة التي طرقت بابه.
أتمنى أن لا أكون قد أخطأت في قراءة عينيكِ، في صورة نشرت في الجريدة قبل شهر، ففيهما رأيت ما لا يمكن أن يخفى على رجل بمثل شقاوتي، و فيهما قرأت أيضا أنك ستحبين هديتي.
أنا الآن أكثر تعبا من قبل، لا أحد قرّب إليّ كأس الرون، و قد أنام قبل أن أختم هذه الرسالة، منذ قليل مر الكلب بجانبي و أخذ يشم الظرف البريدي، لا شك أنه فهم بأنفه أن جزءا من رائحة سيدته يختفي داخل الظرف، و ربما تجعله هذه الرائحة أكثر وداعة معك لو زرتني، حين ترحل زوجتي إلى ايطاليا،
الكلب لا يسافر معها مطلقا، هو يبقى هنا ليحرس بأنفه و بوله كل ما يشم و لا يقال، بالنسبة له، سيكون لقاؤنا و كل ليلنا، مجرد باقة جديدة من الروائح، و قد يعلن عن حب مفاجئ لك فيتبول على قدميك الحافيتين و أنت تجلسين على سرير زوجتي، سيفعل ذلك ليرحب بك، ليت كل النساء مثله حبيبتي، ليتك آنت أيضا تنظرين إلى كل خيانات العالم، كأنها، فقط، فوضى تبانات..