علي ابريك
18/06/2007, 11:30 PM
قصة قصيرة ..
الليل ، هذا الوقت الموحش ، ضيف ثقيل الظل ، لا تريده فاطمة ولكنها لا تستطع الهرب منه ، فهي تقيم ببيت أبيها الذي يقاسمها فيه أمها وامرأة أبيها وأخوتها السبعة وأخواتها الثلاث .. وهي ارملة تقضي فترة " العدّة " ببيت اهلها وابنها لم يبلغ الشهر بعد ..!!
" فاطمة ليس أمامها الاّ الهرب من هذه الأحزان " كانت تحدث نفسها بذلك وهي تغسل ملابس الرضيع .. حوض الغسيل تندفع منه امواج سريعة من رغوة الصابون تسكبها من حوله ـ لتزيل روائح عبقة ، تختلط فيها رائحة العرق بالروائح الاخري المنبعثة من المرحاض بجانبها ..
قامت الارملة الحزينة إلى قطعة المرأة الموجودة فوق حوض الغسيل .. ثم تذكرت تحذير أمها لها ..!! "عليك الأنتباه لكي لا تسمحي للشيطان بأن يجرك لعصيان الله " ..!!
أختلست نظرة سريعة إلى وجهها ، وعينيها اللتين كنّ كقطعة من الليل .. حملت الغسيل وهرعت إلى الفناء حيث يركض الاولاد ، وبجانب شجرة الزيتون العتيقة كانت أمها وامرأة أبيها تعقدان جلسة لاستعراض الاحوال ..!!
اقتربت منهنّ ، بدأت بنشر ثياب الصغير وهي تستمع لما تقوله أمها .." قبل ان يتزوجك الحاج كنا اشترينا هذا البيت ، كان أخر شيء مفرح فعله الحاج لنا ".. فعلقت المرأة الاخري بخبث "وماذا عن زواجه مني ..؟!! ثم انفجرت ضاحكة ..
كان الأولاد والبنات قد ذهبوا إلى الفراش ، بينما " الضرتان " لا تزالان تجتران الذكريات .. وغير بعيد عن مجلسهن وضعت فاطمة لحاف اتكأت فيه علي ذراعها بينما ارخت حلمة الثدي في فم الرضيع الذي لم يكن جائعا ..
كانت تتمنى أن يرضع حتي تستطيع أن تنام .. نظرت من حولها ، المكان بدأ يهدأ ، والظلام يزيد من نشوة الذرتان رمقتهما بعينيها المتعبتان " لكم انتن سعيدتان معا ، بعد وفاة أبي أيتها السيدتان ..؟!! لم يسمعا ما قالت ، ربما همست به ..لم تكن لتهتم برايهما ..
العجوزان لاذتا إلى غرفتيهما .. بينما استلقت فاطمة علي ظهرها وقد وضعت يديها المشبوكتان ببعض علي جبهتها .. الرضيع بجانبها وقد لفته في ردائها ولم يظهر من وجه إلاّ أنفه الصغير وفمه .. عينا فاطمة تراقبان النجوم .. وكأنها تقوم بعدّهن .. !
البدر يبدوا مصفرّا ، والهواء الساكن في هذه الليلة يذكرها "بوحدتها " تجلس ، تستلم الطفل بين ذراعيها .. تنتصب وهي تغرس أنفها في وجهه الغض مداعبة..
في الفراش كانت كعادتها تكلم نفسها " أنا لم اكن أول أرملة ، وهذا البيت به أرملتان سواي .. أنا ليس أول امرأة تفقد حبيبها .. ولا أول ام تربي يتيما.. ولا أول حامل يموت زوجها ساعة مجي المخاض .. أنا ..أنا .. ككل البشر ، عمري يتكون من زمن البراءة .. وزمن الدموع .. وزمن المجهول .. نعم .. زمن ما قبل الزواج ، ثم زمن ما بعد الزواج ، ثم ذكريات الزمنيين ..!! "
نهضت من فراشها إلى ساحة البيت ، وجلست وقد اسندت ظهرها لشجرة الزيتون بعد أن ضمت ركبتيها إلى صدرها ثم مالت براسها عليهما وتركت عينيها نصف مفتوحتين لتخرج دمعة حارقة من مآقيها .. ثم سكنت تنتظر الفجر ..!!
علي ابريك محمد المسماري
الليل ، هذا الوقت الموحش ، ضيف ثقيل الظل ، لا تريده فاطمة ولكنها لا تستطع الهرب منه ، فهي تقيم ببيت أبيها الذي يقاسمها فيه أمها وامرأة أبيها وأخوتها السبعة وأخواتها الثلاث .. وهي ارملة تقضي فترة " العدّة " ببيت اهلها وابنها لم يبلغ الشهر بعد ..!!
" فاطمة ليس أمامها الاّ الهرب من هذه الأحزان " كانت تحدث نفسها بذلك وهي تغسل ملابس الرضيع .. حوض الغسيل تندفع منه امواج سريعة من رغوة الصابون تسكبها من حوله ـ لتزيل روائح عبقة ، تختلط فيها رائحة العرق بالروائح الاخري المنبعثة من المرحاض بجانبها ..
قامت الارملة الحزينة إلى قطعة المرأة الموجودة فوق حوض الغسيل .. ثم تذكرت تحذير أمها لها ..!! "عليك الأنتباه لكي لا تسمحي للشيطان بأن يجرك لعصيان الله " ..!!
أختلست نظرة سريعة إلى وجهها ، وعينيها اللتين كنّ كقطعة من الليل .. حملت الغسيل وهرعت إلى الفناء حيث يركض الاولاد ، وبجانب شجرة الزيتون العتيقة كانت أمها وامرأة أبيها تعقدان جلسة لاستعراض الاحوال ..!!
اقتربت منهنّ ، بدأت بنشر ثياب الصغير وهي تستمع لما تقوله أمها .." قبل ان يتزوجك الحاج كنا اشترينا هذا البيت ، كان أخر شيء مفرح فعله الحاج لنا ".. فعلقت المرأة الاخري بخبث "وماذا عن زواجه مني ..؟!! ثم انفجرت ضاحكة ..
كان الأولاد والبنات قد ذهبوا إلى الفراش ، بينما " الضرتان " لا تزالان تجتران الذكريات .. وغير بعيد عن مجلسهن وضعت فاطمة لحاف اتكأت فيه علي ذراعها بينما ارخت حلمة الثدي في فم الرضيع الذي لم يكن جائعا ..
كانت تتمنى أن يرضع حتي تستطيع أن تنام .. نظرت من حولها ، المكان بدأ يهدأ ، والظلام يزيد من نشوة الذرتان رمقتهما بعينيها المتعبتان " لكم انتن سعيدتان معا ، بعد وفاة أبي أيتها السيدتان ..؟!! لم يسمعا ما قالت ، ربما همست به ..لم تكن لتهتم برايهما ..
العجوزان لاذتا إلى غرفتيهما .. بينما استلقت فاطمة علي ظهرها وقد وضعت يديها المشبوكتان ببعض علي جبهتها .. الرضيع بجانبها وقد لفته في ردائها ولم يظهر من وجه إلاّ أنفه الصغير وفمه .. عينا فاطمة تراقبان النجوم .. وكأنها تقوم بعدّهن .. !
البدر يبدوا مصفرّا ، والهواء الساكن في هذه الليلة يذكرها "بوحدتها " تجلس ، تستلم الطفل بين ذراعيها .. تنتصب وهي تغرس أنفها في وجهه الغض مداعبة..
في الفراش كانت كعادتها تكلم نفسها " أنا لم اكن أول أرملة ، وهذا البيت به أرملتان سواي .. أنا ليس أول امرأة تفقد حبيبها .. ولا أول ام تربي يتيما.. ولا أول حامل يموت زوجها ساعة مجي المخاض .. أنا ..أنا .. ككل البشر ، عمري يتكون من زمن البراءة .. وزمن الدموع .. وزمن المجهول .. نعم .. زمن ما قبل الزواج ، ثم زمن ما بعد الزواج ، ثم ذكريات الزمنيين ..!! "
نهضت من فراشها إلى ساحة البيت ، وجلست وقد اسندت ظهرها لشجرة الزيتون بعد أن ضمت ركبتيها إلى صدرها ثم مالت براسها عليهما وتركت عينيها نصف مفتوحتين لتخرج دمعة حارقة من مآقيها .. ثم سكنت تنتظر الفجر ..!!
علي ابريك محمد المسماري