المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعضٌ من ملامح المستقبل القريب



جواد البشيتي
19/06/2007, 01:46 PM
بعضٌ من ملامح المستقبل القريب

جواد البشيتي

حَرِص رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومَنْ عاونه في التأسيس لحكومة سلام فياض على اجتناب "حكومة الطوارئ" تسميةً رسميةً لها حتى لا ينجح خصومها، أي حركة "حماس"، كثيرا، في التشكيك والطعن في "شرعيتها الدستورية"، فـ "الدستور"، في نصِّه وتفسيره، في منتهى الوضوح في أمر حق رئيس السلطة الفلسطينية في إعلان "حالة الطوارئ"، وفي إقالة الحكومة القائمة، لتغدو "حكومة تصريف أعمال" في خلال "المُدَّة القانونية" لعمل هذه الحكومة، والتي لا تزيد عن شهر واحد، فإمَّا أن يجتمع "المجلس التشريعي" ليقرِّر تمديد "حالة الطوارئ"، وإمَّا أنْ يكلِّف الرئيس عباس رئيس الوزراء ذاته (إسماعيل هنية) أو شخصا آخر بتأليف حكومة جديدة، يوافِق عليها "المجلس التشريعي".

هذا هو التحدي الدستوري الذي ستواجهه السلطة الفلسطينية برئاسة عباس بعد شهرٍ من تأليف حكومة فياض، فهل يجتمع "المجلس التشريعي" للموافقة على تمديد "حالة الطوارئ" إذا ما طلب الرئيس عباس تمديدها؟ وإذا اجتمع، هل يوافق على تمديدها؟ وإذا اجتمع ورفض تمديدها فما خيار عباس عندئذٍ؟ هل يكلِّف عباس شخصا آخر بتأليف حكومة جديدة؟ وإذا كان "المُكلَّف" لا ترضى عنه "حماس" فكيف يمكن أن يوافق "المجلس التشريعي" على الحكومة التي ألَّفها؟ إنَّها أسئلة وتساؤلات في منتهى الأهمية من "الناحية الدستورية"، التي هي الآن، أو من الآن وصاعدا، أقلُّ أهمية بكثير من "الأمور السياسية"، أو "السياسية العملية"، ففي أزمة سياسية كبرى كهذه التي تعصف بالشعب الفلسطيني وقضيته القومية يَفْقِد "الدستور" كثيرا من قدسيته، التي لا يَظْهَر فيها إلا في الزمن السياسي العادي والطبيعي.

حكومة سلام فياض مع "حالة الطوارئ" التي فيها، ومن أجلها، قامت ستبقى وستستمر في عملها زمنا أطول بكثير من شهر واحد، أو من بضعة شهور، فَمَن يرى غير ذلك إنَّما هو شخص يتوهَّم أنَّ تلك الحكومة ستتمكَّن في شهر واحد، أو بضعة شهور، من إنجاز المهمَّات التي من أجلها أُعْلِنَت "حالة الطوارئ".

في قطاع غزة، ستستمر حكومة هنية (التي قَبِلَت "حماس" لأسباب دستورية وصفها بأنَّها "حكومة تصريف أعمال") في العمل الذي ليس فيه من معاني العمل الحكومي إلا ما يؤكِّد أنَّها "حكومة شرطية" فحسب، أي حكومة لحفظ الأمن والنظام العام، فإدارة الحياة اليومية للفلسطينيين هناك لن تكون من مهمات وأعمال حكومة هنية، ولسوف نرى تلك الإدارة عُرْضة لـ "تدويل متزايد"، يبدأ بـ "التدويل الإنساني" الذي من خلاله فحسب، أو في المقام الأوَّل، سيتمكَّن أهل القطاع من تلبية حاجاتهم اليومية والمعيشية والإنسانية الأوَّلية والأساسية. ولا شك في أنَّ "الأونروا"، و"المنظَّمات الإنسانية الدولية"، و"المنظَّمات غير الحكومية"، ستصبح المسؤولة الأولى عن الحياة الاقتصادية واليومية للفلسطينيين في القطاع، الذي ستشرع إسرائيل تنهي كل صلة اقتصادية لها به، وتتحكَّم في معابره الحدودية بما يجعل أهله خاضعين بالكامل لسلطة "حكومة اقتصادية دولية"، يراد لها أن تُسْتَكْمَل لاحقا بسلطة "حكومة أمنية دولية"، فـ "المجتمع الدولي" سيشتَرِط لاستمراره في الإغاثة الاقتصادية نشر قوَّة دولية على حدود قطاع غزة مع مصر وإسرائيل، فإذا رفضت حركة "حماس" ظَهَرَت على أنَّها تمنع "المجتمع الدولي" من مساعدة أهل القطاع اقتصاديا بعد أن قطعت إسرائيل كل صلة اقتصادية لها به. أمَّا المقايضة الإسرائيلية فستكون "الأمن في مقابل بقاء المعابر الحدودية مفتوحة أمام الإغاثة الاقتصادية الدولية".

وعن بُعْد، ستُمارِس حكومة سلام فياض بعضا من سلطاتها وصلاحياتها، فكثير من معاملات الفلسطينيين في القطاع لن تحظى بشرعية دولية إذا لم تُجِزْها وتوقِّعها تلك الحكومة.

أمَّا في الضفة الغربية التي سيُرْفع عنها، وعن حكومة فياض، الحصار المالي والاقتصادي والسياسي الدولي، فلا لابد للقوى الأمنية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية من أن تغدو قادرة على إنهاء كل ظواهر "السلاح غير الشرعي"، فالفلسطينيون ما عادوا يقبلون بقاء تلك الظواهر ولو ادَّعى ذوو المصلحة في بقائها بأنَّها "ظواهر مقاومة". ولسوف تحتاج حكومة فياض إلى "إقليم" في الضفة الغربية تمارِس فيه عملها وسلطاتها، وإنْ كانت إسرائيل ستحرص كل الحرص على إقامة صلة سياسية (وقانونية) بين هذا "الإقليم" و"الدولة ذات الحدود المؤقتة". كما ستحتاج إلى أن تتعاون مع رئاسة السلطة الفلسطينية ومع "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية بما يُقْنِع الفلسطينيين بأنَّ عهد القوى الأخرى التي شاركت في صنع المأساة الفلسطينية الجديدة قد ولَّى إلى غير رجعة. وإنَّ من الأهمية بمكان، في هذا السياق، أن يُفْرَج عن مروان البرغوثي، وعن قسم كبير من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وإلى أن يصبح ممكنا إنهاء حال الانفصال (الواقعي والعملي) بين القطاع والضفة لا بدَّ من أن نرى هنا وهناك ما يؤكِّد بقاء "التعددية السياسية والفكرية"، فكل تنظيم سياسي فلسطيني يجب أن يظل محتفظا بوجوده هنا وهناك.