المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجن تعريف لغوي



يحي غوردو
19/06/2007, 06:36 PM
- الجـــــن:

ذكرت كلمة "الجن" في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ، اقترنت في أحد عشر مرة منها بكلمة "الإنس"، مما يدعونا للتساؤل عن سبب هذا الاقتران ومغزاه؟
جواب ذلك، على ما يبدو، أن لكل شيء ما يقابله ويذكر به، فهو بالنسبة إليه شفع، كالذكر والأنثى، والسماء والأرض، والليل والنهار، والإنس والجن الخ. روى الطبري عن مجاهد قال في قوله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين (الذاريات/49)، قال: الكفر/الإيمان، الشقاء/السعادة، الهدى/الضلالة، الليل/النهار، السماء/الأرض، ثم زاد الجن/الإنس، فالارتباط بينهما وثيق متين، بحيث لا يكون الواحد منهما دون الآخر: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي (الذاريات / 56).


جنن ( 20)، في اللغة، من جن الشيء يجنه جنا: ستره. وكل شيء ستر عنك فقد جُن عنك. أجنه: ستره. جِن عين: أي ما جُن عن العين فلم تره، ستر عنها. والجن لغة ضد الإنس، يقال: آنستُ الشيء إذا أبصرته، قال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى  إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (طه/9-10). قال الـجوهري: الـجِنُّ خلاف الإِنسِ، والواحد جِنِّـيٌّ، سمّيت بذلك لأَنها تـخفـى ولا تُرَى.
هكذا أبت العرب، فـي لغتها، إلا أن تطلق كلمة "جنّ" على كل ما اجتنّ. فالكائنات الحية التي لا نراها تدخل تحت المعنى العربي لكلمة الجن، والقرآن الكريم جاء بلسان عربي مبين، قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَـاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّـكُمْ تَعْـقِلُونَ  وَإِنَّهُ و فِي‌ أُمِّ الْكِتَـابِ لَدَيْـنَا لَعَـلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف/3-4‌) والعربية تقول لنا: ما سمى الله الـجن إلا لأنهم اجتنوا فلـم يُرَوْا، وما سمى بنـي آدم الإنس إلا لأنهم ظهروا فلـم يجتنُّوا. فما ظهر فهو إنس ويمكننا أن نطلق عليه كلمة: كائن macroscopique، وما اجتنّ فلـم يُرَ فهو جنّ: كائن ""microscopique.

والجن(21) ولد الجان، قال ابن سيده: الجن نوع من العالم سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار ولأنهم استجنوا من الناس فلا يرون، والجمع جنان، وهم الجنة. وفي التنزيل: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (الصافات/158). وكان أَهلُ الـجاهِلـيَّة يسمّون الـملائكة، جِنَّاً لاسْتِتارِهم عن العيون، قال الأعشى:
وسخر من جن الملائكة سبعة  قياما لديه يعملون بلا أجر

كلمة "جن" إذن، تشتمل على كل ما اجتن عن الأبصار، وعموم اللفظ يدل على أن: الجن = كل ما اجتن عن الأبصار (ومنهم الملائكة). أما خصوصه (اللفظ) فيشير إلى أن: الجن = كائنات حية، أصلها من النار، عاقلة، فاعلة بالإرادة، مأمورة ومنهية، تأكل مما نأكل وتشرب مما نشرب، ويحصل لأجسامها بذلك نمو وبقاء على حسب المأكول، تؤثر فينا ونؤثر فيها دون أن نراها، فهي إذن كائنات حية لها كل خصائص الكائنات الحية: تأكل وتشرب وتنمو وتتزاوج وتتوالد وتموت...

قال كثير من المعتزلة: إنهم أجسام رقيقة بسيطة لذلك لا نراهم. وقال القاضي عبد الجبار الهمداني:« أجسامهم رقيقة ولضعف أبصارنا لا نراهم لا لعلة أخرى ولو قوى الله أبصارنا أو كثف أجسامهم لرأيناهم»، والذي يدل على رقة أجسامهم قوله تعالى  إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم (الأعراف/27).
قال القاضي عبد الجبار بعدما قدم حديث: "الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، هذا لايصح إلا أن تكون أجسامهم رقيقة، وفي هذا دليل على ما ذكرناه من صغر أجسامهم ورقتها، والله أعلم.

يدل كل ما تقدم على أن هذه الكائنات غير مرئية لنا بسبب مجهرية (microscopique) أجسامها مع ضعف أبصارنا كبشر، لكن هذا لا يمنع من جواز رؤيتها إذا قوى الله تعالى شعاع بصرنا أو استعملنا جهازا متطورا كالميكروسكوب، وقد رآها الأنبياء دون غيرهم من البشر لما أعطاهم الله من قوة البصر ومن معجزات خاصة بهم... كما يمكن أن تراها بعض الحيوانات كالكلاب والحمير والديكة، جاء في الصحيحين: «... إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا.»، وفي هذا دعوة/تحد لعلماء الحيوان للبحث عن مكونات عيون هذه الحيوانات لمعرفة أسرارها وخباياها، إذ نعلم، مثلا، انطلاقا مما تتيحه المعطيات البيولوجية الراهنة، أن تركيب عيون النحل، مثلا (خاصة لدى الذكور التي تتميز عيونها بالضخامة)، تختلف عن تركيب أعيننا، وتتيح إمكانية رؤيتها لما هو فوق بنفسجي Ultra violet، وهو ما يعجز الإنسان العادي عن رؤيته طبعا، حتى في ظل التقدم الذي حصله علم الفيزياء وبالذات البصريات: فهل تكون دراسة عيون هذه الحيوانات فاتحة الاكتشاف؟


--------------------------------------------------------------
- (1) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(128) (الأنعام)
(2) يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ(130) (الأنعام)
(3) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38) (الأعراف)
(4) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ(179) (الأعراف)
(5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا(6) (الجن)
(6) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17) (النمل)
(7) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ(25) (فصلت)
(8) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الْأَسْفَلِينَ(29) (فصلت)
(9) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ(18) (الأحقاف)
(10) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56) (الذاريات)
(11) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ(33) (الرحمان)
(12) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا(50) (الكهف)
(13) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39) (النمل)
(14) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(12) (سبأ)
(15) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ(14) (سبأ)
(16) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ(41) (سبأ)
(17) وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ(29) (الأحقاف)
(18) قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا(1) (الجن)
(19) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ(100) (الأنعام)

20 - ابن منظور، لسان العرب المحيط، المجلد الأول، ص.515.
- ابن منظور، لسان العرب المحيط، المجلد الأول، ص.515.

يحي غوردو
23/06/2007, 10:47 PM
الجــــان:

ذكرت الكلمة في القرآن ست مرات(1) ، واحدة منها في أصل الجن، قال تعالى: خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ(الرحمان 14/15). قال ابن عباس : أي من خالص النار، أو من مارج وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت. وذكرت الكلمة مرتبطة بالإنس ثلاث مرات، منها قوله تعالى:  فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (الرحمان /39). على أن كلمة "جان" تعني أيضا الحية أو الثعبان: قال تعالى: وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الْآمِنِينَ(القصص/31)، فقد ورد في لسان العرب: الـجانُّ: ضَرْبٌ من الـحيَّاتِ أَكحَلُ العَيْنَـين يَضْرِب إِلـى الصُّفْرة لا يؤذي، وهو كثـير فـي بـيوت الناس. وقال سيبويه: الـجمعُ جِنَّانٌ؛ وأَنشد بـيت الـخَطَفَـى جدّ جرير يصف إِبلاً:
أَعناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا  وعَنَقا بعدَ الرَّسِيمِ خَيْطَفا
وفـي الـحديث: أَنه نَهى عن قَتْلِ الـجِنَّانِ، قيل: هي الـحيَّاتُ التـي تكون فـي البـيوت، واحدها جانٌّ وهو الدقـيقُ الـخفـيف. وقد ورد في التهذيب فـي قوله تعالـى: تَهْتَزُّ كأَنَّها جانٌّ، الـجانُّ حيَّةٌ بـيضاء. وقال أَبو عمرو: الـجانُّ حيَّةٌ، وجمعُه جَوانُّ، قال الزجاج: الـمعنى أَن العصا صارت تتـحرَّكُ كما يتـحرَّكُ الـجانُّ حركةً خفـيفةً، قال: وكانت فـي صورة ثُعْبانٍ، وهو العظيم من الـحيَّاتِ. ونـحوَ ذلك قال أَبو العباس: شبّهها فـي عِظَمِها بالثعبانِ وفـي خِفَّتِها بالـجانِّ، ولذلك قال تعالـى مرَّة: فإِذا هي ثُعْبانٌ، ومرَّة: كأَنها جانٌّ. قال أبو عبيدة ، في تفسير قوله تعالى:  فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى(طه/20) وفي قوله: وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ(النمل/10) كأنها جان من الحيات أو من حية الجان فجرى على أن ذلك شيء واحد، وقيل كانت العصا في أول الحال جانا وهي الحية الصغيرة، ثم صارت ثعبانا فحينئذ ألقى العصا، وقيل اختلف وصفها باختلاف أحوالها، فكانت كالحية في سعيها وكالجان في حركتها وكالثعبان في ابتلاعها.
في لسان العرب نجد أن كلمة الـجانّ تعني أيضا الشيطان، والعرب تسمي الحية شيطانا، بالإضافة لتسميتها جان، قال الشاعر يصف ناقته:
تلاعب مثنى حضرمي كأنه  تعمج شيطان بذي خروع قفر.
والجنين يسمى جنينا لاستتاره في بطن أمه، ومنه قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (النجم/32). ويقال جنه الليل: أي أخفاه وستره بظلامه، ومنه قوله جل جلاله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (الأنعام/76)، وجن الرجل جنونا وأجنه الله فهو مجنون: إذا غاب عقله واستتر رشده، فارتفع عنه التكليف لعدم وعي عقله وحضوره. قال تعالى: أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (سبأ/8).
كما وردت كلمة "جنة" في مقابل كلمة "ناس" في عدة آيات قرآنية منها: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (هود/119)، وَلَـكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي‌ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (السجدة/13)، وَجَعَلُوا بَيْنَهُ و وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (الصافات/158)... الظاهر أن معظم الكلمات المتكونة من مادة الجيم والنون أي حرفي |ج| + | ن|، في اللغة العربية، تعني الخفاء والستر عن العين. ولفظ: جني الذي سمت به العرب قديما، والقرآن الكريم، هذا المخلوق العاقل الخفي الذي يرانا ولا نراه، والذي يساكننا هذا العالم، أخذته اللغات الأوربية عن العربية، وأطلقت عليه لفظ: Génie ويعني في الفرنسية: عبقري (2) ، وهو كائن خارق له قدرات ساحرة. وفي الانجليزية يعني الروح الشيطانية، كما يعني ذلك الكائن العاقل الذي يفعل الخير ويساعد الإنسان وقد يكون شريرا، يسعى للشر والتدمير.
تعني كلمة جين (3) Gène أيضا ذلك الجزء الذي يوجد في الحامض النووي ADN والمسؤول عن الخصائص الوراثية للكائنات، وهو مختفي في الكرموزمات (وفي الفيروسات هو موجود في جزيء الحامض النووي المكون للجينوم).
هكذا نلاحظ أن لفظة "جن" تحتمل معان عدة، فهي تعني تارة: كل شيء ستر عنك ولم تره عينك، وطورا تشير إلى بعض الحيوانات كالحيات والثعابين، بينما تعني في أحيان أخرى نوعا من المخلوقات التي تعيش معنا ولا نراها (مستورة عنا). تشير اللفظة ـ جن ـ أيضا إلى نوع من التخبط في الأفعال والأقوال كما تشير إلى الأعمال والقدرات الخارقة الساحرة، أو الأشياء والظواهر التي لم يستطع العقل استيعابها وسبر أغوارها: فكل شيء خارق وغريب مما يصعب عمله، أو كل شيء دقيق أو عظيم في نفسه، أو في أعيننا، قد ينسب إلى... الجن...
نشير أيضا إلى أن القرآن الكريم ميز بين عالمين، للكائنات الحية المكلفة التي تعيش على الأرض، وهي متداخلة ومترابطة فيما بينها: عالم الإنس، وعالم الجن، فقد روي عن ابن عباس، في قوله عز وجل: "رب العالمين"، قال: رب الجن والإنس (جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري).
يجب أن نفهم كذلك أن إبليس من جنس الجن وصفته شيطان، وليس كل جن شيطان وليس كل شيطان إبليس، فإبليس هو أبو شياطين الجن (الأب الفعلي لأن له ذرية خاصة به والأب الروحي لمن تشيطن من الجن)، وليس أبا للجن بإطلاق، كما أن آدم هو أبو البشر.
ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ كلمة‌ "آدم"‌ كاسم‌ خاصّ وعَلَم‌ لآدم‌ أبي‌ البشر، وكلمة‌ "إنسان"‌ و"إنس" و"بشـر" كاسـم‌ عام، واسـم‌ جنـس‌ لنوع‌ بني‌ آدم‌، وكذلـك‌ أيضاً وردت‌ كلمة‌ "إبليـس‌" كاسم‌ خاصّ وعَلَم‌ لرئيس‌ شياطين‌ الجنّ، وكلمة‌ "جان"‌ و"جنّ" و"جنة" كاسم‌ عام، واسم جنس لذلك‌ النوع‌. والقرآن‌ الكريم‌ يعتبر الإنس والجنّ موجودَين‌ ماديين‌ يمتلكان‌ الشعور والإدراك‌، وقابلَين‌ للأمر والنهي‌، واعتبرهما في‌ جنب‌ بعضهما قابلَين‌ للخطاب‌ والمفاهمة‌، خلق‌ الله تعالى‌ أوّلهما من‌ الطين‌ وثانيهما من‌ النار، وجعل بينهما علاقة وتواصل واتهامات وتعاملات...

--------------------------------------------------------------
1- - (1) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ(10)النمل
(2) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الْآمِنِينَ(31) القصص
(3)وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ(15) الرحمان
(4) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ(39) الرحمان
(5) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ(56) الرحمان
(6) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ(72)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(73)لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ(74) الرحمان

2- عبقري: Génie قال ابن الأَثـير: عَبْقَر قرية تسكنها الـجن فـيما زعموا، فكلَّـما رأَوا شيئاً فائقاً غريباً مـما يصعب عملُه ويَدِقُّ أَو شيئاً عظيماً فـي نفسه نسبوه إِلـيها فقالوا: عَبْقَرِيٌّ، ثم اتُّسِعَ فـيه حتـى سمي به السيّد والكبـير. وقـيل: إِنما يُنْسَب إِلـى عَبْقَر الذي هو موضع الـجن، وقال أَبو عبـيد: ماوجدنا أَحداً يدري أَين هذه البلاد ولا متـى كانت. قال الأَصمعي: سأَلت أَبا عمرو بن العلاء عن العَبْقَرِيّ، فقال: يقال هذا عَبْقَرِيُّ قومٍ، كقولك: هذا سيدُ قوم وكبـيرهم وشديدهم وقويُّهم ونـحو ذلك. قال أَبو عبـيد: وإِنما أَصل هذا فـيما يقال أَنه نسب إِلـى عَبْقَر، وهي أَرض يسكنها الـجنُّ، فصارت مثلاً لكل منسوب إِلـى شيء رفـيع. (أنظر لسان العرب المحيط)

3- Gène, unité de base de l’hérédité, fragment de matériel génétique, qui détermine la transmission d’une caractéristique particulière ou d’un ensemble de caractéristiques. Les gènes sont portés par les chromosomes (ou, chez les virus, par le brin d’acide nucléique constituant le génome). Encyclopédie Microsoft® Encarta® 2002.

يحي غوردو
23/06/2007, 10:49 PM
ـ إبليــــس:


ذكرت كلمة "إبليس" في القرآن الكريم إحدى عشر مرة (1)، وهي تعني في اللغة: السكوت، وفي الاصطلاح: أبلس من رحمة الله يئس وندم، ومنه سمي إبليس . وقيل إن إبليس سمي بهذا الاسم لأنه لما أويس من رحمة الله أبلس يأسا. والإبلاس أيضا: القنوط وقطع الرجاء من رحمة الله تعالى... قال أبو جعفر: وإبلـيس «إفعيـل» من الإبلاس: وهو الإياس من الـخير والندم والـحزن. وقال ابن عبـاس: إبلـيس أبلسه الله من الـخير كله وجعله شيطانا رجيـما عقوبة لـمعصيته.
قلنا إن كلمة "إبليس" ذكرت في القرآن إحدى عشر مرة، ودون الإطالة في ذكر كل الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة، فإن المتتبع يلاحظ أنها ذكرت في سياق عام مرتبط بالجنة والسجود لآدم، والحصيلة أن إبليس هو ذلك الكائن الذي خلقه الله فعصى أوامره فاستدعى الطرد من رحمة الله وجنته.

----------------------------------------
1- - وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ(34 / البقرة)
-وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ(11 / الأعراف)
-إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(31)قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(32)قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(33 / الحجر)
-وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا(61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا(62)قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا( 63 /الإسراء)
-وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا(50 /الكهف)
-وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى(116)فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى(117/ طه)
-فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ(94)وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ(95 / الشعراء)
-وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(20)وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(21 /سبأ)
-فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73)إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ(74)قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ(75)قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76/ سورة ص)

يحي غوردو
23/06/2007, 10:57 PM
ـ الشيطـــان:


كلمة "شيطان" بالمفرد وردت في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة ، وبالجمع (شياطين) وردت سبعة عشر مرة، كما وردت الكلمتان في الأحاديث وأشعار العرب، وهي تعني لغة: كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب، والشيطان من شاط يشط إذا هلك واحترق، وهو مشتق من البعد عن الحق، وشطن إذا بعد عن الخير، وشطنت داره أي بعدت.
قال الشاعر: نأت بسعاد عنك نوىً شطون فبانت والفؤاد بها رهين.
وبئر شطون أي بعيدة القعر. والشطن: الحبل؛ سمي بذلك لبعد طرفيه وامتداده. ووصف أعرابي فرساً لا يحفى فقال: كأنه شيطان في أشطان. قال جرير: أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطاناً
وقيل: شيطان من شاط يشيط إذا هلك، فالنون زائدة، وشاط إذا احترق، وشيطت اللحم إذا دخنته ولم تنضجه، واشتاط الرجل إذا احتد غضباً، واشتاط إذا هلك؛ قال الأعشى:
قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطل
أي يهلك. وحكى سيبويه أن العرب تقول: تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين، فهذا يبين أنه تفعيل من شطن، ولو كان من شاط لقالوا: تشيط، والشيطاني، هو الذي يدعو إلى مخالفة الحق.
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم يا أبا ذر: «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت أوَ للإنس شياطين؟ قال «نعم»-رواه أحمد- ، فالإنسان قد يصبح شيطانا مجازا أو أخا للشياطين إذا فعل أفعالهم، قال تعالى في سورة الإسراء:  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا  (الإسراء/27).
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود» فقلت يا رسول الله ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر؟ فقال: «الكلب الأسود شيطان» -أخرجه مسلم- ، أي إنه شيطان الكلاب لشراسته وعدم الأمن من شره، وكذلك قوله في الإبل «إنها جن» قال الشافعي –كتاب الأم- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جن من جن خلقت، أنه إنما كان يكره أن يصلي قرب الإبل، وأنه إنما قال ذلك على طريق التشبيه لها بالجن. فالكلب الأسود شر الكلاب وأقلها نفعا، والإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها، وهذا كما يقال: هذا الطفل شيطان، أو فلان شيطان، إذا كان صعبا شريرا... قال أبو جعفر: إنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه، وبعده من الخير... (تفسير الطبري).
الشيطان بهذا المعنى إذن، قد يعني الكلب الأسود الشرير، أو الإبل الصعبة المراس، كما قد يعني الحمار مجازا: يحكى عن عمر بن الخطاب  أنه ركب برذونا فجعل يتبختر به، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه وقال: ما قلتوني إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي.-تفسير ابن كثير-
قال تعالـى: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ(الصافات/64-65). ورد في لسان العرب أن للشياطين، في هذه الآية، ثلاثة معاني: أَحدها أَن طلعها يشبه، فـي قبحه، رؤوس الشياطين لأَنها موصوفة بالقُبْحِ، وإِن كانت غير مشاهَدة، فـيقال كأَنه رأْس شيطان إِذا كان قبـيحاً، فالشيطان قد يعني الشيء القبيح، والثانـي أَن الشياطين ضرب من الـحيات، قبـيحة الوجه، يسمى الواحد منها "ذو العُرْف"، والعرب تسمي الحية شيطانا. قال الشاعر يصف ناقته:
تلاعب مثنى حضرمي كأنه  تعمج شيطان بدي خروع قفر.
والشيطان هنا نوع من الحيات، وقد يعني الناقة، فالإبل تشبه الشياطين في صعوبتها وصولتها.
المعنى الثالث يشير إلى نبات قبـيح يسمى فعلا "رؤوس الشياطين"؛ قال أَبو حنـيفة أَخبرنـي أعرابـي من أزد السَّراة قال: الزقوم شجرة غبراء صغيرة الورق مُدَوَّرَتُها، لا شوك لها، ذَفِرَةٌ مُرَّة، لها كَعابر فـي سُوقها كثـيرة، ولها وُرَيْدٌ ضعيف جدا يَجْرُسُه النـحل، ونَوْرَتُها بـيضاء، ورأس ورقه قبـيح جدا. فالشيطان هنا نوع من النبات.
تطلق العرب أيضا على "الإِعصار": أَبا زَوْبَعةَ، ويقال فـيه شيطان مارد، وزَوْبَعةُ: اسم شيطان مارد، أو رئيس من رؤساء الـجن، ومنه سمي الإِعصار زوبعة، ويقال أيضا أُمّ زَوْبَعة.
يعني الشيطان كذلك الخبث والكفر والرجس والفساد والشر، فقد جاء في صحيح البخاري، باب ما يقول عند الخلاء: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. وفـي حديث أَنس: أَنَّ النبـي صلى الله عليه وسلم، كان إِذا أَراد الـخَلاء، قال: أَعُوذُ باللَّه من الـخُبْثِ والـخَبائِث؛ ورواه الأَزهري بسنده عن زيد بن أَرْقَمَ قال: قال رسول اللَّه: إِنَّ هذه الـحُشُوشَ مُـحْتَضَرة، فإِذا دَخَـلَ أَحدُكم فلْـيَقُلْ: اللهم إِنـي أَعوذ بك من الـخُبْثِ والـخَبائِثِ: مُـحْتَضَرة أَي يَحْتَضِرُها الشياطينُ، ذُكورُها وإِناثُها. والـحُشُوش: مواضعُ الغائط. والـخُبْثُ الكُفْرُ والشَّرَّ. قال ابن الأَثـير فـي تفسير الـحديث: الـخُبُثُ، بضم الباء: جمع الـخَبِـيث، و الـخَبائثُ: جمع الـخَبِـيثة؛ يُريد ذكورَ الشياطين وإِناثَهم.
يتضح من مجموع هذه التعاريف أن كلمة "شيطان"، لغويا، تضم عدة معاني: فهي تعني كل ما بعد عن الصحيح، كما تعني كل عات من الجن، أو الإنس، أو الدواب، وهي إلى هذا تشير إلى نوع من الحيات، ونوع من النبات أيضا، وقد تكون كلبا، أو ثعبانا، أو جملا، وقد تعني كل قبيح فاسد، أوكل متمرد على الطبيعة الفطرية، كما أن كل خبيث مخبث، وكل فاسق، وكل شيء مدمر كالإعصار، وكل مغير للنعم، وكل شر، وكل شيء مذموم فيه فحش إلا وفيه شيء من الشيطان، وقد يحتمل المعنى الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الكفر أو الفتنة.
والحصيلة أن كلمة "شيطان" صفة أطلقت أصلا على إبليس عندما تمرد على أوامر ربه، لكنها أصبحت تطلق على كل من سار على منواله، وبهذا فكل متمرد من جن أو إنس أو حيوان هو شيطان.
حينما نقرأ إذن كلمة "شيطان" يجب علينا أن نفهمها حسب السياق الذي وردت فيه، ونستحضر كل المعاني الممكنة والمناسبة للمقال والمقام، فالخطأ الذي يرتكبه معظم الناس هو اختزال معنى الشيطان في مفهوم واحد، فيلتبس الأمر ويذهب المعنى وتختفي الحقيقة. فكلمة "شيطان" قد تكون على الحقيقة وقد تكون على المجاز، وهذا على مذهب الشافعي رحمه الله، والقاضي أبي بكر الباقلاني وغيرهما، ممن يجوز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه.

يحي غوردو
25/07/2007, 10:51 PM
في طبيعة الوجود وأشكاله


لا شك أن الشيطان "بمعناه الحقيقي" لا حول له ولا قوة، وأن كيده ضعيف إلاَّ على مستحقيه، لأنه أضعف مما نتصور، من الناحية البدنية على الأقل، وهذا ما يوضحه الحديث الصحيح الذي رواه جابر عن رسول الله  أنه قال: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل...» .
فإذا جازت استحالة هذه الأفعال على الشيطان، جاز بالاستتباع استحالة أن يكون الشيطان إنسانا، لأن الإنسان يمكنه أن يفتح الباب ويحل السقاء ويكشف الإناء... فالشيطان ليس بمقدوره فعل أشياء معقدة كهذه، لكن بإمكانه شرب الماء وأكل الطعام وحضور اللبن... وهذا ما تظهره أحاديث أخرى، قال أبو بكر: الشيطان إذا وجد السقاء غير موكإ شرب. وفي هذا دليل على أن الشيطان كائن مادي، لأنه يعيش على ما هو مادي، فإذا وجد إناء غير مغطى شرب منه فقلت بركته، وكثرت آفاته، وأصبح بإمكانه إيقاع الأذى بالشارب... ففي صحيح مسلم عن حميد الساعدي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع. ليس مخمرا. فقال: (ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا!). وعن جابر ابن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى. فقال رجل: يا رسول الله! ألا نسقيك النبيذ؟ فقال (بلى) قال فخرج الرجل يسعى. فجاء بقدح فيه نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا!) قال فشرب.
ويؤكد ذلك ما ورد في الأثر، عن أم سعيد قالت :«أتيت عليا بسحور فوضعته بين يديه وهو يصلي فلما صلى قال: هلا خمرته، هل رأيت الشيطان حين ولغ فيه، أهرقيه. وأبى أن يشربه.»
جاء في لسان العرب، أن العرب تقول: اللَّبَنُ مُـحْتَضَرٌ ومَـحْضُورٌ فَغَطِّهِ، أَي كثـير الآفة، يعنـي يَحْتَضِرُه الـجنّ والدواب وغيرها من أَهل الأَرض. ولذلك يقال: اللبن مُـحْتَضَرٌ فغطِّ إناءك.
وعن عبد الرحمن بن عوف عن الرسول  قال: «إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني، وأن أؤدبكم: إذا قمتم على أبواب حجركم فاذكروا اسم الله يرجع الخبيث عن منازلكم، وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام فليسم الله حتى لا يشارككم الخبيث في أرزاقكم، ومن اغتسل بالليل فليحاذر عن عورته، فإن لم يفعل فأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه، ومن بال في مغتسله فأصابه الوسواس فلا يلومن إلا نفسه، وإذا رفعتم المائدة فاكنسوا ما تحتها فإن الشياطين يلتقطون ما تحتها فلا تجعلوا لهم نصيبا في طعامكم.»
ويؤيد هذا ما ورد في صحيح مسلم، كتاب الأشربة، عن جابر قال: سمعت النبي  يقول: «إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم يأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إن الشيطان حساسٌ لحاسٌ فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيءٌ فلا يلومن إلا نفسه» .
نستخلص من الأحاديث السابقة أنه إذا سقطت اللقمة في الأرض ولم يلتقطها الإنسان أكلها الشيطان، وهذا يعني أن الطعام الذي يسقط على الأرض أو يرمى في القمامة أوالمزابل قد يكون طعاما للشياطين يرتعون فيه كيفما شاؤوا. والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا: ما هو الكائن أو الكائنات الحية التي تأكل مما يقع على الأرض أومما في المزابل؟ وما هو الكائن الحي الذي بإمكانه أن يدخل الإناء أو السقاء ويلغ فيه ويأكل دون أن نراه؟ إذا عرفنا الجواب أمكننا تحديد هوية الشيطان المذكور في هذه الأحاديث. فمن المحتمل أن يكون معنى الشيطان هنا حية أو ثعبانا أو كلبا لكن هذه الحيوانات كلها يراها الإنسان والله سبحانه يقول: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ (الأعراف/27).
لكن إذا كانت رؤية الشيطان ـ وفق الآية ـ متعذرة على الإنسان فإنها على العكس من ذلك متيسرة للحيوان، أو على الأقل بعض أنواع الحيوان، فقد جاء في الصحيحين: أن النبي  قال: « إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا.». وعن جابر بن عبد اللّه قال، قال رسول اللّه  «إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا باللّه فإِنهنَّ يرين ما لا ترون» ، وروى الطبراني من حديث أبي رافع رفعه: لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان.
أخيرا يبقى احتمال آخر هو أن الشيطان المقصود في الأحاديث قد يكون كائنا مجهريا، فالكائنات المجهرية لا تحل سقاء ولا تفتح بابا ولا تكشف إناء وبالمقابل بإمكانها أن تشرب مما نشرب وتأكل مما نأكل، ونحن لا نراها، ولذلك أخبرنا الله عن الشيطان أنه: كَانَ مِنْ الْجِنِّ لأن من معاني كلمة "الجن"، كما رأينا: ما جن عن العين فلم تره، أي ستر عن عين الإنسان، لكن قد لا يستر عن عين الحيوان، مما يعيدنا من جديد إلى معنى كلمة "الجن".
شياطين الإنس:
قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (الأنعام /112). وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الْأَسْفَلِينَ (فصلت /29)، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (البقرة/14)
اختلف المفسرون في المراد بالشياطين، في الآية الأخيرة، فقال ابن عباس والسدي: هم رؤساء الكفر، وقال الكلبي: هم شياطين الجن، وقال جمع من المفسرين: هم الكهان (تفسير القرطبي)، بينما فسر السعدي شياطينهم: برؤسائهم وكبرائهم في الشر، وقريبا منه ما قاله ابن كثير: شياطينهم، سادتهم وكبراؤهم ورؤساؤهم من أحبار اليهود، ورؤوس المشركين والمنافقين، وقال مجاهد: أصحابهم من المنافقين والمشركين، وقال قتادة: رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر (وهو قول أبي العالية والسُّدي والربيع بن أنَس وغيرهم)، قال ابن جرير: وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن.
جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله  يا أبا ذر:«تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت أوَ للإنس شياطين؟ قال نعم ، فالإنسان قد يصبح شيطانا مجازا أو أخا للشياطين إذا فعل أفعالهم، قال تعالى في سورة الإسراء:  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا  (الإسراء/27).
في كثير من الآيات أمرنا الله سبحانه أن نستعيذ من شر إصابة الشياطين بالهمز، وقربهم ودنوهم منا؛ فتضمنت الاستعاذة أن لا يمسونا ولا يقربونا، وذكر ذلك سبحانه عقب قوله: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون (المؤمنون /96)، فأمرنا أن نحترز من شر شياطين الإنس بدفع إساءتهم إلينا بالتي هي أحسن، وأن ندفع شر شياطين الجن بالاستعاذة منهم، ونظير هذا قوله في سورة الأعراف:خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين(الأعراف /199) وقوله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم(فصلت /34) فهذا لدفع شر شياطين الإنس.
جاءت الاستعاذة من شر شياطين/الإنس، الذين يؤنسون ويرون بالإبصار، بلفظ السميع البصير في قوله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  (غافر/56)، لأن أفعال هؤلاء، أي شياطين/الإنس، أفعال معاينة تسمع بالأذن وترى بالبصر، وأما نزغ شياطين/الجن فوساوس وخواطر يلقونها في القلب ويتعلق بها العلم، فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم منها، وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير، في باب ما يرى بالبصر ويدرك بالرؤية، ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته، بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه الفطري عما هو فيه من الأذى...
الشيطان إذن، له وجود على نوعين: نوع يرى عيانا وهو شيطان الإنس ونوع لا يرى وهو شيطان الجن، لذلك أمر سبحانه وتعالى نبيه أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ومن شر شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه، وجمع بين النوعين في سورة الأعراف وسورة المؤمنين وسورة فصلت. والعفو والإعراض والدفع بالإحسان أبلغ في دفع شر شياطين الإنس، التي تكون أفعالا وأقوالا وسلوكات خارجية، قال الشاعر:
فما هو إلا الاستعاذة ضارعــــا  أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب
فهذا دواء الداء من شر ما يــرى  وذاك دواء الداء مــن شر محجوب.

فعن شياطين الإنس نجد أحاديث كثيرة تبين ذلك، منها ما ورد في صحيح البخاري عن النبي  أنه قال: "إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي، فليمنعه، فإن أبى فليمنعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان". وهناك رواية تجسد لنا كيف كان الصحابة يطبقون ما جاء في هذا الحديث: حدثنا أبو صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة، يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان، فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النبي  يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان" .
يستره: يحجز بينه وبين الناس، والشاب قيل الوليد بن عقبة وقيل غيره، يجتاز: يمر، مساغا: طريقا يمكنه المرور منها، فنال: تكلم عليه وشتمه، ولابن أخيك أي في الإسلام أو لأنه أصغر منه، فليقاتله: معناه الدفع بالقهر، لا جواز قتله، هو شيطان: فعله فعل شيطان. فهذا شيطان الإنس يمر أمام المصلي ويأبى الرجوع.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله  «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود» فقلت يا رسول الله ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر؟ فقال: «الكلب الأسود شيطان» ، فعلل بأنه شيطان أي أن الكلب الأسود شيطان الكلاب لشراسته وعدم الأمن من شره، وهذا كما يقال هذا الطفل شيطان أو فلان شيطان إذا كان صعبا شريرا...
وعن أبي سعيد الخدري قال بينا نحن نسير مع رسول  بالعرج، إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله  «خذوا الشيطان، أو أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا .» قال أبو عبيد: قال بعضهم المراد بهذا الشعر شعر هجي به النبي ، وقال السلف الشعر هنا هو الشعر المذموم وهو الفحش ونحوه، وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد "شيطانا" فلعله كان كافرا، أو كان الشعر هو الغالب عليه، أو كان شعره هذا من المذموم، وبالجملة فتسميته "شيطانا" إنما هو في قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها.
فهنا كلمة شيطان تعني شيطان الإنس، وهي تدخل في عموم اللفظ، أي أن رجلا يفعل أفعال الشياطين من كلام مذموم فاحش وقبيح، وليس الشيطان بالألف واللام، وبمفهوم خصوص اللفظ، أي "الشيطان الرجيم"، ذلك الكائن الحي الذي لا نراه والذي سلط على ابن آدم.
لكل هذا، نظن أن كثيرا من الناس أخطأوا حينما فهموا أن الشيطان يتمثل حقيقة بصورة إنسان، والظاهر أن الإنسان يعمل عمل الشيطان فيصبح مثله مجازا.
وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  رَأَى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ.
ومعنى الحديث أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته، أن يأتي امرأته ويواقعها ليدفع شهوته وتسكن نفسه ويجمع قلبه على ما هو بصدده. قوله  «إن المرأة تقبل قي صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان» قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها، لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بالنظر إليهن وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، فصورة الشيطان، في هذا الحديث، هي الدعاء إلى الفتنة والفاحشة، وقد أخطأ البعض حينما انطلقوا من مثل هذا الحديث فعمموا المعنى واعتبروا المرأة شيطانا بإطلاق، واتهموها بأنها أصل الشر. وبناء عليه فالشيطان ليس بإمكانه أن يتمثل في صورة المرأة، لأنه بكل بساطة يعجز عن فعل ذلك.
أما الحديث الذي يستشهد به معظم الناس ويزعمون، من خلاله، بأن الشيطان يتجسد في صورة إنسان، فهو حديث أبي هريرة  الذي ورد فيه: وكلني رسول الله  بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله ، قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي : "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة"، قال: قلت يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: "أما إنه قد كذبك، وسيعود"، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله : "إنه سيعود"، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله ، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله : "يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟" قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت سبيله، قال: "أما إنه كذبك، وسيعود"، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله  "ما فعل أسيرك البارحة؟" قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: "ما هي؟" قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي : "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟" قال: لا، قال: "ذاك شيطان" .
وفي حديث معاذ بن جبل من الزيادة «وخاتمة سورة البقرة: آمن الرسول إلى آخرها.» وقال في أول الحديث: «ضم إلي رسول الله  تمر الصدقة فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا فشكوت ذلك إلى رسول الله ، فقال لي: هو عمل الشيطان فارصده، فرصدته فأقبل في صورة فيل، فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب في غير صورته، فدنا من التمر فجعل يلتقمه، فشددت علي ثيابي فتوسطته» وفي رواية الروياني: «فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت: يا عدو الله وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله  فيفضحك» وفي رواية الروياني: «ما أدخلك بيتي تأكل التمر؟ قال: أنا شيخ كبير فقير ذو عيال، وما أتيتك إلا من نصيبين، ولو أصبت شيئا دونه ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها، فإن خليت سبيلي علمتكهما. قلت نعم، قال: آية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله: آمن الرسول إلى آخرها»، وأما قوله: «صدقك وهو كذوب» في حديث معاذ بن جبل، فمعناه «صدق الخبيث وهو كذوب» وفي رواية أبي المتوكل: «أو ما علمت أنه كذلك».
قوله: «ذاك شيطان» كذا للجميع، أي شيطان من الشياطين، والشياطين يدخل فيها شياطين الإنس والجن، ووقع في فضائل القرآن: «ذاك الشيطان» واللام فيه للعهد الذهني، وقد وضع أيضا لأبي بن كعب عند النسائي وأبي أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك، إلا أنه ليس فيها ما يشبه قصة أبي هريرة إلا قصة معاذ بن جبل التي ذكرت، وهو محمول على التعدد، ففي حديث أبي بن كعب أنه: «كان له جرن فيه تمر وأنه كان يتعهده، فوجده ينقص، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم، فقلت له: أجني أم إنسي؟ قال: بل جني» وفيه أنه قال له: «بلغنا أنك تحب الصدقة وأحببنا أن نصيب من طعامك، قال: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية، آية الكرسي، فذكر ذلك للنبي  فقال: صدق الخبيث.» وفي حديث أبي أيوب:« أنه كان له سهوة ـ الصفةـ، فيها تمر، وكانت الغول تجيء فتأخذ منه، فشكا ذلك إلى النبي ، فقال: إذا رأيتها فقل باسم الله أجيبي رسول الله، فأخذها فحلفت ألا تعود، فذكر ذلك ثلاثا فقالت: إني ذاكرة لك شيئا: آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره.» وفي حديث أبي أسيد الساعدي: أنه لما قطع تمر حائطه، جعلها في غرفة، وكانت الغول تخالفه فتسرق تمره وتفسده عليه، فذكر نحو حديث أبي أيوب سواء وقال في آخره: «وأدلك على آية تقرأها في بيتك فلا يخالف إلى أهلك، وتقرأها على إنائك فلا يكشف غطاؤه، وهي آية الكرسي، ثم حلت استها فضرطت»، وفي حديث زيد بن ثابت أنه: «خرج إلى حائطه فسمع جلبة فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجن، أصابتنا السنة، فأردت أن أصيب من ثماركم. قال له فما الذي يعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي».
وقد روى النسائي في اليوم والليلة عن إبراهيم بن يعقوب، عن عثمان بن الهيثم، من وجه آخر، عن أبي هريرة بسياق آخر قريب من هذا. قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: إن أبا هريرة كان معه مفتاح بيت الصدقة، وكان فيه تمر، فذهب يوما ففتح الباب، فوجد التمر قد أخذ منه ملء كف، ودخل يوما آخر فإذا قد أخذ منه ملء كف، ثم دخل يوما آخر ثالثا، فإذا قد أخذ منه مثل ذلك، فشكا ذلك إلى النبي ، فقال له النبي : «تحب أن تأخذ صاحبك هذا؟» قال: نعم، قال «فإذا فتحت الباب فقل سبحان من سخرك لمحمد» فذهب ففتح الباب فقال: سبحان الذي سخرك لمحمد، فإذا هو قائم بين يديه، قال: يا عدو الله، أنت صاحب هذا، قال: نعم، دعني فإني لا أعود، ما كنت آخذا إلا لأهل بيت من الجن فقراء، فخلى عنه، ثم عاده الثانية، ثم الثالثة، فقلت: أليس قد عاهدتني ألا تعود؟ لا أدعك اليوم حتى أذهب بك إلى النبي ، قال: لا تفعل، فإنك إن تدعني علمتك كلمات إذا أنت قلتها، لم يقربك أحد من الجن، صغير ولا كبير، ذكر ولا أنثى، قال له: لتفعلن؟ قال نعم، قال ما هن؟ قال: الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم قرأ آية الكرسي حتى ختمها، فتركه فذهب فلم يعد، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي  فقال له رسول الله : «أما علمت أن ذلك كذلك» ، وقد رواه النسائي، وقد روي لأبي بن كعب كائنة مثل هذه أيضا، فهذه ثلاث وقائع.
في الحديث، يقول ابن حجر ، فوائد كثيرة منها أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن، وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها، وأن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به، وأن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن، ولا يكون بذلك مؤمنا، وبأن الكاذب قد يصدق، وبأن الشيطان من شأنه أن يكذب، وأنه قد يتصور ببعض الصور فتمكن رؤيته، وأن قوله تعالى: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم  (الأعراف/27) مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها، وأن من أقيم في حفظ شيء سمي وكيلا، وأن الجن يأكلون من طعام الإنس، وأنهم يظهرون للإنس لكن بالشرط المذكور، وأنهم يتكلمون بكلام الإنس، وأنهم يسرقون ويخدعون، وفيه فضل آية الكرسي وفضل آخر سورة البقرة، وأن الجن يصيبون من الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه، وفيه أن السارق لا يقطع في المجاعة، ويحتمل أن يكون القدر المسروق لم يبلغ النصاب، ولذلك جاز للصحابي العفو عنه قبل تبليغه إلى الشارع، وفيه قبول العذر والستر على من يظن به الصدق، وفيه اطلاع النبي  على المغيبات، ووقع في حديث معاذ بن جبل أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي  وأعلمه بذلك، وفيه جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر وتوكيل البعض لحفظها وتفرقتها...
نلاحظ بعد قراءة هذه الأحاديث أنها تدور كلها حول قصة واحدة، لها سياق عام واحد، وحبكة سردية متشابهة، فهناك تمر وحارس وسارق، وطريقة خلاص السارق من الحارس هي آية الكرسي، لكن اختلف في بطلها، فمرة هو أبو هريرة وأخرى معاذ بن جبل وثالثة أبي بن كعب ورابعة أبو أيوب وخامسة أبو أسيد الساعدي أو زيد بن أبي ثابت، أما السارق فقد اختلف فيه أيضا من رواية لأخرى: فمرة هو رجل فقير ذو عيال أو شيخ كبير جائع، وأخرى هو دابة شبه الغلام المحتلم، وثالثة كائن غريب على صورة فيل، ورابعة غول، وخامسة رجل من الجن... فإذا أقصينا حديث الغول والدابة شبه الغلام المحتلم، يبقى الحديث الذي أورده البخاري أقرب إلى الواقع بالنسبة لنا، والتفسير الذي نسوقه هنا هو أن السارق قد يكون رجلا عمل عمل الشيطان، أي فتح بابا مغلقا وسرق زكاة رمضان من تمر الصدقة وكذب، ودخل مكانا دون أن يستأذن أهله، ولم يوف بما عاهد به، فهذه كلها أعمال الشياطين، لكن الذي قام بها إنسان، لا شيطان، لأن الشيطان لا يمكن رؤيته لقوله تعالى: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم(الأعراف/27)، ولأن شيطان/الجن ليس باستطاعته فتح باب مغلق أو كشف غطاء كما ورد في صحيح البخاري : عن جابر بن عبد الله  رفعه قال: «خمروا الآنية، وأوكوا السقية، وأجيفوا الأبواب واكفتوا صبيانكم عند العشاء، فإن للجن انتشارا وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت». أو كما ورد في صحيح مسلم عن رسول الله  أنه قال: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء»، والشيطان الذي في حديث أبي هريرة قد فتح الباب وسرق التمر وادعى ما ادعاه... وهذه الأفعال، من كذب ونقض عهود وسرقة صدقة في رمضان، أفعال يقوم بها شياطين الإنس، وما يؤيد طرحنا أن شياطين الجن تصفد في رمضان، فقد ورد في الحديث: «إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين» (صحيح البخاري، وأخرجه مسلم في الصيام). وفي صحيح مسلم: قال رسول الله  : "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين"، أي منعت من الوصول إلى بغيتها بالقدر الذي كانت عليه في غير رمضان: فإذا كانت "شياطين الجن" لا تستطيع فتح الأبواب المغلقة، ولا كشف الأواني المغطاة، فضلا عن كونها تصفد بسلاسل قوية في شهر رمضان، فكيف انفلت شيطان المذكور في حديث أبي هريرة وفعل كل ما فعل؟
هناك احتمال آخر يمكن أن نفسر به حديث أبي هريرة، وهو أن الشيطان الذي رآه إنما أتاه في المنام، ورأى منه ما رأى من سرقة التمر لأن أبا هريرة لم يقرأ آية الكرسي حينما آوى إلى فراشه... فالحديث فيه كلمات تشير إلى ذلك هي: ثلاث ليال، الليلة، أصبحت، إذا أويت إلى فراشك، البارحة، لا يقربك شيطان حتى تصبح، في جوف الليل ...