المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل كان إدوارد سعيد أحد كوادر حماس وصقورها؟



غالب ياسين
20/06/2007, 11:15 AM
أثبتت الأحداث الأخيرة، ولا سيما تلك الممارسات غير المُبررة من طرفي النزاع الفلسطيني أن الفصائلية، والإنتماءات الحزبية لهذا الفصيل أو ذاك لم تكن مبنية تماماً علي أسس عقائدية أو فكرية محضة لها أخلاقياتها المدنية، وأبعادها النفسية والتربوية علي أفرادها، وإنما هي نوع من اللجوء القصري شبابيا للإنضواء تحت راية تقيه العزلة وتمنحه القوة والمنعة والخبز، إذ ليسَ كل من دفعته ظروفه القاهرة للإنتماء لاحد الفصائل أضحي كادرا وعنصرا فاعلا عقلا وجسدا في بُنية هذا الفصيل أو ذاك، وعلينا أن نميز بين النظرية والتطبيق إذ لكل قاعدة شواذ ولا سيما في هذا الظرف الفلسطيني المتفجّر بامتياز سياسياً واجتماعيا، وفي ظل المنع والحصار والمداهمات الإسرائيلية، والسكوت الدولي المفضوح!!
فالجيل السابق حكمته ظروف النكبة والهجرة والتشرد والجوع والفقر فلجأ إلي العلم والمبدأ في الدرجة الأولي مكوّنا النواة الأولي فكريا وعقائديا وعلميا وحتي ماديا للمقاومة، تلك المقاومة التي تعرضت للكثير من التجاذبات الأقليمية، وحالة الفوضي العربية بعد هزيمة حرب الخامس من حزيران (يونيو) 1967، ومع ذلك بقيت المقاومة وفية لمبدئها حتي وإن شابها سوء التصرف والتقدير في بعض مراحلها في البلدان العربية. يجب علينا أن نعترف بأن أوسلو يُشبه وعد بلفور من زاوية أنه أعطي حق التفاوض لجهة لا تملك حق التفاوض كاملا علي أرض لم تعُدْ لها وحدها، مثلما كان وعد بلفور وثيقة ممّن لا يملك لمن لا حق له، ولكن الأشجار الضفاوية والغزّية وبراعمها سكتت عن حقها في الشمس والكلمة والحلم خوفا علي وحدة الموقف التاريخي للشعب الفلسطيني، واحتراما للختيار القادم علي صهوة ِ أوسلو مُدججا بالآمال العِراض!!
ومثلما يؤدي التخطيط السليم المُسبق إلي بناء قوي وصامد، تؤدي الفوضي إلي خبط عشواء في كافة مناحي الحياة، وللحقيقة التاريخية فقد حاول الكثيرون التنبيه إلي رخاوة اتفاق أوسلو، ومدي ضبابيته وبالتالي قصوره عن تحقيق الحلم الفلسطيني وعلي رأس تلك الأقلام وأشهرها إدوراد سعيد الذي استمات في دفاعه الديمقراطي والعلمي عن الحلم الديمقراطي، ولكن نداءاته ذهبت أدراج الرياح بل واتـّـُهمَ الرجل بأنه مُعاد للسلام من الشقيق قبل العدو وأبواقه المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومثلما حذ ّر سعيد من هيمنة إسرائيل علي جداول المفاوضات وبنودها، والإنسحابات التي تقررها كما يحلو لها فقد حذر أيضا من دغمائية النظام العرفاتي وفساد الشخصيات المُحيطة به، ففي كتابه (نهاية عملية السلام وبعنوان صغير آخر: أوسلو وما بعدها) الصادر عن دار الآداب بتاريخ 2002، يتضمن هذا الكتاب سلسلة مقالات نشرها إدوراد سعيد في جريدة الحياة ما بين 26 آب (اغسطس) 1995 و23 ايار (مايو) 2001، ومتتبع هذه المقالات وغيرها من الأخبار الآتية من جنة أوسلو الموعودة يُدرك تماما حتمية ما وصلت إليه الأمور في الضفة وغزة الجريحة كما سمّاها الرئيس عباس في أول اجتماع له مع حكومة الطواريء التي يرأسها سلام فياض.
ففي مقالة نشرها سعيد في جريدة الحياة في 7 كانون الأول (ديسمبر) 1999، وتحت عنوان احتجاج طال انتظاره يقول: أصدر عشرون مواطنا فلسطينيا من الضفة الغربية وغزة، كلّهم تقريبا شخصيات بارزة تتمتـّع بشعبية كبيرة، بيانا تضمّن إدانة لاذعة للسلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، مُتـّهما إياها بقدر هائل من الفساد والإذلال والإستغلال وخيانة الشعب الفلسطيني في عملية السلام ... والسماح بشكل عام لأوضاع الفلسطينيين بالتدهور علي كل المستويات.
تـُلقي مسؤولية الكثير من ذلك علي اتفاق أوسلو، ولكن البيان اعتبر عرفات ذاته علي وجه التحديد الطرف الذي يتحمّل أكبر قدر من المسؤولية عن الوضع البائس كله، فقد أشير إليه باعتباره هو الذي شرّع الأبواب للفساد المالي وتضليل الشعب الفلسطيني فيما يتعلق بإنجازات أوسلو، ووعدهم بـ سنغافورة بدلا من المستنقع الراكد الذي يغرق فيه حوالي ثلاثة ملايين شخص، باستثناء 200 إلي 300 شخص من المُحيطين به الذين يتمتعون بمكانة أشخاص بالغي الأهمية (VIP) ويعيشون في أحسن حال. وردّت السلطة بدهائها المُميّز باعتقال أربعة من الموقعين العشرين علي البيان، ووضعت اثنين آخرين قيد الإقامة الجبرية في منزلهما، واستـُدْعيَ آخرون للتحقيق معهم.
وتناولت صحيفة نيويورك تايمز وبضع صحف رئيسية أخري هذه القصة بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1999. لكن لم يضع أي من هذه الصحف المسألة في سياقها الحقيقي، أو فسّرها كما هي عليه فعلا باعتبارها أشبه بقمة كتلة جليد طافية تـُشير إلي ما آل إليه عرفات وشريكتاه الولايات المتحدة وإسرائيل في سلامهم من افتقار إلي الشعبية لا وسط أعداء السلام الإسلاميين فحسب الذين يلحظهم بيل كلينتون حول كل زاوية، ولا وسط عملاء سورية الذين يحلو لأتباع الولايات المتحدة من العرب أن يُلقوا عليهم المسؤولية عن الأصوات المشاكسة لاتفاق أوسلو، ولا وسط أشخاص معزولين مثلي أنا ـ يقول سعيد ـ بل وسط كل الفلسطينيين العاديين ونظرائهم العرب. فهل كان إدوارد سعيد من كوادر حماس وصقورها؟؟!!
هذه نبذة بسيطة عما آلت إليه الأوضاع في العهد الذهبي للسلطة الفلسطينية برئاسة عرفات الذي تـُجمع كافة الفصائل والأحزاب علي احترامه والإشارة إليه كرمز للثورة الفلسطينية وحلم الدولة والسلام بعد عقود من التشرد واللجوء وثلة من التوصيفات الأدبية والشعرية، وها هو نفسه عرفات بعد أن استـَهلـك كل أوراقه في عملية السلام يجردونه من كل أدواته وينعتونه بالرجل غير المناسب لحقبة السلام الموعود.
في تلك الأثناء بالذات ارتفعت وتيرة المُطالبة بإجراء تحقيقات حول الفساد وكشف أوراقه ومحاسبة كل المتسيبين والفاسدين، وكانت الأخبار والتقارير ترد إلي مقر المقاطعة ويُهمس في أذن الختيار عن كل شاردة وواردة تجري بعيدا عنه بين فرسان معركته، وأولئك الذين يحاصرونه جسديا، ومعنويا ابتداء بإسرائيل وأمريكا، مرورا بمبارك والعاهل الأردني، لكنه وَهَنا أو يأسا يقول لهم بأنه لا يُغيّر فرسانه في خضم المعركة، وربما كان يهجس بدنو أجله وشعور المُحيطين به بأن عهده قد ولّي، فأخذوا يتقافزون من القارب قبل غرقه، وتركوه يواجه موته وحيدا.
رحل الختيار في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، بعد أن أدرك حجم الخيبة من المفاوضات والعملية السلمية السلبية، وحجم الخذلان الخارجي لشخصه، ولم يتبقَ من ورقة في يده غير ورقة المقاومة أو لنقل عدم التفريط فيما تبقي من الأرض، وهو يرزح تحت الحصار لا حول له ولا قوة، فهل كان غيرهُ ذا حول وطـَوْل ؟؟ إذ سرعان ما أمسك بزمام السلطة السيد عباس مستفيدا من زخم الشارع الفلسطيني بعد موت الرمز، بيد أن أسلوب الرئيس تميّز بنوع من اللين تجاه الفئة الفاسدة، ولم يحزم أمره بعد واعتمد طريقة الحوار الهاديء إن لم نقل المُداهن داخليا وخارجيا في محاولة منه لإرساء قواعد سياسة عبّاسية جديدة، ولكن هذه السياسة الناعمة لم تفلح في انقاذ الوضع الفتحاوي المتفلت من عقاله، والوضع الفلسطيني المتدهور، وفي ظل مفاوضات سلام تراوح مكانها. استطاع أن يُقنع حماس بإعلان هدنة بيد أنه لم يفلح بإقناع إسرائيل بالعدول عن تنكيلها وتصفياتها المتكررة ضد كوادر المقاومة الفلسطينية بكافة أطيافها، واجتهد نظريا واعدا بتجديد دماء منظمة التحرير الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني بيد أن هذه الوعود لم تراوح مكانها فأضحت صورته مثل رئيس يُتقن مخاطبة الإعلام بامتياز ولكنه نمر من ورق علي أرض الواقع، كل ذلك وخيبات المواطن الفلسطيني تتراكم والوضع يزداد قتامة وينحو إلي المجهول فاختار الشعب الفلسطيني فرس الرهان الآخر ممثلا بحركة المقاومة الإسلامية حماس، وعزا الكثير من المحللين والإعلاميين هذا الخيار إلي سأم الشارع الفلسطيني من قيادات فتح ومحاولة منه لمعقابتهم علي ما اقترفوه في حق شعبهم وقضيتهم لا لقناعته التامة بقدرة حماس علي إدارة الصراع ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية!!
فازت حماس بعملية ديمقراطية نزيهة وحقيقية، وتسلمت السلطة إسميا دون أن تتمكن من أدواتها، وسارع العالم المتحضر الديمقراطي لإعلان تبرمه ورفضه لهذا الفصيل المتطرف!! وبدأت آلة الحصار تطحن المواطن الفلسطيني وتصب زيتها علي نار الفتنة الداخلية، تلك الفتنة التي كانت تحصيل حاصل في نظر المتعمقين في الشأن الفلسطيني، ومفاجأة مدوية لقطاع عريض من أمتنا العربية الإسلامية. هنا وبعيدا عن جلد الذات بشكل سلبي ومُعمق نقول إن هناك طريقين لا ثالث لهما بعد أن رفضت فتح نداءات خالد مشعل للدخول في حوار حول آخر المستجدات، فالطريق الأول هو أن تركب فتح رأسها وتمضي (بمساندة أمريكية وإسرائيلية، وربما من بعض الأطراف العربية) إلي القضاء علي حماس وما قد ينتج عن ذلك من حمامات دم في قطاع غزة، وارتماء تام من طرف فتح في الحضن الصهيوأمريكي!!
والطريق الثاني هو الرجوع إلي الصواب، واستثمار الصحوة الإيجابية في مُحيط الشرفاء من فتح وتغليب العقل ولا سيما أن وحدة الحال تقول أننا جميعا تحت احتلال غاصب لا يني يهدم، ويستلهم كافة النظريات الفوضوية الخلاقة! للإيقاع بين الأخوة، كي يخرج للعالم أجمع بفكرة مفادها أن لا شريك فلسطيني قادر علي إحلال السلام مع الدولة العبرية، هنا تضرب فتح عصفورين بحجر واحد، وتضرب المثل الرائع في نهجها الثوري ورفضها كافة أنواع الإملاءات والتنازلات لصالح قوي لا تبتغي الخير للشعب الفلسطيني.
العصفور الأول هو تنظيف نفسها من الداخل وتطهير هيكليتها مما اعتراه من وهن وسلبية وعمالة، وهي بذلك تقطع الطريق علي هؤلاء كي لا يتم استخدامهم مُستقبلا (في حال توليهم مناصب أساسية) بيادق خاسرة ومُستهلكة وقابلة لتقديم المزيد من التنازلات للعدو، وهي بذلك تتقاطع تلقائيا مع المشروع الحمساوي في محاربة الفساد وتقوية دعائم المقاومة الفلسطينية، وستجد لا محالة اليد الحمساوية ممدودة بل وممنونة لاستئصال هذا الورم من الجسد الفلسطيني الواحد، وهنا بالذات تتمهد الأرضية الصالحة لمفاوضات بين الأخوة علي أسس يرتضيها الجميع.
فؤاد أبوحجلة

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\20e46.htm&storytitle=ffهل%20كان%20إدوارد%20سعيد%20أحد%20كواد ر%20حماس%20وصقورها؟fff&storytitleb=فؤاد%20أبوحجلة&storytitlec=