المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة الى صديقتي المقتولة



صبيحة شبر
20/06/2007, 05:31 PM
رسالة إلى صديقتي المقتولة

هذه رسالتي الأخيرة لك ، سبقتها رسائل عديدة ،أبثك لوا عج قلبي ، وتحدثينني عن متاعبك الآخذة بازدياد وتفاقم ، رأيتك آخر مرة ، وكنت كالعادة دائما ، تضحكين على المصاعب ، وتهزئين بالكوارث ، تقولين عندما نستفسر متعجبين : انك تطردين الهموم والأحزان بضحكك المستمر ، وابتسامتك المتواصلة ، وان الأحزان كلها من الضعف والضالة ، حيث لا تستطيع الصبر ، والمكوث أمام إصرارك ، فتولي مذعورة ,,, مندثرة ,,,, تهرب من دربك ,,,, بعد أن أدركت ,,,, أنه من المستحيل ، أن تئد الضحكة المتواصلة ، الهازئة بالمصاعب ، وأن تقطع الابتسامة الجميلة التي تعلو محياك وتزينك ، عبارتك التي كنت ترددينها باستمرار
- بعدا للألم يا عزيزتي ، وسحقا للانهزام
رأيتك آخر مرة وأنت شبه وحيدة ، في بيتك القديم المتهدم الجدران ، الواطيء السقف ، المشقق ، المقلوع النوافذ ، لقد مضوا جميعا ، وتركوك صلبة ، لا تنال منها المصاعب ، فأنت مازلت تضحكين ,,, تلك الضحكة العالية ، المتواصلة ، ينظر إليك الجميع ، باستغراب ، ثم بعد لحظة ، يقتدون بك ، وتنتقل إليهم العدوى ، تجدينهم يضحكون ، بتواصل ، وبدون انقطاع ، حنى تنتهي أنت من ضحكتك الجميلة ، وانت ترددين جملتك الاثيرة العصية على النسيان
- بعدا للالم ، وسحقا للانهزام

أعدموا زوجك ، وأبنك الكبير ، فقدت ابنتك الوحيدة ، بعد ان صارت ملتاعة ، محطمة القلب ، مكلومة الفؤاد ، ضربوا زوجها أما م عينيها ذلك الضرب المبرح ، وبلا أي مبرر معقول ، بقيت وحيدة ، غريبة ، في ذلك المنزل الكبير والمتهدم ، تمنين النفس ، أن يعود ابنك المتبقي لك في هذه الحياة ، الغريبة بحوادثها العصية على الفهم والتفسير ، عند سقوط النظام الدكتاتوري الأليم ، صفقت بسعادة ، للحدث العظيم ، وانت ترددين الجملة التي استحوذت على الاعجاب :
- بعدا للالم ، سحقا للانهزام
يمكنك الآن أن تكحلي العين ، برؤية ابنك العزيز ، ذهبت إلى كل السجون والمعتقلات التي تعرفينها والتي علمت بشأنها بعد السقوط ، على الأرض ، وتحتها ، تهرأت قدماك ، وأنت تبحثين وتبحثين ، ثم تطلقين تلك الضحكة المجلجلة التي تثير الاستغراب في البداية ، ثم لا تلبث الضحكات أن تنطلق من الأفواه ، بإصرار غريب ، انتظرت أن يعود ابنك الوحيد ن وان تلتئم الشمل أخيرا في أسرة بقي من أفرادها اثنان ، بعد أن طالت يد الظالمين أغلب أفرادها ، طال بك الانتظار ، تورمت ساقاك ، ولم تعودا بقادرتين على حمل جسدك الآخذ بالنحول ، يوما بعد يوم ، يأتيك النبأ بأن ابنك قد أبيد مع الآخرين ، وان حكما بالإعدام قد صدر بحقه ، دون ان تعلمي او يبلغوك ، وإنهم نفذوا الحكم بسرعة ، وأنت هنا في بيتك المتهدم ، تمنين النفس ، ان تري ابنك قريبا ، بعد ان يطلق سراحه ، لم تفقدي اليقين مع كل أنواع البشاعة التي صادفتها ، وجميع فنون القسوة التي تعرضت إليها ، مع أبنائك وزوجك ن وأفراد عائلتك ، حين سمعت بالمصاب الأليم ، هرعت الى مساعدتك ، عل كلماتي القليلة تخفف بعض معاناتك ، تراكمت عليك أنواع من الحزن ، ترمل وثكل ... وفقدان الأحبة ، يصيبك الوجوم في البداية ، وكأنك فوجئت برؤيتي ، فانا مثلك تماما ، وكنت بعيدة عنك ، فلم تتوقعي رؤيتي بعد هذه السنين الطوال ، فانطلقت ضحكاتك المألوفة بإصرار ، وأنت ترددين الجملة التي أحب سماعها منك
- بعدا للألم ، سحقا للانهزام
فلم أجد نفسي إلا وأنا أشاركك الضحك المستمر الطويل أنا، من كان يظن أنني نسيت كيف أضحك ، وفقدت القدرة على الابتسام ، أحذو حذوك ، وأضحك ,أضحك مما يثير استغراب الزائرات اللاتي يأخذن بضحك متواصل ، تتقطع معه الأنفاس .
تبادلنا حديث الذكريات ، كنا نقرأ معا ، ونمشي المسافات الطويلة ، ونحن نغني أغاني فيروز وعبد الوهاب ، مع الفارق الكبير بين الاثنين ،طالما حفظنا الأغاني ،كما نحفظ القصائد ، والآن نسينا كل ما حفظناه ، وكأنه لم يمر على فكرنا ،،،
أخبرتني أنك لم تعودي تقرئين بذلك النهم المعهود ، فقد أنهكتك الأعمال ،أعمال خارج المنزل ، وأعباء داخله ، ترهق الجبال ، ولكنك لست جبلا وإنما امرأة لم يكن الزوج بقربها ، عشت أرملة على الدوام ، تواصلين العمل بعد فقدانك للأحبة ، تواصلين الهزء بالمصاعب بجملتك الجميلة
تكثرين من الأعمال بعد استفحال الغلاء ، وزالت كل الأمنيات بالحصول على لقمة لذيذة ، وشراب هنيء ،،، أخبرتني أنك وحيدة ، غريبة ، تطل عليك أحيانا إحدى الجارات والتي هي مثلك ، قد فقدت الأحبة ، الواحد بعد الآخر ، ويبس منها القلب ، ونشف الدم ، وجفت الدموع ، أخبرتني أنك تشتاقين إلى الأحباب الذين رحلوا ، وتركوك وحيدة ، وأنك تحلمين أحيانا بأنهم يزورونك ، ويبادلونك الحديث ، سائلين عن أحوالك ، مطمئنين على صحتك ،،،، غادرتك وأنا على يقين أنك بخير ، وان الأحزان التي مررت بها لم تعد قادرة على هزيمة القوة الكامنة في أعماقك ،،، تنيت أن أكون مثلك ، أتحلى بنفس التفاؤل ، وتلك القدرة الكبيرة على انتزاع الضحكة من بين براثن الألم
وأنا جالسة في منزلي في الرباط ، أشاهد إحدى الفضائيات ، رأيت أمام عيني ، مشهدا لتفجير سوق شعبي ، بسيارة مفخخة ، رأيت الضحايا المقتولين ، ينقلون ، كنت أنت بعينك ، بعباءتك السوداء السميكة ، ووشاحك الثقيل ، ترقدين بسلام ،لا أحد بجانبك ، فقدت الجميع ولم تتمكني من توديعهم ، ولم تعثري على قبور لهم فقد لايكون لهم قبور ، وها أنت تقتلين ، بأيد غادرة ، فمن سيقوم بما يلزمك من دفن وبكاء ، وإنزال داخل القبر ، قد تشبهين أحبابك الذين رحلوا في أنك لا تحصلين على القبر فيضم جثمانك ،،،، أمعن النظر اليك ،، لان الكاميرا تتوقف عندك طويلا ،، فأرى طيف ابتسامة ، تلوح على وجهك ، لقد استطاعوا أن يقمعوا تلك الضحكة المجلجلة ، كما نجحوا في ان يفقدوني ، صديقتي الوحيدة


صبيحة شبر

محمد فؤاد منصور
25/06/2007, 01:43 AM
الأخت العزيزة صبيحة
لكن الأبتسامة مازالت باقية على أى حال.. نص ملئ بالشجن وروح المقاومة والصبر على فقدان الأحبة الواحد بعد الآخر ..أحيى قلمك المبدع وأتساءل هل كان إختيار الشكل ( رسالة ) مناسباً أكثر من غيره لحمل الفكرة؟ سؤال أطرحه على الأخوة النقاد والمبدعين ..لكنى أشهد بأن إيقاع الكلمات الحزين كان متمشياً تماماً مع حالة الشجن التى سرت فى أرجاء النص..تقبلى تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :vg:

صبيحة شبر
26/06/2007, 10:05 PM
الأخ العزيز والأديب المبدع محمد فؤاد منصور
الشكر الجزيل على القراءة الجميلة
وعلى رأيك الوجيه
دمت بخير وابداع

جمال عبد القادر الجلاصي
30/06/2007, 11:43 AM
المبدعة المميّزة صبيحة

أنت بحق جرّاحة القصة القصيرة

تكتبين بمشرط بقدر ما يؤلم بقدر ما يبحث عن الداء ليستأصله

قد نملأ فوّهات المدافع بباقات الورود

محبتي واحترامي

جمال عبد القادر الجلاصي
30/06/2007, 11:43 AM
المبدعة المميّزة صبيحة

أنت بحق جرّاحة القصة القصيرة

تكتبين بمشرط بقدر ما يؤلم بقدر ما يبحث عن الداء ليستأصله

قد نملأ فوّهات المدافع بباقات الورود

محبتي واحترامي

صبيحة شبر
01/07/2007, 01:55 AM
الأخ العزيز والأديب والشاعر جمال عبد القادر الجلاصي
اشكرك على التقييم الجميل الذي جاد به قلمك المبدع
على قصتي القصيرة
أترقب ما تكتبه تعليقا على كتاباتي بشوق
أتمنى لك التوفيق دائما

صبيحة شبر
01/07/2007, 01:55 AM
الأخ العزيز والأديب والشاعر جمال عبد القادر الجلاصي
اشكرك على التقييم الجميل الذي جاد به قلمك المبدع
على قصتي القصيرة
أترقب ما تكتبه تعليقا على كتاباتي بشوق
أتمنى لك التوفيق دائما

أبويزيدأحمدالعزام
20/09/2007, 09:47 PM
الاديبة صبيحة شبر,,كل ما قرات لك شيئا,احسست بأنك تكتبين من اعماقك,لتهيجي مشاعرنا معك, قصة مفعمة بالشجن وروح الصبر,وتلمس الواقع المريرالذي نعيشه بفقدان من نحب دائما بسبب الحروب والنزاعات المتتالية,,تحية لك ولقلمك المبدع,وسلمت يمناك. ولابد لليل ان ينجلي بصبح مشرق وجميل.
تحياتي واحترامي وتقديري, سيدتي

أبويزيدأحمدالعزام
20/09/2007, 09:47 PM
الاديبة صبيحة شبر,,كل ما قرات لك شيئا,احسست بأنك تكتبين من اعماقك,لتهيجي مشاعرنا معك, قصة مفعمة بالشجن وروح الصبر,وتلمس الواقع المريرالذي نعيشه بفقدان من نحب دائما بسبب الحروب والنزاعات المتتالية,,تحية لك ولقلمك المبدع,وسلمت يمناك. ولابد لليل ان ينجلي بصبح مشرق وجميل.
تحياتي واحترامي وتقديري, سيدتي

طه خضر
21/09/2007, 10:31 AM
بعض الجلادين لا يكتفي بقتل ضحيته ..

بل يطلب منها أن تمت بهدوء ..

قد يزعجه حتى صوت ارتطامها بالأرض ..

تحياتي ..

طه خضر
21/09/2007, 10:31 AM
بعض الجلادين لا يكتفي بقتل ضحيته ..

بل يطلب منها أن تمت بهدوء ..

قد يزعجه حتى صوت ارتطامها بالأرض ..

تحياتي ..

صبيحة شبر
22/09/2007, 12:04 AM
الأخ العزيز أبا هاجر أحمد العزام
تقييم جميل وكلمات عاطرة بالثناء
الشكر الجزيل لك
دمت بخير

صبيحة شبر
22/09/2007, 12:07 AM
الأخ العزيز طه خضر
بعض الجلادين يطلبون من ذوي الضحية ثمن الرصاصات
ويأمرونهم بالصمت وعدم القيام بالفاتحة او البكاء
وقد يطالبونهم بالتخلي عن الجثامين
أسعدني مرورك الكريم