المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البترودولار عائق آخر ضد التحديث



محمد بنعزيز
23/06/2007, 02:36 AM
الفكر النفطي يسترجع مواقعه، دل ذلك أنه امتلكها سابقا ثم فقدها. متى ملكها؟
منذ بداية السبعينات، ساهمت الطفرة النفطية في زيادة وزن الخليجيين في الحياة العربية، كان العمل في الإمارات العربية المتحدة وما زال فرصة اغتناء للجنود المغاربة، استفاد الحسن الثاني من السعوديين لتمويل حرب الصحراء {شراء طائرة الأواكس}، كانت الهجرة للعمل في السعودية حلما، كانت مملكة آل سعود تنفق بسخاء لرفع راية الإسلام في مواجهة القومية، وقد مثلت هزيمة 1967 دحرا لحلم عبد الناصر بتزعم العرب، بعدها تحسن دور المملكة العربية السعودية الإقليمي واستمرت في محاربة الشيوعية، مولت المملكة الجماعات الإسلامية والمجاهدين في أفغانستان أما الإمارات فقد بنت المساجد ودعمت طبع كتب ومجلات الدعوة... بنيت جامعة الأخوين بملايين الدولارات السعودية، وقد كانت جريدة الشرق الأوسط لسان حال هذا الزهو، كانت تنشر أخبار إنجازات المجاهدين الأفغان ضد السوفيات، وقد شعر القراء أن دينهم بخير بفضل جريدة العرب الدولية.
الصدمة الأولى
بعد احتلال صدام للكويت، تعاطفت الشعوب العربية مع المحتل ولم تتعاطف مع الكويتيين، خرج 700ألف مغربي في مسيرة تضامنا مع صدام، لم يفعلوا ذلك حتى بسبب البطالة أو الفساد أو سنوات الرصاص، حتى الفلسطينيين الذين يعرفون طعم الاحتلال جيدا تعاطفوا مع صدام، حينها اكتشف الخليجيون أنهم ممقوتين في العالم العربي، ذهلوا وصدموا وقرروا تغيير الوضع بسرعة وفعالية مهما كلفهم ذلك.
كان لا بد من إعلام مؤثر، هجومي ومكثف، مهني وذي مصداقية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتقاتل الإخوة المجاهدين فيما بينهم، فقدت المملكة السعودية حصان طروادة، كان لا بد من حصان جديد، تم استئجار المزيد من المنابر والإعلاميين اللبنانيين، استعادت جريدة الحياة عافيتها وانضمت إلى جريدة الشرق الأوسط ومجلتي سيدتي وزهرة الخليج في محاولة تغيير صورة الخليجي، تم شراء مجلة "الوطن العربي" فانقلبت على خطها التحريري القومي... لم يقف ضد التيار الإعلامي النفطي إلا جريدة "القدس العربي" وقد أنشأت المخابرات السعودية جريدة "الزمان" بخط تحريري قريب من خط عبد الباري عطوان للتشويش... لكن الجرائد تتوجه للمتعلمين فقط، لذا ظهرت قنوات فضائية فتحت أبوابها للمسلسلات المكسيكية وللدعاة ليأسلموا العالم العربي، وهكذا بدأت قنوات الخليج تحتل الشاشات العربية لتنشر خطاب التقوى وتمنح الإسلاميين منبرا لإبادة كل مظاهر الحداثة، وأشهر مثال هو إهدار دم نصر حامد أبو زيد... حينها كان الإسلاميون في أوجهم، ولا يظهر أي معارض لتقدمهم.
الصدمة الثانية
بعد أحداث 11 سبتمر، اهتز النموذج الخليجي ثانية فحصل تغييران إعلامي واقتصادي.
إعلاميا، لم تعد الأسلمة موضة، أصبحت مصدر رعب، لأنها تقود إلى الجهاد والإرهاب، لذا قلصت القنوات الفضائية الخليجية مظهرها الديني وزادت مظهرها الراقص، وظهر طوفان من القنوت الغنائية التي أنتجت مغنيات لا حصر لهن، احتلت صورة هيفاء وهبي مكان صورة بن لادن وطغت أخبار نانسي عجرم على أخبار طالبان. احتلت مسابقات ستار أكاديمي وما شابهها مكان الدعاة النجوم... وحتى من تبقى منهم فقد شذب لحيته ومرن خطابه، تواضع فصار يعظ ولا يفتي.
اقتصاديا تقلصت الجمعيات الخيرية الخليجية العملاقة، أصبحت تهمة تمويل الإرهاب تتهدد الأثرياء الذين يخرجون الزكاة لتلك الجمعيات، صارت أمريكا تجمد الأرصدة فلزم إخراجها من الدول الغربية، وهكذا غير البترودولار وجهته وجاء إلى المغرب، أعلنت جريدة سعودية عن "استثمار خليجي في المغرب بـ 18 مليار دولار" الرياض 1/4/2006 وأضافت " في سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب وقعت الحكومة المغربية مع مجموعة «دبي القابضة» و«مجموعة إعمار» الإماراتيين ثماني اتفاقيات للاستثمار تهم إنجاز مشاريع للتهيئة والتأهيل السياحي والإقامات السكنية وأكد رئيس «مجموعة دبي القابضة» أن الاتفاقيات التي تم توقيعها تشكل سواء من حيث الحجم أو الجودة سابقة في المغرب والعالم العربي ككل. وقد احتفى المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير المغربي بتلك الاتفاقيات وأكد أن لدى الإماراتيين "قراءة دقيقة لكل ما يجري في المغرب". جريدة الرياض 1/4/2006.
ماذا يجري في المغرب؟ لا شيء، الدافع لقدوم الاستثمارات الخليجية يجري في أمكنة أخرى، أولا الشرق الأوسط خطر، شره أكثر من خيره، مستقبل العراق مجهول، الصراع الفلسطيني يراوح مكانه، الحروب في القرن الإفريقي لا تنتهي، إيران تتسلح، إذن فشبه الجزيرة العربية مهددة من كل الجهات.
ثانيا كان الغرب هو الملجأ الطبيعي للرأسمال الخليجي، لكن أحداث 11 سبتمبر قلبت الوضع، ساهمت في تخويف البترودولار، وقد كانت محنة الإماراتيين شديدة حينما حاولوا شراء حقوق تسيير الموانئ الأمريكية الشرقية. كان الدرس واضحا: الغرب لا يثق بالعرب والمسلمين ليسيطروا على قطاعاته الاستراتيجية.
هكذا أتى الرأسمال الخليجي إلى بلادنا لتأخذ نصيبها في النفط. فالمغرب مستقر وأفضل من لبنان، ليس فيه شيعة مجاهدين، صحيح فيه بعض السلفيين المقاتلين لكنهم يقدرون الوهابية. ثم إن المجتمع المغربي يروق المزاج الخليجي، فالمغاربة مضيافون، بناتهم جميلات وأنيقات، بعضهن يرافقن الخليجيين شرط ألا يلبسوا العباية والكوفية، يجب أن يلبسوا ملابس عصرية ويدفعوا أسعار غرف الفنادق الفخمة، فالشرطة لن تقتحم غرف فندق خمسة نجوم.
لهذه الأسباب مجتمعة يبني الخليجيون كورنيش الرباط، مشروع سياحي بمنطقة أوكيمدن، مركب سكني وسياحي بمدينة طنجة، مارينا الدار البيضاء، مشروع «شريفية» بمراكش، مركب سكني وسياحي على طريق مراكش وارزازات، "بيت التمويل" البحريني سيبني مدينة فروسية في مدينة مراكش ومارينا طنجة وسيمول قروض وفق الشريعة الإسلامية، اشترى السعوديون شركة لا سمير لتكرير النفط، جاء ميلود الشعبي بالخليجيين ليبنوا أسواق السلام... . "ديار ريل استيت" القطرية تنشئ فنادق وعقارات وأبراجاً في طنجة معظمها يطل على البحر المتوسط... هذه استثمارات للأغنياء فقط، إنها مجمعات سياحية وعقارية وترفيهية وتجارية وليست مصانع للتشغيل والإنتاج، فائدتها قليلة على المجتمع المغربي، لن توفر سكنا اقتصاديا وستقدم صورة تحث على الاستهلاك فقط.
الحكومة المغربية تقول أهلا وسهلا لهذه السيولة الهائلة التي تبحث عن مجال للاستثمار المربح، وهذا ما يوفره ارتفاع الطلب على العقار والمساكن الفاخرة، مع وانتقال أعداد كبيرة من الأوروبيين للإقامة في المغرب وشراء عقارات فيه. حتى شركة الضحى ستتجه للاستثمار في العقار الفاخر على حساب شقق "الشراء بثمن الكراء".
هذه الاستثمارات لن تستقر في البلاد مجانا، لابد من دفع الثمن.
"البنية الفوقية تتبع البنية التحتية" حسب ماركس، هذه صيغة ألمانية تستفز الفكر التقليدي، بالعربية "النقود تُسمع صوت أصحابها"، لهذا تدخل الكويتيون الذين يبنون الطرق السيارة في المغرب لتحديد الطرق الذي ينبغي أن يسير فيه الإعلام المغربي، لدينا وقائع متباعدة تخدم الخط نفسه:
1- أولا سمح لجريدة "ألشرق الأوسط" بأن تطبع في المغرب.
2- اشترى السعودي عثمان العمير مجموعة ماروك سوار المقربة من السلطة، وقد حسن العمير الخدمة الإعلامية للمجموعة دون أن يغير خطها التحريري الممجد للنظام في المغرب.
3- تم التراجع عن الترخيص لجريدة "القدس العربي" بالطبع في المغرب، وقد تأسف عطوان لأن التراجع تم تحت ضغط خارجي، والمعروف أن عطوان متهم بالعداء للسعودية.
4- ساند المغرب الأب ضد ابنه في انقلاب قطر، وقد اضطرتْ قناةُ الجزيرة المغربَ ليحسن علاقته مع قطر، كي لا تكون القناة منبرا للبوليساريو.
5- أنشأت قناة {MBC } فرعا مغاربيا لها، وبدأت الجزيرة تقدم نشرة من الرباط، الإعلام المغربي عاجز عن عولمة المشاكل المحلية، لكن القنوات الفضائية الخليجية تتكفل بذلك، وقد جاءت لتستفيد من الفقر الإعلامي المغربي.
6- عاد الإعلامي عبد الرحمان العدوي من الإمارات ليستثمر في الإعلام السمعي البصري في المغرب، وسيجلب معه رؤوس أموال خليجية.
7- تم اتخاذ «تدابير عقابية» في حق مسئول في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لأن "إ ت م " لم تنقل مهرجانا للأغنية جرى في قطر. من يعرف مغنيا قطريا؟
8- أسواق السلام لا تبيع المشروبات المحرمة، وسبب ذلك أن أصحاب الرأسمال يفضلون الحلال.
9- تحسس الشيخ يوسف القرضاوي ضعف الفتوى السريعة في المغرب فتدخل ليحل مشكلة السكن للمغاربة، بأن أجاز لهم أخذ قروض الربا من أبناكهم، وقد اعتبر علماء المغرب هذه الفتوى إهانة، لكن عليهم أن يستعدوا للمزيد من الفتاوي لتعويض صمتهم، ، فالفقه لم ينج من العولمة. ثم أن مجلس علماء المغرب احتج على الفتوى ولم يكذبها، لكن والي بنك المغرب أخذ بها ووعد بتقديم منتوج بنكي إسلامي. سيموله الخليجيون طبعا.
10- اتهم حزب العدالة والتنمية وزارة الثقافة بمنع عرض كتب إسلامية صادرة عن مطابع سعودية في المعرض الدولي الثالث عشر للكتاب في الدار البيضاء. لكن المركز الثقافي السعودي بالرباط أصدر بيانا يكذب في ادعاءات حزب العدالة والتنمية، وقد نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي هذا البيان الذي يبرئ محمد الأشعري. من المتوقع أن تشكر الوزارة المركز على خدمته.
11- انتقد الكويتيون ملف نيشان عن النكت التي يتداولها المغاربة حول الدين والجنس والسياسة. يقول موقع إيلاف لعثمان العمير "كشف مصدر حكومي مغربي مطلع أن قرار منع مجلة "نيشان" المغربية جاء نتيجة "ضغوط خارجية"، مشيرا إلى أن الوزير الأول المغربي إدريس جطو "لا يد له في الموضوع"، رغم أن القرار صدر باسمه وباسم الحكومة... وأكد المصدر نفسه لـ"إيلاف"، أن "عددا من الوزارء لم يعلموا بالقرار قبل صدوره، وأنهم تلقوه من خلال وسائل الإعلام كباقي المواطنين"، مبرزا أن "أيادي خارجية وراء تحريك الملف في المغرب".
هذا درس يبين اتجاه الريح في المستقبل، المغرب بحاجة إلى البترودولار، إذن يجب عليه أن يحترم الخطوط الحمراء للتقوى، وهذا ما يجري، إذ بعد تولي محمد السادس، الملك الحداثي للسلطة، تجاهل الخليجيين، وراج حديث عن برود العلاقات المغربية السعودية، الآن يبدوا أن السلطات العليا في المغرب قد أعادت تقدير أهميتهم، فملايير الدولارات أنفع للحكومة من أفكار محمد سبيلا عن التحديث، وهكذا كثرت زيارات القادة الخليجيين للمغرب وزار محمد السادس عدة دول خليجية وأصبح صديقا لملك البحرين، وسيتعزز هذا الاتجاه أكثر لأن نسبة النمو في دول الخليج تتراوح بين ستة وعشرة في المائة... سيزداد وزن الخليجيين وسيتدخلون، سيتدخلون أكثر، سيصير المغرب حديقتهم الخلفية، استثماراتهم الضخمة مضمونة وصوتهم سيرتفع شيئا فشيئا، سيملكون منابر هنا، فالمغرب قريب من أوربا وبناته أجمل، وكل هذه علامات تجعل المغرب يستقبل المزيد من الاستثمارات والمستثمرين... لذا لن يكتفي نمط حياة النفط باسترجاع مواقعه، بل سيعززها بسهولة في المشهد المغربي، المصيبة أن الفكر النفطي منفصل عن ضرورات الواقع، وقد شخصه عبد الرحمان منيف بشكل عميق في خماسية "مدن الملح"، هذا الفكر لا يملك أي حس نقدي، بل يعادي كل حس نقدي، بعيد عن قيم الجهد والإتقان والاستحقاق، فكر يمجد الشهامة والنخوة الشكلية، فكر قروسطي، محافظ جدا، يعتبر كل محدثة بدعة، لا يتناغم مع الخطاب الحقوقي، يروج لنمط حياة استهلاكي مبالغ فيه، الأولوية للمظاهر وليس للمحاسبة، لأن الثروة هبة لا حصيلة عمل، فكر يعتبر المرأة مصدر لذة، ترتدي الحجاب وسروال الجنز، غير مؤهلة للعمل، فهي لا تستحق حتى قيادة سيارة.
هذا الفكر مدعوم بقوة إعلاميا وماليا، وهو يؤثر سلبا على الأجيال الشابة، يقدم لها قدوة فاسدة، يروج لخطاب سطحي غير مسيس، خطاب متناقض، يتخذ شيوخ الفتاوي السريعة وراقصات الفديو كليب وسيلة للتأثير، مما سينتج أجيالا مدجنة...
وهكذا سيجد المجتمع المدني واليسار المغربي الفقير نفسه في مواجهة خطاب رجعي مدعوم ماليا بشكل فادح. وهذا ما سيوفر عوائق جديدة في وجه قيام المجتمع الحداثي الديمقراطي المغربي، فبجانب الإسلام السياسي والقبلية، انضاف عائق جديد: عقلية مجتمعات النفط المحافظة فكريا والمبذرة اقتصاديا. ما العمل؟
كاتب من المغرب bnzz@hotmail.com

حماني زكرياء
31/12/2007, 04:33 PM
موضوع جميل يا أستاذي
:vg:
:good: