المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "رغبة بوش" و"فرصة اولمرت"!



جواد البشيتي
23/06/2007, 01:34 PM
"رغبة بوش" و"فرصة اولمرت"!

جواد البشيتي

لم نسمع الرئيس بوش يقول إنَّه يرغب في أن يرى "دولة فلسطين (الديمقراطية المسالمة التي تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل)"، التي وعد بقيامها، تقوم قبل مغادرته البيت الأبيض بعد نحو سنة ونصف السنة، وإنْ كان كل الذين يشاطرونه هذه الرغبة لا يختلفون معه في أنَّ من الأهمية بمكان تمييز "الرغبة" من "الالتزام (أو التعهُّد، أو الوعد)"، فإذا كان "وعده" بحلٍّ نهائي يقوم على فكرة "الدولتين (دولة إسرائيل ودولة فلسطين)" قد انتهى، في الرابع عشر من حزيران الجاري، وعلى يديه قبل يدي "حماس"، إلى ما يشبه "دولتين فلسطينيتين" قبل قيام "دولة فلسطين" فهل نصدِّق أنَّ "رغبته" هذه ستنتهي إلى ما هو أفضل؟!

نحن لم نسمعه؛ ولكن اولمرت أبلغ إلينا أنَّ بوش أعرب له عن هذه الرغبة، التي نرغب في أن يسأله صحافي ما عن صدقها. اولمرت، الذي بدا سعيدا بعد إعراب بوش له عن هذه الرغبة، أعرب لنا عن اعتقاده بأنَّه منذ أربعين سنة خلت لم تتهيأ فرصة (للسلام) كمثل الفرصة المهيَّأة الآن، "على الرغم من كل الصعاب". ولا شكَّ في أنَّ أهمية قوله تكمن في كونه لم يتحدَّث من قبل قط عن "تهيَّؤ فرصة (للسلام)"، فالتحدُّث في أمر كهذا ظلَّ عربيا خالصا، وكان فيه من التمنِّي أكثر كثيرا ممَّا فيه من الموضوعية في الاعتقاد والتوقُّع.

إنْ صدَّقْناهما، وهما صنف من قادة الدول لا يُصدِّقه إلا كل من له عين لا تبصر وأُذن لا تسمع، فهذا إنَّما يدعونا إلى أن نفهم الهزيمة التي ألْحقتها "حماس" بالشعب الفلسطيني وقضيته القومية على أنَّها الضارة التي تحوَّلت، أو هي قَيْد التحوُّل، إلى نافعة، ولا بدَّ لنا، بالتالي، من أن نكُفَّ عن كره هذا الشيء الذي سيَثْبُت عمَّا قريب أنَّه كان خيرا لنا.

انتظارنا لن يطول، فَمِن شرم الشيخ، حيث تُعْقَد غدا القمَّة الرباعية، سيأتينا "الخبر اليقين"، إنْ لم يكن كله فبعضه، أو أوَّله، على الأقل. وأحسب أنَّ "القمَّة الرباعية"، مع أنَّ كلمة "الرباعية (في اللجان)" صارت تشبه، في معناها، "السعي في تربيع الدائرة"، تصلح لقيام الأطراف العربية الثلاثة بمحاولة إقناع اولمرت بأن يقف موقفا "أكثر إيجابية" من "مبادرة السلام العربية"، التي لم نعرف بعد على وجه اليقين كم من "التفعيل" تحقَّق لها إسرائيليا على وجه الخصوص، فما عرفناه على وجه اليقين هو أنَّها قد "فُعِّلت" فلسطينيا إذ فعلت "حماس" ما فعلته يوم الرابع عشر من حزيران الجاري.

ولو كان اولمرت يبحث عن "فرصة حقيقية" لـ "سلام حقيقي" لقال بعد "قمَّة الرياض"، وليس بعد هذا الذي حدث في قطاع غزة، إنَّ فرصة حقيقية للسلام لم تتهيَّأ منذ أربعين سنة قد تهيَّأت الآن؛ ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يفهم السلام، وفرصته بالتالي، إلا على أنَّه الحل الذي يمكن أن يصنعه "تطوُّر فلسطيني (وعربي بالتالي)" كمثل "التطوُّر" الذي صنعته "حماس" في قطاع غزة، والذي أسْمَتْهُ "التحرير الثاني"، الذي أمْعَن في مسخ "التحرير الأوَّل".

إنَّ اولمرت يَفْتَرِض أنَّ لدى الفلسطينيين الآن "سلطتين"، تحتاج كلتاهما إلى البقاء، الذي لا يُبقي من الحقوق القومية للشعب الفلسطيني، ومن قضيته القومية، إلا ما يصلح أساسا للحل الإسرائيلي النهائي. وانطلاقا من هذا الافتراض يسعى اولمرت في صوغ وتعيين الشروط الإسرائيلية لبقاء "السلطتين"، فالسلطة التي اغتصبتها "حماس" في قطاع غزة تبقى ما بقيت "الهدنة طويلة الأمد"، ولو كانت هدنة غير مُعْلَنة، وغير مُتَّفَق عليها علانيةً.. وما بقيت حكومة هنية لا تملك من السلطة الحكومية إلا سلطة الأمن الداخلي المدني، ولا اعتراض لديها على المزاوجة بين أوجه "الحصار" المراد استمراره والحلول الدولية للمشكلات الإنسانية لأهل القطاع.

أمَّا في الضفة الغربية فإنَّ "الإيجابية" في "المثال" هنا لن تَظْهَر وتزداد (في الاقتصاد والأمن والاستقرار والشرعية..) إلا بوصفها "نتيجة" لـ "مرونة تفاوضية فلسطينية" لم تَعْهَدها إسرائيل منذ أربعين سنة.

وقد يكتب التاريخ أنَّ إسرائيل اصطادت في الرابع عشر من حزيران 2007 عصفورين بحجر واحد: نهاية المقاومة العسكرية، وانهيار ما بقي من قوَّة تفاوضية لدى الفلسطينيين.