المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المدرسة .



الدكتور ياسر منجي
01/11/2006, 02:55 PM
المدرسة

زلطة ملساء .. تبرق في أشعة الضوء .. نابتة بذكريات متناثرة سوداء .. تجول في فضاء زجاجي غامض .. يحمل خلف ظهره ذكريات فاشلة لعالم سحري مفقود أفلحت " أليس " في دخوله يوما ما .
أتأمل غرابة المنظر المنزلق في المرآة العتيقة .. ناعم نعومة سطحها القديم . خير ما يمكن أن ينطبع على سطحها النابت بذكريات متناثرة سوداء تشي بقدم المرآة و تعكر صفو أديمها الأملس .
ما العلاقة بين دخول المدرسة و بين الإغارة على معالم رأسي في حلاقة جائرة تجردها من معالم صباها الغض ؟!!
- سوف تذهب إلى المدرسة .. !!
غامت مع جمل أخرى في سحابة الدموع التي عجنت الشعيرات الشهيدة في جزات قاسية سادية الملمس ، تشبع قفاي أشواكا تتوج صلب المسيح في جلستي المتململة .. يملح سماءها غصة مخاطية تشيع المرارة في توقع الوداع الأبدي للعب الذي لا يكدر صفوه شئ .
- سوف تذهب إلى المدرسة .. !!
انزلقت الجملة صفراء كئيبة تزيد صفرة المريلة ترابية مضحكة .
ما العلاقة بين دخول المدرسة و بين الإغارة على معالم جسدي تكبيلا بمريلة مغلقة بأزرار خلفية تنزرع على طول نخاعي الشوكي في صف ميكانيكي يتأبى على محاولات ذراعين طفلين في الإفلات المستحيل منها ؟
- سوف تذهب إلى المدرسة .. !!
ارتطمت الجملة ثقيلة لتزرع صخرة " سيزيف " في حقيبة مسلوخة من دابة سيقت إلى قدرها الحتمي ..حقيبة ذات نحاسات أربع مغروسات في أطرافها الأربع .. ذات لجامين أبديين يجذبان كتفي " أطلس " ليحمل تبعاته للأبد .. فيها كل علوم الدنيا مكدسات ، مجلدات ، قميئات بورقهن المقوى المزركش عبثا بورق الجلاد الملون .
وحشة صفراء تجفف حلقي من كل رطوبات الأمان .. تثيرها أقدام لاهيات لتلاميذ يعرفون خطاهم جيدا في هذا السجن الكبير .. وحشة سوداء صدئة في بوابة تكبل كل آمال العودة إلى أحضان المنزل و مراتع الطفولة .
- أمي .. لماذا تتركينني ؟!!
عذاب اللاإجابة .. هلع اللامعرفة .. رعب الضياع المتوقع ... أين أنا ؟!!
قسوة اللامبالاة .. قضبان التعجب و السخرية و الردود العسكرية ...
- اجلس على مقعدك .. أين تظن نفسك ؟!!
ملوحة الدموع التي لا تشفع تذيب فضاء السبورة غير صريحة السواد ... تحديات طبشور أبيض يغرس في عتامة الأفق طلاسم ينبغي الانتباه لها و إلا فلا اجتياز لصراط النجاة ............ 1+1=2 .. أ .. ب .. ت .. " عمر " .. " أمل " .. أمي .. أبي .. أين ذهبا ؟!! .. متى سيعودان ؟!! .. و إذا لم يحدث ، فما المصير ؟!!
- مصير الأشرار إلى النار .. مصير الأبرار إلى الجنة .. إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات .
ذراع مشوهة تتباهى بندبة مجهولة السبب تهوي بعنف لتصفع دموعي بلا سبب و ينداح طنين دوامي بأذني .. قال بعد أن صفعني :
- لماذا تبكي يابن الكلب ؟!! .. قم حل مسألة الحساب !!
- لا أستطيع !!
تهوي صفعة أخرى بعنف
- بليد .. فاشل !!
- لا أستطيع !!
تهوي بعنف .. و ينداح الطنين الدوامي لجرس الفسحة البرونزي الصدئ المشوه المتأرجح المشروخ لسبب مجهول .
- هيييه .. فسحة .. فسحة !!!
ضياع أبدي في دوامات التراب بحوش المدرسة .. بكاء ملتاع ...
- أين أمي ؟!!
لا يجد السؤال منفذا ينفلت منه بين حلقة الأولاد و البنات الذين التفوا حولي ضاحكين ساخرين .
- أين أمي ؟!!
- ها ها ها .. عيوطة .. أمك زمانها جاية .. جاية بعد شوية .. جايبة لعب و حاجات .. ها ها ها .
ينداح الطنين الدوامي .. مشوه بشرخ مجهول السبب .
- هييييييه ... هيييييه .. مرواح .
ضياع كامل ..............................
- إلى أين أذهب ؟!! ... أين البيت ؟!!
تنداح ثم تتجمع صورة معروفة حبيبة .......
- هييييييه .. هييييه .. أمي .. أمي ..
أدفن في أحضانها آمال مستعطفة ...........
- لا أريد أن أجئ إلى المدرسة مرة ثانية .
- عيب يا حبيبي .. لازم تيجي علشان تتعلم .
لم أستطع يوما أن أحب الحساب .. كل الأرقام تبدوا في عيني ذات ندبات مشوهة مجهولة السبب .
كل المسائل تهوي مطارق على رأسي في طنين دوامي مرعب لا يستطيع النفاذ من دائرة الأولاد و البنات المتحلقين حولي ساخرين ..
- ها ها ها ... أمه بتجيبه و توديه .. أمه بتوصله كل يوم ..
لم أستطع يوما أن أرى وجهي و لا رأسي الملساء المغار عليها فوق أديم السبورة الناعم المتناثر فوقه تسلخات عديدة تشي بماض كامل السواد ... تسلخات حارقة يشويها لجامان يحوطان ذراعي و كتفي بصخرة جلدية لدابة سيقت يوما إلى المسلخ عنوة .
لم أستطع أن أفهم السبب في حلاقة رأسي ليتأرجح في طنين ينداح مشوها بشرخ معلوم السبب لموسى أخطأ طريقه في جريانه المحتوم لانتزاع شعيراتي .
رأسي ثقيل برونزي لا يحب الفسحة و يتوق للمرواح .
كنت كلما حاولت حل المسائل و رؤية رأسي في المرآة و متابعة الطبشور في جريانه المحتوم لانتزاع طريقه من سواد السبورة ... كلما حاولت الإفلات من أمي لأصل إلى البيت وحدي دون مساعدتها حتى أنتصر على سخرية الأولاد ... كنت لا أستطيع .

الشربيني المهندس
01/11/2006, 06:06 PM
استاذنا الدكتور ياسر
لا اكتمك فقد اخافتني الزلطة المياء من التقدم ولكن ادهشني تناثر ذكريات سوداء مع مرآة ملساء لقصة بعنوان المدرسة فربما لمحت جزءا من صباي
وفاجأني مستوي السرد العالي لنتجول ما بين فلسفة عميقة ودروس تربوية مستفادة
ما العلاقة بين دخول المدرسة و بين الإغارة على معالم رأسي في حلاقة جائرة تجردها من معالم صباها الغض
هنا اعدت القراءة من جديد دون خوف

الدكتور ياسر منجي
02/11/2006, 10:24 AM
الأستاذ الكريم / الشربيني المهندس
كلنا يا أخي في هذه الإغارة سواء ؛ فهي جزء من إرث استقر - شئنا أم أبينا - في صميم لاوعينا .
و لكن لكن منصفين ، فربما لم نكن جميعا لنعنى أو ننشغل بقضايا الإبداع لو لم يكن هذا المكون الراسخ كعنكبوت قديم في شغاف الروح دائم النبش خلف جراحات الماضي و محرضا إيانا على أن نغزل من نسيج ضمادات الروح أثوابا لأفراح مشتهاة .
شرفتني برأيك فتفضل بقبول فائق احترامي .

اشرف الخريبي
07/11/2006, 01:20 PM
المدرسة

زلطة ملساء .. تبرق في أشعة الضوء .. نابتة بذكريات متناثرة سوداء .. تجول في فضاء زجاجي غامض .. يحمل خلف ظهره ذكريات فاشلة لعالم سحري مفقود أفلحت " أليس " في دخوله يوما ما .



هذا النص يحمل روح المبدع بكل التفاصيل حين يقدم هذه الرؤية الشفيفة والتفاصيل الممتعة
بسرد رائق متميز

تحياتى لك ايها البديع

الدكتور ياسر منجي
08/11/2006, 10:49 AM
الصديق الأستاذ / أشرف الخريبي
ديدن أهل الإبداع الكرم .
و أرى أن كرمكم في تقريظ المحاولة المتواضعة مؤشر دال على ما حزتموه من أصيل القدرة الإبداعية .
خالص احترامي