المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة مرثية فلسطينية للشاعر منير مزيد



Munir Mezyed
29/06/2007, 01:37 PM
بقلم: بهيجة مصري إدلبي

لا شك إن قراءة النص الإبداعي تتطلب البحث عن مفاتيحه ومن ثم البحث في تجلياته وإسقاطاته ، ومدى التفاعل الفني بين هذه الإسقاطات وبين الموضوع ، وبالتالي البحث في النص فنيا وموضوعيا ومن الملفت في هذه القصيدة هذا التآلف الجميل بين النسق الفني والنسق الموضوعي بحيث استطاع الشاعر أن يتعامل مع أكثر الموضوعات مباشرة وهو الموضوع السياسي ولكن بطريقة فنية هادئة ، تحمل الألم والوجع الإنساني الذي يحول القصيدة إلى بيان إنساني من أجل التآلف بين الكائنات .
ولعل من المفاتيح الأساسية في هذه القصيدة هو العنوان ، الذي يمثل بؤرة الرؤيا التي تتمحور حولها القصيدة ، لتكشف المرموزيات والإسقاطات التي سعى إليها الشاعر / مرثية فلسطينية / وهنا لابد من الوقوف عند مرثية وفلسطينية ، لندرك أنه ثمة شيء يستحق الرثاء ، شيء يخص فلسطين ، وليس فلسطين ذاتها ، فالمرثية مرثية فلسطينية وليست مرثية لفلسطين وهنا دلالة على أن الشاعر يدرك ما يريد أن يقوله بدقة ويدرك ما يريد أن يرثيه ، ويدرك من هو الميت ومن هو الباقي ، فإذا بالأمر يتكشف في تفاصيل القصيدة ليدلل على حقيقة المخفي وراء كلمات القصيدة وصورها ورموزها .
فالذي مات هو الحلم الفلسطيني أما فلسطين فباقية خالدة في الضمائر ، لكن الحلم أصبح حلما على الورق ، وفي الشعارات العريضة ، هذا الحلم الذي أهرقت من أجله الدماء واستشهد الشهداء في سبيل استعادته واستعادة القدس وفلسطين التي اغتصبت و ضاعت . فلسطين التي أصبحت حلم الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج ، ولكن هذا الحلم بدأ يذهب أدراج الرياح ، من جراء التمفصلات السياسية التي أرهقت الحلم الفلسطيني ، والحلم العربي ، لتكون القصيدة بالنتحية صراع بين الحلم والواقع ، هذا الصراع الذي يكشف مدى الوجع والألم الذي يتركه الواقع على جسد الحلم الضائع .

ففلسطين ترقد في أعماق النسيان
ممدة تحت إبط الليل
يلفها الحزن والانتظار
ولا أحد منا بات يتذكرها

وأول ما يلفت الانتباه في هذا المقطع هو كلمة / ترقد / وكلمة نسيان / ممدة / ليل / حزن / انتظار
وكل هذه مفردات تتكاتف مع بعضها لتصنع حالة من حالات الهزيمة للحلم ، ولتدخله في حالة من الفجائعية ،
ففلسطين إما نائمة أو مصابة ورغم ذلك فهي غائبة في أعماق النسيان، أعماق المجهول دون أن يكون ثمة أحد يتذكرها ، وبالتالي انفصال الحلم عن حامله وهو الإنسان العربي أو الفلسطيني ، بحيث بقي الحلم وحيدا والإنسان في ضياعه يعاني من التشرد ، وفلسطين تعاني من الانتظار .
والانتظار هنا ينبئ عن استمرار الحلم في داخل فلسطين أما الحلم في داخل الإنسان العربي فقد انتهى ، وبين حلم فلسطين بالخلاص وحلم الإنسان العربي المتلاشي ، يتلاشى الإنسان نفسه ويضيع .
فما الذي تنظره ؟ إنها تنتظر بزوغ الفجر من نهد الحرية وخروج الشمس
من أحشاء التنين
على سيوف الثوار

وهنا تبرز حالة أخرى في القصيدة تشير إلى حالة الخصوبة التي تنتظرها فلسطين من أجل أن تنبعث من جديد ،
وتأتي الألفاظ لتصنع حقيقة هذا الانتظار ، بزوغ الفجر ـ نهد الحرية ـ الشمس من أحشاء التنين ـ
سيوف الثوار ـ وبالتالي نلاحظ هذا التوافق بين شساعة الحلم الذي تنتظره فلسطين لندرك بضياعه فظاعة الحلم فظاعة الحلم الضائع . ومن خلال ارتباط الحلم بحالة الانتظار يؤكد الشاعر على قسوة ذلك الانتظار كاشفا من خلال جمالية وروعة ما كانت تنتظره
تنتظر بزوغ الفجر
من نهد الحرية
ومدلولات نهد الحرية وما يحمل من عطاء وخصب ومن انبعاث ومن تواصل بين الحرية والفجر الفلسطيني كل ذلك يوضح ألم الحلم الفلسطيني . وتنتقل القصيدة إلى مرحلة ثانية وهي مرحلة الوجع حيث استدعت هذه المرحلة وقوفا تأمليا أشبه بالوقوف على الأطلال ولكن هذه المرة على أطلال الحلم الفلسطيني ، ولم يستدع هذا الوقوف بكاء كما كان يفعل الشاعر الجاهلي وإنما استدعى تأملا لأن الموقف هنا يحتاج إلى التأمل وليس إلى البكاء ، ويحتاج إلى البحث عن سبل للخلاص ، ولا يحتاج إلى تذكر وبكاء وندب على ما مضى

قفا نتأمل
لو لمرة واحدة
هذا العبث والجنون
ونتأمل الأرض وهي تتعرى
تتعرى للسماء
ومن خلال لفظتي العبث والجنون ندرك مستوى التأمل الذي يدعو إليه الشاعر صاحبيه ، إنه التأمل المؤلم المدرك لا تأمل الباحث عن المعرفة ، وإنما تأمل المدرك العارف لما يتأمله ، وماجاء هذا التأمل إلا من شدة السخرية المفجعة من منظر التأمل وهو حالات العبث والجنون التي تجتاح الساحة الفلسطينية .
وبجانب هذا العبث ثمة تأمل للأرض وهي تتعرى للمطلق ، وكأنها تبحث عن توحدها للخلاص من هذا الذي يحدث فوقها ، خشية أن تفقد طهرها وقدسيتها ، لذلك آثرا الرحيل والتعري للسماء العارية .
ويبدأ الشاعر بالانتقال إلى تفسير التحولات التي حدثت والتي استدعت هذا الرثاء للحالة الفلسطينية ، وليس لفلسطين ، إنها تحولات جديدة طرأت على القضية الفلسطينية ، وهذه التحولات إنما تقف على النقيض من الحياة ، بل هي التي تمزق هذا الوجود ، وهذه الحياة ، حيث تتحول رغبة الموت والقتل إلى مجرد رغبة في ذلك ، دون أي هدف ودون أية مبررات ، فالموت يشارك الموت ، برغبة الموت ولعبة الكرسي . حيث في هذا الصراع الفلسطيني لا غالب و لا مغلوب ، سوى سفك للدم الفلسطيني بأيد فلسطينية ، مما يساهم ويحقق رغبات المغتصب ، لذلك يشير إليه بأنه تحول يمزق شكل الحياة ، وضمن هذا التحول تيه ندخل فيه برغبتنا القاتلة .
وأكثر حالة توصيفية لهذا الصراع هو وصفه بـ صراع المجانين الذين يمزقون حياتهم لأن العقل يستدعي غير ذلك فلذلك هو جنون عبثي يعبث بكل شيء حتى بالحياة صراع على لا شيء ، صراع على وهم ، صراع على سراب ، على مطر لم يأت بعد ، على سحابة لم تمطر ، على دولة لم تتشكل بشكلها الصحيح ، على حكومة ليس لها كيان، على مستقبل صغير ليس له وجود ،رغم صغره .
وتأتي حالة الاستبدال التي حدثت على القضية الفلسطينية والتي تفسرها هذه التحولات التي تاه فيها الفلسطينيون ، استبدال الحلم ( النهر ـ البحر ـ غابات اللوز ـ والزيتون ـ حدائق البرتقال ـ والرمان ) كل ذلك استبداله بجناح دجاجة ، كمن يستبدل حلمه المطلق بجناح بعوضة ، وبإدراكنا لتفاهة جناح الدجاجة ، الذي لا يحوي شيئا ذا قيمة حتى بالنسبة للدجاجة نفسها كحالة نسبة وتناسب إذا قسنا ذلك بالفائدة المادية ، فما بالك بقيمته بالنسبة للحلم الذي أشار إليه الشاعر ، إن الأمر يبدو مأساويا ، وهنا تبرز حالة تغلب المصالح الشخصية على مصالح الوطن والأمة ،:
كنا نريد شرب الخمر
فأحرقنا كروم العنب
وارتوينا من ماء القطران
وهاهي النتيجة تحول الوطن إلى مجرد كرسي ، وفلسطين إلى مجرد خارطة ممزقة ، الحلم إلى شظايا في الأنواء .
والذي كرّس هذه الحالة فينا هو نسياننا كل الذين ماتوا من أجلنا واستشهدوا من أجل أن يبقى الوطن ، بل أكثر من ذلك تركنا قبورهم تغوص في الرماد ، حتى لم نشأ أن نتركهم للأجيال القادمة لتذكرهم ، إننا بما قمنا به نحاول أن نلغي تاريخ نضالنا ونستبدله بما هو تافه فإذا بالظل / ظل أولئك الذين استشهدوا ـ ظل الوطن ـ ظل الحياة ـ ظل الوجود ، / ينوح بين الأشجار ، يطير مع أسراب الموت ، فإذا بأسراب الحمام التي كانت تبشر بالسلام تحولت إلى أسراب من الموت تبشر بالنهاية الفاجعة .
وبعد كل ذلك يبدأ الشاعر والقصيدة مرحلة أخرى بل أخيرة والتي يؤكد فيها الشاعر على الأمل والخلاص الذي لم تستطع كل التحولات التي حدثت وكل العبث الجنون أن ينتزعه من داخله لأنه رهان على الكلمة على الحقيقة على التاريخ ، على دور الكلمة الفاعل في الوجود العربي والفلسطيني ،
آه ياعصافير الشعر
استيقظي
أخرجي من ضباب السحر
وغردي
إنه يطالبها بالحركة بالغناء لتأخذ الكلمة بالعمل شكل الحلم الذي تنسجه الأشعار وتعيد تشكيله في شكل الحياة والمستقبل ، حيث يتم التآخي بين هؤلاء المتصارعين وتجمع الناي والطبل والماء والنار بعد أن يتم تشكيل الضوء والألوان ، وبذلك يمكن أن تتشكل الحياة الفلسطينية بخيارها الديمقراطي الذي يراهن على الوجود الحقيقي ، لا الصراع من أجل كرسي أو منصب .
القصيدة في لغتها ونسجها الفني من قصائد النثر التي تمتلك شفافية متكاملة بروعتها ، حيث استطاعت التغلب على مباشرة الموضوع السياسي برقة الماء ، لكنه الماء الذي يحفر بالصخر ، ويترك أثرا لا تمحوه الأيام ـ فاللغة كانت شفافة رائقة هادئة هدوء مبضع الطبيب وهو يجري عملية دقيقة في قلب مريض ، وهنا القصيدة تجري عمليتها في جسد الواقع الفلسطيني ، حيث استطاع الشاعر أن يخلق حالة من الانسجام الرمزي بين الرمز ومدلوله ، وخلق حالة من الاستغراق في الحالة الشعرية التي تشف عن الواقع المؤلم ، فكان هذا التوازن بين اللفظة ومدلولها ، وهذا التوازن بين الكلمة أو الجملة الشعرية المكتوبة وبين الجملة البيضاء التي لم يعبر عنها الشاعر بالكلمات وإنما كانت مضمرة ليشكلها القارئ كما يريد ، لكن بالنتيجة لابد وأن يكون النص المنتج نصا يشف عن روح شاعر بارع في صياغة جملته الشعرية ، بشفافية تكفي لأن نرى من خلالها نبضات قلبه وهي تتألم مما يحدث
فالشعر دوما
ينسج الأحلام
يعيد تشكيل الضوء والألوان

بهيجة مصري إدلبي

سمير الشناوي
29/06/2007, 02:04 PM
عزيزي الشاعر الكبير منير

" ادعو الله ان تمنح جائزة نوبل"

ما اجمل هذه الناقدة عندما وصفت القصيدة بقولها "
القصيدة في لغتها ونسجها الفني من قصائد النثر التي تمتلك شفافية متكاملة بروعتها ، حيث استطاعت التغلب على مباشرة الموضوع السياسي برقة الماء ، لكنه الماء الذي يحفر بالصخر ، ويترك أثرا لا تمحوه الأيام ـ فاللغة كانت شفافة رائقة هادئة هدوء مبضع الطبيب وهو يجري عملية دقيقة في قلب مريض .
هذا وصف دقيق للغاية

اسعدنا النقد والتعليق بقدر سعادتنا بالقصيدة نفسها
تحياتي الى هذه الناقدة التي لم اقرا لها من قبل


سمير الشناوي

Munir Mezyed
29/06/2007, 02:14 PM
هذه شاعرة وناقدة سورية
ولها عدة كتب مهمة في النقد وحاليا هي في الامارات الان تشارك في برنامج
امير الشعراء وهي مرشحة قوية لنيل هذا اللقب
اما دعواتك لي بفوز بجائزة نوبل فهذا دعاء محب لحبيب
وانشاء اللة سوف يتحقق

محبتي
منير مزيد

Munir Mezyed
29/06/2007, 02:36 PM
نبذة حول الشاعرة... بهيجة مصري إدلبي


بهيجة مصري إدلبي ..

البلد:سوريا
تاريخ ميلادها :1965 ميلادي

دواوينها :
لها ستة دواوين شعرية أولها : ساعة متأخرة من الحلم 1997
ـ إجازة في اللغة العربية من جامعة حلب .
ـ دبلوم في التربية وعلم النفس
ـ عضو جمعية العاديات بحلب
ـ عضو نادي التمثيل العربي بحلب

صدر لها :
في الشعرتسع مجموعات شعرية
ـ في ساعة متأخرة من الحلم
ـ أبحث عنكَ فأجدني
ـ على عتبات قلبكِ اصلّي
ـ خدعة المرايا
ـ قالت لي السمراء
ـ السمراء في برج الحداد ( إلى الشاعر نزار قباني)
ـ نهر الكلام يعبر من دمي
ـ رحلة الفينيق
ـ سفر التكوين

في الرواية :ثلاث روايات
ـ رحلة في الزمن العمودي
( الحائزة على جائزة الصدى للرواية 2001 )
ـ ألواح من ذاكرة النسيان
( الحائزة على جائزة دار الفكر للرواية العربية 1998) رواية مشتركة
ـ الغاوي / منشورات دار كنعان / 2003 /

في أدب الأطفال :
ـ الضاد تغني " أناشيد للأطفال "
( صياغة قواعد اللغة العربية على شكل أناشيد
الصادر عن المجلس الأعلى للطفولة في الشارقة 2001
ـ الضاد تغني تتمة أجزاء السلسلة للأطفال
ـ مغامرات صائل قصة
ـ مملكة اللغة مسرحية
ـ الضاد تحكي أربعة أجزاء قصص
ـ حجر بيد ودم بيد شعر

في النقد
ـ القصيدة الحديثة بين الغنائية والغموض / دائرة الثقافة
والإعلام الشارقة 2005
ـ وأنجزت جنوني
ـ قراءات في الشعر العالمي / نيرودا ـ ألبرتي ـ لوركا /