بنت الشهباء
02/11/2006, 02:49 PM
يهود الدونمة ... أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية
[بقلم: الشيخ اسعد بيوض التميمي]
بسم الله الرحمن الرحيم
تتميز الديانة اليهودية عن غيرها من الديانات بحرية الخروج على النصوص
التوراتية والإجتهاد، فالحاخام حسب المفاهيم التلمودية يقوم بتعليم الملائكة
أنفسهم التفسيرات التلمودية والإجتهادات حول مختلف القضايا والأمور.
ورغم كون اليهود أقلية صغيرة في العالم، إلا انهم ينقسمون إلى أقليات صغيرة
جدا، منها ما انقرض مثل الصدوقيون، ومنها ماهو قائم تحت تسميات أخرى
كالفريسيين الذين شكلوا المحكمة الأولى لمحاكمة السيد المسيح. والذين يشكلون
الآن الحركة الصهيونية .. وما بين هذين الإتجاهين هناك أقليات لا تزال تحافظ
على معتقدها كالسامريين في مدينة نابلس، الذين يؤمنون فقط بالألواح السماوية
التي نزلت على سيدنا موسى في جبل الطور في سيناء ... اما الأقلية التي تثير
الدهشة والإستغراب بسبب تاريخها الحافل بالمنعطفات الحادة والزاخرة
بالمتناقضات واشارات الإستفهام، فهي طائفة «الدونمة» التي بعثها إلى الوجود
الحاخام المتنبي «شبتاي بن مردخاي بن زئيفي» عام 65 ... لينقل فيما بعد إلى
الإسلام ويصبح اسم جماعته «الدونمة» والتي تعني باللغة التركية المنقلب من
ديانة إلى أخرى ... فما هي قصّة هذا النبي وجماعته؟
ولد شبتاي بن زئيفي في التاسع من آب 1626، وحسب التقويم اليهودي فإن يوم
ولادته يصادف ذكرى هدم المعبد اليهودي في القدس على يد الرومان، ويعتقد اليهود
أن هذا اليوم هو الذي سينزل فيه المسيح اليهودي المخلص، الذي سيحكم العالم،
ويصبح فيه اليهود أسيادا على غيرهم من البشر الذين يعتبرونهم اليهود كائنات
حيوانية خلقها الله على أشكال آدمية، حتى لا ينفر اليهودي من أشكالهم.
رغم كثرة اليهود الذين ادعوا النبوة إلا أن أحدا لم يستحوذ على الإهتمام الذي
دار حول زيفي، فجماعته كانت كبيرة، وأخباره انتشرت إلى أوروبا في الستينيات من
القرن السابع عشر. وأتباعه لا يزالون يحملون اسمه في تركيا «الشبتائية». كان
شبتاي صبيا غريب الأطوار، فقد نشأ على دراسة العلوم الدينية حسب رغبة والده
مردخاي، الذي أراد له أن يصبح حاخاماً ... وما أن بلغ الثامنة عشر من عمره حتى
أصبح حاخاماً معترفا به، إلا أن هذه الدرجة الدينية المرموقة لم تتمكن من وضع
حد لغرابة أطواره وخروجه على الطقوس الحاخامية.
فقد كان الحاخام الصغير يكثر من إنشاء الأشعار والتغني بها وسط حشد من معارفه.
وهو في نفس الوقت يكثر من العزلة التامة لا يكلم أحداً، وما بين عزلته وادماجه
الإجتماعي كان يكثر التلميح إلى المسيح اليهودي الموعود الذي سيقطع دابر الشر
والفقر من على وجه البسيطة، فيكثر الخير وتنبت الأرض حبة القمح بحجم كلية
الثور.
إلا أن خطاب شبتاي الذي يستهوي اليهود كثيراً أثار حفيظه الكثيرين من
حاخاماتهم بسبب نهجه الجديد في اللغة والممارسة، فكان مثلا يلفظ اسم «يهوه»
بدون تبجيل، ولم يكن يتقيد في سلوكه بحرفية التعاليم التلمودية. مما أدى إلى
تآمر حاخامات اليهود في تركيا عليه وطرده منها عام 1654 إلى اليونان.
سافر شبتاي في العام 1662 إلى فلسطين عبر القاهرة حيث تعرف على أحد أثرياء
اليهود وأقام معه علاقة متينة استغلها فيما بعد في فلسطين بسبب فقر اليهود
هناك وحاجة صديقه رفائيل جلبي إلى نفوذ وعلاقات عبر شبتاي المتنبي. عاد إلى
مصر في العام 1663 وأقام هناك سنتين، تعرف خلالهما على اليهودية «سارة» التي
جاءته خصيصا من إيطاليا لاعتقادها أنها ستصبح زوجة المسيح الموعود مما يعني
أنها آمنت به عن بعد، وقد أقيم لهما حفل زواج مميز في قصر صديقه الثري عام
1664، وعاد إلى فلسطين عام 1665 ليعلن على الملأ أنه المسيح الموعود فآمن به
آمن، وثار عليه البعض من الحاخامات وأخرجوه من فلسطين ليعود من جديد إلى
تركيا.
حظي شبتاي في تركيا على تأييد واعتراف واسعين جعلاه يكون من المصدقين أنه حقاً
المسيح الموعود، وجعل لنفسه جملة من الألقاب مثل «ابن الله البكر» و «الرب
زئيفي» وألغى الوصايا اليهودية العشر وجعل عوضا عنها ثماني عشرة وصيته شبتائية
وجعل يوم الصيام الذي يصادف ذكرى هدم المعبد اليهودي في القدس عيداً لميلاده
ألغى فيه الصيام ليصبح يوم فرح ونور وموائد فاخرة ... وأكثر من ذلك فقد قسم
الأرض إلى اثنتي عشر منطقة جعل على كل منها ملكا من أتباعه.
وفي طريقه إلى القصر العالي ليتسم الحكم من الخليفة العثماني تم اعتقاله،
وأنكر أمام الخليفة أنه يدعي النبوة، وزاد على ذلك بأن أعلن أنه مسلم ...
ويعتقد البعض أن طبيب الخليفة اليهودي الأصل هو الذي أقنعه بهذا التكتيك ..
وخرج شبتاي من عند الخليفة يعتمر عمامة شيوخ المسلمين، وأعلنت زوجته «سارة»
إسلامها أيضاً وأصبح يتقاضى راتبا شهرياً من القصر العالي. اعتقد بعض أتباع
شبتاي أن ما حدث يتجاوز فهمهم وأنه سر إلهي ينبغي التعمّق في تحليله، فأظهروا
إسلامهم، فيما رأى البعض أنه لا يجوز تقليد المسيح المخلّص. وكان على رأس
هؤلاء يهودياً يدعي انه يحمل روح أحد أنبياء إسرائيل، يعيش في فلسطين ويدعى
ناثان، حيث أعلن أن ما جرى من المسيح شبتاي إنما هو سر رباني ليس للعامة من
الناس التعرّف عليه، وأن الزمن وحده كفيل بالكشف عن أسراره. وكان شبتاي ينكر
أمام أتباعه اليهود أن الخلاص قد سقط بإعلانه للإسلام، بل يبلغهم أن إنقاذهم
قد اقترب أكثر، بينما يعلن أمام المسلمين أنه مسلم بقناعة راسخة وأن قصة
المسيح الموعود لا تخرج عن اجتهادات الخرافة ... وبقي شبتاي كذلك حتى العام
1676 عام وفاته.
* شبتاي يولد من جديد *
لم يمض على وفاة شبتاي عشرين عاماً حتى ظهر أكثر من شخص ادعوا أن روحه قد حلّت
بهم، فكان شقيق زوجته أول من ادعى ذلك، وادعى يهودياً آخر أن ألوهية شبتاي قد
حلت به، وليس روحه، إلى أن أصبحت الفكرة ظاهرة لقيت حالة قوية من التبني لدى
رجال الدين من اليهود .. حيث اتفقت جماعة منهم عام 1700 على تكوين فرقة دينية
تدعو إلى إحياء الأفكار الشبتائية، وسجلت هذه الحركة انتشارا واسعا في أوروبا
انطلاقا من تركيا، وتمكن دعاة الشبتائية من تأليف عدة كتب تحتوي على تعاليم من
تراث شبتاي بن زئيفي ... وتكاد أبرز الدعوات في الإكثار من اقتراف الذنوب
لتعجيل قدوم المسيح مجسداً في شخص آخر، وذلك بطبيعة الحال لا ينفي ألوهية
شبتاي .. حيث يعتقد أتباعه أنه ليس المسيح، ولكن الله تجسد في شخصه، مما يعني
أن المسيح سوف يأتي لا محالة، وأن أرضية الذنوب التي تستوجب قدومه لم تأت بعد.
لا يعتقد اليهود من أتباع «شبتاي» بصحة التوراة الحالية، لأنه ألغاها، ووضع
عوضا عنها تعاليم ووصايا جديدة...
ويعتقد الشبتائيون «يهود الدونمة» وذلك تبريرا لتاريخ شبتاي، أن الإيمان
الحقيقي هو الذي لا يظهر في سلوك الفرد، وعلى ذلك فإنه يحق للفرد اتباع
مذهبين.
* الدونمة بين اليهودية والإسلام *
تعني كلمة الدونمة كما مر سابقاً المنقلب من دين إلى آخر، وبقيت هذه الديانة
تحافظ على سرية بالغة، استخدم لها لغة عبرية محرفة لفترة طويلة من الزمن، وعلى
الرغم من أن الدونمة يذهبون إلى المساجد إلا أنهم لا ينقطعون عن المعابد
اليهودية ... وقد تبين في مطلع هذا القرن من خلال بعض الكتب الصغيرة الحجم،
التي كتبت بعبرية محرفة، وبأحرف لاتينية أن صلاة الدونمة مأخوذة في غالبيتها
عن الديانة اليهودية، مع الأخذ بعين الإعتبار التعاليم التي أضافيها شبتاي بن
زئيفي ... ومن أبرز شعارات الإيمان عندهم «شبتاي جل جلاله سيجمع بني إسرائيل
المبعثرين في أطراف الأرض الأربعة» و «سأبقى عبد شبتاي المخلص».
وفي الثلاثينيات من هذا القرن ظهر كتاب تركي، ينفي اية علاقة لهذه الجماعة
بالإسلام خاصة وأنهم لا يذكرون في أدبياتهم أي شيء عن الإسلام. وهم يمنعون
الزواج من غير اليهود، الأمر الذي يلتقي عليه حاخامات أيامنا المعاصرة.
أما الأهم من ذلك فهو أن هذه الجماعة لا تشكل شذوذاً عن مختلف الفرق الأخرى
بخروجها على التعاليم التوراتية، ولكنها تلتقي معهم بالإلتزام بالتعاليم
والنصوص التلمودية حيث عثر على وثائق منذ العام 1915 تتضمن أجوبة تلمودية على
أسئلة كان وجهها يهود الدونمة إلى رجال دينهم.
أما وجه الخلاف الرئيسي بين يهود الدونمة والغالبية العظمى من اليهود فهي
شرعية تبادل الزوجات والإباحة الجنسية التي يجريها بعض أتباع الشبتائية ..
يذكر الباحث الشهير ابراهام جلنت، أنه تعرف على بعض طقوس الدونمة الخاصة
بتبادل الزوجات وأنهم يمارسونها على الشكل التالي:
في ليلة الثاني والعشرين من شهر آذار، وهو يوم عيد الحمل، ترتدي نساء الدونمة
أجمل الحلي والثياب، مع الحرص على الظهور بشكل يؤدي إلى إثارة اي رجل، ويحضر
لهذه الليلة أشهر انواع الطعام والشراب، وبعد تناول الطعام تطفأ الأنوار،
ويختلط الجميع في حفلة جنسية إباحية دون تمييز ... وينظر إلى المواليد الذين
يولدون نتيجة الإخصاب في تلك الليلة مميزين عن غيرهم.
* فرق تجمعها المقابر *
ينقسم الشبتائيون إلى ثلاثة اقسام، تفرعت على مر السنين وكثرة الإجتهادات ومن
ادعى أن روح شبتاي قد حلت فيه.
ـ اليعقوبيون :ـ أقدم فروع الدونمة، ويحملون هذه التسمية نسبة إلى يعقوب
فوريدو، الذي ظهر في بولندا عام 1740، وهو من أتباع «بروخيا» الذي ادعى بدوره
الألوهية الشبتائية، ثم ادعى أنه الإله نفسه، ويدعو اليعقوبيون إلى الإكثار من
اقتراف الذنوب لتعجيل قدوم المسيح ... ويتميزون عن غيرهم من اليهود المتدينين
والشبتائيين بعدم الإلتزام بالشبتائية نفسها لحث المسيح على القدوم سريعا ...
ويرتدي اليعقوبيون الطرابيش على رؤوس حليقة، ولا يسمح بحلاقة الذقن إطلاقا ..
وقد انشق عن هذا الفرع جماعة أخرى بزعامة عثمان بابا يدعون الكركاش.
ـ الكركاش :ـ عثمان بابا هو بروخيا جديد من أتباع يعقوب فوريدو ويتميز هؤلاء
بأنهم لا يحلقون شعر رؤوسهم، ولا ذقونهم، ومن أحفاد بروخيا «درويش أفندي» وهو
صاحب الدعوة الإباحية الجنسية مستنداً بذلك إلى تعاليم التلمود التي تفيد بأن
أحد الحاخامات الذي مارس الجنس مع نساء الأرض احتل مكانة مميزة في السماء بعد
موته.
ـ القدماء أو «الكباندجيس» تعني الكلمة الثانية في اللغة التركية القدماء،
ويطلق عليهم أيضا إسم الفرسان، والأنصار الحقيقيين، وقد انشق هؤلاء عن الجماعة
الثانية بعد وفاة «بروخيا» مباشرة، ولا يعترفون به ولا بجماعة اليعقوبيين ..
ويتميزون عن الجميع بمظهرهم، بسبب حلاقة الذقن، وبثقافتهم العالية، واحتلالهم
حتى أيامنا هذه وظائف مرموقة في تركيا.
ورغم الإختلاف بين جميع هذه الفرق، وعدم اعتراف الفرقة الثالثة بالفرقتين
الأخريين إلا أنهم عند الوفاة يتوحدون في قبر موتاهم في مقبرة واحدة لا تستقبل
غير موتاهم.
[بقلم: الشيخ اسعد بيوض التميمي]
بسم الله الرحمن الرحيم
تتميز الديانة اليهودية عن غيرها من الديانات بحرية الخروج على النصوص
التوراتية والإجتهاد، فالحاخام حسب المفاهيم التلمودية يقوم بتعليم الملائكة
أنفسهم التفسيرات التلمودية والإجتهادات حول مختلف القضايا والأمور.
ورغم كون اليهود أقلية صغيرة في العالم، إلا انهم ينقسمون إلى أقليات صغيرة
جدا، منها ما انقرض مثل الصدوقيون، ومنها ماهو قائم تحت تسميات أخرى
كالفريسيين الذين شكلوا المحكمة الأولى لمحاكمة السيد المسيح. والذين يشكلون
الآن الحركة الصهيونية .. وما بين هذين الإتجاهين هناك أقليات لا تزال تحافظ
على معتقدها كالسامريين في مدينة نابلس، الذين يؤمنون فقط بالألواح السماوية
التي نزلت على سيدنا موسى في جبل الطور في سيناء ... اما الأقلية التي تثير
الدهشة والإستغراب بسبب تاريخها الحافل بالمنعطفات الحادة والزاخرة
بالمتناقضات واشارات الإستفهام، فهي طائفة «الدونمة» التي بعثها إلى الوجود
الحاخام المتنبي «شبتاي بن مردخاي بن زئيفي» عام 65 ... لينقل فيما بعد إلى
الإسلام ويصبح اسم جماعته «الدونمة» والتي تعني باللغة التركية المنقلب من
ديانة إلى أخرى ... فما هي قصّة هذا النبي وجماعته؟
ولد شبتاي بن زئيفي في التاسع من آب 1626، وحسب التقويم اليهودي فإن يوم
ولادته يصادف ذكرى هدم المعبد اليهودي في القدس على يد الرومان، ويعتقد اليهود
أن هذا اليوم هو الذي سينزل فيه المسيح اليهودي المخلص، الذي سيحكم العالم،
ويصبح فيه اليهود أسيادا على غيرهم من البشر الذين يعتبرونهم اليهود كائنات
حيوانية خلقها الله على أشكال آدمية، حتى لا ينفر اليهودي من أشكالهم.
رغم كثرة اليهود الذين ادعوا النبوة إلا أن أحدا لم يستحوذ على الإهتمام الذي
دار حول زيفي، فجماعته كانت كبيرة، وأخباره انتشرت إلى أوروبا في الستينيات من
القرن السابع عشر. وأتباعه لا يزالون يحملون اسمه في تركيا «الشبتائية». كان
شبتاي صبيا غريب الأطوار، فقد نشأ على دراسة العلوم الدينية حسب رغبة والده
مردخاي، الذي أراد له أن يصبح حاخاماً ... وما أن بلغ الثامنة عشر من عمره حتى
أصبح حاخاماً معترفا به، إلا أن هذه الدرجة الدينية المرموقة لم تتمكن من وضع
حد لغرابة أطواره وخروجه على الطقوس الحاخامية.
فقد كان الحاخام الصغير يكثر من إنشاء الأشعار والتغني بها وسط حشد من معارفه.
وهو في نفس الوقت يكثر من العزلة التامة لا يكلم أحداً، وما بين عزلته وادماجه
الإجتماعي كان يكثر التلميح إلى المسيح اليهودي الموعود الذي سيقطع دابر الشر
والفقر من على وجه البسيطة، فيكثر الخير وتنبت الأرض حبة القمح بحجم كلية
الثور.
إلا أن خطاب شبتاي الذي يستهوي اليهود كثيراً أثار حفيظه الكثيرين من
حاخاماتهم بسبب نهجه الجديد في اللغة والممارسة، فكان مثلا يلفظ اسم «يهوه»
بدون تبجيل، ولم يكن يتقيد في سلوكه بحرفية التعاليم التلمودية. مما أدى إلى
تآمر حاخامات اليهود في تركيا عليه وطرده منها عام 1654 إلى اليونان.
سافر شبتاي في العام 1662 إلى فلسطين عبر القاهرة حيث تعرف على أحد أثرياء
اليهود وأقام معه علاقة متينة استغلها فيما بعد في فلسطين بسبب فقر اليهود
هناك وحاجة صديقه رفائيل جلبي إلى نفوذ وعلاقات عبر شبتاي المتنبي. عاد إلى
مصر في العام 1663 وأقام هناك سنتين، تعرف خلالهما على اليهودية «سارة» التي
جاءته خصيصا من إيطاليا لاعتقادها أنها ستصبح زوجة المسيح الموعود مما يعني
أنها آمنت به عن بعد، وقد أقيم لهما حفل زواج مميز في قصر صديقه الثري عام
1664، وعاد إلى فلسطين عام 1665 ليعلن على الملأ أنه المسيح الموعود فآمن به
آمن، وثار عليه البعض من الحاخامات وأخرجوه من فلسطين ليعود من جديد إلى
تركيا.
حظي شبتاي في تركيا على تأييد واعتراف واسعين جعلاه يكون من المصدقين أنه حقاً
المسيح الموعود، وجعل لنفسه جملة من الألقاب مثل «ابن الله البكر» و «الرب
زئيفي» وألغى الوصايا اليهودية العشر وجعل عوضا عنها ثماني عشرة وصيته شبتائية
وجعل يوم الصيام الذي يصادف ذكرى هدم المعبد اليهودي في القدس عيداً لميلاده
ألغى فيه الصيام ليصبح يوم فرح ونور وموائد فاخرة ... وأكثر من ذلك فقد قسم
الأرض إلى اثنتي عشر منطقة جعل على كل منها ملكا من أتباعه.
وفي طريقه إلى القصر العالي ليتسم الحكم من الخليفة العثماني تم اعتقاله،
وأنكر أمام الخليفة أنه يدعي النبوة، وزاد على ذلك بأن أعلن أنه مسلم ...
ويعتقد البعض أن طبيب الخليفة اليهودي الأصل هو الذي أقنعه بهذا التكتيك ..
وخرج شبتاي من عند الخليفة يعتمر عمامة شيوخ المسلمين، وأعلنت زوجته «سارة»
إسلامها أيضاً وأصبح يتقاضى راتبا شهرياً من القصر العالي. اعتقد بعض أتباع
شبتاي أن ما حدث يتجاوز فهمهم وأنه سر إلهي ينبغي التعمّق في تحليله، فأظهروا
إسلامهم، فيما رأى البعض أنه لا يجوز تقليد المسيح المخلّص. وكان على رأس
هؤلاء يهودياً يدعي انه يحمل روح أحد أنبياء إسرائيل، يعيش في فلسطين ويدعى
ناثان، حيث أعلن أن ما جرى من المسيح شبتاي إنما هو سر رباني ليس للعامة من
الناس التعرّف عليه، وأن الزمن وحده كفيل بالكشف عن أسراره. وكان شبتاي ينكر
أمام أتباعه اليهود أن الخلاص قد سقط بإعلانه للإسلام، بل يبلغهم أن إنقاذهم
قد اقترب أكثر، بينما يعلن أمام المسلمين أنه مسلم بقناعة راسخة وأن قصة
المسيح الموعود لا تخرج عن اجتهادات الخرافة ... وبقي شبتاي كذلك حتى العام
1676 عام وفاته.
* شبتاي يولد من جديد *
لم يمض على وفاة شبتاي عشرين عاماً حتى ظهر أكثر من شخص ادعوا أن روحه قد حلّت
بهم، فكان شقيق زوجته أول من ادعى ذلك، وادعى يهودياً آخر أن ألوهية شبتاي قد
حلت به، وليس روحه، إلى أن أصبحت الفكرة ظاهرة لقيت حالة قوية من التبني لدى
رجال الدين من اليهود .. حيث اتفقت جماعة منهم عام 1700 على تكوين فرقة دينية
تدعو إلى إحياء الأفكار الشبتائية، وسجلت هذه الحركة انتشارا واسعا في أوروبا
انطلاقا من تركيا، وتمكن دعاة الشبتائية من تأليف عدة كتب تحتوي على تعاليم من
تراث شبتاي بن زئيفي ... وتكاد أبرز الدعوات في الإكثار من اقتراف الذنوب
لتعجيل قدوم المسيح مجسداً في شخص آخر، وذلك بطبيعة الحال لا ينفي ألوهية
شبتاي .. حيث يعتقد أتباعه أنه ليس المسيح، ولكن الله تجسد في شخصه، مما يعني
أن المسيح سوف يأتي لا محالة، وأن أرضية الذنوب التي تستوجب قدومه لم تأت بعد.
لا يعتقد اليهود من أتباع «شبتاي» بصحة التوراة الحالية، لأنه ألغاها، ووضع
عوضا عنها تعاليم ووصايا جديدة...
ويعتقد الشبتائيون «يهود الدونمة» وذلك تبريرا لتاريخ شبتاي، أن الإيمان
الحقيقي هو الذي لا يظهر في سلوك الفرد، وعلى ذلك فإنه يحق للفرد اتباع
مذهبين.
* الدونمة بين اليهودية والإسلام *
تعني كلمة الدونمة كما مر سابقاً المنقلب من دين إلى آخر، وبقيت هذه الديانة
تحافظ على سرية بالغة، استخدم لها لغة عبرية محرفة لفترة طويلة من الزمن، وعلى
الرغم من أن الدونمة يذهبون إلى المساجد إلا أنهم لا ينقطعون عن المعابد
اليهودية ... وقد تبين في مطلع هذا القرن من خلال بعض الكتب الصغيرة الحجم،
التي كتبت بعبرية محرفة، وبأحرف لاتينية أن صلاة الدونمة مأخوذة في غالبيتها
عن الديانة اليهودية، مع الأخذ بعين الإعتبار التعاليم التي أضافيها شبتاي بن
زئيفي ... ومن أبرز شعارات الإيمان عندهم «شبتاي جل جلاله سيجمع بني إسرائيل
المبعثرين في أطراف الأرض الأربعة» و «سأبقى عبد شبتاي المخلص».
وفي الثلاثينيات من هذا القرن ظهر كتاب تركي، ينفي اية علاقة لهذه الجماعة
بالإسلام خاصة وأنهم لا يذكرون في أدبياتهم أي شيء عن الإسلام. وهم يمنعون
الزواج من غير اليهود، الأمر الذي يلتقي عليه حاخامات أيامنا المعاصرة.
أما الأهم من ذلك فهو أن هذه الجماعة لا تشكل شذوذاً عن مختلف الفرق الأخرى
بخروجها على التعاليم التوراتية، ولكنها تلتقي معهم بالإلتزام بالتعاليم
والنصوص التلمودية حيث عثر على وثائق منذ العام 1915 تتضمن أجوبة تلمودية على
أسئلة كان وجهها يهود الدونمة إلى رجال دينهم.
أما وجه الخلاف الرئيسي بين يهود الدونمة والغالبية العظمى من اليهود فهي
شرعية تبادل الزوجات والإباحة الجنسية التي يجريها بعض أتباع الشبتائية ..
يذكر الباحث الشهير ابراهام جلنت، أنه تعرف على بعض طقوس الدونمة الخاصة
بتبادل الزوجات وأنهم يمارسونها على الشكل التالي:
في ليلة الثاني والعشرين من شهر آذار، وهو يوم عيد الحمل، ترتدي نساء الدونمة
أجمل الحلي والثياب، مع الحرص على الظهور بشكل يؤدي إلى إثارة اي رجل، ويحضر
لهذه الليلة أشهر انواع الطعام والشراب، وبعد تناول الطعام تطفأ الأنوار،
ويختلط الجميع في حفلة جنسية إباحية دون تمييز ... وينظر إلى المواليد الذين
يولدون نتيجة الإخصاب في تلك الليلة مميزين عن غيرهم.
* فرق تجمعها المقابر *
ينقسم الشبتائيون إلى ثلاثة اقسام، تفرعت على مر السنين وكثرة الإجتهادات ومن
ادعى أن روح شبتاي قد حلت فيه.
ـ اليعقوبيون :ـ أقدم فروع الدونمة، ويحملون هذه التسمية نسبة إلى يعقوب
فوريدو، الذي ظهر في بولندا عام 1740، وهو من أتباع «بروخيا» الذي ادعى بدوره
الألوهية الشبتائية، ثم ادعى أنه الإله نفسه، ويدعو اليعقوبيون إلى الإكثار من
اقتراف الذنوب لتعجيل قدوم المسيح ... ويتميزون عن غيرهم من اليهود المتدينين
والشبتائيين بعدم الإلتزام بالشبتائية نفسها لحث المسيح على القدوم سريعا ...
ويرتدي اليعقوبيون الطرابيش على رؤوس حليقة، ولا يسمح بحلاقة الذقن إطلاقا ..
وقد انشق عن هذا الفرع جماعة أخرى بزعامة عثمان بابا يدعون الكركاش.
ـ الكركاش :ـ عثمان بابا هو بروخيا جديد من أتباع يعقوب فوريدو ويتميز هؤلاء
بأنهم لا يحلقون شعر رؤوسهم، ولا ذقونهم، ومن أحفاد بروخيا «درويش أفندي» وهو
صاحب الدعوة الإباحية الجنسية مستنداً بذلك إلى تعاليم التلمود التي تفيد بأن
أحد الحاخامات الذي مارس الجنس مع نساء الأرض احتل مكانة مميزة في السماء بعد
موته.
ـ القدماء أو «الكباندجيس» تعني الكلمة الثانية في اللغة التركية القدماء،
ويطلق عليهم أيضا إسم الفرسان، والأنصار الحقيقيين، وقد انشق هؤلاء عن الجماعة
الثانية بعد وفاة «بروخيا» مباشرة، ولا يعترفون به ولا بجماعة اليعقوبيين ..
ويتميزون عن الجميع بمظهرهم، بسبب حلاقة الذقن، وبثقافتهم العالية، واحتلالهم
حتى أيامنا هذه وظائف مرموقة في تركيا.
ورغم الإختلاف بين جميع هذه الفرق، وعدم اعتراف الفرقة الثالثة بالفرقتين
الأخريين إلا أنهم عند الوفاة يتوحدون في قبر موتاهم في مقبرة واحدة لا تستقبل
غير موتاهم.