المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "روابط القرى".. هل تعود بحلَّة جديدة؟!



جواد البشيتي
04/07/2007, 01:33 PM
"روابط القرى".. هل تعود بحلَّة جديدة؟!

جواد البشيتي

بعضٌ من أهم أجزاء "جدار الأمن" الإسرائيلي ابْتُني في منتصف حزيران المنصرم، فـ "انفصال" إسرائيل عن الفلسطينيين في قطاع غزة (لأسباب أمنية على ما زعمه الإسرائيليون من قبل) ظلَّ منقوصا حتى تهيَّأت الأسباب للفصل بين الفلسطينيين في القطاع والفلسطينيين في الضفة الغربية، فهذا الجزء من "جدار الأمن" الإسرائيلي، والذي ليس بـ "جدار حقيقي"، إنَّما ابْتُني من "إجراء" قوامه منع الفلسطينيين في القطاع من الذهاب إلى الضفة، ومنع الفلسطينيين في الضفة من الذهاب إلى القطاع. وغني عن البيان أنَّ الأهمية الأمنية ـ الاستراتيجية للضفة الغربية بالنسبة إلى إسرائيل تفوق كثيرا، وكثيرا جدا، أهمية قطاع غزة؛ ويكفي دليلا على ذلك أن نقارِن بين تأثير صاروخ يُطْلَق من قطاع غزة على جنوب إسرائيل وتأثير صاروخ يُطْلَق من مدينة في الضفة الغربية على شرق إسرائيل.

ومع ذلك، لا تريد إسرائيل، على ما تُثْبته وتؤكِّده أفعالها (العسكرية) في الضفة الغربية، للسلطة الفلسطينية أن تنجح في "إقناع" الجماعات المسلَّحة (في الضفة) بأهمية وضرورة إنهاء وجودها بما يسمح للسلطة باحتكار السلاح والمسلَّحين، وبما يؤسِّس (قدر المستطاع) لنمط "سرِّي" من المقاومة (العسكرية) يَعْدِل جزءا، فحسب، من المقاومة الشعبية المنظَّمة، وكأنَّ الغاية الإسرائيلية هي أن يُنْهى وجود تلك الجماعات بقوَّة السلاح فحسب. لقد قامت إسرائيل بما ينبغي لها القيام به توصُّلاً إلى "إقناع" الجماعات المسلَّحة في الضفة الغربية بمقاومة مسعى السلطة ذاك، فكيف للسلطة أن تنجح في "إقناع" تلك الجماعات بإنهاء وجودها على ذاك النحو إذا ما استمر الجيش الإسرائيلي في ضربها؟!

إنَّ إسرائيل تستمر في الإتيان بمزيد من الأدلَّة على أنَّها لا تريد لـ "السلاح" الفلسطيني في الضفة الغربية أن يُنَظَّم بما يَحُول بينها وبين الاصطياد الدائم في المياه (الأمنية) الفلسطينية العكرة، فالاحتفاظ (في الضفة الغربية) بشيء ممَّا أدى إلى الكارثة في قطاع غزة هو مصلحة سياسية ـ استراتيجية إسرائيلية. ويبدو أنَّ إسرائيل لم تتخلَ بعد عن سعيها إلى "حلٍّ أمني" في الضفة الغربية يقوم، في المقام الأول، على "تعاون عسكري وأمني مباشِر" بينها وبين السلطة التي لم تتخلَ، ولا يمكنها أن تتخلى، عن سعيها إلى أن تنهي في الضفة الغربية كل ما تسبَّب في الكارثة في قطاع غزة؛ ولكن بما يؤكِّد ويعزِّز شرعيتها الفلسطينية.

أمَّا في قطاع غزة فتخوض إسرائيل الصراع وكأنَّها تخوضه توصُّلا ليس إلى إضعاف حركة "حماس" وإنِّما إلى إضعاف أكثر للشرعية الفلسطينية، فالفلسطينيون، بوصفهم "شعبا"، يجب أن يَفْقِدوا، على ما يسعى إليه الإسرائيليون، مرجعيتهم السياسية العليا، وكل قيادة يمكنها الادِّعاء بأنَّها ممثِّلهم الشرعي والوحيد، فما يشبه "روابط القرى" في قطاع غزة والضفة الغربية هو ما تتوفَّر إسرائيل على التهيئة والإعداد له.

اليوم، شرعت إسرائيل تُعِدُّ العُدَّة لإنهاء وجود معبر رفح، فإذا أراد الفلسطينيون في قطاع غزة حلا لبعضٍ من مشكلاتهم الإنسانية فإنَّ عليهم أن يتوصَّلوا إليه عَبْر معبر "كيرم شالوم (كرم أبو سالم)" الذي تُحْكِم إسرائيل قبضتها الأمنية عليه. فإذا فُتِح (وشُغِّل) هذا "المعبر البديل" وقام فلسطينيون بإطلاق القذائف عليه فإنَّهم عندئذٍ يتحمَّلون مسؤولية بقاء مشكلاتهم الإنسانية، أو بعضها، بلا حل. أمَّا إذا قامت "حماس" بمحاولة فتح وتشغيل معبر رفح بقوَّة السلاح فإنَّ محاولتها ستبوء بالفشل؛ لأنَّ المصريين لن يقبلوا فتح بوابته المصرية. وإذا قبلوا، على تعذُّر ذلك، فإنَّ إسرائيل ستُطْلِق على معبر رفح، إذا لم تُعِد احتلاله، من النيران والقذائف ما يجعله مُغْلَقا عمليا.

وبدعوى أنَّ "حماس" قد توسَّعت في حفر الأنفاق تحت الخط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وأنَّها تستخدمها في تهريب السلاح (والمال وأشياء أخرى) إلى القطاع، ستستمر إسرائيل في إغلاق المعابر الحدودية بينها وبين القطاع، وفي ممارسة مزيد من الضغوط الاقتصادية (الكهرباء والماء والوقود والغذاء والدواء..) ومزيد من الضغوط والأعمال العسكرية؛ أمَّا "الهدف النهائي" فلن يكون إلا إسرائيليا خالصا، وهو تحويل سلطة "حماس" في القطاع إلى ما يشبه "روابط القرى"، فتُعْلِن ما يشبه "هدنة طويلة الأجل" مع إسرائيل، وتقبل نشر قوَّة دولية في القطاع تتولى، في المقام الأول، السيطرة على حدوده البرية، وعلى ساحله كله.

وفي الضفة الغربية، لن يكون في مقدور "المفاوِض الفلسطيني"، الذي يحظى بشرعية دولية، أن يحصل على "حلٍّ نهائي" أفضل من الحل الذي تضمَّنته "رسالة الضمانات". وقد تنتهي مفاوضات الحل النهائي إلى حلِّ كهذا، لتبدأ عندئذٍ مفاوضات (أو حوار) توحيد "الشطرين"، أي إزالة آثار "التحرير الثاني"!

جواد البشيتي
04/07/2007, 01:33 PM
"روابط القرى".. هل تعود بحلَّة جديدة؟!

جواد البشيتي

بعضٌ من أهم أجزاء "جدار الأمن" الإسرائيلي ابْتُني في منتصف حزيران المنصرم، فـ "انفصال" إسرائيل عن الفلسطينيين في قطاع غزة (لأسباب أمنية على ما زعمه الإسرائيليون من قبل) ظلَّ منقوصا حتى تهيَّأت الأسباب للفصل بين الفلسطينيين في القطاع والفلسطينيين في الضفة الغربية، فهذا الجزء من "جدار الأمن" الإسرائيلي، والذي ليس بـ "جدار حقيقي"، إنَّما ابْتُني من "إجراء" قوامه منع الفلسطينيين في القطاع من الذهاب إلى الضفة، ومنع الفلسطينيين في الضفة من الذهاب إلى القطاع. وغني عن البيان أنَّ الأهمية الأمنية ـ الاستراتيجية للضفة الغربية بالنسبة إلى إسرائيل تفوق كثيرا، وكثيرا جدا، أهمية قطاع غزة؛ ويكفي دليلا على ذلك أن نقارِن بين تأثير صاروخ يُطْلَق من قطاع غزة على جنوب إسرائيل وتأثير صاروخ يُطْلَق من مدينة في الضفة الغربية على شرق إسرائيل.

ومع ذلك، لا تريد إسرائيل، على ما تُثْبته وتؤكِّده أفعالها (العسكرية) في الضفة الغربية، للسلطة الفلسطينية أن تنجح في "إقناع" الجماعات المسلَّحة (في الضفة) بأهمية وضرورة إنهاء وجودها بما يسمح للسلطة باحتكار السلاح والمسلَّحين، وبما يؤسِّس (قدر المستطاع) لنمط "سرِّي" من المقاومة (العسكرية) يَعْدِل جزءا، فحسب، من المقاومة الشعبية المنظَّمة، وكأنَّ الغاية الإسرائيلية هي أن يُنْهى وجود تلك الجماعات بقوَّة السلاح فحسب. لقد قامت إسرائيل بما ينبغي لها القيام به توصُّلاً إلى "إقناع" الجماعات المسلَّحة في الضفة الغربية بمقاومة مسعى السلطة ذاك، فكيف للسلطة أن تنجح في "إقناع" تلك الجماعات بإنهاء وجودها على ذاك النحو إذا ما استمر الجيش الإسرائيلي في ضربها؟!

إنَّ إسرائيل تستمر في الإتيان بمزيد من الأدلَّة على أنَّها لا تريد لـ "السلاح" الفلسطيني في الضفة الغربية أن يُنَظَّم بما يَحُول بينها وبين الاصطياد الدائم في المياه (الأمنية) الفلسطينية العكرة، فالاحتفاظ (في الضفة الغربية) بشيء ممَّا أدى إلى الكارثة في قطاع غزة هو مصلحة سياسية ـ استراتيجية إسرائيلية. ويبدو أنَّ إسرائيل لم تتخلَ بعد عن سعيها إلى "حلٍّ أمني" في الضفة الغربية يقوم، في المقام الأول، على "تعاون عسكري وأمني مباشِر" بينها وبين السلطة التي لم تتخلَ، ولا يمكنها أن تتخلى، عن سعيها إلى أن تنهي في الضفة الغربية كل ما تسبَّب في الكارثة في قطاع غزة؛ ولكن بما يؤكِّد ويعزِّز شرعيتها الفلسطينية.

أمَّا في قطاع غزة فتخوض إسرائيل الصراع وكأنَّها تخوضه توصُّلا ليس إلى إضعاف حركة "حماس" وإنِّما إلى إضعاف أكثر للشرعية الفلسطينية، فالفلسطينيون، بوصفهم "شعبا"، يجب أن يَفْقِدوا، على ما يسعى إليه الإسرائيليون، مرجعيتهم السياسية العليا، وكل قيادة يمكنها الادِّعاء بأنَّها ممثِّلهم الشرعي والوحيد، فما يشبه "روابط القرى" في قطاع غزة والضفة الغربية هو ما تتوفَّر إسرائيل على التهيئة والإعداد له.

اليوم، شرعت إسرائيل تُعِدُّ العُدَّة لإنهاء وجود معبر رفح، فإذا أراد الفلسطينيون في قطاع غزة حلا لبعضٍ من مشكلاتهم الإنسانية فإنَّ عليهم أن يتوصَّلوا إليه عَبْر معبر "كيرم شالوم (كرم أبو سالم)" الذي تُحْكِم إسرائيل قبضتها الأمنية عليه. فإذا فُتِح (وشُغِّل) هذا "المعبر البديل" وقام فلسطينيون بإطلاق القذائف عليه فإنَّهم عندئذٍ يتحمَّلون مسؤولية بقاء مشكلاتهم الإنسانية، أو بعضها، بلا حل. أمَّا إذا قامت "حماس" بمحاولة فتح وتشغيل معبر رفح بقوَّة السلاح فإنَّ محاولتها ستبوء بالفشل؛ لأنَّ المصريين لن يقبلوا فتح بوابته المصرية. وإذا قبلوا، على تعذُّر ذلك، فإنَّ إسرائيل ستُطْلِق على معبر رفح، إذا لم تُعِد احتلاله، من النيران والقذائف ما يجعله مُغْلَقا عمليا.

وبدعوى أنَّ "حماس" قد توسَّعت في حفر الأنفاق تحت الخط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وأنَّها تستخدمها في تهريب السلاح (والمال وأشياء أخرى) إلى القطاع، ستستمر إسرائيل في إغلاق المعابر الحدودية بينها وبين القطاع، وفي ممارسة مزيد من الضغوط الاقتصادية (الكهرباء والماء والوقود والغذاء والدواء..) ومزيد من الضغوط والأعمال العسكرية؛ أمَّا "الهدف النهائي" فلن يكون إلا إسرائيليا خالصا، وهو تحويل سلطة "حماس" في القطاع إلى ما يشبه "روابط القرى"، فتُعْلِن ما يشبه "هدنة طويلة الأجل" مع إسرائيل، وتقبل نشر قوَّة دولية في القطاع تتولى، في المقام الأول، السيطرة على حدوده البرية، وعلى ساحله كله.

وفي الضفة الغربية، لن يكون في مقدور "المفاوِض الفلسطيني"، الذي يحظى بشرعية دولية، أن يحصل على "حلٍّ نهائي" أفضل من الحل الذي تضمَّنته "رسالة الضمانات". وقد تنتهي مفاوضات الحل النهائي إلى حلِّ كهذا، لتبدأ عندئذٍ مفاوضات (أو حوار) توحيد "الشطرين"، أي إزالة آثار "التحرير الثاني"!