المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الوسيط في ترجمة الشعر الأردي إلى العربية نظماً



إبراهيم محمد إبراهيم
08/07/2007, 11:17 AM
دور الوسيط في ترجمة الشعر الأردي إلى العربية نظماً
د . إبراهيم محمد إبراهيم

اعتمدت اللغة والأدب الأردي في البداية اعتمادا كبيرا على الترجمة من اللغـات الأخرى ، وخاصة اللغة العربية واللغة الفارسية في بناء الثروة اللفظية وتغذية هذا الأدب الوليد ، فكانت الترجمة بمثابة العمود الفقري لها ، ولهذا فقد استطاعت هـذه اللغة ، رغم أن عمرها الأدبي لا يتجاوز خمسمائة عام بكثير ، أن تكون لنفسها تراثا ضخما يحق لها أن تفخر به ، ومع ذلك فقد ظلت اللغة الأردية لفترة كبيرة – ولا تزال – لغة مستقبلة أكثر منها لغة مرسلة ، وهذا أمر لا نعجب له ، إذ أنها نشأت واشتد عودها على الاستفادة والنقل من اللغات من داخل شبه القارة الهندو باكستانيـة وخارجها ، ولهذا لم تنل – إلى فترة وجيزة – حظا من الشهرة باعتبارها لغة تنقل عنها اللغات الأخرى وخاصة في ميدان الشعر كما هو الحال على سبيل المثال في اللغة العربية ، إلى أن جاء العلامة محمد إقبال واشتهر شعره ، وذاع صيته في أرجـاء الدنيا ، وذاع معه صيت اللغة الأردية ، وسارت معه حيث سار ، وتمت ترجمة أشعار إقبال إلى معظم لغات الدنيا ذات الانتشـار الواسع ، كما ترجمت أشعار آخرين غيره ، وإن لم تحظ بما حظيت به أشعار إقبال .
لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن تعرف اللغة العربية على الشعر الأردي جاء متأخرا إلى حد كبير ، بل إن إقبال الذي عرفته الدنيا شرقا وغربا حال حياتــه – بل وفي المراحل الأولى منها – لم تعرفه العربية إلا بعد وفاته بأكثر من عشر سنوات ، ولذلك أسبابه التي من أهمها الظروف التي كانت تعيشها دول العالم الإسلامي كله تقريبا في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، إذ كانت ترزح تحت نيران الاستعمار الذي عمل بكل طاقته على أن لا يدع لشعوب هذه الدول نافذة مفتوحة قد يتسلل منها شعاع الأمل ذات يوم فيدفعهم إلى النهوض من الرقاد والانتباه من الغفلة .
وبالرغم هذا فإن اللغة العربية قد سبقت لغات أخرى كثيرة في هذا المجال بفضل الله تعالى ثم بفضل المصريين الذين كانوا دائما في طليعة أبناء العروبة السباقين إلى ينابيع العلم والمعرفة ، وكان طبيعيا أن تبدأ الترجمة من الشعر الأردي على أيدي المصريين ، وأن يتم التعارف بين شعر إقبال وغيره والشعر العربي بواسطتهم وفي حضورهم ، ويأتي اسم الأستاذ الدكتور / عبد الوهاب عزام رحمه الله تعالى على رأس قائمة الشرف لأولئك الذين ترجموا أشعار إقبال الفارسية والأردية إلى العربية شعرا ، والذي يهمنا هنا هو الترجمة التي قام بها سيادته لشعر إقبـال الأردي ....
ثم تتوالى الأسماء في قائمة الشرف ، فيأتي اسم المرحوم فضيلة الشيخ / الصاوي علي شعلان ، ثم الأستاذ الدكتور / حسين مجيب المصري ، والأستاذ زهير ظاظا والأستاذ / عبد المعين الملوحي من سوريا الشقيقة ، والشاعر الكبير / محمد محمود الزبيري من اليمن الشقيق ، وربما كان هناك غيرهم .
ثم وسع المصريون من دائرة تعرفهم إلى الشعر الأردي ، فحاولوا التعرف على شعراء آخرين إلى جانب إقبال ، فكان الشاعر / ألطاف حسين حالي ومسدسه " مد و جزر إسلام " أو كما اشتهر فيما بعد باسم " مسدس حالي " ، وكذلك الشاعر / حفيظ جالندهري ومنتخبات من رائعته " شاهنامه إسلام " ، ثم أخيرا الشيخ أحمد رضا خان البريلوي وديوانه الأردي " حدائق بخشش " . وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الترجمات التي تمت لأشعار من هم سوى إقبال من شعراء الأردية إلى العربية شعرا قام بأكثرها الأستاذ الدكتور / حسين مجيب المصري ، ولم يتقدم آخرون غيره باستثناء الزبيري – على حد علمنا – إلى هذا المجال حتى وقتنا هذا .
هذا عن الترجمات المنظومة للشـعر الأردي ، أما الترجمات النثرية من هذا الشعر فكانت أكثر تنوعا ، وضمت عددا أكبر من الشعراء بما فيهم إقبال ، لكن هذه الترجمات في معظمها تمت في الرسائل العلمية – ماجستير ودكتوراه – داخل أروقة الجامعات المصرية في فترة لا تتجاوز الربع قرن تقريبا ، ولذا فقد فقدت جزءا كبيرا من أهميتها بمجرد حصول الباحث على الدرجة العلمية التي سجل من أجلها رسالته ، ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه الترجمات قام بها الباحثون في مرحلة سنية مبكرة ، جنبا إلى جنب مع افتقادهم – بطبيعة الحال – إلى تراكم الخبرات اللازم للخروج بترجمة جيدة ، ولذلك فلن نتعرض لها بالدراسة والنقد في هذا البحث ، إذ سيكون ذلك ظلما لأصحابها ، إلا أن يعيدوا النظر فيها ، ويقوموا بتنقيحها وإصدارها في كتب لعامة القراء ، حينئذ تصبح دراستها وتناولها بالتحليل والنقد أمرا لا مفر منه ، وعلى أية حال فإننا هنا سنقصر بحثنا – طبقا لعنوانه – على الترجمات المنظومة والتي كان للوسيط دور فيها ، وتم طبعها ، وهي بين أيدينا .
والوسيط الذي نقصده هنا ليس هو الوسيط المقصود في مصطلح الأدب المقارن من أنه الشخص الذي يقوم بنشر أدب لغة ما وتراثها بين اللغات الأخرى ، وإنما الوسيط الذي نعنيه هنا هو ذلك الشخص الذي يتوسط بين الشاعر المنقول عنه ، والشاعر الذي يصوغ الأشعار في اللغة المنقول إليها ، أي أنه الشخص الذي يقوم بترجمة الأشعار الأصلية إلى نثر ، ونقل مفهومها إلى الشاعر الذي يقوم بصياغة هذه الترجمة وهذا المفهوم إلى اللغة التي ينقل إليها . ورغم أن الوسيط في اصطلاح الأدب المقارن ، والوسيط الذي نقصده هنا يشتركان في أن كلا منهما يسهم في نشر أدب لغة ما بين اللغات بنسب متفاوتة ، وهي نفس النسبة التي يشتركان فيها باعتبار كل منهما وسيطا ، إلا أن الوسيط الذي نعنيه هنا ينحصر دوره في الترجمة وشرح المعاني ، بينما الوسيط كاصطلاح للأدب المقارن هو صاحب الدور الأكبر ،وهو الذي يتجه إليه القارئ مباشرة حين يطالع ما يكتبه ، إذ أن دوره هنا لن ينحصر في الترجمة أو النقل والصياغة فقط ، وإنما يمتد ليشمل الكتابة والتأليف بما يساعد في التعريف بالأدب المنقول عنه لدى قراء الآداب الأخرى . وقد يكون الوسيط لغة ثالثة بين اللغة المنقول عنها واللغة والمنقول إليها ، بمعنى أن تكون هناك ترجمة لأشعار اللغة التي يقصد النقل عنها إلى لغة غير اللغة التي سيصوغ الشاعر الناقل فيها هذه الأشعار الأصلية – وهي في حالتنا هذه اللغة العربية - ، وظاهر أنه في كل الأحوال ستكون هناك فرضية بأن الشاعر الناقل لا يعرف اللغة الأصلية تماما ، أو أنه بعرفها ، ولكن ليس بالقدر الذي يمكنه من استيعاب المعنى على الوجه الذي يرمي إليه الشاعر الأصلي ، وهنا يصبح لزاما عليه أن يستعين بمترجم ينقل إليه معنى الأشعار ويشرحها له . وقد يذكر الشاعر الناقل اسم هذا الوسيط بشكل واضح على غلاف الترجمـة جنبا إلى جنب مع اسمه باعتباره مترجما إلى النثر ، وهو – أي الشاعر – صاحب الصياغة ، وقد يذكره ضمنا في المقدمة ، أو في هامش من الهوامش ، وقد لا يذكره أصلا ، وفي كل الأحوال نادرا ما تتضمن الصياغة الشعرية نص الترجمة النثرية التي قام بها الوسيط ، وهو ما يجعل من تحديد مسئولية الأخطاء أمرا صعبا ، وبالتالي تتوزع المسئولية بين الوسيط والشاعر الناقل ، بينما لو كان الوسيط لغة ، فإن النص هنا يصبح في متناول اليد ، وبالتالي يمكن للباحث تحديد مسئولية الأخطاء بدقة . هذا وقد لعب الوسيط بقسميه – الشخص واللغة – دورا خطيرا في ترجمة الشعر الأردي إلى العربية نظما .
إن الترجمة من لغـة إلى أخرى ليست بالأمر الهين ، فهي تحتاج إلى موهبة أصيلة ، ومهارة فائقة ، وجهد جهيد ، ورغم أن الترجمة فن مكتسب إلا أن موهبة نقل مشاعر الآخرين والتعبير عنها أمر لا يتيسر لكل أحد ، وأما المهارة فإنها لا تتأتى إلا بالتمرين المستمر والممارسة المتواصلة ، وإذا كانت ترجمة النثر صعبة ، فإن ترجمة الشعر أكثر صعوبة ، وترجمة الشعر إلى شعر ربما تكون دربا من المخاطرة ، وخاصة إذا كانت عن طريق وسيط ، ولشاعر صاحب نظريات وفلسفة معينة كإقبال ، حتى قال الشاعر محمد محمود الزبيري ، وهو من هو في مكانته في عالم الشعر ، عن هذا الأمر : " ولا ريب أنه ليس من اليسير أن يترجم الشعر إلى نثر ، فكيف به أن يترجم إلى شعر ... إنها لمعضلة كنت أشعر معها وأنا أترجم بعض المعاني ترجمة حرفية بأنني أظلم إقبالا ، وأنتزع روح شعره من جثمانها ، ثم أرغمها على أن تسكن جثمانا آخر ... وهيهات . إن سر التركيب الشعري لا يستعصي على الترجمة من لغة إلى أخرى فحسب ، بل إنه ليستعصي حتى على نقل معناه باللغة ذاتها إلى تركيب آخر ، وأعجب من ذلك أنه يتمرد حتى على الشرح والتفسير ، فمن يشرح البيت الشعري الرائع أو ينثره إلى لغته ذاتها لا يستطيع أن ينقل عناصر الإحساس الكامنة في تركيب ذلك البيت إلى الجمـلة المنثـورة أو المفسرة ، فكيف به يستطيع أن يترجمه إلى لغة أخرى " . وإذن فقد تؤدي ترجمة شاعر ما إلى ذيوع نظرياته وفلسفته ، وقد تؤدي إلى سوء فهم لها ، وتقف عقبة في سبيل انتشارها ، وكما يقول الشيخ الصاوي علي شعلان : " وكثيرا ما يحدث أن يكون المترجم غير متمكن من اللغة التي يترجم منها أو التي يترجم إليها ، وفي هذه الحالة تخرج الترجمة معقدة غير مفهومة ، بل كثيرا ما تكون بعيدة كل البعد عن الأصل ، وعلى الأخص إذا كانت الترجمة عن ترجمة أخرى غير اللغة الأصلية للنص ... لأن المترجم من لغة أصلية إلى لغة أخرى كثيرا ما يخونه الفهم ، ويجد الصعوبة في هضم أفكار الشاعر الذي يترجم له ، والتي نظمها بلغة غير لغة المترجم ، وبذلك تبعد الترجمة عن الأصل بعدا كبيرا ، وتخرج وقد حوت أفكارا أخرى غير تلك التي نظمها الشاعر الأصل .............. وترجمة الشعر تتطلب أمرين ، أولهما : أن تكون اللغة الأصلية للشعر طوع أمر المترجم عالم بدقائقها ، وأن تكون لغته هو كذلك طيعة له عارف بأسرارها عالم بأساليبها " .
ومن هنا فإننا لا نتردد في القول بأنه لا يمكن لترجمة الشعر إلى شعر عن طريق وسيط أن تؤتي ثمارها المرجوة في التقديم الصحيح للشاعر المترجم عنه ، اللهم إلا في التعريف البسيط به لدى القارئ العادي ، وليس القارئ المتخصص المثقف ، وفي حالة إقبال نستطيع أن نجزم بأنه لولا الترجمات التي تمت لشعر إقبال الفارسي إلى العربية لما أمكن التعريف بإقبال لدى العرب على الوجه الصحيح ، والسبب في ذلك هو أن هذه الترجمات تمت إلى العربية من الفارسية مباشرة وبغير وسيط ، بمعنى أن المترجمين كانوا من المجيدين للغة الفارسية ، ومن حسن الطالع أن أول من ترجم لإقبال من الفارسية إلى العربية شعرا كان شاعرا موهوبا مثقفا محبا لإقبال مستوعبا لفلسفته متفاعلا معها جنبا إلى جنب مع إجادته التامة للفارسية وهو الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام ، ونظن أن الترجمة لإقبال إلى العربية لو بدأها أحد غير الدكتور عبد الوهاب عزام لاختلف الأمر تماما ، ولكانت الصورة التي عليها إقبال الآن عند العرب أقل وضوحا ، وأكثر غموضا ، وإذا كانت الترجمات التي تمت لأشعار إقبال إلى العربية شعرا عن طريق وسيط مفهومة ومعبرة بعض الشيء ن فإن ذلك راجع في جزء كبير منه إلى الخلفية التي كانت قد تكونت بالفعل عن فكر إقبال لدى القارئ العربي ، ولدى المترجمين كذلك عن طريق الترجمات التي تمت من الفارسية مباشرة ، وخاصة ترجمة الدكتور عبد الوهاب عزام ، والذي لا تقل ترجمته عن الأردية إلى العربية شعرا – كما نعتقد – عن الترجمة التي قام بها من الفارسية .
ولهذا فإنه لا يجب بحال من الأحوال اللجوء إلى ترجمة الشعر عن طريق وسيط إلا عند الضرورة القصوى ، وذلك حين لا يتوفر المترجم الموهوب المجيد للغة الشعر الأصلية ، لأنه لكي تخرج الترجمة الشعرية جيدة لا بد من تفاعل الشاعر المترجم مع الشاعر المترجم له ، وكلما زاد هذا التفاعل كلما خرجت الترجمة معبرة ، وما أشبه هذا بممثل يؤدي دورا معينا فيستغرقه هذا الدور حتى يكاد المشاهد يظن أنه لا يمثل دورا ، وإنما يعيشه . فإذا تفاعل الشاعر المترجم مع القضية التي يعرضها الشاعر المترجم له لعبر عنها بلغته خير تعبير ، ولكان قوله أقرب ما يكون إلى قول الشاعر الأصلي ، بل وتصبح الترجمة هنا إبداعا قد يفوق الإبداع الأصلي في تأثيره وجودته ، وهذا يتطلب جهدا خارقا ، لأن المترجم مقيد بفكرة يتناولها غيره ، بل أكثر من هذا أنه مقيد بنقل طريقة تناول الشاعر المترجم له لهذه الفكرة وأسلوبه في التعبير عنها ، وفي ذات الوقت هو مقيد بأسلوب لغته المنقول إليها في التعبير والبيان ، وإلا لو تناول الفكرة من وجهة نظره هو – وهو أيسر – لوصف بالخيانة رغم قسوة الاتهام ، إذ أنه ليس من العدل " أن نصف المترجم بالخيانة وهو الذي يقضي أيامه ولياليه في السهر قدر الإمكان على إيصال أفكار صاحب النص إلى اللغة الثانية ، وكثيرا ما استعصت جملة واحدة على المترجم فأنفق في ترجمتها ساعات أو أياما حتى استقامت له في اللغة الثانية ، فهل نعد هذا المترجم " الأمين " خائنا . لا شك أنك تستطيع إذا كنت مترجما أن تنقل كل الفروق والخصائص من لغة إلى أخرى ، ولكنك تحاول على قدر استطاعتك المحافظة على النص الأصلي . ثم إن الترجمة " شر لا بد منه " ، أو " خير رغم ما فيه من مخاطرة " ، فلولا الترجمة لم يعرف شعب أدب شعب آخر ، .... بل إني أذهب إلى أكثر من ذلك فأدعي أن بعض الترجمات لا تقل عن النصوص الأصلية فنا وروعة وجمالا ، ولا سيما عندما يمتلك المترجم ناصية اللغتين أولا ، وعندما يتمتع بضمير حي ، ومقدرة أسلوبية وفنية ثانيا . ما أصعب أن تنفق نور عينيك ودم قلبك لتأتي بنص صحيح جديد لنص في لغة أخرى ثم تتهم بالخيانة ، هذا إذا كنت مترجما ذا وجدان " .
وبرغم اتفاقنا مع هذا الكلام إلا أننا نرى أن ترجمة الشعر إلى شعر عن طريق وسيط ليست ترجمة بالمعنى الدقيق للكلمة ، وإنما هي تعبير عن أشعار وفكر الشاعر أكثر منها ترجمة له ، ولا يمكننا الاعتماد على هذا التعبير في دراسة شاعر من الشعراء دراسة صحيحة إذا لم نكن نجيد اللغة التي كتب بها الشعر ، ونضرب لذلك مثلا بالترجمات التي قام بها الأستاذ الدكتور حسين مجيب المصري ، أو الشيخ الصاوي علي شعلان أو الأستاذ محمد محمود الزبيري عن الأردية لإقبال أو غيره من شعراء الأردية عن طريق وسيط ، فإذا جاء من لا يعرف الأردية واتخذ منها أساسا لدراسة فكر هذا الشاعر وفلسفته دون الرجوع إلى الترجمات المباشرة لأخفق إخفاقا ذريعا ، إلا أن للترجمة الشعرية تأثيرها الذي لا ينكر في قلوب القراء ، ولذا فنحن نلجأ إلى ترجمة الشعر بالشعر لأنه أكثر تأثيرا وبقاء ، ولكن إذا لم تحقق الترجمة الشعرية هذا الأمر فلا حاجة لها إذن ، وتكون الترجمة النثرية عندئذ هي الأفضل ، وإن كان لابد من الترجمة الشعرية عن طريق وسيط فلا بد عندئذ أن ترفق الترجمة النثرية بها وتنشر معها ، ولا بد من اختيار الوسيط بعناية بالغة ، لأن دوره لا يقل أهمية عن دور الشاعر الذي سيصوغ الترجمة ، إذ أنه هو المنوط به نقل المعنى إلى الشاعر بشكل صحيح ومؤثر حتى يتفاعل مع موضوع الشعر ، وهذا يتطلب أن يكون الوسيط هو الآخر مستوعبا لفكرة الشاعر الأصلي ومتفاعلا معها إلى حد كبير ، وبالتالي تخرج الترجمة النثرية جيدة ، وتصلح لأن تكون أساسا يعتمد عليه الشاعر المترجم في صياغة الترجمة شعرا . وهذا هو الذي حدث – تقريبا – مع الأستاذ محمد محمود الزبيري الذي تعاون معه في الترجمة الأستاذ محمد حسن الأعظمي الذي يعد من كبار العلماء في شبه القارة الهندو باكستانية ، كما أنه كان مستوعبا لفكر العلامة إقبال وفلسفته ، وهو الذي تعاون فيما بعد مع الشيخ الصاوي علي شعلان أيام كان يعمل بالسفارة الباكستانية بالقاهرة ، وكذلك كان الأستاذ عبد الباري أنجم ، والأستاذ الدكتور غلام محي الدين الذي كان يعمل بالسفارة الباكستانية بالقاهرة ، جنبا إلى جنب مع قيامه بالتدريس بجامعة الأزهر الشريف ، وذلك كله على عكس الوسطاء الذين أتيحوا للأستاذ الدكتور حسين مجيب المصري ، إذ كان أغلبهم من الدارسين المصريين ، والذين كانوا لا يزالون في بداية مراحلهم الدراسية في الماجستير أو الدكتوراه . أضف إلى هذا أن الأستاذ محمد محمود الزبيري عاش في باكستان عدة سنوات ، كما أتيح للشيخ الصاوي كذلك الحياة في باكستان لفترة ، مما ساعد في زيادة التفاعل بين الشاعرين وأشعار إقبال . هذا وقد أتيح لي الاطلاع على مسودة ترجمة نثرية إلى العربية لأعمال إقبال الأردية كاملة قام بها الأستاذ الدكتور أمجد حسن سيد أحمد ، وهو من هو في فهم فلسفة وفكر إقبال وشعره ، ولكنها – على حد علمي – لم تنشر إلى الآن ، مع أنها حتى الآن هي النموذج الأفضل للترجمة النثرية لشعر إقبال الأردي ، ولو تم نشرها لأزالت كثيرا من الغموض الذي يكتنف الترجمات التي تمت بوسيط . وما يقال عن إقبال بقال عن غبره ، لأن اختيار شاعر ما لنقل أشعاره إلى لغة أخرى يعود بالدرجة الأولى إلى تفوق هذا الشاعر وتميـزه في تناول الموضوعات ، وبالتالي فهو يحتاج إلى مترجم جيد متمرس كي يقدمه بالصورة الصحيحة ، وإلا فسوف تكون النتيجة عكسية ، ويضيع الوقت والجهد وكذلك الفكر ما بين وسيط غير مستوعب للموضوع ولا يعرف كيف ينقله ، وبين شاعر يبني قصوره على رمال متحرك .

راسخ كشميري
22/11/2007, 12:53 PM
الله يجزاك خير دكتور

كتب الله لك ذلك في ميزان حسناتك

راسخ كشميري
22/11/2007, 12:53 PM
الله يجزاك خير دكتور

كتب الله لك ذلك في ميزان حسناتك