المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأثر الإسلامي في شعر تلوكـ جند محروم



إبراهيم محمد إبراهيم
08/07/2007, 12:01 PM
الأثر الإسلامي في شعر تلوكـ جند محروم
تلوكـ جند محروم
مولده :
اسمه " تلوكـ " ، وتخلصه " محروم " . ولد في الأول من يوليو عام 1887م في أسرة متوسطة الحال بقرية " كاجران والا " التي كانت تتبع " ميان والي " وتقع في الجانب الغربي من نهر السنـد ، ثم جرفتها سيـول النهـر ، فانتقلت أسرة " محـروم " إلى " ميان والي " ، وكان عمر " محروم " إذ ذاك خمس سنوات . ووالده هو " بهكت رام ديال " ، وكان رجلاً بسيطاً زاهداً بطبعه ، ويميل إلى خدمة الناس بفطرته (1) ، وكان يعمل بالزراعة والتجارة .
عاش " تلوكـ جند محروم " حياة قاسية لم ينعم فيها براحة مادية أو صحية ، فقد كانت أسرته تمتلك بضعة أفدنة من الأرض الزراعية ، وبعض الأعمال التجارية ، لكن سيول نهر السند أغرقت قريته وهو صغيراً ، وأغرقت معها ما تمتلكه الأسرة من أرض ، فرحـل إلى قريـة " عيسى خيل " وهو في الخامسة من العمر ، وهناك واجه المتاعب الناجمة عن تلوث مياه الشرب التي كان نساء القرية يجلبنها من إحدى قنوات نهر السند ، فعانى من حصوات الكلى التي ظل يعالج منها لفترة ليست بسيطة ، ثم أصابته أمراض أخرى نتيجة انخراطه مع باقي أطفال القرية في اللعب في مياه الترعة الملوثة ، ولازمته هذه الأمراض حتى آخر عمره ، هذا بالإضافة إلى ما لحقه من متاعب نفسية نتيجة الصراعات التي واجهها خلال فترة عمله في مدرسة " كلور كوت " حين اتهمه بعض المدرسين بتعصبه ضد المدرسين والتلاميذ المسلمين حتى وصل الأمر إلى أن أحيل إلى التحقيق وإن لم يثبت تورطه في شيء بشهادة أولياء أمور التلاميذ المسلمين الذين أنشأ من أجلهم دار إقامة داخلية توفر عليهم متاعب الانتقال من قراهم البعيدة إلى المدرسة الوحيدة في بلدة " كلور كوت " ، والتي كان سكانها من الهندوس ، ثم معاناته كذلك في مدينة " راولبندي " - بعد أن انتقل إليها – من أحد أعضاء المدرسة التي كان يعمل ناظراً لهـا ويدعى " محمد رفيع " ، والذي عمل على إخراجه من المدرسة ، لكنه ظل في مأمن من مؤامراته بمعاونة عضو بارز آخر هو المرحوم " محمد جان " المحامي ، والذي عمل قاضياً في المحكمة العليا لباكستان الغربية فيما بعد ، ولم يذق " محروم " طعم الراحة إلاّ بعد أن توفي " محمد رفيع " هذا . أضف إلى ذلك ما حدث من تحقيقات بسبب بعض القصائد والمنظومات التي كان ينشرها في وقتها ، وكان البوليس السري يرصد ما يكتب ، رغم أنه كان ينشر شعره بدون اسم ، إلى أن نشر منظومة طويلة باسمه عام 1929م بلاهور كتبها في وفاة " لاله لاجبت رائـ " الذي كان معارضاً لحزب " الكنجرس " (2) ، وكان قاضي التحقيقات في هذه القضيـة هو " رائـ بـهادر رادها كرشن " ، وكانت تهمة التمرد ضد الحكومة ثابتة في حق " تلوكـ جند محروم " نظراً لتوافر الأدلة في شكل صور من الخطابات والمنظومات التي كان يرسلها إلى الجرائد والمجلات ، هذا بالإضافة إلى المنظومة المنشورة باسمه عام 1929م ، وكاد " تلوكـ جند محروم " يفقد وظيفته ويزجّ به في السجن ، لولا تعاطف " رائـ بهادر رادها كرشن " معه حيث قال له : " لو أن المسئول في هذه التحقيقات مكاني مسلم أو إنجليزي لكنت الآن في السجـن ، ولكني لم أسلك مثـل هذا الطـريق معك ، نظراً لاتفاقنا في المذهب ، والآن عليك إما أن تنضم إلى الحركة التي يقودها حزب الكونجرس وبكل قوة ، وإما أن تبقى في وظيفتك الحكومية " (3) .
وكانت لهذه الكلمات أثرها السيئ على نفسية " تلوكـ جند محروم " ، وظل يذكرها باستياء دائم ، مؤكداً أن تسامـح " رادها كرشن " معه كان مبنياً على التعصب الديني ، نظراً لأن كليهما أتباع مذهب واحد هو " الهندوسية " ، وأنه لا يحب مثل هذا التعصب ، وأنه كان يتمنى لو كان هذا التسامح مبنياً على كونه شاعراً مثلاً .
كل هذه الأمور ساهمت في تدهور صحته ، بالإضافة إلى أمراض الشيخوخة التي لاحقته في أواخر عمره حتى ضعف بصره ، ولازم الفراش ، إلى أن مات في السادس من يناير عام 196م ، فرثته الأوساط الأدبية والصحفية ، ووصفت وفاته بـ " الخسارة الفادحة " ، كما خصصت الإذاعة بعض البرامج لتأبينه والحديث عنه .
ظل " تلوكـ جند محروم " نباتياً طيلة عمره – كمعظم الهندوس – وإن تناول اللحم في الفترة الأولى من حياته . ويعترف " تلوكـ جند محروم " بأنه وإن كان هندوسي المذهب ، إلاّ أن الالتزام بأحكام الدين أمر صعب (4) ، ومع ذلك فقد كان " محروم " يحرص كل الحرص على البعد عن الخلافات الدينية ، ويبدي احتراماً للأديان كلها ، ويرى أن طهارة النفس هي أهم الأصول التي ينبغي على كل شخص أن يتبناها حتى يستطيع التخلص من الأنانية والتعصب ، وكان لذلك يحرص على مطالعة الكتب المقدسة للأديان المختلفة (5) .
كما تميز " محروم " بالأمانة في التعامل مع الناس ، وفي أداء عمله كمدرس في مدرسة أو ناظر لها ، وقد عاد ذلك كله على علاقاته بالناس على اختـلاف مذاهبهم بالخير ، وكان له مردود طيب ، وآثار إيجابية تمثلت في مواقف عديدة منها وقوف أولياء أمور الطلاب المسلمين بجانبه وشهادتهم لصالحه حينما أحيل إلى التحقيق بشأن الاتهامات الكاذبة التي وجههـا له بعض المدرسين في مدرسة " كلور كوت " التي سبقت الإشارة إليها .
هذا ولا نستطيع أن نغفـل تلك المسحـة من الحـزن التي كست وجه " محروم " ، وأثرت على نفسيته أشد تأثير بسبب حادثتين مفجعتين مرتا به ، الأولى تتمثل في وفاة زوجته الأولى عام 1915م تاركة وراءها ابنة صغيرة هي " وديا " ، والثانيـة تتمثل في انتحـار هذه الابنـة " وديا " في يوليو من عام 1935م وهي في الثانية والعشرين من عمرها ، وذلك حين سكبت الكيروسين على جسمها ، وأشعلت في نفسها النار ، فماتت محترقة بسبب بعض المشاكل العائلية بينها وبين أهل زوجها ، وقد رثاها أبوها " تلوكـ جند محروم " بعدة منظومات منها منظومة بعنوان " في انتحـار وديـا : وديا كى خـود كشى بر " والتي تعد من أصدق المراثي في اللغة الأردية .


آثار محروم :
1 – كلام محروم " الجزء الأول " : كانت أول مجموعـة شعريـة أصدرها " تلوكـ جند محروم " بعنوان " كلام محروم " ، وصدر الجزء الأول منها عام 1916م ، وضم الموضوعات الأدبية وموضوعات الطبيعة ، وصدرت الطبعة الثانية لهذه المجموعة عام 1921م .
2 – كلام محروم " الجزء الثاني " : صدر عام 1920م،وضم منظوماته الوطنية .
3 – كلام محروم " الجزء الثالث " : صدر عام 1923م، وضم المنظومات العشقية .
4 – كنج معاني : صدرت لـ " محــروم " مجموعة شعرية بعنوان " كنج معاني " عام 1932م من " لاهور " ، وصدرت الطبعة الثانية منها عام 1957م من " دهلي " ، وصدرت الطبعة الثالثة عام 1995م من " دهلي " أيضاً .
5 – رباعيات محروم : صدرت الطبعة الأولى من " رباعيات محروم " عام 1947م من " لاهور " ، والثانية عام 1954م من " دهلي " ، والثالثة عام 1971م من " دهلي " ، والرابعة عام 1983م من " لاهور " ، والخامسة عام 1997م من " دهلي " .
6 – كاروان وطن : مجموعـة شعريـة وطنيـة صدرت عام 1960م من " دهلي "
7 – نيرنكـ معاني : صدرت هذه المجموعة الشعرية عام 1960م ، وصدرت الطبعة الثانية منها عام 1964م ، وأما الطبعة الثالثة فقد صدرت عام 1996م .
8 – شعله نوا : صدرت عام 1960م ، وصدرت الطبعة الثانية منها عام 1965م .
9 – بهار طفلي : صدرت هذه المجموعة عام 1960م .
10 – بجون كى دنيا : وهي مجموعة شعرية للأطفال ، وصدرت عام 1964م ، وقد نال " محروم " جائزة من الحكومة الهندية على هذه المجموعة بلغت قيمتها ألف روبية (6) ، وكان مبلغاً كبيراً في زمانه ، وظهرت الطبعة الثانية لهذه المجموعة عام 1967م .
شعر محروم :
بدأ " محروم " حياته التعليمية بدراسة اللغة الفارسية واللغة الأردية ، وهو ما كان رائجاً في النظام التعليمي في شبه القارة الهندو باكستانية في تلك الفترة عند المسلمين وغير المسلمين على السواء ، واستطاع إجادة الفارسية ، وكتب بها شعراً أثنى عليه نقاد الأدب ، وأشاروا إلى أن إجادته للفارسية جنبته كثيراً من الأخطاء اللغوية في الشعر الأردي والتي يقع فيها شعراء لا يعرفون الفارسية ، وذلك راجع بطبيعة الحال إلى تداخل الألفاظ والتراكيب والمحاورات والأمثال الفارسية في اللغة الأردية بشكل يصعب معه استخدامها الاستخدام الأمثل دون إلمام باللغة الفارسية . ورغم أنه لم تصدر لـ " تلوكـ جند محروم " مجموعة شعرية مستقلة باللغة الفارسية ، إلا أن أشعاره الفارسية ألحقت بنهايات مجموعاته الشعرية الأردية ، هذا بالإضافة إلى تطعيم أشعاره الأردية بأشعار فارسية من نظمه
والحقيقة أن " تلوكـ جند محروم " عاش في عصر يعد عصر تراجع للغة والأدب الفارسي في شبه القارة الهندو باكستانية بعد سيادة دامت ما يقرب من ألف عام هي فترة الحكم الإسلامي على شبه القارة الهندو باكستانية ، ومع ذلك فإن أشعاره الفارسية القليلة – وهو ليس بمسلم – تنم عن تذوق خاص لها ، وتؤكد أن اللغة الفارسية وإن تراجعت سيطرتها كلغة تجلس على عرش الحكم بقوة السلطان ، إلا أنها لا تزال تجد لنفسها بقوة وجمال بيانها مكاناً على عرش قلوب أهل شبه القارة مسلمين وغير مسلمين على السواء
أما شعر " محروم " الأردي فقد جاء في قوالب فنية متنوعة ، وإن جاء أكثرها في قالب النظم ، وتناول شعره هذا موضوعات متعدد تغطي معظم مناحي الحياة ،
يعد " تلوكـ جند محروم " من شعراء اللغة الأردية المتميزين ، وينم إبداعه الشعري عن موهبة متميزة ، ومقدرة لغوية كبيرة ، هذا بالإضافه إلى حبه للغة الأردية وتمسكه بها رغم أنه كان بنجابياً ، ولغته الأم هي اللغة البنجابية ، كما أنه ليس مسلماً ، وينتمي إلى طائفة دينية لاقت الأردية على يد متعصبيها وغلاتها كثيراً من الاضطهاد ، وتأثره بأمثال هؤلاء من بني جلدته وديانته أمر وارد لا غرابة فيه ، لكنه " تلوكـ جند محروم " بشخصيته المتوازنة المتواضعة ، وثقافته الصحيحة المتنوعة ، وتدينه الفطري ، وبغضه للتعصب جعله يتمسك بالأردية عن حق ، باعتبار أنها اللغة الكبرى في البلاد ، والتي يفهمها معظم الهنود من المسلمين وغيرهم ، وأنها تستحق الرعاية والاهتمام ، وليس الكراهية والنفور .
هذا وقد شهد كبار الكتاب والأدباء والشعراء بجمال إبداع " محروم " الشعرى وقوته ، وأثنوا على ما كتب ، كما اعترفت حكومته بفضله وإسهاماته الأدبية ، ومنحته العديد من الجوائز والأوسمة مما سبقت الإشارة إليه ، وإبداعات " محروم " في الحقيقة تؤكد هذا الفضل وتبرزه .
منابع الأثر الإسلامي لدى محروم
على أية حال كان التعايش الذي استمر بين المسلمين وغيرهم في شبه القارة الهندو باكستانيـة ميراثاً اجتماعياً مثّل أحد مصادر الشعر لدى " تلوك جند محروم " وأهم منابعه عنده ، هذا بالإضافة إلى تجربته الذاتية في أنه كان يعيش في قرية أغلبها من المسلمين ، فقضى فترة طفولته مع أطفالها المسلمين ، وشاركهم لعبهم ولهوهم ، وارتسمت هذه الأحداث على صفحات ذهنه وقبعت في ذاكرتـه ، ثم دخوله معترك الحياة العملية مع المسلمين كزملاء له في المدارس التي عمل بها ، ومعاناته من بعضهم أحياناً ، ثم مساعدة الكثيرين له في أكثر الأحيان ووقوفهم بجانبه ، حتى أن الذين يسّروا له طريق الهجرة إلى الهند بعد التقسيم عام 1947م كانوا من المسلمين ، وذلك في فترة تعد من أحلك الفترات على الشعبين ، وخاصة المسلمين ، حتى أن أحداً منهم لم يكن في مأمن من أن يقتل أو يحرق في أو وقت من ليل أو نهار ، وقد اعترف " تلوك جند محروم " نفسـه في أحد خطاباته لابنه " جكن ناتهـ آزاد " بمساعدة المسلمين له في هذه الظروف الحالكة . هذا وقد كان لطبيعة " تلوك جند محروم " نفسه وشخصيته وثقافته دخل في تأثره بالمسلمين والإسلام ، وهو أنه كان معتدلاً مسالماً بعيداً عن التعصب الديني .
لقد عاش " تلوك جند محروم " فترة تميزت بظهور حركات التحرر من الاستعمار الإنجليزي ، وكان تحرير البلاد هو الشغل الشاغل لطبقات الشعب وطوائفه المختلفة ، وهو ما كان يستدعي إبراز فكرة التسامح واحترام الآخر حتى يصير الناس جميعاً يداً واحدة قادرة على إخراج المستعمر وحماية البلاد ، وهو ما انعكس في شعر " تلوك جند محروم " بعد أن زاده تأصيلاً من قبله العلامة " محمد إقبال : 1873م – 1938م " في شعره ، وتأثر به " محروم " تأكيداً .
على أية حال تأثر " تلوك جند محروم " في شخصيته وشعره بالإسلام والمسلمين من خلال الظروف التي أشرنا إليها سابقاً ، وبلغ هذا التأثر درجة ظن معها بعض المسلمين البسطاء أن " محروم " دخل في الإسلام سراً ، وإن لم يكن هناك ما يؤكده ، وقد ظهر هذا التأثر في أشعار محروم في النقاط التالية :
1 – حمد الله والثناء عليه :
وهو ما يعرف في الشعر الأردي بغرض الـ " حمد " ، والذي يجعل من حمد الله والثناء عليه وبيان قدرته وصفاته وأسمائه ميداناً له ، وهو غرض شعري من حيث المعنى فقط ، وليس له هيئة فنية خاصة به ، وإنما يمكن كتابته في أية هيئة فنية أخرى مثل الغزل والرباعي وغيرهما . وتتطلب الكتابة في هذا الغرض الشعرى ثقافة دينية عالية حتى لا يسيئ الشاعر أدبه مع الله دون أن يدري .
وأشعار الحمد لدى " تلوك جند محروم " مردّهـا الأول في الحقيقـة هــو تديّن " محروم " ذاته ، هذا بالإضافة إلى فكره وثقافته وبعده عن التعصب ، ولهذا جاءت أشعاره في الـ " حمد " غير تقليدية في كثير من الأحيان ، وتمس القلوب في أكثر الأحيان ، ومع ذلك فقد ظل العرف الشعري في اللغة الأردية بين شعراء الأردية منذ نشأة الشعر الأردي هو أن يبدأ الديوان بحمد الله تعالى والثناء عليه ، ثم بعض أشعار في مدح النبي صلى الله عليه وسلم " نعت " ، وبعض أشعار في بيان مناقب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم . وقد ساد هذا العرف الشعري الذي ربما يكون مأخوذاً عن الشعر الفارسي بين شعراء الأردية مسلمين وغير مسلمين ، وحافظ معظمهم على اتّباعه وحرص عليـه ، و " محروم " واحد من هؤلاء الذين طبقوا هذا التقليد الشعري في إبداعاته الشعرية ،
2 – أشعار النعت
تجلى غرض " النعت " لدى " تلوكـ جند محروم " كعرف شعري في بداية دواوينه بعد حمد الله تعالى والثناء عليه ، وهو ما سبق الحديث عنه ، وحرص على ذلك في معظم دواوينه ، ونستطيع أن نلمس فيها قدرا كبيراً من الإخلاص والصدق ، وإن كنا لا نستطيع أن نعزي ذلك إلى ذلك الاستنتاج الساذج بأن " محروم " دخل في الإسلام ، وإنما غالب الظن أن ذلك راجع إلى طبيعة محروم نفسه ، وميله إلى التدين بطبعه ، واحترامه لمشاعر الآخرين وخصـوصياتهم ، ثم إلى مقدرة " تلوكـ جند محروم " الشعرية ، وتمكنه من ناصية البيان الأردي ، وأخيراً إلى سعة اطلاعه وتنوع ثقافته ، ولذلك خصص " محروم " فصلاً كاملاً من ديوانه " نيرنكـ معانى " بعنوان " جراغ راه : مصباح الطريق " (7) بدأه بالحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عن استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه ، وعن واقعة كربلاء ، وعن سيرة أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، وعن تذوّق الأمة الإسلامية للشعر ، ثم تحدث بعد ذلك عن رموز المسيحية والهندوسية والسيخية وغيرها ،
والحقيقة أن الأشعار التي نظمها " تلوكـ جند محروم " عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيض احتراماً وتقديراً وإجلالاً ، ورغم أن " محروم " تحدث في شعره عن كثير من الرموز الديينية لأديان وديانات أخرى غير الإسلام ، إلا أننا نلحظ أن حديثه عن النبي " صلى الله عليه وسلم " وعن الرموز الإسلامية والأمة الإسلامية يزيد كثيراً عن حديثه عن شخصيات الأديان والديانات الأخرى بما فيها الديانة " الهندوسية " التي يدين بها " محروم " نفسه ، وذلك كما قلنا سابقاً يعود إلى شخصية " محروم " وثقافته المتنوعة ، وكذلك مقتضى الجيرة وحكم الجوار باعتبار أن " محروم " عاش الجزء الأكبر من حياته منذ مولده عام 1887م وحتى هجرته إلى الهند بعد التقسيم عام 1947م .

3 – الألفاظ العربية والفارسية
على الرغم من أن " تلوكـ جند محروم " لم يكن مسلماً ، ولن يكون مستغرباً أن تصطبغ لغته بالصبغة الهندية البحتة ، وأن تكثر لديه الألفاظ والتراكيب السنسكريتية ، وتقل الألفاظ والتراكيب العربية والفارسية ، وخاصة الألفاظ والتراكيب ذات الدلالة الدينية كما هو الحال عند غيره من أدباء وشعراء الأردية من غير المسلمين ، لكننا على العكس من ذلك نجد أثراً واضحاً للمعجم العربي والفارسي على شعره ، فظهرت الكلمات والتراكيب العربية والفارسية في ثنايا أشعاره بكثرة ، بالرغم من وجود مترادفات لهذه الألفاظ والتراكيب في اللغة الأردية ذاتها ، هذا على افتراض أنه لن يعمد إلى البحث عن مترادفات لها في اللغة السنسكريتية واللغات المحلية الأخرى ، ليتجنب استخدام ألفاظ وتراكيب عربية وفارسية إسلامية ، وهو كشاعر متمكن يستطيع هذا ، لكنه لم يفعل .
4 – الفكر الإسلامي
كما ظهر الأثر الإسلامي في فكر " محروم " وفلسفته ونظرته إلى الحياة والموت ، وانعكس ذلك كله في شعره ، وخاصة في رباعياته ، فـ " محروم " على سبيل المثال ينظر إلى الدين على أنه يعلم الناس كيفية الوصول إلى الله تعالى ، ويعرف الإنسان بمقامه الرفيع ، ويرشده ويهديه في الدنا والآخرة ، ويرى " محروم " أن الدين يعـود بالخير على الإنسان في الدنيا والآخرة ، ولكن بشرط أن لا يسيئ الإنسان استخدامه ، وألا يوظفه لتحقيق مصالحه الشخصية وأغراضه السياسية ، ويرى " محروم " كذلك أن الناس لو التزموا الدين الصحيح لما كان هناك فساد في الأرض وفتنة وتصادم ، لأن الدين يمنع من مثل هذا ولا يدعوا إليه ، فالدين يدعو إلى حسن العمل والصدق والتسامح ، وينهى عن التعصب وضيق الأفق .
5 – التصوف الإسلامي
تأثر " تلوكـ جند محروم " بالتصوف وأهله ، وانعكس هذا في شعره ، ولذلك نراه يتصور أن حمال الكون ، وتغريد البلابل ، وحرقة قلب زهور الشقائق ، وحيرة النرجس ما هو إلاّ بحث عن الذات الإلهية ، ورغبة في الوصول إليها ، فكل شيئ في الكائنات في نظر " محروم " يبحث عن هذه الذات ، و " محروم " نفسه يبحث عن هذه الذات أيضاً .
والعشق في نظر " محروم " هو الطريق إلى إدراك الله والقرب منه ، وليس العقل الذي يخلق الحيرة في نفس الإنسان ، وهنا نلمح الأهمية التي يعطيها " محروم " للقلب والبصيرة دون العقل والبصر في هذا الخصوص .
كما نلاحظ أن نظرة " محروم " للدنيا نظرة أقرب إلى النظرة الصوفية ، فهو يرى أن التعلق بالدنيا والأمل فيها يشقي الإنسان، وأن الاستغناء عنها يغنيه.
ويرى أن " طول " الأمل في الدنيا ينسي الآخرة ، ويصيب الإنسان بالغفلة عن الله ، وأن العمل فقط هو الذي ينفع في الآخرة ، وأن البشر أمام الموت مجرد قشـة لا وزن لهـا . وهكذا يتضح لنا ما يلي :
1 – كان " تلوكـ جند محروم " من شعراء الأردية الكبار في القرن العشرين ، وعاصر كبار الشعراء وعلى رأسهم العلامة " محمد إقبال " ، وكان من أشد المعجبين به .
2 – تميزت شخصية " محروم " بالتوازن والاعتدال وحبه للآخرين واحترامهم ، وانعكس ذلك كله في شعره الذي يعد رسالة في التسامح والحب إلى بلد تعج بالطوائف الدينية المتصارعة في بعض الأحيان .
3 – تناول شعر محروم موضوعات عديدة ومتنوعـة تعبر عن مختل مناحي الحياة .
4 – كان " محروم " شاعراً واسع الثقافة ، وقد اطلع على الثقافة الإسلامية بحكم اطلاعاته وقراءاته المتنوعة من جانب ، وبحكم الجوار الذي عاشه في قريته مع الأغلبية المسلمة فيها .
5 – تأثر " محروم " كثيراً بالمسلمين في شبه القارة الهندو باكستانية ، كما تأثر بالإسلام وتاريخه ، وخاصة الفترة التي حكم فيها المسلمون شبه القارة الهندو باكستانية ، وقد خلق هذا في شخصية " محروم " مزيداً من التوازن والاعتدال الذي انعكس في شعره .
6 – كان " محروم " من المنصفين في نظرته إلى اللغة الأردية، والمعترفين بفضلها ، والمطالبين بحقها في الحياة دون اضطهـاد من غير المسلمين في البلاد .
7 – شهــد كبــار الشعــراء والأدبــاء والنقــاد من المسلمين ومن غير المسلمين بجودة شعر " محروم " ، وأنه شعر يدعو إلى المحبة والتسامح واحترام الآخر وأداء حقه .

هوامش
1 - كامل بهزادي – تلوكـ جند محروم ايكـ مطالعه – ص 11 – نيو دلهي – الهند 1996م
2 - حزب الكونجرس ، أو الحزب الوطني هو أول الأحزاب السياسية التي تأسست بالهند بعد وقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي ، وكان ذلك عام 1885م ، وبمجهود خاص من الإنجليزي تي . اس . هيوم .
3 - مالكـ رام – افكار محروم – ص 129 .
4 - المرجع السابق – ص 78 .
5 - المرجع السابق – ص 79 .
6 - الروبية الهندية في عصرنا الحالي تساوي عشرة قروش مصرية تقريباً ، وكذا الروبية الباكستانية أيضاً .
7 - أضاف محروم تحت هذا العنوان تفصيلاً له هكذا " يعنى بانيان وبزركان مذاهب كى سيرت وتعليم بر نظمين : منظومات عن سيرة حياة مؤسسي الأديان وعظمائها وتعاليمهم " .

عامر العظم
08/07/2007, 12:34 PM
الدكتور ابراهيم محمد ابراهيم،
نحن سعداء بانخراطك، حتى لو كان متأخرا وبعد شهور طويلة من التسجيل، بهذه الملحمة المعمعة.
نتمنى أن تدعو جميع زملائك العرب المتخصصين في الأردية والمستعربين الباكستانيين للانخراط في هذا الوعاء الحضاري العظيم علما بأن هناك أعضاء باكستانيين في الجمعية.

في هذه الأثناء، هل نقول اللغة الأردية أم الأوردية؟

تحية أوردوـ عربية

إبراهيم محمد إبراهيم
08/07/2007, 05:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم الأستاذ عامر العظم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على ترحيبكم بي ، وأقدر جهودكم في سبيل نشر الثقافة العربية ،
وأعتذر عن التأخير رغم أن الذي دعاني إلى الاشتراك في الجمعية هو أستاذي الكبير الأستاذ الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم ، وهو بالمناسبة أول من حصل من العرب على الماجستير والدكتوراه في تخصص اللغة الأردية وىدابها ، فأعتذر عن التأخير ثانية .
أما بالنسبة للنسبة إلى لفظ اردو فهو على ما أعتقد أردوي وأردي ، والنسبة ( أردي ) أكثر شيوعاً ، والله أعلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم
د . إبراهيم محمد إبراهيم
لاهور 8 . 7 . 2007م