المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب "الاستشراق" يعود في ثوب جديد !!!



الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
03/11/2006, 06:46 AM
كتاب "الاستشراق" يعود في ثوب جديد !!!
بعد نحو 30 عاماً من صدوره لا يزال كتاب (الاستشراق) للمفكر الفلسطيني البارز إدوارد سعيد مثيرا للتأمل بقدرته على استشراف قضايا متجددة حول ثنائية الشرق الغرب منذ أن قال :
إن الشرق عدو مفترض أو أسطورة خلقها خيال الغرب.

وفي الذكرى الثالثة لرحيل سعيد الذي ولد في القدس صدرت ترجمة “مصرية” لكتاب (الاستشراق) لأستاذ الأدب الانجليزي في جامعة القاهرة محمد عناني الذي وضع للكتاب عنوانا فرعيا هو (المفاهيم الغربية للشرق) خلافا للعنوان الفرعي للكتاب منذ ترجمه السوري كمال أبو ديب قبل 25 عاما وهو (المعرفة. السلطة. الإنشاء).

وصدرت الطبعة الجديدة عن دار رؤية في القاهرة وتقع في 560 صفحة كبيرة القطع وهي مزيدة عن الترجمة “السورية” بفصل ختامي عنوانه (تذييل طبعة 1995) أشار فيه سعيد إلى أن (الاستشراق) هو الكتاب الوحيد الذي كتبه دفعة واحدة واكتمل عام 1977.

وقال عناني مترجم “الطبعة المصرية” انه يؤمن بأن المترجم يحول الفكرة إلى لغة العصر وان من حق القارئ العربي أن يطلع على آخر صور كتاب (الاستشراق) لسعيد الذي اعتبره عبقريا يختلف في فهم نصوصه المترجمون. لأن له أسلوبا خاصا “أصبح علما عليه ولا يكاد يشاركه أحد فيه خصوصا أنه باحث أدبي في المقام الأول” مشيرا إلى شكوى قراء العربية والانجليزية من صعوبة نصوص سعيد ومنها هذا “النص العسير. ما دفعني إليه إلا إحساسي بحق القارئ العربي وحق ادوارد سعيد في أن يقرأ كتابه بيسر وسهولة”. وأضاف في تصدير بلغ 25 صفحة أن سعيد من القلائل “ان لم يكن الكاتب الوحيد الذي خاطب الغرب بلغته ومنهجه العلمي الحديث فكشف الغطاء عما يتخفى بقناع الثقافة والدراسة العلمية من مواقف سياسية لا ترمي إلا إلى تحقيق مطامع أو مصالح مادية صرفة”.

ومن الأمور التي نبه إليها سعيد مبكرا أن خبراء الشرق الأوسط لا يزالون يشغلون المواقع التي كان الاستشراق يشغلها في القرن التاسع عشر ذروة المد الاستعماري وأن الايديولوجيا السالبة لإنسانية الإنسان وشبكة العنصرية “هي الشبكة التي تحيط بالعربي أو بالمسلم. شبكة بالغة القوة وهذه هي الشبكة التي يشعر الآن كل فلسطيني أنها أصبحت مصيره الذي يمثل له عقابا فريداً”.

تجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بالكتاب جاء سريعاً إثر صدوره في الولايات المتحدة وبريطانيا “وكان بعضه كما هو متوقع بالغ العداء وبعضه لا يدل على الفهم ولكن معظمه كان ايجابيا بل ويبدي الحماس للكتاب” الذي توالت ترجماته وأثار خلافات ومناقشات بعضها بلغات لا يعرفها مؤلفه.

ويرى سعيد (1935 2003) في كتابه أن الشرق شبه اختراع أوروبي وأن الاستشراق ليس مجرد خيال أوروبي متوهم عن الشرق “بل انه كيان له وجوده النظري والعملي وأنشأه من أنشأه واستثمرت فيه استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال عديدة وأدى استمرار الاستثمار إلى أن أصبح الاستشراق باعتباره مذهبا معرفيا عن الشرق شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين”.

ويرصد بعض نجوم الفكر والأدب الأوروبيين الذين “كانت لهم آراؤهم المحددة بشأن الامتياز العنصري والامبريالية ومن اليسير إدراك تأثيرهما في كتاباتهم” ومنهم المؤرخ توماس كارلايل (1795 1881) والفيلسوف جون ستيورات مل (1806 1873) والشاعر ماثيو أرنولد (1822 1888) والروائيون جوستاف فلوبير (1821 1880) وتشارلز ديكنز (1812 0187) وجورج اليوت (1819 1880).

ويتساءل.. كيف شارك فقه اللغة ووضع المعاجم والتاريخ والبيولوجيا والنظرية السياسية والاقتصادية وكتابة الروايات والشعر الغنائي في خدمة رؤية الاستشراق للعالم وهي الرؤية التي تعتبر امبريالية بصفة عامة.

ويضيف أن الثقافة الأوروبية تمكنت من ابتداع الشرق عبر مفاهيم الاستشراق الذي اعتمد على التمييز الوجودي والمعرفي بين الشرق والغرب حيث “زادت الثقافة الأوروبية من قوتها ودعمت هويتها من خلال وضعها لذاتها مقابل الشرق باعتباره ذاتا بديلة... الاستشراق برمته يقع خارج الشرق وبعيدا عنه”.

ويرى سعيد أن تاريخ الاستشراق أدى إلى التعصب الشائع في الغرب ضد العرب والإسلام مضيفاً أنه مما يزيد الأمر سوءا عدم إقدام أي شخص له اهتمامات أكاديمية بالشرق الأدنى أي عدم إقدام أي مستشرق قط في الولايات المتحدة على التعاطف الكامل والصادق ثقافيا وسياسيا مع العرب.

ولا شك أن بعض حالات التعاطف وجدت على مستوى من المستويات لكن أيا منها لم يتخذ في يوم من الأيام الصورة المقبولة التي يتخذها التعاطف الأمريكي الليبرالي مع الصهيونية.

“العداء للسامية يشبه الاستشراق أو قل ان الاستشراق هو الفرع الإسلامي للعداء للسامية”. يقول سعيد في الفصل “الجديد” من الطبعة المصرية ان هناك تفسيرات خاطئة للكتاب رأت أنه يدافع عن الإسلام والعرب ويعادي الغرب بصورة مستترة في حين كان يهدف إلى تخطي الهوة بين الشرق والغرب من خلال اثارة قضية التعددية الثقافية في كتاب يحفل بظلال المعاني ومن يراه مجرد رد على الغرب يسيء إليه بهذا الوصف المبسط.

الكتاب: الاستشراق

المؤلف: إدوارد سعيد

المترجم: محمد عناني

الناشر: دار رؤية القاهرة 2006 م