المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحت رحمة الطيار



سعيد أبو نعسة
11/07/2007, 03:24 PM
تحت رحمة الطيار
أطبق الليل بستائره الدكناء على بعلبك متواطئا مع الوحدة التي خلّفتني بين أركان بيت أعلن أنه الشاهد الوحيدعلى حياة حيّـنا الذي كان قبيل انهمار الصواريخ اليهودية المدمرة خلية نحل تعمل لدنياها كأنها تموت غدا .
قناديل السماء أبت إلا تطويق الجبال التي تحتضن المدينة مشكّـلة مع الطائرات العدوّة حزاما ضوئيا ذا صوت رعيب ؛ يراك و لا تراه؛ يرصد حركات البشر و الحجر و لا من يرصده أو يهشّ عليه بطلقة .
نجوم سداسية شريرة تتسكع بين الكواكب في كرّ متواصل يرعد و لا يُزبد ؛ يمطر قذائف عنقودية و أخرى فوسفورية يصيب بها من يشاء من أهداف ثابتة ومتحركة فلا تسمع من الناس همسا و لا تلحظ لهم حسا ؛ كأنهم في الأقبية عظام نخرة يحركها وقع القصف و يعيدها انتهاؤه إلى أمكنتها خشبا مسنّدة ترتعش و بالكاد تفتح فما يدعو الله أو تغلقه إلى الأبد .
و أنا أدور بين الغرف كأسد سجين أروح و أجيء دونما رغبة في الحركة مفضلا إياها على ثبات يوحّدني بسكون المدينة القاتل .
أرهف السمع فيأتيني صوت الطائرات الاستطلاعية فأوقن أن الطيران الحربي على وشك الإغارة .
ألملم ذاتي و أقرأ ما علق بذاكرتي من آيات قرآنية و أدعية مأثورة علها تلهمني الصبر و السلوى ؛ و أتأبط حقيبة يد صغيرة ضمت جوازات سفر عيالي و كل ما ادّخرته من مال أبيض ليوم كهذا الأسود . و أندفع في العتمة على غير هدى نحو الباب الخارجي و هدير الطائرات الحربية يسابق أنفاسي اللاهثة ؛ و الأفكار تتجاذبني :
ترى ما هو الهدف التالي ؟
لقد أتى القصف على كل ما يمت إلى حزب الله بصلة . لم يوفر حتى مخازن الدواء ودور الاستشفاء و حتى مساكن مناصريه .
هل أعتبر مناصرا للحزب و قد دافعت عنه في مقالة ؟
بيتي إذا هو الهدف ؟ يا إلهي !!!
أين صار الباب ؟ أغيثيني يا قطع الأثاث التي تعثر خطوي .
حتى اللحظة أراهم يحددون أهدافهم بدقة ؛ فماذا لو كان الطيار بشرا ؟ و البشر يخطئون . لو حدث هذا لأصبحت بيوت بعلبك كلها متساوية في احتمال التدمير .
ماذا لو أخطأ الهدف ؟؟
بل ماذا لو أرشده العملاء المزروعون في المنطقة إلى داري .
لنفرض أنه أضاع الهدف فهل سيكون رحيما و يعود إلى قواعده مثقلا بالصواريخ ؟
و هل سيحتمل إهانات قادته و عقوباتهم ؟
تاريخهم يثبت أن الطيار سيلقي بالصواريخ كيفما اتفق ؛ و سيكون بيتي مشمولا بما تخفيه هذه ال كيفما العشوائية اللعينة .
الطائرات تقترب و مدخل شقتي يبتعد ؛ و الظلام يفصل بيني و بين حتف مفترض .
أسمع أزيز صاروخ ينطلق ؛ فأرتمي على الباب طلبا للخروج ، فأرتجّ و الباب معا و أشعر بالحيطان تتراقص حولي جالبة مع دوي الانفجار الهائل رعبا على رعب .
رحم الله من أخبرني ذات يوم : إذا سمعت صوت الانفجار فاحمد الله أنه ليس عندك .
قريب هذه المرة كان الهدف ؛ أكد لي ذلك الهواء المضغوط الذي دفعني إلى الخلف و أنا أفتح الباب و شدة الارتجاج الذي ضرب منزلي ؛ و التفاف ساقيّ و أنا أحاول اختصار درجات سلم البناية طلبا للنجاة في الدور الأول .
خرجت من المبنى و صعقت للنيران التي راحت تلتهم مزرعة فواكه قريبة من داري و كنت أظنها مسالمة مدنية مثلي و لم أكن أعلم بأن اخضرارها يخفي تحته مستودع أغذية .
حمدت الله أنني ما زلت أحس بما حولي وأن أحدا لم يلحظ ما اعتراني من خوف و رهبة ؛ و عدت بعد أن عاد الدم يسري في عروقي و سمعت خطاب عقلي :
يا فهيم ؛ صاروخهم يجتث عشرين طابقا من جذورها و أنت تحتمي بالقاع ؟
قد يكون السطح أسلم !!
و رحت أرتقي درجات السلم نحو غرفتي مستسلما للقضاء و القدر ؛ داعيا الله أن يسدد رمي الطيار و ألا أكون الهدف القادم ؛ ثم عاد إليّ رشدي فصححت الدعاء :
اللهم لا تسدد رمي الطيار و ألق بصواريخه فوق التلال الجرداء !!
و لكن الله لم يستجب لدعائي .

فيصل الزوايدي
11/07/2007, 03:41 PM
أخ سعيد ، أعدتنا بنصك إلى أجواء حرب تمر اليوم ذكراها الأولى .. أفلحت في تصوير ذلك التدمير و الموت الاعتباطي ..
دمتَ متألقا

سعيد أبو نعسة
11/07/2007, 07:32 PM
أخي الكريم فيصل الزوايدي
أشكرك على هذا المرور اللطيف .
دمت مبدعا

ابراهيم عبد المعطى داود
11/07/2007, 07:56 PM
ألأستاذ الفاضل / سعيد أبو نعسه
( لو حدث هذا لأصبحت بيوت بعلبك كلها متساوية فى إحتمال التدمير 0)
ليس بيوت بعلبك وحدها ياعزيزى 0
لكن المطلوب بيوت عدن والبصره وحلب والمنامه وجدًه وطنطا ومساعد والرباط والجزائر 0
وأم درمان 0
بيوت كل العرب مطلوبه للتدمير ولن يعود الطيار إلآ بتفريغ حمولته فى أى من هذه المدن 00
والسؤال هو :
متى تنطلق طائراتنا وتفرغ حمولتها سواء فى بلآد قبل النهرين أو فى بلآد أعالى البحار 0 ؟؟
بل متى ياسيدى نحرر فقط وطننا المنكوب 00؟؟
متى نحرر قدسنا الشريف 00؟
متى تكتحل أعيننا برؤية قبة الصخره 00؟؟
النص جميل 000مثير للأوجاع والأحزان
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم

سعيد أبو نعسة
12/07/2007, 12:05 PM
أخي الكريم ابراهيم عبد المعطي ابراهيم
لن تنطلق طائرات الأنظمة إلا لدك معاقل العقلاء في الشعوب ( فلا تنتظر من الصرارة بعارة )
حين نتوكل على الله و نتخذه وليا فلن نحتاج إلى الطائرات يكفينا صاروخ القسام الذي يصنع في ورش الحدادة الغزاوية و بعض الأحزمة الناسفة و الكثير الكثير من الإيمان الصادق .
النصر صبر ساعة و هو قادم بإذن العلي القدير
دمت مبدعا غيورا على مصلحة الأمة

حنان الأغا
12/07/2007, 03:11 PM
أخي سعيد
أعتقد أن ما تفضل به الأخ إبراهيم هو حقيقة مؤكدة
عدونا ومن سعى سعيه لن يهدأ له بال إلا بإكمال خريطة التدمير لكل رأس مرفوعة
ما عدا هذا فهو أمر لا يهم أحدا
المهم والمطلوب تطبيق قاعدة القطيع
معه سر ولا تمل رأسك إلا حيث راس التيس تميل
بوركت سعيد لقصة من طراز بديع فكرا ولغة وتكثيفا
شكرا لك

سعيد أبو نعسة
12/07/2007, 07:00 PM
أختي الكريمة حنان الآغا
أشكرك على هذا الإطراء و هذا التعليق
دمت مبدعة