المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سفينة الأعماق - رواية من الخيال العلمي - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
12/07/2007, 01:43 AM
سفينة الأعماق
رواية من الخيال العلمي
الجزء الثاني
نزار ب. الزين

مهداة إلى الأستاذ عامر العظم و السيدة راوية سامي عقيلته ، لما يبذلانه من جهود مضنية لإعلاء مكانة
المفكرين و الأدباء
و المترجمين العرب

*****

أبطال الرواية
د. عبد الله من المغرب تخصص برمجة و هندسة كمبيوتر
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص نفط و صناعات نفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك محركات ثقيلة
*****
- عبد الله .. عبد الله .. إصحَ من نومك يا ( خوي ) ، كف عن الصراخ ، فأنت تحلم !
يلتفت نحو مجدي الجالس بجواره ، قائلا :
- يبدو أن عبد الله تعرض لكابوس اسمه ( غوانتنامو ) !!!
يفتح عبد الله عينيه بصعوبة ، يتلفت حوله ، ثم يغرق بالضحك و هو يجيبهما بكلمات قطعتها قهقهته :
= بل كنت أحلم بأتلنتيا و بمدينة أفلاطون الفاضلة !
يجيبهم رياض مستغربا :
- علام تضحكون ؟؟؟ ربما كان عبد الله يحلم بمدينة أفلاطون الفاضلة و بجمهورية أطلنتس الأسطورية ، و لكنه لا يحلم بغوانتانامو فنحن نمر قربها الآن ، و على بعد بضع دقائق من هافانا عاصمة كوبا ، إننا فوق سطح المحيط الأطلسي يا إخوان !
يتحرك عبد الله نحو أجهزته الألكترونية ، ينظر إلى الخارطة المنقولة عبرالأقمار الصناعية ، يصيح :
- نحن بالفعل قريبون من ( هافانا ) ، لقد نجحنا يا إخواني ... نجحنا .. نجحنا ..!
و أخذوا يهنئون بعضهم بعضا و يتبادلون العناق و القبل .
*****
يخاطب حمود والده فرحا :
- ( يوبا ) نحن قريبون جدا من هافانا ، عدة دقائق و نكون في مينائها ، هل أبلغت سفيرنا بقرب وصولنا ؟
يجيبه والده فرحا :
- إنه في عرض البحر في انتظاركم مع مسؤول كوبي كبير ..
يصيح عبد الله فجأة :
- الله و أكبر ... أعداد كبيرة من المراكب و السفن مزدانة بالأعلام الكوبية و العربية ، تتجه نحونا ، سيكون استقبالنا حافلا ، يا إخوان ، جهزوا أنفسكم لهذا الحدث العظيم ، رتبوا ملابسكم ، اعتنوا بمظهركم ، ربما هناك – أيضاً - صحفيون و تلفزة ..
يفتح رياض الفوهة العلوية للمركبة ، ثم يباشر رفاقه بالخروج منها الواحد إثر الآخر .
بدؤوا – من ثم – يلوحون للمراكب الآتية نحوهم ، و إن هي إلا بضع دقائق ٍ، حتى اقترب منهم ( يخت ) ناصع البياض، كاد يلامس مركبتهم ، و مالبث أن ظهر في مقدمته رجلان بالملابس العربية الخليجية و إلى جانبهما ضابط بحرية بدا أنه أدميرال اللبحرية الكوبية ، لكثرة الأوسمة التي يزين بها صدره ، و خلفهما اصطفت ثلة من الجنود البحارة .
يلكز عبد الله صديقه الدكتور هشام ، و يهمس في أذنه :
- إنظر إلى الأعلى ياأخي ، هناك قليلا إلى الشمال ؛ ينظر هشام إلى حيث أشار صديقه ، ثم يجيبه مندهشا :
- حتما إنه صحن طائر !!!!
*****
في صباح اليوم التالي ، كان موعدهم مع الصحافة في بهو الفندق الكبير ؛ كانت المفاجأة الأولى وجود والد حمود إلى جانب السفير الأماراتي ، و لفيف من أركان السفارات العربية الأخرى .
كان اللقاء حميما و التهاني تزفهم فردا فردا و التصفيق يصم الآذان.
ثم جلسوا على المنصة ...
افتتح وزير العلوم الكوبي المؤتمر الصحافي ، مشيدا بهذا الإنجاز غير المسبوق ، ثم تلاه السفير الأماراتي ، منوها بالإسهامات
الكبيرة للعلماء العرب عبر التاريخ في مجالات الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء ، و حتى الطيران ، فقد ثبت أن عباس إبن فرناس و هو من الأندلس ، أول من حاول الطيران في التاريخ ؛ مؤكدا أن زمرة العلماء العرب الشبان- الذين ترونهم الآن - بدؤوا باسئناف المسيرة العلمية العربية .
و انهالت من ثم اسئلة الصحافيين :
السؤال الأول :
= كيف تمكنتم من اختراق باطن الأرض مع أننا نعلم أن الحرارة قد تصل إلى درجة 2000 درجة مئوية أو أكثر ، و أن الضغط قد يصل إلى طن فوق البوصة الواحدة أو أكثر .
أجابه الدكتور عبد الله :
- لقد دخلنا فعلا في حرارات تتراوح 500 و 2000 درجة مئوية ، و تحملت مركبتنا ضغوطا أعلى من طن على ميلمتر مربع ؛ و يعود الفضل بهذا الإنجاز الكبير إلى الدكتور هشام ، تفضل يا دكتور .
يتناول الدكتور هشام مجسم الصوت ( المايكروفون ) و يجيب الصحافي السائل :
- لقد تمكنتُ مع فريق من التقنيين ، من توليف سبيكة مقاومة للحرارات العالية ، كما أننا اختبرنا عدة هياكل مقاومة للضغط الهائل الذي من المحتمل أن تتعرض له المركبة ، إلى أن توصلنا إلى الهيكل المناسب ، و قد نجحت مركبتنا باختراق درجات حرارة باطن الكرة الأرضية العالية كما تحملت أثقل الضغوط ؛ بنجاح تام و بدون أية صعوبة تذكر .
عقب صحافي آخر :
= هذا يعني أن هذه السبيكة يمكن أن تدخل في صناعة مركبات الفضاء ، أليس كذلك ؟
- بالتأكيد ! و يعني أيضا ، أننا يمكن بمركبة كهذه زيارة كوكب الزهرة ( فينوس ) توأم الأرض ، على سبيل المثال ، و التجول فوق سطحه بيسر، حيث تصل درجات الحرارة هناك إلى 450 درجة مئوية أو أكثر ، بينما بلغنا بمركبتنا مناطق في الأعماق بلغت قرابة الألفي درجة مئوية .
السؤال الثاني :
= علمنا أن المدة الزمنية بين الإمارات و هافانا استغرقت ست ساعات و ربع تقريبا ، أي اسرع من أية طائرة معروفة حتى الآن ، فهل هذا هو الزمن الذي قدرتموه بالضبط ؟
أجابه الدكتور حمود :
- جميع تقديراتنا وفق الدراسة التي أجراها الدكتور عبد الله ، تؤكد أننا كنا سنصل إلى إحدى جزر الكاريبي خلال أربع ساعات ، و قد كنا بالفعل تحت قاع المحيط الأطلسي نبحث عن فالق يمكننا اختراقه لبلوغ قاع المحيط بسهولة ، بعد ثلاث ساعات و عشرين دقيقة من انطلاقنا ، و اصارحكم القول أننا لا نعلم ما الذي أخرنا ساعتين إضافيتين ، و التفت إلى الدكتور عبد الله طالبا منه أن يشرح هذه النقطة ؛ فاضاف الدكتور عبد الله قائلا :
- بعيد بلوغنا قاع الأطلسي ، فوجئت تماما بأن جميع تسجيلاتي الصوتية و المرئية عن الرحلة كانت ممحية بالكامل خلال آخر ساعتين ، و قد حاولنا ، جميعا ، شحذ ذاكراتنا لنعرف ما الذ ي جرى خلال ذلك الزمن الضائع المعادل لثلث الرحلة ، و لكن دون جدوى ؛ شيء ما عطل أجهزتنا و ذاكراتنا لمدة ساعتين !
و هنا جرى لغط كبير بين جميع الحضور ، فقد أصابتهم الدهشة لهذا الزمن المفقود ، لولا أن نهض أحد صحافيي فضائية عالمية، فطرح السؤال الثالث :
= هل لذلك علاقة بأحجية مثلث برمودا ، فالمعروف لدى الكثير من قواد السفن و الطيارين أن لديهم ملاحظات شبيهة بما ذكرت ، كتوقف البوصلات و أجهزة الإتصال و ما إلى ذلك ؟
أجابه الدكتور عبد الله :
- ربما ؟ و بالمناسبة فقد لفت نظرنا وجود صحن طائر خلال استقبالنا في عرض البحر .
صمت قليلا ريثما هدأت الضجة التي أثارتها ملاحظته ثم أضاف :
- ربما نتمكن من حل هذا اللغز أثناء رحلة العودة !
السؤال الرابع :
= هل يمكن أن تصفوا لنا ما شاهدتموه في أعماق الأرض ، أقصد على أعماق تزيد عن الخمسين كيلومتر تحت قاع البحر ؟
فيتصدى الدكتور مجدي للإجابة على هذا السؤال :
- باطن الكرة الأرضية ليس طبقات ذات كتلات متجانسة لكل منها كما شبهها البعضة بطبقات ثمرة البصل مثلا ، فهناك مناطق صلبة رغم وجودها على أعماق تزيد على المائة كيلومتر ، و هناك مناطق ملتهبة ، و أخرى نصف مائعة قريبة جدا من سطح الأرض أو قاع البحار ، تتحرك فيها المعادن المنصهرة كأنها في مرجل من مراجل مصانع الحديد و الصلب ؛ و في الأعماق – أيضا - كهوف ضخمة ، أحدها تجاوز المائتي كيلومتر طولا تحت القارة الإفريقية ، و هناك تسرب كبير من مياه المحيط إلى الأعماق ، فما أن أن تلامس المياه المتسربة الخليط المنصهر حتى تتبخر و تبدأ في الصعود ثانية إلى أعلى متخللة المادة الأصلب لتتبرد من جديد متفاعلة مع المعادن و أشباه المعادن لتظهر على شكل مياه معدنية ، أو لتشكل فجوات من الماء العذب ، لم يكن لدينا وقت كافٍ لرصد حجمها ، و لكن بعضها كبير جدا ، و سنقوم بدراستها بتأنِ خلال رحلة العودة .
و مما يلفت النظر أنه في قاع البحر الأحمر قرب خليج السويس أي قرب الفالق الذي تمكنا من اختراقه إلى الأعماق ، توجد مساحات دائمة الإشتعال رغم وجودها في وسط مائي ، و لاحظنا مثلها في قاع الأطلسي ، أي قرب الفالق الذي خرجنا منه باتجاه القاع .
السؤال الخامس :
= ماهي قوة المحركات التي سمحت لكم باختراق باطن الأرض ، بما تحويه من صخور و معادن صلبة ؟ و نحن نعلم أن اختراق الصخور في بعض المناجم يحتاج إلى أشهرا أو سنينا .
تصدى الدكتور رياض للإجابة فقال :
- زودنا مركبتنا ( دبي1 ) ، بثلاث محركات ، أولها محرك الدفع و تعادل قوة دفعه حوالي 3000 حصان ، و باستخدام وقود مضغوط شبيه إلى حد ما بالوقود الجاف المستخدم لدفع الصواريخ الفضائية ، و المحرك الثاني محرك الحفر لتشغيل الحفارة الحلزونية المثبتة في مقدمة المركبة ، و الثالث محرك لتشغيل الذراع الهايدروليكية ، لالتقاط العينات ، و نستفيد منه أيضا في عملية التبريد الداخلي .
ثم يختتم الدكتور حمود المؤتمر الصحافي ، مؤكدا على روح التعاون التام التي سادت بين مصممي المشروع و فريق المهنسين المساعدين الذين حولوا العمل من النظرية إلى التطبيق ، مشيدا بدور والده الذي أنفق على المشروع من ماله الخاص و بسخاء منقطع النظير ، و بدور الحكومة الأماراتية عامة و أمير دبي على وجه الخصوص ، لما قدموه من دعم معنوي و تشجيع منقطع النظير .
*****
وُدِّع العلماء العرب الشبان بمثل ما استقبلوا به من حفاوة ، ثم ما لبثت مركبتهم أن غاصت في اليم .
بعد أربع دقائق من الغوص المتواصل نزولا باتجاه فالق الأطلسي ، و ما أن بلغوا الفالق و باشروا في اختراقه ، حتى شعروا بأمر غريب ، فقد توقفت أجهزة رصدهم فجأة عن العمل ، كما توقف محركا الدفع و الحفر معا ؛ فأخذوا ينظرون إلى بعضهم بعضا و قد تملكهم الخوف و القلق ؛ ثم شعروا بأن مركبتهم تتجه بسرعة عالية جدا في اتجاه معاكس ، و كأن قوة ما قذفتهم إلى الناحية الأخرى ، كانت السرعة شديدة بحيث تمكنوا بصعوبة من شد أحزمتهم ، و كان الضغط كبيرا بحيث أحسوا كأن بطونهم التصقت بظهورهم ، ثم و بعد بضع دقائق أخرى ، بدأ كل شيء يعود إلى طبيعته ، فعادت الأجهزة تعمل ، ليكتشف الدكتور عبد الله أن المركبة قُذفت إلى المحيط الهادئ ( الباسيفيك ) قريبا من سواحل جمهورية كوستاريكا .
قال الدكتور عبد الله :
- - لا مبرر للقلق يا اخوان ، فالأرض كروية ، و نحن في رحلة العودة غير مرتبطين بزمن محدد للوصول ، فقد حققنا الريادة في هذا المجال . فأجابه الدكتور مجدي :
- = كل هذا الذي حدث و تقول لا مبرر للقلق ؟ ، ساعتان من الزمن المفقود قبلا ، قَذْفنا من محيط إلى محيط – رغم إرادتنا - و كأننا كرة قدم ضربتها قدم لاعب كروي ماهر ، و تقول لا مبرر للقلق ؟! ترى ما هي هذه القوة التي تحكمت بنا سابقا ثم لاحقا ؟ ألسنا معرضين للعبث بكل جهودنا و كل علومنا مرة ثانية ؟ و كأن هناك من يسخر بنا و بكل تراثنا البشري العلمي !
من ؟ و كيف ؟ و لِمَ ؟
يجيبه الدكتور عبد الله و هو يهز رأسه تعجبا :
- = أتدرون يا إخوان ، لا زال ذلك الحلم يراودني كلما استسلمت لسلطان النوم ، حلم أتلنتيا و جمهورية أفلاطون الفاضلة ، إنني اشعر في قرارة نفسي أنه ليس مجرد حلم ! و أن له ارتباطا بما تعرضنا و نتعرض له !
على أي حال ، فلندع الأحلام جانبا و لننظر إلى واقع الحال ، نحن كما تشير خارطة الأقمار الصناعية ، على بعد حوالي 200 كم من جمهورية كوستاريكا باتجاه الغرب نحو جزيرة اسمها كوكوس ، و كما نحن متفقون ، فإن زمن رحلة العودة غير محدد ، إذاً مارأيكم في أن نحاول استكشاف أعماق المحيط الهادئ ؟
يجيبونه جميعا بالإيجاب ، فيطلب من الدكتور رياض أن يخفف من سرعة محرك الدفع .
*****
- نحن الآن بجوار جزيرة كوكوس ، هل سمع أحدكم بها من قبل ؟ سأل د.عبد الله رفاقه !
- كلا لم نسمع ، أجابوه ، و لكن الدكتور د.هشام أجابهم :
- سأبحث لكم عن معلومات حولها من خلال حاسوبي المحمول .
و بينما انهمك د. هشام بالتفتيش عن معلومات باستخدام محركات البحث المختلفة في حاسوبه ، بدأ الآخرون يستعرضون أشكالا و ألوانا من المخلوقات البحرية ، تعرفوا على بعضها و جهلوا الأخرى ، أنواع من أسماك القرش تحوم في المنطقة ، أعدادها كبيرة ، عشرات بل مئات ، و هناك عدد كبير من الدلافين أيضا ، و أعداد هائلة من فصائل الأسماك مختلفة الأشكال و الأحجام و الألوان ؛ يزدادا عددها مع اقتراب المركبة من جرف الجزيرة ؛ بعضها يتحرك على شكل قطعان ، و بعضها يتسلل بين الصخور و بعضها الآخر على شكل صخرة تلتصق بتلك الصخور حتى لا يمكن تيميزها عنها !.
شاهدوا أخطبوطا يتشارك في التهامه عدة قروش ، و قطيعا من الأسماك تحاصره مجموعة أخرى منها ، و تبدأ من ثم بالتهامها واحدة إثر أخرى ، ثم شاهدوا نوعا من الأسماك يسمونه في بلادنا العربية الحبار ، تنطلق نحو سطح المحيط بسرعة رهيبة فرارا من مجموعة ثالثة من القروش فتتمكن من النجاة . ثم شاهدوا شعابا مرجانية بلونيها الأصفر و الأحمر الزاهي ، و أخرى تظهر من بينها نباتات طويلة السوق تداعبها تيارات المياه ، و نباتات أخرى على شكل مراوح اليد ملونة و عملاقة ، و صخورا التصقت بها أشكال و ألوان من مختلف أنواع القواقع .. منظر رائع أشبه بلوحة فنية بانورامية متحركة ، و أجمل بكثير من أي متحف مائي زاروه من قبل .
ابتدأ من ثم د.هشام يسرد لهم باختصار ما قرأه عن الموقع ، فقال :
- جزيرة كوكوس من المواقع السياحية العالمية المشهورة ، و سبب شهرتها أنها تجتذب هواة الغطس في الأمريكتين و هي تابعة لجمهورية كوستاريكا ، و الجزيرة تجتذب العديد من أسماك المحيط الهادئ بسبب كثرة الغذاء حول جدرانها الصخرية و غزارة العوالق الحيوانية و النباتية ؛ و قد كانت ملاذا للقراصنة الذين كانوا يتربصون للمستعمرين الإسبان و هم في طريق عودتهم محملين بالغنائم من بلاد الأنكا ( البيرو حاليا ) و يستولون على سفنهم بحمولتها من الذهب و الفضة ، و لذا فالجزيرة موئل للباحثين عن كنوز مما قد يكون القراصنة أخفوه فيها ، كما أنبأتهم بعض الخرائط المكتشفة ، هذا و قد أعلنت كوستاريكا رسميا – منذ سنوات قليلة - أن الجزيرة أصبحت محمية طبيعية .
*****
- أعتقد أننا إذا التففنا حول هذه الجزيرة نحو غربها فسنبدأ بالغوص عميقا ، يقول د.عبد الله ، ثم يضيف :
- الأعماق المنتظرة قد تصل إلى 4000 متر أو يزيد ، ما رأيك يا د.رياض بأن تبدأ بالغوص بنا في الحال ؟ و يلتفت إلى زملائه الآخرين :
- هيا استعدوا يا إخوان ...
و لكن د.حمود يقاطعه بشيء من الحدة ، قائلا :
- أنت تتصرف و كأنك قائد ( كابتن ) هذه السفينة ، أليس لنا رأي يا أخ عبد الله ؟
يجمد الذهول د.عبد الله ، و يتلعثم و هو يجيبه :
- أنا لم أدع قط أنني قائد هذه المركبة ، أنا أعمل من منطلق اختصاصي ، كل منا و كما اتفقنا منذ البداية ، يتصرف من منطلق إختصاصه ، و ليس بيننا رئيس أو مرؤوس ، تفضل انت و تسلم القيادة إذا شئت و أنا أول من يصوت لك ..
يضحك د.حمود ملء شدقيه ، ثم يجيبه بصوت تقطعه قهقهته المتواصلة :
- جاد ، دوما جاد و صارم ، ألا تحتمل المزاح – هداك الله - من أخيك حمود يا عبد الله ؟ إنما أردت أن أغير جو الجدية و القلق الذي سيطر علينا ، و خاصة على وجهك المتجهم أنت بالذات ، منذ قذفنا الغرباء إلى المحيط الهادئ ..!
يبتسم د.عبد الله بينما لا زال الآخرون يتضاحكون .
و سرعانما يعود عبد الله إلى حاسوبه و شاشات التصوير الضوئي و الصوتي و الحراري المرصوصة أمام مكتبه .

*****
- -نحن الآن على عمق 1000 متر تقريبا ، لا أثر للضوء ، الظلام 100% و درجة الحرارة تقارب 5 درجات مئوية ، يقول د. عبد الله ، فيجيبه د.مجدي متسائلا :
- = و لكنني أرى أضواء مختلفة الألوان و الأحجام تحوم هنا و هناك ، ترى ماهي ، و نحن في هذا العمق ؟
فيجيبه د. هشام :
- - أعتقد أنها الأسماك المضيئة ، قرأت عنها ذات يوم ، و يمكنني أن أستخرج لكم بعض المعلومات من حاسوبي المحمول ؛ على أي حال حتى لو لم أتمكن من استخراج المعلومات الكافية فإن أخي عبد الله يسجل كل شيء على اسطوانات( د.ف.د DVD ( و سنقوم بدراستها فيما بعد ..
- = أنظر إلى هذه السمكة الكبيرة ، يصيح مجدي مندهشا ثم يتمم :
- = صفان من الأضواء الزرقاء تنير ما حولها ، يا لروعتها ، لم أتصور أنني سأشاهد يوما مثل هذا المخلوق .
يصيح د. مجدي :
- - أنظروا إلى هذا القطيع من الأسماك ، تشع كلها باللون الأخضر ، فيجيبه د.هشام :
= اسمتمعوا معي لهذه الحقائق عن الأسماك المضيئة استخرجتها لكم لتوي :
1 - إن اللون المنبعث من الأسماك ، يكون إما ازرقا أو ازرقا مخضرا وذلك لسببين هما:-
آ- أن اللون الأزرق والأزرق المخضر يسافر لمسافات طويلة داخل مياه البحار المالحة والمحيطات
ب- أن الأسماك حساسة لهذه الألوان فتستطيع رؤيته بسهولة في الماء
ج - و نجد في بعض أنواع السمك ما ينبعث منها ضوءا احمرا ، طوله الموجى طويل جدا فلا تراه باقي الأسماك وبهذا فهي ترى الأسماك الأخرى وهي لا تستطيع رؤيتها ، فتستخدم هذه الخاصية في افتراس غيرها من الأسماك ، أو تستخدمها كلغة إشارة بين بعضها البعض .
2- تستخدم بعض الأسماك هذا الضوء في جذب فرائسها ثم تقوم بإمساكها بفكها وتلتهمها
3- تستخدم الضوء كوسيلة تخويف وتشويش لباقي الأسماك التي تخاف من هذا الضوء المتوهج وتبتعد عنها
4- تستخدم هذا الضوء ككشافات ترى بها الطحالب والكائنات الدقيقة والتي تتغذى عليها العديد من اسماك المحيطات الصغيرة
5- تستخدم الضوء كلغة إشارة بين أفراد النوع الواحد فهم يستخدموا إشارات ضوئية فيما بينهم لا يعرفها احد غيرهم
6- البعض الأخر يستخدم الضوء كرموز بين الذكور والإناث أثناء موسم التزاوج
فنجد بعض أنواع إناث الأسماك ينبعث منها أضواءا ملونة من أماكن مختلفة على أجسامها فتصبح مثل الطاووس في روعتها وجمالها فتجذب الذكور إليها أثناء موسم التزاوج ، والغريب أن هذه الأضواء المبهرة لا يراها إلا الذكور التابعة لنفس نوع الإناث أما أنواع الذكور الأخرى فلا تراها.
يعلق د. مجدي قائلا :
إنه عالم غريب ، لو لم أشاهده بنفسي لما صدقته !
*****
تلتف مركبة الأعماق ( دبي 1) حول جزيرة كوكس ، و تبدأ بالغوص من جديد باتجاه جنوبي غربي ، الأنوار الكاشفة تضيء ماحولها ، الحيوانات البحرية أصبحت قليلة ، و لا شيء غير العوالق تسبح في هذا الظلام تكثر حينا و تقل حينا آخر .
د. عبد الله يبلغ زملائه بأنا المركبة و صلت إلى عمق أربعة آلاف متر ، و أنها تكاد تبلغ القاع .
و على حين غرة يظهر ضوء يزداد سطوعه رويدا رويدا ، ثم يتحول من اللون الأصفر إلى اللون الليلكي ثم الأحمر القاني ، كان المنظر يشبه إلى حد بعيد الشفق قبيل لحظة الغروب .
تشرئب الأعناق فوق المناظير المطلة على خارج المركبة ، و إن هم في حيرة من أمرهم يعلو صوت د.مجدي : " إننا نقترب من أحد الشقوق البركانية الضخمة ، أكبر بكثير من تلك التي شاهدناها من قبل ."
يسأله د.هشام :
- - و هل من المحتمل وجود أحياء مائية وسط هذا الجحيم ؟
يقاطعه د. حمود :
- = انظروا جهة اليمين يا إخوان ، فيأتيكم الجواب ، انتبهوا إلى هذا المخلوق الذي يتحرك كالأفعى العملاقة قرب فوهة النار ، دون أن يخشى الإحتراق ! فيجيبه د. مجدي :
- - إنها إلى دودة عملاقة أقرب ، إنها تشبه الدودة الوحيدة التي كانت تفتك بالجهاز الهضمي لمن يبتلى بها منذ خمسين سنة و ما قبل..
يعلق د. هشام :
- = طولها حوالي عشرة أمتار ، ترى علامَ تتغذى لتصل إلى هذا الطول ؟
يقاطعه د. رياض مندهشا :
- - انظروا لهذا السرطان العملاق ، إنه على حافة الصدع و يجرى غير مهتم بالنار التي لا تبعد عنه أكثر من بضع سنتيمترات ؛ يقولون أن الحياة مستحيلة في هذه الأعماق ، و ها نحن نرى مخلوقات متنوعة تعيش فيها و في درجات الحرارة العالية ، ألا ما أقصر معارف الإنسان عن أعماق البحار .
يبدأ د.رياض بتشغيل اليد الهايروليكية لجمع العينات ، بينما ينهمك د. عبد الله بتصوير كل ما تقع عليه عينه من العجائب ، أما الدكتور حمود فيصفق فرحا و هو يقول :
- = سنقدم للعالم من المعلومات ما عجزت عنه الدول العظمى ، سأقول لهم : " اكتشفوا أعماق محيطاتكم و هي في متناول اليد ، بدلا من اهتمامكم بالفضاء الخارجي و أبعاده الخيالية !
*****
يتصل د.حمود بوالده فيدور بينهما الحوار التالي :
- يوبا أنا حمود ، سامعني ؟
= سامعك يا حمود ، هلا بولدي ، كيف أحوالك و أحوال اخوانك ؟
- الحمد لله يوبا ، كلنا بخير ، نحن في أعماق المحيط الهادئ ، نشاهد عجائبه ..
= المحيط الهادي ؟ ماذا أودى بكم إلى المحيط الهادي يا ولدي ؟ هل غيرتم خطتكم ؟
- ( يوبا ) ، القصة طويلة ، سأحكيها لك عند عودتنا ، المهم أننا شاهدنا بأم أعيننا الأسماك المضيئة ، ( يوبه منظر يهبِّل ) ، و شاهدنا مخلوقات عملاقة تعيش على حافة بركان في قاع المحيط ، تصور يوبا ألسنة النار في قلب الماء البارد و نهر من الصخور الذائبة الملتهبة يتلوى في قلب الماء ، و شاهدنا أيضا نباتات بعضها يتجاوز طولها العشرين مترا .
= الله ... الله .. الله !!!!ليتني كنت معكم ، عساكم سجلتم كل شيء؟
- بالتأكيد يوبا ، أخي عبد الله يقوم بتسجيل كل شيء و قد بدأنا نجمع العينات ؛ يوبا ، قاع المحيط مفروش بالمعادن من جميع الأجناس بعضها مغمور تحت طبقة رقيقة من الرمال الناعمة و بعضها ظاهر للعيان على شكل أحجار و حصى ، ميز منها أخي مجدي الحديد و النحاس و النيكل .. و ربما نجد الذهب أيضا ، و قرب البركان الذي حدثتك عنه ، وجدنا مركبات كبريتية تزكم الأنوف برائحتها النفاذة .
= اوصِ الدكتور عبد الله أن ينتبه جيدا لأجهزة تصويره ، كي لا يحدث لها ما حدث من قبل !
حاضر يوبا على أمرك ، أستودعك الله ، و لاتنسَ أن تسلم على الوالدة و الأهل .
يلتفت د.عبد الله نحو د.حمود و يقول له معاتبا :
- كأني بوالدك يحملني مسؤولية ما جرى خلال الزمن المفقود !
= معاذ الله ، أن يتهمك أحد ، يلتفت د.حمود نحو بقية الزملاء متسائلا :
= هل لمس أي منكم يا إخوان أي اتهام أو لوم موجه لأخي عبد الله ؟
يستبعد الجميع ذلك ، فيبتسم د.عبد الله ، يفكر لحظة ثم يقول برنة تشوبها الدهشة :
- إنني أزداد يقينا ساعة بعد ساعة أن لحلمي المتكرر حول حضارة أتنلنتيا اساسا واقعيا ، و أن الزمن المفقود له علاقة وثقى بذلك كله ، ليلة أمس مثلا شاهدت في حلمي سيدة فارعة الطول ذات شعر أحمر و عينين كبيرتين عسليتي اللون ، تقودنا إلى ساحة مليئة بما نسميه بالأطباق الطائرة من مختلف الأشكال و الأحجام ؛ لقد بدأت تتضح لي الصورة يا إخوان ، لقد كنا في زيارة لأتلنتيا خلال الزمن المفقود .
- يتبادلون نظرات الإستغراب و لكنهم لا ينبثون ببنت شفة .
*****
- عودوا إلى مناظيركم يا إخوان ، أمامنا منظر مدهش ، يقول د.عبد الله ، ثم يتمم :
- - نحن نقترب من سلسلة جبال على مايبدو ، يشير الرادار أنها سلسلة طويلة قمم بعضها تصل إلى سطح المحيط على شكل جزر و لكن أغلب القمم مغمورة بالماء ، أعتقد أننا قرب أخدود ماريانا . د.هشام يا ( خوي ) حاول أن تستخلص لنا بعض المعلومات عنه رجاءً .
- يستمر بالمراقبة عبر المناظير كل من د.حمود و د.مجدي ، في حين آثر متابعة المشاهد عبر شاشات الرادار و الفيديو كل من د.عبد الله و د.رياض ، بينما انهمك د.هشام باستخراج المعلومات المطلوبة من حاسوبه النقال .
- يقول د. هشام بعد فترة صمت طالت :
- - اصغوا إلي ... أخدود ماريانا يقع إلى الشرق من جزر ماريانا و على مسافة ليست بعيدة عنها ، على خط عرض ( 12 شمال خط الإستواء ) و خط طول ( 142 شرقا ) و هو بطول حوالي 3000 كيلومتر و عرض يتراوح بين 20 و 70 كيلومتر ، و أعمق نقطة فيه تصل إلى 11 كيلومترا ، أي أعلى من قمة افرست ، و تسمى ( هوِّة المتحدي Challenger Deep ) ، و يوازي الضغط في هذا العمق ثقل فيل فوق صرصار.
- يتساءل الدكتور رياض :
- - ترى هل تعيش مخلوقات في هذه الأعماق ؟ و هل تتحمل هذا الضغط الهائل، و هل تتحمل مركبتنا هذ الضغط أيضا ؟
- يضحك د.حمود ، و يجيبه :
- - ( عفى عليك يا خوي رياض ) اسمح لي هذا سؤال ساذج ، لقد بلغنا في عمق الأرض أكثر من 2000 كيلومتر ، يعنى أن الضغط كان أعلى بكثير ، و تحملت المركبة .
- يجيبه الدكتور رياض :
- - لا تنس أننا كنا مندفعين بمحرك بقوة 2000 حصان ، فالسرعة تخفف من الضغط كما أعلم أو تلغيه ، و لكننا الآن في رحلة استكشافية ، أي أن المركبة بطيئة نسبيا ، و لذا ستتعرض للضغط كله ، هذا ما قصدته يا دكتور حمود.
- يجيبهما الدكتور عبد الله :
- - لا تستبقا الأحداث ، سنخوض التجربة ، و سنرى ، و أن كنت متأكدا أن النركبة ستحتمل هذا الضغط ، و كما تعلمون فقد أجرينا عدة اختبارات حول الضغط و الحرارة !
- يقاطعه د. هشام :
- أنا مع أخي عبد الله ، على ثقة بأن المركبة ستحتمل كل هذا الضغط ، و أعتقد أن نظرية أخي رياض ليست صحيحة 100% ، و إن كنت سوف أراجعها لاحقا .
= و الآن – أعزائي - بلغنا أول خندق ماريانا من جهة الشمال ، يقول د.عبد الله منبها ، ثم يضيف:
= و سنبدأ في التحرك خلاله نحو الجنوب ، و لا تنسَ أخي رياض التقاط ما تيسر لك من العينات .
*****************
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ( ArabWata )
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

ابراهيم عبد المعطى داود
12/07/2007, 12:39 PM
ألأستاذ المبدع / نزار ب . الزين
الحقيقة هذا النص ليس روايه من الخيال العلمى 0
ولكنه رساله لنيل درجة الدكتوراه فى العلوم الآتيه :
- علم الجيولوجيا وطبقات ألأرض 0
- علم النباتات المائيه والكائنات الحيه فى أعماق البحار والمحيطات
- علم الفيزياء
- علم الفضاء الخارجى والمجرات السماويه
- علم الجغرافيا
وبدون مجامله هو فعلآ سيدى العزيز رساله لنيل الدكتوراه وقد حزتها بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف
وتقبل خالص تهانينا القلبيه 00
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم

نزار ب. الزين
13/07/2007, 07:48 PM
ألأستاذ المبدع / نزار ب . الزين
الحقيقة هذا النص ليس روايه من الخيال العلمى 0
ولكنه رساله لنيل درجة الدكتوراه فى العلوم الآتيه :
- علم الجيولوجيا وطبقات ألأرض 0
- علم النباتات المائيه والكائنات الحيه فى أعماق البحار والمحيطات
- علم الفيزياء
- علم الفضاء الخارجى والمجرات السماويه
- علم الجغرافيا
وبدون مجامله هو فعلآ سيدى العزيز رساله لنيل الدكتوراه وقد حزتها بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف
وتقبل خالص تهانينا القلبيه 00
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم

==================================
أخي العزيز ابراهيم
تعقيبك أثرى النص و كلماتك الطيبة أثلجت صدري فهي وسام أعتز به
شكرا جزيلا لمرورك الكريم
و تقبل مودتي لك و اعتزازي بك
نزار