المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبث الصغار- د.أيمن القادري



أيمن أحمد رؤوف القادري
12/07/2007, 02:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
عبث الصّغار! د.أيمن القادري
وتكتمل الصورة!
تكتمل بريشة مغموسة بدم طاهر، تَنَقََّلَ في أسواق المزاد، في الأشهر الخالية. تكتمل بألوان "الطيف" السياسي، الذي أحدث في العيون "عمى الألوان"! تكتمل بأصباغ حاولت طمس التجاعيد في وجه المؤامرة المزمنة، على بلد مسكين.
ويوصلنا عبث الصغار إلى عنق الزجاجة، ثمّ يختمونها بالفلّين الأصمّ! يوصلنا إلى ملعب كرة تتقاذفنا فيه الأرجل الحافية، وكلُّ المشجّعين أغراب. يوصلنا إلى تحطيم أجمل ألعاب الطفولة، إرضاءً لنـزوات تجّار الألعاب...النارية!
ويسوقنا رعاة القطيع، من هذا الوادي، ومن ذاك، إلى أنياب الفتن الدامية، والتخبّط الساديّ، وكأنّ فناء القطيع ثمن الزعامة الذهبية في أسواق المال العالمية! وأيّ زعامة لراعٍ، في رعية باتت جماجم مهشّمة وعظاماً نخرة؟ وأيّ نفع لقائد، عاصمته مدافن المحكومين الجماعية؟
ألم يُتخَم هذا الشعب بسياسات التكاذب التي تآكلت أمعاءه؟ ألم تُفسد شهيته خطابات التناحر الفاسدة؟ فارفعوا، إذاً، عن موائدنا أطعمتكم التي مضت فترة صلاحيتها، وتورّعوا عن وضع السُّمّ اللذيذ في المأكل الدسم، فلقد قرّرنا أن نصوم الدّهر، حتّى يتبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حين يتلاشى ليلكم. ولا بأس أن نموت جوعاً، زاهدين في وجباتكم المجّانية! لا بأس أن نموت عطشاً، راكلين دِنانكم التي سكبتم فيها حبْر اتفاقياتكم الزائفة، ودموع التماسيح!
كفى أبناءَ هذا البلد ما عانوا من قصص ألف ليلة وليلة، التي تلِدُ كلّ منها قصة أخرى، قبل انتهاء الأولى! مات شهريار، لكنه أنجب من كلّ امرأة، قبل قتلها، آلاف المعربدين، فإلى أيهم تتنسبون؟ مات شهريار، لكنه عوّد شهرزاد الثرثرة والتملّق، فصارت بنت الوزير تنجب ساسةً مخادعين، ذوي أوجهٍ شوهاء، فأي هؤلاء جدّكم الذي به تتباهون؟ كفى أبناءَ البلد خرافاتُ عنترة المهْوُوس، وادّعاءات عمر بن أبي ربيعة المعشوق، وعربدات بشّار المكفوف، وفلسفات أبي نؤاس المخمور!
ها قد شتم أمراء الحرب، وملوك السلم، الغانمون في الحالين، في هذا البلد الصغير، كلّ رجالات الحِلْم والأناة والتبصّر والرزانة والوقار، وصادروا عباءاتهم. ها قد أسقط أفذاذ السياسة، من معاجمهم التي ضاقت بها الرفوف الخشبية، بين مساكن العنكبوت، أسماء الأحنف بن قيس، وعمر بن عبد العزيز، وسائر الهادئين، ثمّ جمعوا في ليلة ليلاء، من سلّة المهملات في سراديب التاريخ، عظام يزيد بن معاوية، وأبي جعفر المنصور، وسائر السفّاحين! ها قد نبش كلّ زعيم، من مدافن الحقد، قمقماً علاه الصدأ، وأمرّ عليه يده الخشنة، حتى يخرج منه مارد مرعبٌ، لا كلماته تخضع لقواعد أبي الأسود الدؤلي، ولا سحنته توحي بأنه من مضارب قبيلة عربية... أو شبه عربية!
تباً لكم!! أليس أجدادنا قد دفنوا في ليلة مباركة، هذه القماقم، وختموا على أفواهها بالرصاص؟ مَنْ أمركم أن تخرجوها من تحت التراب الأبي، لتكون أفتك مِنْ طعن الخناجر، ومِنْ أزيز الرصاص؟!
ويقول الأطفال همساً، بينما تمحو المعلّمة اللوح: اختلف "الكبار" في شأن "المحكمة"... ويتضاحكون!
أين هي المحكمة التي تُساقون إليها جميعاً، ولو دخلتم من أبواب متفرّقة؟ أين هي المحكمة التي تكشف فيها الضحية، عن طعناتكم النجلاء في صدر الإنسان؟
أحقاً تختلفون في شأن "العدل"؟ أحقاً يختلف قابيل وأبو جهل في موعد ليلة القدر؟ أحقاً يختلف فرعون وأبو لهب في عدد ركعات التراويح؟ أحقاً يختلف الواشي بالسيد المسيح ومسيلمة في اسم الله الأعظم؟
وتقول رايةٌ ساخرةٌ في إحدى ساحات المجون السياسي: غداً أرى قوس قزح، ههنا، وتزدحم الرايات المتباينة، من كلّ لون. لكنّ السماء لن تمطر ندى أو غيثاً، بل تمطر على البلد لعنات ونكبات وإحناً! آه، لو كان لي الخيار، لرفضت أن يرفعني أحد العابثين! ليتني كنت كفن فقير، أو منديل أرملة.
بالله عليكم، أوقفوا المسرحية، وحطّموا خشب المسرح، ومزّقوا الستارة، ووزّعوا "الكراسي" على ضحاياكم... وارحلوا! ارحلوا ليلاً أو نهاراً، سرّاً أو جهاراً... لا فرق! فلن يتبعكم أحد. ارحلوا راجلين أو مبحرين أو طائرين... لا فرق! فلقد لفظكم البرّ والبحر والسماء.
اكتملت الصورة، التي تكشف زيفكم. لكن...سيحطّم الناس الصورة، بالأيادي التي وضعتم فيها أصفاد وعودكم الخادعة، سيحطّم الناس الصورة بالأصابع التي طالما "بَصَمَتْ" فوق أوراق بيضاء تمضون بها إلى جلاّديهم ساخرين، سيحطّم الناس الصورة بالأظافر التي طالما قلّمتموها كي لا تخدش أياديكم حين ينهال عليها من يقبّلها. ولسوف يرسم أبناؤنا، الذين لم تلوّث عقولهم نفاياتُ العابثين، بأقلام بسيطة، وبحبر لا يُمحى، معالم الأمل، الذي لا مكان لكم فيه!