المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضوء يشبه الماء



ايناس حمدي
12/07/2007, 02:49 PM
ضوء يشبه الماء
14/04/2007
قصة: غابريل غارسيا ماركيز



ترجمة: زعيم الطائي

بحلول أعياد الميلاد اشتدت مطالبة الولدين بزورق التجديف مرة اخرى،
- حسن (اجاب الأب) سنشتريه حال عودتنا الى قرطاجنة .
لكن (تاتو)ابن التاسعة و(خوليو) الذي مازال في السابعة ، حملا فكرة مغايرة
لما قرره الوالدان:
- كلا (اجابا بحدة وبصوت واحد) نحن نريده هنا والآن.
قالت امهما : بدءا حتى لو سلمنا بالأمر ، فليست لدينا مياه كافية هنا غير ما يأتينا من دوش الحمام .
كانت محقة وزوجها كذلك، لأن بيتهما هناك في ( قرطاجنة دي اندياز ) له ساحة واسعة مظللة ،ومرسى صغير على الشاطئ يسع يختين كبيرين ، اضافة الى ان الشقة التي حشروا فيها هنا في مدريد ،الطابق الخامس رقم 47 باسيو دي لاكاستيلا ، تزدحم ازدحاما شديدا بعفشها وآثاثها.ورغم ذلك ففي النهاية لم يكن بوسعهما الرفض لانهما وعدا الولدين بزورق التجديف كاملا بكل لوازمه ومزودا بقنباص ومرقاب وآلة لقياس
عمق الماء، ان هما اجتازا صفهما الاخير في الابتدائية، وبما ان كليهما قد نجحا بتفوق
بما لايدع مجالا للتنصل عن الوعد الذي قطعاه ، لذا فقد اضطر الوالد لشراء كل شيء دون ان يخبر زوجته التي كانت هي الاخرى عازفة عن الخوض في نقاش غيرمجدٍ حول الأمر ، هكذا انتهى الموضوع باحضار قارب جميل من الألمنيوم وله خطوط ذهبية اللون على الجانبين لتحديد مقدار العمق فوق سطح الماء ( القارب في الكراج) اعلن الوالد بعد اكمال الغداء، لكن المشكلة ان لامجال لنقله الى شقتهم عبر المصعد او السلالم وليس له متسع حتى في الكراج. على اية حال ، عند ظهيرة السبت اللاحق ،قام الولدان بدعوة رفاقهما في الصف لمساعدتهما في حمل الزورق الى الطوابق العليا ،ودبرا له مكانا في غرفة الخدمة . قال الوالدان :
- تهانينا ، وماذا بعد؟
اجاب الولدان :- لاشيء ، كل ماكنا نريده ان يوضع في الصالة ، وهاهو الآن فيها.
ليلة الاربعاء التالية غادر الوالدان الى السينما كعادتهما كل اسبوع ، فكانت فرصة للصبيين ان يتصرفا وكأنهما يملكان المنزل. شرعا اولا باغلاق كل النوافذ والابواب ،
واخذا بتكسير بعض المصابيح تاركين شعراتها المتوهجة بالنور خصوصا في غرفة المعيشة ، فبدأت تنبثق من تلك الفتائل ألوان كهربائية عديدة متفحمة بالسواد . بعد تغطيس رؤوسها بالماء الذي جعل يفور ويتناثر بعلو ثلاثة اقدام عند ربطه بالتيار . تناول كل منهما مجدافه ، وراحا يبحران معا عبر جزر البيت الوهمية .
(هذه المغامرة الخرافية اتت نتيجة لملاحظات عابرة غير قابلة للتصديق كنت قد رويتها صدفة في واحد من فصول المواضيع الخيالية في درس الشعر ، حينما سألني تاتو : لماذا يأتي الضياء فقط حين ملامستنا لمفتاح النور ولا يأتي من غيره ، اجبته وقتها :الضوء كالماء ويمكن حصولنا على النور عند قيامنا بفتح صنبور الماء ايضا ، قلت
ذلك دون ان املك الشجاعة الكافية لاعادة التفكير في المسألة نفسها مرة اخرى) .
وهكذا استمر الاثنان في الابحار مساء كل اربعاء وتعلما كيف يستعملان مرقاب النجوم والبوصلة، حتى اذا ماعاد الوالدان بعد خروجهما من دار العرض وجداهما يغطان في استسلام نوم ملائكي على ارضية الشقة اليابسة .
بعد مرور بضعة اشهر ، ذهب بهما الامر بعيدا حيث اخذا يطالبان بجلب عدة غطس كاملة بضمنها البدلة الخارجية ، القناع والزعانف ، اسطوانات غاز التنفس مع بندقية اطلاق هوائية للصيد تحت الاعماق .
احتج الوالد منتقدا: - شيء سخيف وغير مرض وضع قارب لايستعمله احد في غرفة المعيشة ، والاسخف منه الحافكما بالسؤال عن عدة غوص ايضا .
قال خوليو : ماذا لو حققنا نجاحا باهرا في الفصل الاول هذا العام وحصلنا على ميدالية كاردينيا الذهبية ؟
- كلا (قالت الام محذرة ) هذا يكفي ...
راح الوالد يلومها لابدائها موقفا متصلبا ازاءهما : - لحد الآن لم يحصل الصبيان على شيء مهم ، ويكفي معاملتهما كأظفر ماأن ينمو حتى نستأصله وننبذه.
قالت الام : - ولكنهما في هذه الحالة سوف يتماديا ن في الحصول على كل مايبغيانه حتى ولو كان كرسي الاستاذ نفسه .
في النهاية لم يتفوه الابوان بنعم او بلا ، ولكن مع اطلالة شهر جولاي تموز حقق كل من تاتو وخوليو نجاحا رائعا في نيلهما جائزة كاردينيا الذهبية ، مع شهادة تقديرية من ادارة المدرسة بعد نهاية الفصل الدراسي الاول .
في الظهيرة نفسها ودون ان يسألا ثانية او يطلبا شيئا ، وجدا العدة المطلوبة بصناديقها التي تحتويها واغلفتها موضوعة في غرفة النوم .ولذا فما ان حل يوم الاربعاء التالي ، واثناء مغادرة الوالدين الى دار السينما لحضور عرض ( التانجو الاخير في باريس) حتى قاما باغراق المكان بعمق قامتين بالضوء وبدت الشقة كأنها تستحم في حمام ضوئي اشبه بسمكة قرش هائلة مروضة ،اخذت تنساب بخفة في ذلك التوهج المائي وتسيل تحت ثنيات الافرشة وحواف الاغراض والاشياء المهملة الضائعة
لعدة سنين بين الركام وظلام الآثاث الخلفي .
في احتفال نهاية العام ، وبعد اجتياز مرحلتهما بنجاح وحصولهما على تقدير الفوز العالي ، لم يطلبا شيئا ابدا ، لأن الوالدين بادرا بالسؤال ان كانا يرغبان بشيء ، اجابا بجدية بالغة انهما لايبغيان سوى القيام بدعوة اصدقاء صفهما المنتهي لوليمة صغيرة ،
لذا صدق الوالد حيث أسر لزوجته متباهيا وقد اشرق محياه:
- هذا دليل اكيد على نضجهما ، أ لم اقل لك.
- من فمك للسماء ( قالت الام ) .
الاربعاء الاخرى بينما كان الوالدان يشاهدان فيلم ( معركة الجزائر ) لاحظ العابرون شلالا منهمرا من الشرر و الضياء يتساقط على حافات البناية القديمة المختفية بين صفوف الاشجار في شارع (باسيو دي كاستالينا). كانت مساقط الشلالات الضوئية تنهمر فوق الشرفات وتصب في وابل غزير فوق واجهة المبنى المحاذي ، وقد غمرت الشارع الواسع بسيل عارم من الاشعة الذهبية أنار سماء المدينة على طول الطريق المؤدي الى
(جوادا راما) ، مما استدعى حضور فرق الطوارئ والاطفاء الذين بادروا باقتحام باب الشقة عند الطابق الخامس ؛ فهالهم انغمار المكان بهالات النور التي اخذت تفيض من فتحات اعالي السقوف ، وقد وجدوا الأرائك والكراسي المغطاة بفراء جلد الفهد تعوم بمستويات ومناسيب مختلفة من النور الذائب ، الداخل الى غرفة المعيشة بين مجاميع القناني المنتشرة حول البار جوار البيانو الضخم بغطائه المانيلا الشفاف وقد بدا غارقا الى منتصفه كأنه في عباءة فضفاضة من الشعاع الذهبي ، كل المواضيع الشعرية الأليفة التي تضمنتها دروس الشعر والاحاسيس جعلت تطير بكامل اجنحتها الخيالية عبرسماء المطبخ ، حتى الآلات الموسيقية للمارشات التي كان الصغار يرقصون على نغماتها بدت هي الاخرى عائمة خلال اللون الزاهي للأسماك الصغيرة التي تحررت توا من امهاتها في الاناء الزجاجي الكبير ، كانت تلك هي الكائنات الوحيدة التي بقيت حية في هذا الحفل المبهج والمارشات التقليدية الشائعة ، مجاميع فرش الاسنان العائدة لسكان الشقة ظهرت طافية داخل الحمام مع أكياس الواقيات الذكرية التي اعتاد الاب استعمالها، جسر الاسنان الاحتياطي وقوارير الكريمات التي تفضل الام اقتنائها ،التلفاز سابحا مرتكزا على احد جانبيه وهو يطفو قرب السرير ،ومازالت تعرض على شاشته باستمرار الحلقات الاخيرة من مسلسلات بعد منتصف الليل التي يمنع الاطفال من مشاهدتها . وفي نهاية الهول متحركا مع ميلان المجاذيف والسيل المنهمر ، مرتديا قناعه وقليل من الهواء الذي يوصله الى أقرب ميناء ، جلس تاتو الى مقود القارب مدققا في البحث عن فنار قريب، وخوليو يخوض امامه عند القيدوم منهمكا هو الآخر
في العثور على نجمة الشمال القطبي بناظوره المقرب ، سابحا في انحاء البيت مع السبعة والثلاثين طالبا من مرحلته ، هائمين في لحظة وجد لاتنتهي حول حوض زهور الجيرانيوم ، وقد شرعوا بترديد الاغاني التي يؤدونها في المدرسة ، لكنهم راحوا يغيرون بعض الكلمات هنا وهناك لكي تتلاءم ولحظات المرح التي يعيشونها ،فتناولوا المدير بقفشاتهم اللاذعة ، مختلسين قدحا من البراندي من القنينة التي تركها الاب لكي
يتغير التماع الضوء في تزامن تناوبي حتى يفيض منتشرا وذلقا في نفس الوقت داخل اطار الشقة . حضر طلاب صفي مرحلتهما في مدرسة سانت جوليان الثانوية باجمعهم ضيوفا عائمين وسط الطابق الخامس 47 الباسو دي كاستالينا ،في مدريد الاسبانية ، المدينة المتارجحة بين حر الصيف المحرق وسياط رياح الجليد ،حيث لانهر فيها ولااطلالة من محيط ، المدينة التي لن يصدق احد من ابنائها البتة يوما بشيء اسمه علم الابحار داخل الضوء.
ترجمها عن الانكليزية : زعيم الطائي
الولايات المتحدة الامريكية


Ziam50@hotmail.com
http://www.alhafh.com/web/ID-879.html

ايناس حمدي
12/07/2007, 03:00 PM
On Christmas the children asked for a rowboat again.

“Okay,” said the dad, “we’ll buy it when we get back to Cartagena.”

Totَ, nine years old, and Joel, seven, were more determined than their parents believed.

“No,” they said as one. “We need it here and now.”

“To begin with” said the mom, “here there aren’t any more navegable waters than those that come from the shower.”

Both she and her husband were right. At the house in Cartagena there was a deck with a dock on the bay, and a boathouse for two large yachts. On the other hand here in Madrid, they lived cramped together on the fifth floor of 47 Castellana Road. But in the end neither he nor she could deny them, because they had promised them a rowboat with sextant and compass if they got perfect grades for the school term, and they had been gotten. And so it was that the dad bought it all without saying anything to his wife, who was the most resistant to making debts for pleasure. It was a beautiful boat of aluminum with a golden line painted around the draft line.

“The boat is in the garage,” the dad revealed during lunch. “The problem is that there’s no way to get it up the stairs, and there’s no more space available in the garage.”

However, the following Saturday afternoon the children invited their classmates to help them bring the boat up and they managed to get it as far as the service room.

“Congratulations,” the dad told them. “And now what?”

“Now nothing,” said the children. “We just wanted to have a rowboat in the room, and now there is.”

On Wednesday night, as on every Wednesday, the parents went to the movies. The children, masters and lords of the house, closed the doors and windows, and broke the lightbulb burning in one of the lamps in the living room. A jet of golden light, as cool as water, began to flow from the broken bulb, and they let it run until it reached a depth of four handspans. Then they turned off the current, got the boat out, and sailed at their pleasure around the islands of the house.

This fabulous adventure was the result of an offhand comment of mine when I was partcipating in a seminar on the poetry of domestic appliances. Totَ asked me how come the light turned on by just pressing a button, and I wasn’t brave enough to think twice about it.

“Light is like water,” I answered him. “You open the tap, and out it comes.”

So they kept on sailing Wednesday nights, learning to master the sextant and the compass until the parents came home to find them asleep like angels on dry land. Months later, eager to go even further, they asked for submarine fishing equipment. With everthing: masks, fins, tanks and compressed-air shotguns.

“It’s bad enough that they have a rowboat in the service room that they can’t use,” said the dad. “But it’s even worse that they want scuba diving equipment on top of it.”

“And if we get gold stars for the first semestre?” asked Joel.

“No,” said their mom, frightened. “No more.”

The dad reproached her inflexibility.

“It’s just that these kids don’t get anything for doing what they’re supposed to,” she said, “but for a whim they could earn a teaching position.”

In the end the parents didn’t say either yes or no. But Totَ and Joel, who were they only ones in the past two years, won the gold stars in July, and were publicly recognized by the principal. That same afternoon, without their having asked again, they found the scuba equipment in their room in the original packing. So the following Wednesday, while the parents were watching The Last Tango in Paris, they filled the apartment to the depth of two armlengths, and they scubad around like tame sharks under the furniture and the beds, and they rescued from the depths of the light the things that had been lost in the darkness.

At the award ceremony at the end of the year, the brothers were aclaimed as examples for the school and they were given certificates of excellence. This time they didn’t have to ask for anything because the parents asked them what they wanted. They were so reasonable, that they only wanted a party at home to reward their friends from school.

The dad, alone with his wife, was radiant.

“It’s proof of their maturity,” he said.

“From your lips to God’s ears,” said the mom.

The following Wednesday, while the parents were watching The Battle of Argel, the people that were walking along Castellana Road saw a cascade of light falling from an old building hidden among the trees. It was coming out of the balconies, it fell in torrents from the facade, and it channeled down the great avenue in a golden rapid that illuminated the city to the Guadarrama River.

Responding to the alarm call, the firemen forced open the door to the fifth-floor apartment, and found to whole place filled with light up to the ceiling. The sofa and the leopard-skin armchairs were floating at different levels in the living room, between the bottles from the bar and the grand piano and its Manila shawl which fluttered along midwater like a golden manta ray. The domestic appliances, at the zenith of their poetry, were flying with their own wings around the skies of the kitchen. The instruments from the marching band, that the children used to dance, floated among the colored tropical fish liberated from the mom’s fishbowl, and which were the only living and happy floating things in the vast illuminated swamp. In the bathroom the toothbrushes floated along with dad’s condoms, mom’s jars of cold cream and retainer, and the television in the master bedroom floated sideways, still on, showing the last scene of the late-night adult movie.

At the end of the hall, floating between two waters, Totَ was seated at the stern of the rowboat, glued to the oars, with his scuba mask on, searching for the lighthouse of the port until his tanks ran out of air, and Joel floated in the prow still trying to measure the height of the north star with his sextant, and floating throughout the house were his thirty-six classmates, eternally preserved in the instant of peeing in the pot of geraniums, of singing the school song with the verses changed to mock the principal, of sneaking a glass of the dad’s brandy. They had opened so many lights at the same time that the house had overflown, and the whole fourth grade of Saint Julian the Hospitalier had drowned in the fifth-floor apartment of 47 Castallana Road. In Madrid, Spain, a remote city of burning summers and frozen winds, without sea or river, and whose original landlubber inhabitants had never mastered the science of sailing on light.