المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقض المقال الثاني للأستاذ جواد بشيتي ( 2 ) تحت راية القرآن



معاذ أبو الهيجاء
13/07/2007, 11:47 PM
تحت راية القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على رسولنا الكريم الذي جاء بها على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك .
و ما الهلاك إلا بالابتعاد عن شرع الله و التحاكم للطاغوت .

يقول الله تعالى : ((16 وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ 17 الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ 18
كتب الأستاذ جواد مقال جديد يريد به الرد على ما كتبت في مقال سابق ، و مقاله الجديد يؤكد ما ذهبنا إليه من فهم و هو أن الأستاذ جواد ما هو إلا حامل لفكر الحضارة الغربية و أنه عدو للإسلام و المسلمين .
و مقاله هذا هو عين ما يريده الغرب أعداء الأمة الإسلامية بل هو عين ما أرداه كفار مكة و كل حاقد على الإسلام وهو عدم تحكيم شرع الله و هي دعوة النصارى و اليهود .
فالأستاذ يريد فصل الدين عن الحياة أي لا صلة لنا بالله و لا يوجد أي علاقة مع الله و أن القرآن ليس تبيان لكل شيء و أن الإسلام لا يحمل أنظمة حياة و لا تشريع فلا يوجد في الإسلام نظام حكم و لا نظام اقتصادي و لا نظام عقوبات و لا يجود دولة للإسلام و و وو و .
هذا هو أخطر ما في مقال الأستاذ جواد و هي دعوة صريحة- كدعوة كمال أتترك و هي دعوة كل علماني - من اجل فصل الدين عن الحياة و ما كلام الأستاذ جواد إلا حلقة في سلسلة الغزو الفكري و الثقافي على بلاد المسلمين .
و مع نقض كلام الأستاذ جواد إلا أنه مصر على الكتابة و الرد ، و مع أني أرى أن الفكر مقابل الفكر و الحجة مقابل الحجة و بصدام الأفكار و صراعها سيتبين للناس صدق الإسلام و صدق معالجات الإسلام و ضعف و تهافت الفكر العلماني و سيشرق نور الحقائق و يتبين لنا قوة الفكر الإسلامي و قوة القيادة الفكرية في الإسلام .

و سأقوم هنا بالرد على الأستاذ جواد أيضا مواصلا ضرب افكاره الفكرة تلو الفكرة .
أولا : يقول الأستاذ جواد ((وأنا أعلم أنَّ حواري معه يستوفي شروط "حوار الطُرْش"؛ لأنَّ محاوري لم يغادِر قريش، مكانا وزمانا.. مشكلات وحلولا، ضاربا صفحا عن حقيقة لا ريب فيها هي أنَّ الفكر، الذي يَنْظُر إليه القائلون به على أنَّه "يَصْلُح لكل زمان ومكان"، هو، بشهادة الواقع والتاريخ والحقائق الموضوعية، لا يَصْلُح لأيِّ مكان، ولا لأيِّ زمان. )
إذا كان الحوار معي هو حوار طرشان فإن الحوار معك بكل صدق هو حوار العميان و أنت لا ترى شيء من الإسلام و قد قال الله في حق من يقول قولك ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))
في هذا النص يبين الأستاذ جواد أن الإسلام لا يصلح لعلاج مشاكل الإنسان و لكن كيف ؟
فقط على طريقة مصادرة الفكرة (الواقع والتاريخ والحقائق الموضوعية، لا يَصْلُح لأيِّ مكان، ولا لأيِّ زمان ) فقد شهد الواقع أن الإسلام لا يصلح للتطبيق أي أن الأحكام الشرعية التي جاءت في القرآن (الواقع يكذبها) وهذا كفر بالشريعة و كفر بالقرآن الكريم فكيف يكون الواقع مخالف لما جاء به القرآن الكريم من أحكام شرعية ؟
و أي حقائق موضوعية يتكلم عنها الله أعلم بها و لا نريد معرفتها لأن الله أنزل القرآن و به نور و رحمة و شفاء للناس و أمرنا أن نتحاكم للقرآن فكيف يأمرنا الله أن نتحاكم إلى أمر غير موجود ! .
و كيف يفسر لنا الأستاذ جواد الآيات التي تطلب أن نحكم بها شرع الله ؟

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ
كيف يفسر لنا الأستاذ جواد هذه الآيات و عشرات مثلها ؟
و على قول الأستاذ جواد بفصل الدين عن الحياة يجب أن لا نحكم بما انزل الله و هذا مخالف للآية فوق يجب اتباع الأهواء و منها أهواء الأستاذ الفاضل .
و القرآن لم ينزل بالحق بل نزل بالباطل هذا ما يقودنا له فهم الأستاذ جواد .
و الحق يقال أن الأستاذ جواد غير مثقف بالإسلام و لا يعرف شيء في علم أصول الفقه و لا في علم التفسير و لا في علم الفقه بل لم يقراء في أنظمة الإسلام و لم يقراء في أحكام الحكم و الإجتماع و القضاء و هذا واضح أن ثقافته ضحلة جدا بحيث أنه لا يعرف شيء عن نظام الحكم في الإسلام و لم يقراء شيء عن تفصيلات دولة الخلافة .

ثانيا :
و"التأويل" إنْ أفاد في شيء فإنَّما يفيد في مطِّ ثياب طفلٍ لِنُلْبِسه إيَّاه وهو شاب، فتَتَمَزَّق شرَّ ممزق. ويا ليت صاحبنا اختار "تأويل النص" حلا، فلو فَعَل لهان الأمر؛ ولكنَّه بقي مُصِرَّاً مع مَنْ بقي مِنْ أشباهه ومُلَقِّنيه على "استنساخ" ما نسخته الحياة والواقع التاريخي، وكأن لا جديد تحت الشمس، وكأنَّ الواقع بحقائقه لا يعدو كونه "عجينة" في يده يُشكِّلها كما يشاء.
هذا النص يثبت بلا أدنى شك ما قلته فوق هو عدم دراية الأستاذ بالإسلام و لا يعرف شيء من أحكام الإسلام .
إننا لا نؤول احكام الإسلام حتى توافق الواقع و نحن نرى أن الواقع مصدر التفكير لا محل التفكير لأنه واقع فاسد يراد تغيره بأحكام الإسلام و لا نريد أن نغير حتى يوافق الواقع و نحن لسنا مدرسة توفيقية بين الإسلام و الحضارة الغربية .
و هذا الفرق بيينا و بينك أنك واقعي تريد أن تعيش الواقع الفاسد و تريد أن تستمد العلاج من الواقع الفاسد و نحن لا نرى أن الواقع مصدر المعالجات بل هو محل المعالجات .
في أواخر القرن الثالث عشر الهجري -التاسع عشر الميلادي- يا أستاذ جواد
حدث خطأ في فهم الشريعة الإسلامية لتطبيقها على المجتمع ، فصار الإسلام يفسر بما لا تحتمله نصوصه ليوافق المجتمع الحاضر ، وكان الواجب أن يغير المجتمع ليوافق الإسلام ، لا أن يحاول تفسير الإسلام ليوافق المجتمع ، لأن القضية هي أن هناك مجتمعا فاسدا يراد إصلاحه بمبدأ ، فيجب أن يطبق المبدأ كما هو ، ويغير المجتمع برمته تغييرا انقلابيا على أساس هذا المبدأ ، أي كان لزاما على المحاولين للإصلاح أن يطبقوا أحكام الإسلام كما جاءت ، دون نظر إلى المجتمع أو العصر أو الزمان أو المكان ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك ، بل أولوا أحكام الإسلام ليوافق العصر . وقد أوغلوا في هذا الخطأ في الكليات والجزئيات . واستنبطوا قواعد كلية وأحكاما جزئية تتفق مع هذه النظرة ، إذ وضعوا عدة قواعد كلية خاطئة مثل> لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان< ومثل > العادة محكمة< وغير ذلك ، وأفتوا بأحكام لا سند لها من الشرع ، بل أفتوا بأحكام تعارض نص القرآن القطعي . فأجازوا الربا القليل بحجة أنه غير مضاعـف وبحجة الضرورة لمال القاصر ، وصار القاضي الذي يسمى "القاضي الشرعي" يحكــــم بالربا في صناديق الأيتام ، كما صار القاضي الذي سموه "قاضيا نظاميا" يحكم بالربا أيضا ، وأفتوا بوقف الحدود ، وأجازوا أخذ قوانين العقوبات من غير الإسلام ، وهكذا وضعوا أحكاما تخالف الشرع بحجة موافقتها للعصر ، وضرورة أن يوافق الشرع كل عصر وكل زمان ومكان . وقد نتج عن ذلك أن أبعد الإسلام عن الحياة ، واتخذ أعداء الإسلام من هذا الفهم المغلوط وهذه الأحكام الباطلة وسيلة أدخلوا بها على المسلمين قوانينهم ومبادئهم دون أن يجد المسلمون فيها أي تناقض مع دينهم لما تركز في أذهانهم من جراء الفهم المغلوط ، أن الإسلام يتفق مع كل زمان ومكان ، وصار تأويل الإسلام على لسان الكثيرين ليوافق كل مذهب ، وكل مبدأ ، وكل حادثة ، وكل قاعدة ، ولو خالف مبدأ الإسلام ووجهة نظره ، فكان هذا مساعدا على إبعاد الإسلام عن الحياة . ولذلك كان إخفاق كل حركة إصلاحية تسير حسب هذا الفهم السقيم أمرا محتوما .


ثالثا : الأستاذ جواد لا يفرق بين الحضارة و المدنية فقوله هنا يدل أنه لا يفرق بينهم (أوَّلا، لستُ بنصير (أعمى البصر والبصيرة) لـ "الحضارة الغربية"، فإذا ناصرتها فإنني لا أُناصر فيها إلا ما أراه محتوى عالميا وإنسانيا، جاء إليها من غير مكان وزمان قبل أن يَظْهَر لصحابنا على أنَّه "غربيٌ خالص". وهو لو أمعن النظر في "التركيب الجيني" لتلك الحضارة، التي يلعنها ويعاديها، لاكتشف فيه "جينات" من الحضارة العربية والإسلامية ذاتها.

فهذا النص كافي لبيان أن الأستاذ جواد لا يعرف ماذا يؤخذ من الغرب و ما لا يؤخذ و لا يجوز أخذه و هنا سنقوم ببيان الفرق بين الحضارة و المدنية و ماذا يجوز أن نأخذ و ماذا لا يجوز أنا نأخذ و نوضح الفرق بين الحضارة الغربية و الحضارة الإسلامية .

هنالك فرق بين الحضارة والمدنية ، فالحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة ، والمدنية هي الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة . وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة ، في حين تكون المدنية خاصة وعامة .فالأشكال المدنية التي تنتج عن الحضارة كالتماثيل تكون خاصة ، والأشكال المدنية التي تنتج عن العلم وتقدمه والصناعة ورقيها ، تكون عامة ، ولا تختص بها أمة من الأمم ، بل تكون عالمية كالصناعة والعلم .
وهذا التفريق بين الحضارة والمدنية يلزم أن يلاحظ دائماً ، كما يلزم أن يلاحظ التفريق بين الأشكال المدنية الناجمة عن الحضارة ، وبين الأشكال المدنية الناجمة عن العلم والصناعة . وذلك ليلاحظ عند أخذ المدنية التفريق بين أشكالها ، والتفريق بينها وبين الحضارة . فالمدنية الغربية الناجمة عن العلم والصناعة لا يوجد ما يمنع من أخذها ، وأما المدنية الغربية الناجمة عن الحضارة الغربية فلا يجوز أخذها بحال ، لأنه لا يجوز أخذ الحضارة الغربية ، لتناقضها مع الحضارة الإسلامية ، في الأساس الذي تقوم عليه ، وفي تصوير الحياة الدنيا ، وفي معنى السعادة للإنسان .
أما الحضارة الغربية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ، وإنكار أن للدين أثراً في الحياة ، فنتج عن ذلك فكرة فصل الدين عن الدولة . لأنها طبيعية عند من يفصل الدين عن الحياة ، وينكر وجود الدين في الحياة . وعلى هذا الأساس قامت الحياة ، وقام نظام الحياة . أما تصوير الحياة فانه المنفعة ، لأنها هي مقياس الأعمال ، ولـذلك كانت النفعية هي التي يقوم عليها النظام ، وتقوم عليها الحضارة ، ومن هنا كانت النفعية هي المفهوم البارز في النظام ، وفي الحضارة ، لأنها تصور الحياة بأنها منفعة . ولذلك كانت السعادة عندهم إعطاء الإنسان أكبر قسط من المتعة الجسدية وتوفير أسبابها له . ولهذا كـانت الحضارة الغربية حضارة نفعية بحتة ، لا تقيم لغير المنفعة أي وزن ، ولا تعترف إلا بالنفعية ، وتجعلها هـي المقياس للأعمال . وأما الناحية الروحية فهي فردية لا شأن للجماعة بها ، وهي محصورة في الكنيسة ورجال الكنيسة . ولذلك لا توجد في الحضارة الغربية قيم أخلاقية ، أو روحية ، أو إنسانية ، وإنما توجد قيم مادية ونفعية فقط . وعلى هذا الأساس جعلت الأعمال الإنسانية تابعة لمنظمات منفصلة عن الدولة ، كمؤسسة الصليب الأحمر ، والإرساليات التبشيرية ، وعزلت عن الحياة كل قيمة إلا القيمة المادية وهي الربح . فكانت الحضارة الغربية هي هذه المجموعة من المفاهيم عن الحياة .
أما الحضارة الإسلامية فإنها تقوم على أساس هو النقيض من أساس الحضارة الغربية ، وتصويرها للحياة غير تصوير الحضارة الغربية لها ، ومفهوم السعادة فيها يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الاختلاف . فالحضارة الإسلامية تقوم على أساس الإيمان بالله ، وأنه جعل للكون والإنسان والحياة نظاماً يسير بموجبه ، وانه أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام ديناً ، أي أن الحضارة الإسلامية تقوم على أساس العقيدة الإسلامية ، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى . فكانت العقيدة هي الأساس للحضارة ، فهي قائمة على أساس روحي .
أما تصوير الحياة في الحضارة الإسلامية فانه يتمثل في فلسفة الإسلام التي انبثـقت عن العقيدة الإسلامية ، والتي تقوم عليها الحياة ، وأعمال الإنسان في الحياة ، هذه الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح ، أي جعل الأعمال مسيرة بأوامر الله ونواهيه ، هي الأساس لتصوير الحياة . فالعمل الإنساني مادة ، وإدراك الإنسان صلته بالله حين القيام بالعمل من كون هذا العمل حلالاً أو حراماً هو الروح . فحصل بذلك مزج المادة بالروح . وبناء على ذلك كان المسير لأعمال المسلم هو أوامر الله ونواهيه . والغاية من تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه ، هي رضوان الله تعالى ، وليس النفعية مطلقاً . أما القصد من القيام بنفس العمل فهو القيمة التي يراعى تحقيقها حين القيام بالعمل . وهذه القيمة تختلف باختلاف الأعمال . فقد تكون قيمة مادية كمن يتاجر بقصد الربح ، فان تجارته عمل مادي ، ويسيره فيها إدراكه لصلته بالله حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان الله . والقيمة التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح ، وهو قيمة مادية .
وقد تكون القيمة روحية ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج . وقد تكون القيمة أخلاقية ، كالصدق والأمانة والوفاء . وقد تكون القيمة إنسانية ، كإنقاذ الغريق وإغاثة الملهوف . وهـذه القيم يراعيها الإنسان حين القيام بالعمل حتى يحققها . إلا أنها ليست المسيرة للأعمال ، وليست المثل الأعلى الذي يهدف إليه ، بل هي القيمة من العمل وتختلف باختلاف نوعه .
وأما السعادة فهي نيل رضوان الله ، وليست إشباع جوعات الإنسان ، لأن إشباع جوعات الإنسان جميعها ، مـن جوعات الحاجات العضوية ، وجوعات الغرائز ، هو وسيلة لازمة للمحافظة على ذات الإنسان ، ولا يلزم من وجود السعادة . هذا هو تصوير الحياة . وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه هذا التصوير . وهو الأساس للحضارة الإسلامية . وإنها لتناقض الحضارة الغربية كل المناقضة ، كما أن الأشكال المدنية الناجمة عنها تناقض الأشكال المدنية الناجمة عن الحضارة الغربية . فمثلاً : الصورة شكل مدني ، والحضارة الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع مفاتنها شكلاً مدنياً ، يتفق مع مفاهيمها في الحياة عن المرأة . ولذلك يعتبرها الغربي قطعة فنية يعتز بها كشكل مدني ، وقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن ، ولكن هذا الشكل يتناقض مع حضارة الإسلام ، ويخالف مفاهيمه عن المرأة التي هي عرض يجب أن يصان ، ولذلك يمنع هذا التصوير لأنه يسبب إثارة غريزة النوع ويؤدي إلى فوضوية الأخلاق . ومثل ذلك أيضا ما إذا أراد المسلم أن يقيم بيتاً وهو شكل مدني ، فانه يراعي فيه عدم انكشاف المرأة في حال تبذلها لمن هو خارج البيت ، فيقيم حوله سوراً ، بخلاف الغربي فانه لا يراعي ذلك حسب حضارته . وهكذا كافة ما ينتج من الأشكال المدنية عن الحضارة الغربية كالتماثيل ونحوها . وكذلك الملابس ، فإنها إن كانت خاصة بالكفار باعتبارهم كفاراً لم يجز للمسلم أن يلبسها ، لأنها تحمل وجهة نظر معينة ، وان لم تكن كذلك بأن تعارفوا على ملابس معينة لا باعتبار كفرهم ، بل أخذوها لحاجة أو زينة فإنها تعد حينئذ من الأشكال المدنية العامة ويجوز استعمالها .
أما الأشكال المدنية الناتجة عن العلم والصناعة كأدوات المختبرات والآلات الطبية والصناعية ، والأثاث والطنافس وما شاكلها ، فإنها أشكال مدنية عالمية لا يراعى في أخذها أي شيء ، لأنها ليست ناجمة عن الحضارة ، ولا تتعلق بها .
ونظرة خاطفة للحضارة الغربية التي تتحكم في العالم اليوم ، ترينا أن الحضارة الغربية لا تستطيع أن تضمن للإنسانية طمأنينتها ، بل إنها على العكس من ذلك سببت هذا الشقاء الذي يتقلب العالم على أشواكه ، ويصطلي بناره . والحضارة التي تجعل أساسها فصل الدين عن الحياة خلافاً لفطرة الإنسان ، ولا تقيم للناحية الروحية وزناً في الحياة العامة ، وتصور الحياة بأنها المنفعة فقط ، وتجعل الصلة بين الإنسان والإنسان في الحياة هي المنفعة ، هذه الحضارة لا تنتج إلا شقاء وقلقاً دائمين ، فما دامت هذه المنفعة هي الأساس ، فالتنازع عليها طبيعي ، والنضال في سبيلها طبيعي ، والاعتماد على القوة في إقامة الصلات بين البشر طبيعي . ولذلك يكون الاستعمار طبيعياً عند أهل هذه الحضارة ، وتكون الأخلاق مزعزعة ، لأن المنفعة وحدها ستظل هي أساس الحياة . ولهذا فمن الطبيعي أن تنفي من الحياة الأخلاق الكريمة كما نفيت منها القيم الروحية ، وأن تقوم الحياة على أساس التنافس والنضال والاعتداء والاستعمار . وما هو واقع في العالم اليوم من وجود أزمات روحية في نفوس البشر ، ومن قلق دائم وشر مستطير ، خير دليل على نتائج هذه الحضارة الغربية ، لأنها هي التي تتحكم في العالم وهي التي أدت إلى هذه النتائج الخطيرة والخطرة على الإنسانية .
ونظرة إلى الحضارة الإسلامية التي تحكمت في العالم منذ القرن السادس الميلادي حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، ترينا أنها لم تكن مستعمرة ، وليس من طبعها الاستعمار ، لأنها لم تفرق بين المسلمين وغيرهم ، فضمنت العدالة لجميع الشعوب التي دانت لها طوال مدة حكمها ، لأنها حضارة تقوم على الأساس الروحي الذي يحقق القيم جميعها : من مادية ، وروحية ، وأخلاقية ، وإنسانية . وتجعل الوزن كله في الحياة للعقيدة . وتصور الحياة بأنها مسيرة بأوامر الله ونواهيه ، وتجعل معنى السعادة بأنها رضوان الله ، وحين تسود هذه الحضارة الإسلامية كما سادت من قبل ، فإنها ستكفل معالجة أزمات العالم ، وتضمن الرفاهية للإنسانية جمعاء .

هذا هو الفرق بين الحضارة و المدنية و قد وضحنا الأسس و المنطلقات الفكرية في الحضارة الغربية و الحضارة الإسلام و بهذا ضربنا قولك برمته و نقضنا ما هذبت إليه من قولك أن الحضارة الغربية جيناتها من الحضارة الإسلامية و هذا وحده كافي للرد عليك ردا مسكتا .


رابعا : نحن لا نريد ان نعيش في الواقع و معاذ الله إن كنت أنت تعرف الواقع الذي تعيشه فلو أدركت قيد أنمله واقع حياة المسلمين لما دعوتهم لفصل الدين عن الحياة .


خامسا : يقول الأستاذ جواد ما نصه ((وإنني لا أدعو "أبناء المسلمين" إلى ديمقراطية من نمط الديمقراطية التي سمحت لبوش وزمرته بأن يَحْكموا الولايات المتحدة، وأن يتحكَّموا، بالتالي، في العالم، متسربلين بـ "فكر" لا أراه مختلفا في الجوهر عن هذا الفكر الذي يقول به الأستاذ معاذ، فكلا الطرفين يَصْلُح مرآةً يرى فيها الآخر ذاته.
إنني لستُ من القائلين بـ "الديمقراطية الغربية" إلا بوصفها "درجة" في "سلَّم الحرية (الإنسانية)"، ينبغي لنا الوصول إليها قبل ومن أجل تخطِّيها
صعوداً.))
لقد بينا أن الديمقراطية ليست من الإسلام و هي تجعل الأمة مصدر التشريع و أن التشريع لله وحده و كان حري بك أن ترد على النقاط التي ذكرتها و التي نقضت كلامك كله في موضوع الديمقراطية .
سادساً : يقول (( وإنني، بكلام جامع مانع، أقول لكَ إنَّ كل فكر يريد له أصحابه أن يكون حرباً لا هوادة فيها على القيم والمبادئ الديمقراطية (العالمية) هو فكرٌ لحرب لا هوادة فيها على العرب، بوصفهم أُمَّة، وعلى حقِّهم القومي والديمقراطي، وعلى "الإنسان" العربي، وجودا وحقوقا. لقد نَبَذْتَ "الشعب" وحقوقه، "الإنسان" وحقوقه، إذ قُلْتَ وكأنَّكَ ابن السماء: "نرفض الديمقراطية لأنَّها تجعل السيادة للشعب"!

إنَّكَ ـ يا أستاذ معاذ ـ تلغي "الشعب"، إنْ لم يكن "وجودا" فـ "حقوقا"، لتجيء بـ "البقرات المقدَّسة"، وتُنصِّبها حُكَّاماً عليه باسم السماء، وكأنَّ "النظام السياسي" الذي تُبشِّرنا به هو الذي فيه، وبه، يمكن ويجب أن يتحوَّل "الشعب" إلى ما يشبه "قطيع الغنم"؛ لأنَّ مجتمعا يتحوَّل أبناؤه إلى "قطعان" هو وحده الذي يُنْجِب "الطغاة" من كل لون ونوع.

أقولها لكَ، وبالفم الملآن، نريد السيادة للشعب.. وللشعب وحده، ولو كان الشعب على ضلال سياسي.. لو كان لا يملك من الوعي السياسي إلا ما يجعله عدوَّا لمصالحه (الواقعية الحقيقية) فالشعوب كما الأفراد تتعلَّم من تجاربها، ومن تجاربها المُرَّة أوَّلا.

نريد للشعب، بإرادته السياسية الحرَّة، أن يكون المرجع الأعلى، فليس، في عالم السياسة، من شرعية تعلو تلك الشرعية المستمدَّة من "صندوق اقتراع ديمقراطي شفَّاف"، يُظْهِر الإرادة السياسية الحرَّة للشعب من غير زيادة أو نقصان، فالحكومة التي نريد إنَّما هي الحكومة التي تشبهنا، إيجابا وسلبا.

ونريد للشعب أن يكون هو وحده "مَصْدَر السلطات جميعا"، فكل سلطة لا يكون الشعب مَصْدرها إنَّما هي سلطة معادية للشعب ولو تلوَّنت بلون السماء، فالسماء تعلو الأرض إلا في السياسة، وفي كل أمر يخصُّ الشعب وعيشه.

إذا أردتَ السيادة لـ "الشرع" فلا سيادة لـ "شرع" إنْ هي ناقضت سيادة الشعب، فـ "الأرض والسماء كانتا رتقا ففتقناهما"، فلا تُعيد رتق ما فتقه الله.

وقد علَّمنا تاريخنا، أو الجانب المُظْلِم منه، أنَّ "سيادة الشرع" تؤول في الممارسة إلى "سيادة المشرِّع" الذي مهما سعى في إيهامنا أنَّ بينه وبين السماء قرابة يظل بشراً، لا يُشَرِّع إلا بما يُوافِق مصالحه الشخصية والفئوية الضيِّقة، وإن استعان بـ "السماء"، أبجدية، وقلما، وحبرا.

هذا الكلام الإنشائي شبعنا منه و هذا الخطاب العاطفي لكي تدغدغ مشاعر الناس بأنك تريد الحرية لهم و من هذا الكلام فالرد عليه ما يلي :

نعم نرفض الديمقراطية لأنها كفر بالإسلام و كفر بالقرآن و لن نستبدل الأعلى بالأدنى فقد جاء الله بأحكام للإنسان يجب أن يتقيد بها و هذه الأحكام الشرعية شاملة لكل زمان و مكان و إذا أحببت شرحت لك شيء منها و عندي القدرة أن أقدم لك علاج لأي مشكله في الدنيا لا يوجد لها حكم في الإسلام و أتحداك أنت و بوش أن تذكر لي مسألة لا يوجد لها حكم في الإسلام .

معاذ أبو الهيجاء
14/07/2007, 12:01 AM
سابعا :

بحث الخلافة ـ بحث سياسي، فهو بحث في أعلى منصب من مناصب الحكم، وبالطبع هو بحث في أفكار الحكم. ومن الخطأ الفاحش أن يجعل القارئ غير صدق هذه الأفكار ومطابقتها للواقع مقياساً له لقياس صحتها إن كان قارئها غير مسلم، وغير كتاب الله وسنة رسوله إن كان قارئها مسلماً. وذلك لأن الفكر لا يتخذ لمقياس صحته فكر آخر، إلا إذا كان فرعاً. وإنما يتخذ مقياسه مطابقته للواقع، أو مطابقته لأصله الذي ثبت لديه مطابقته للواقع. ولذلك فإننا ننذر القارئ بضرورة قراءة هذه الأفكار بدقة ووعي على الواقع الذي تعبر عنه، فإنه وهو يلمس أزمة الحكم في العالم الإسلامي [ الشرقيين الأدنى والأوسط وبعض أجزاء الشرق الأقصى ] ويلمس أزمة الحكم في كثير من أجزاء العالم، حريّ به أن يتعرف أفكار الحكم هذه، ليدرك إدراك تدبر أنه وقع على علاج أزمات الحكم في العالم، وعلى العلاج الصحيح الذي لا علاج سواه لحكم البشر ورعاية شؤونهم. لا شك أنه ـ أي القارئ ـ إذا تدبر هذه الأفكار، حاصراً مقياسه في موضوع انطباقها على الواقع، أو انطباق الدليل الشرعي عليها، فإنه سيوقن أنه وقع على العلاج الصادق لحكم الناس.
والذي يخشى منه جعل الديمقراطية مقياساً لصحة هذه الأفكار، أو التأثر بمفاهيمها أثناء القراءة. لأن الديمقراطية شاعت في العالم حتى عم اسمها كمثل أعلى عند جميع الدول والشعوب والأمم، وتبنتها الدول الشرقية بعد تبني جميع الدول الغربية لها مع الاختلاف في مدلولها عندهم. وتأثر بها المسلمون في جملتهم، لا فرق بين من يعتقد أن الخلافة يقيمها المسلمون، ومن يعتقد أن الخليفة قد عينه الله ورسوله، فإنهم جميعاً يقربون آراءهم للناس باسم الديمقراطية، أو ببعض أفكارها. ومن أجل ذلك نكرر إنذار القارئ بأن لا يتخذ في قراءته لهذه الأفكار، أي أفكار غيرها مقياساً، ولا سيما اسم الديمقراطية أو أفكارها. فمثلاً سبق لبعض من بحثوا في الحكم أن شاهدوا أشكالاً من الحكم في البلاد التي يعرفونها، وقرأوا تاريخياً عن أشكال من الحكم. وبالفروض المنطقية كتبوا عن أشكال الحكم، فقالوا: أن الحكم إذا فوض إلى جميع الشعب أو إلى أكبر قسم منه فإنه يطلق على شكل هذا الحكم اسم (الديمقراطية) . وإذا حصر الحكم في يد عدد قليل فإنه يطلق على هذا الشكل من الحكم اسم (الاريستوقراطية) . أما إذا فوض الحكم إلى يد حاكم منفرد يستمد الآخرون كلهم سلطانهم منه فإنه يطلق على هذا الشكل من الحكم اسم (الملكية) . وهم يريدون بالحكم السلطان والتشريع. وعلى هذا الأساس بني تفرع جميع أشكال الحكم. وتفرع عن ذلك أنواع الدول وأنواع الاتحادات بين الدول كما تفرع عنه أنواع الحكومات والانتخابات وحق التصويت، إلى غير ذلك.

فهذه الأفكار هي غير أفكار الحكم بالإسلام كلياً وجزئياً. والمغايرة بينهما كبيرة جداً، لأن نظام الحكم في الإسلام هو نظام خلافة، وهو طراز متميز كل التميز عن أي طراز حكم. فالشريعة التي تطبق في إيجاد الحكم، وفي رعاية شؤون الرعية، وفي العلاقات الخارجية، هي من عند الله تعالى. فليست هي من الشعب، ولا من عدد قليل منه، أو من أي فرد. ولكل فرد ممن يعتنقون الإسلام الحق في فهم هذه الشريعة الفهم الذي يصل إليه من معرفته اللغة العربية والنصوص الشرعية، وله مطلق الحق في حدود اللغة العربية والنصوص الشرعية أن يفهم ما يوصله إليه عقله، ويكون رأيه شريعة في حقه وحق كل من يقبل فهمه ويأخذه، وله أن يحكم به الناس إذا كان حاكماً أو قاضياً. إلا أنه إذا تبنى الخليفة ـ أي رئيس الدولة الإسلامية ـ أي رأي، كان الرأي الذي تبناه الخليفة هو وحده القانون، ووجب على جميع الرعية حينئذ ترك العمل بآرائهم لا ترك آرائهم. فيجب عليهم شرعاً أن يعملوا بالقانون أي بالرأي الذي تبناه الخليفة، وأن يخضعوا له وحده، ولكنهم لا يمنعون من تعليم آرائهم والدعوة إلى الإسلام بها. ويطلق للناس التفكير في الإسلام على الأساس الذي قام عليه وهو العقيدة الإسلامية، فلهم أن يفكروا في التشريع وغيره كما يشاءون، كما لهم أن يفكروا في غير ذلك، على أن يكون ذلك كله منبثقاً عن العقيدة من حيث التشريع، ومبنياً على العقيدة من حيث غير التشريع.
هذا من الناحية التشريعية والفكرية. أما ناحية الحكم فهي غير التشريع، إذ أنها تعني السلطان لا نظام الحكم، لأن نظام الحكم من التشريع، فهو أحكام شرعية. والسلطان قد جعله الشرع للمسلمين جميعاً، أي للأمة، لكل فرد من أفراد الأمة، ذكراً كان أو أنثى. فكل مسلم يملك حق السلطان، ويملك مباشرة هذا الحق كلما اقتضت مباشرته. وبهذا السلطان الذي تملكه الأمة تقيم عليها رجلاً واحداً لينفذ شرع الله، فتبايعه على الكتاب والسنة بيعة رضا واختيار منه ومنها. ويكون من ذلك بينه وبين الأمة عقد خلافة لا عقد إجارة. لأنه عقد لتنفيذ الشرع، لا عقد لخدمتها ولمنفعتها، وإن كان تنفيذ الشرع هو لخدمتها ولمصلحتها لأنه رحمة لها وللعالمين. إلا أن الذي يجب أن يلاحظ في العمل، والذي يجري عليه عقد الخلافة هو تنفيذ الشرع لا منفعة الأمة، فإذا تعارضت منفعتها العاجلة مع الشرع كان الشرع وحده الواجب التنفيذ، ولذلك إذا طلبت ترك حكم شرعي أجبرها الخليفة عليه، وإذا تركت الشرع وجب عليه قتالها حتى ترجع، فهو قد نصب لتنفيذ الشرع ليس غير. وأيضاً فإنه لا حق للأمة بعزل الخليفة كما تشاء، وإنما لها حق عزله في حالات معينة، وينعزل من نفسه ويخرج عن الخلافة في حالات معينة، ويجب قتاله في حالة واحدة هي إذا طبق غير الإسلام. فأمره ليس بيد الأمة وإن كانت هي التي نصبته، وإنما أمره بيد الشرع.
إلا أن السلطان الذي هو حق الأمة لا ينتهي بنصب الخليفة، بل يبقى السلطان لها دائماً، ويكون مظهره في حال وجود الخليفة بمحاسبته على أعماله في تطبيق الشرع، وفي رعاية شؤونها، بالأسلوب الذي تراه، في حدود أحكام الشرع. ويجب عليه أن يخضع لمحاسبتها، وأن يبين لها الحال التي تشكو منها وتحاسبه عليها. حتى لو شهرت السلاح عليه لا يحل له أن يقاتلها حتى يبين لها الشبة التي لديها، ووجه الحق الذي يراه.
هذا هو الحكم في الإسلام، وعلى هذا الأساس يقوم نظام الحكم. وهو لا يتفرع عنه أنواع للدول، بل هو نفسه شكل واحد. فهو نظام وحدة، لا نظام اتحاد. ويوجب إعلان القتال فوراً لحفظ نظام الوحدة، والقضاء على نظام الاتحاد. ولا توجد فيه أنواع للحكومات، بل لا توجد فيه حكومات. فالدولة والحكومة فيه شيء واحد، هو الخليفة والمعاونون. أما ما يتفرع عن ذلك من طريقة نصب الخليفة، ومن ضرورة ضمان الرضا والاختيار لكل مسلم في انتخاب الخليفة وبيعته، والتمكين للأمة فرداً فرداً من هذا الرضا والاختيار، فذلك قد جاءت به أحكام شرعية خاصة فيه، وعامة في كل عقد من العقود، ومنها عقد الخلافة. وهو وإن تشابه مع النظام الديمقراطي من حيث حرية الانتخابات، وحرية التصويت، وحرية القول، ولكنه لا يصح أن يلاحظ هذا الشبه، لأن ذلك في النظام الديمقراطي ناتج عن الحريات، وهنا ناتج عن شروط عقد الخلافة، وشروط كل عقد من العقود. وهو ـ أي الرضا والاختيار ـ إذا لم يتحقق في عقد الخلافة بطل العقد، ولا يكون الخليفة حينئذ خليفة شرعاً.
والفرق بين ضمان الحرية في الانتخابات وبين ضمان تحقق الرضا والاختيار في العقد هو أن الحرية حكم للناس، فإذا لم تتحقق لا تؤثر في صحة العقد، ولكن ضمان الرضا والاختيار هو حكم العقد، وليس حكم الناس. فإذا لم يتحقق فإن العقد يكون باطلاً ولا ينعقد. وهكذا جميع أفكار الإسلام هي مغايرة لأفكار الديمقراطية، وهي في نفس الوقت مغايرة للأرستقراطية والملكية، وبديهياً هي مغايرة للإمبراطورية. فإذا بحثت فيجب أن تبحث باعتبارها نظام حكم متميز عن أي نظام، وباعتبار انطباقها على واقع الحكم، ولكن لا أي حكم، بل على واقع حكم معين هو الحكم الذي يحكم به الإنسان حكماً واقعياً للبشر، على أعظم مستوى من القيم الرفيعة. أو باعتبار الأدلة الشرعية التي استنبطت منها هذه الأفكار في الحكم.
على هذا الأساس نفول إلى القارئ أن نظام حكم في الإسلام نظام متميز عن غيره كل التميز، غير متخذ أي مقياس لصحة أفكاره سوى انطباقها على واقع أسمى نظام من أنظمة الحكم التي يحكم بها البشر، أو انطباقها على الأساس الذي انبثقت عنه وهو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله
إنك تضلل القارئ في كلامك فتريد بيان أن الإسلام يضرب حرية الفرد و يضرب حقوقه و لا يسعني هنا إلا أن أوضح لك و لغيرك شيء بسيط عن قواعد نظام الحكم في

معاذ أبو الهيجاء
14/07/2007, 12:03 AM
ثامنا :
ليست الدولة الإسلامية قوة مطلقة التصرف في شؤون الناس، ولا غاية يسعى إليها المسلمون لتنفرد بالقيام على جميع شؤونهم، ويجعلونها وحدها المتولية لكل أمورهم أفرادا وجماعة، تؤمن للفرد كل شيء كما تؤمن للجماعة. كلا ليست كذلك، ولا هي وسيلة مؤقتة تعمل لخدمة الفرد وضمان حريته وتزول حين تضمن حرية الفرد وتؤمن مصالحه. وإنما هي قوة مقيدة التصرف بالشرع، ووسيلة ضرورية دائمية توجدها الأمة لتنفيذ أحكام الشرع في المجتمع الذي تحكمه أفرادا وجماعات، ولحمل الدعوة الإسلامية للعالم. وهي إن تولت جميع شؤون الجماعة لكنها لا تتولى عن الفرد شؤونه إلا إذا عجز عنها، فتعينه وتوفر له ما يمكنه من القيام بأموره بوصفه جزءا من المجتمع. وذلك لأن المجتمع كل مكون من أجزاء، هي الناس والأفكار، والمشاعر، والأنظمة. والناس في المجتمع بجميع أفرادهم جزء من أجزاء المجتمع، كما أن من أجزائه الأفكار والمشاعر والأنظمة التي تجمع هؤلاء الأفراد، والدولة نائبة عن الجماعة في تنفيذ الشرع الذي منه هذه الأفكار والمشاعر والأنظمة فهي موجودة لتنفيذ الشرع مسؤولة عن هذا التنفيذ كما أن الفرد في الجماعة مسؤول عنه. غير أن مسؤولية الدولة تنفذها بالقوة والسلطان ومسؤولية الفرد ينفذها طاعة لله وطلبا لرضوانه. لأن كل مسلم في الجماعة مسؤول عن تنفيذ الشرع فيما يخصه بدافع تقوى الله عامل على مساعدة الدولة فيما يخص الجماعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجابة لأمر الله. ولذلك لم تكن الدولة معتمدة على صرامة التشريع وقوة الجندي في الحكم، كما أنها لم تكن تاركة الحرية للناس إن شاؤوا نفذوا الشرع وإن شاؤوا لم ينفذوه ما داموا لم يتعرضوا لحرية الآخرين. بل الدولة الإسلامية تعتمد على التقوى المتركزة في صدور الناس، يقومون بأوامر الله ويجتنبون نواهيه، وتعتمد على عدالة التشريع وقوة الجندي، متعاونة مع الأمة في تنفيذ أحكامه، لأن كل مسلم يعرف أنه على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قِبَله، فالأمة الإسلامية جميعها مسؤولة عن تنفيذ أحكام الله، يتعاون فيها الحكام والمحكومون، الراعي والرعية، لضمان تطبيق الإسلام تطبيقا كاملا.
ومع شمول هذه المسؤولية ولزوم هذا التعاون، فإن الدولة الإسلامية ليست مجموع الأمة والحكام، وإنما الدولة هي الخليفة الذي يبايعه المسلمون، ومن يعينهم هو لمعاونته، أو للقيام بشؤون الناس، ومجلس الشورى، وبعبارة أخرى: الدولة هي مجموع جهاز الحكم.
على أن الدولة هي التي تقر التشريع وتنفذه، والذي يقوم بذلك هو جهاز الحكم، لأن الخليفة بعد أن يبايع من المسلمين يصبح هو الذي يجعل الأحكام الشرعية التي يتبناها من أقوال المجتهدين أحكاما معمولا بها، ( أي تصبح قانونا ) وهو الذي ينفذ الشرع، وليس للأمة شيء من ذلك لا إقرار التشريع ولا تنفيذه. نعم إن الحكم للأمة، ولكنها بعد أن بايعت الخليفة قد أنابته بهذه البيعة عنها فيه، وصار هو الذي يقوم بالحكم، أي بتنفيذ الشرع، وعلى الأمة أن تراقيه وتحاسبه وتناقشه، وتلزمه عزل ولاته ومعاونيه إذا أظهرت عدم رضاها منهم.
جهاز الحكم
تختار الأمة الخليفة ( رئيس الدولة ) ثم تبايعه بيعة دائمية تظل لازمة في أعناقها ما دام منفذا للشرع، وهو يعين معاونين له يكونون معه في الحكم يتحملون مسؤوليته ويرأسهم هو، ويتولى أمرهم، ويعين الولاة للولايات يحكمونها، وهو الذي يشرف عليهم، ويعين قاضيا للقضاة ليقوم بتعيين القضاة وعزلهم وتأديبهم، ويعين المديرين لدوائر الدولة التي تقضي مصالح الناس، ويعين قواد الجيش وأمراء ألويته ويباشر هو أمورهم، ويرجع لأهل الحل والعقد في شؤون المسلمين جميعها يأخذ رأيهم بها ويشاورهم فيما يريد أن يفعله أو يتركه.
وعلى ذلك يقوم جهاز الحكم على سبعة أركان وهي:
1 مجلس الشورى،2 رئيس الدولة، 3والهيئة التنفيذية ( المعاونون لرئيس الدولة ) و4الجهاز الإداري، و5الولاة، و6القضاء، و7الجيش. ومجموع ذلك هو الدولة الإسلامية. وهذا الجهاز أقامه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقد كان يتولى شؤون الحكم وتدبير أمور الناس في سائر شؤون الحياة، قال تعالى: { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } وكان إذا خرج من المدينة لغزوة من الغزوات أقام مكانه من يتولى أمور المسلمين نيابة عنه أثناء غيابه.
فإنه صلى الله عليه وسلم في أواخر السنة الأولى للهجرة، على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه للمدينة، خرج إلى غزوة الأبواء واستعمل على المدينة سعد بن عبادة ليتولى شؤون المسلمين نيابة عنه، وفي غزوة تبوك حينما خرج لقتال الروم استخلف على المدينة محمد بن مسلمة. فكان عليه السلام رئيس الدولة، إذا خرج لقتال جعل مكانه من ينظر في أمور الناس.
وقد أقام عليه السلام معاونين له في شؤون الحكم؛ إذ قد خص أبا بكر وعمر بالأمور العامة، كما خص أبو بكر من بعده عمر وأبا عبيدة، وكما خص عمر عثمان وعليا. فكان أبو بكر وعمر هيئة تنفيذية مع الرسول، كما كان عمر وأبو عبيدة مع أبي بكر، وعثمان وعلي مع عمر.
أما الأمور الإدارية ورعاية مصالح الناس فقد عين صلى الله عليه وسلم لها من يقومون بشأنها، وكانوا يسمون كتابا. فقد عين زيد بن ثابت _ كاتب الوحي _ يكتب إلى الملوك، وعين معيقيب بن أبي فاطمة كاتبا للغنائم، والمغيرة بن شعبة كاتبا للمداينات والمعاملات، وهكذا عين لكل مصلحة كاتبا أي لكل إدارة مديرا. وأما الولاة فقد عين عليه السلام عتاب بن أسيد واليا على مكة وفرض له درهما كل يوم، وولى معاذ بن جبل واليا على اليمن. وزياد بن لبيد على حضرموت، والعلاء بن الحضرمي على البحرين. وأما القضاء فقد كان صلى الله عليه وسلم يحكم الناس ويفصل بينهم في الخصومات، وكان يبعث الولاة ويجعل لبعضهم حق الفصل في الخصومات، فقد عين عتاب بن أسيد واليا على مكة وقاضيا فيها كما جعل معاذ بن جبل واليا على اليمن وقاضيا فيها. وقد سار أبو بكر على ذلك إلى أن جاءت خلافة عمر، فخص الولاة بالولاية والحكم، وجعل القضاة منفردين عن الولاية، فولى أبا الدرداء قاضيا في المدينة، وشريحا قاضيا في البصرة، وأبا موسى الأشعري قاضيا في الكوفة.
وأما الجيش فإن الرسول عليه السلام جعل جميع المسلمين جندا لأن الجهاد فرض على جميع المسلمين للقتال، وكان الرسول إذا غزا استنفر المسلمين فكانوا ينفرون خفافا وثقالا ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ولم يكن هنالك جيش مخصص، وظل الحال كذلك في أيام أبي بكر، إلى أن جاء عمر فخصص من المسلمين جندا جعل لهم أرزاقا في بيت المال يكونون دائما في عمل الجندية للجهاد،وكان باقي المسلمين كالجيش الاحتياطي يستنفرون للقتال كلما دعت الحاجة.
وأما مجلس الشورى فإن الرسول كان يستشير الصحابة في الأمور، وقد خص أربعة عشر رجلا في الشورى، كان يرجع إليهم في أخذ الرأي، ولم يختر هؤلاء ممن هم أقدر الصحابة وأعلمهم وإنما اختارهم لأنهم نقباء على قومهم، أي ممثلين لهم، ولذلك اختار سبعة من الأنصار وسبعة من المهاجرين، وكانوا من النقباء فقط.
هذا هو جهاز الحكم الذي هو الدولة، وهو قد أوجده الرسول صلى الله عليه وسلم فهو جهاز قائم متميز في شكله وفي الأسس التي يقوم عليها.
قواعد الحكم
يقوم الحكم في الإسلام على أربعة قواعد.
أولا: أن السيادة للشرع. قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ثم أكمل هذه الآية بقوله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } والمراد تنازع الأمة مع أولي الأمر. ومعنى رده إلى الله والرسول هو رده إلى حكم الله والرسول أي إلى الشرع.
ثانيا: أن السلطان أي ( الحكم ) للأمة، قال تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } أي أن أصل الحكم لله وهو الذي استخلف المؤمنين فيه. وقال تعالى { ولقد مكناكم في الأرض } أي جعلنا لكم فيها السلطان، أي الحكم.
ثالثا: أن نصب خليفة واحد لكافة المسلمين " رئيس الدولة " من قبل الأمة نائبا عنها في الحكم أمر واجب على الأمة، فلا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين دون بيعة. قال عليه الصلاة والسلام ( من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية ) وقد أجمع الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجوب نصب خليفة له. ووردت في القرآن والحديث نصوص كثيرة دالة على وجوب طاعة ولي الأمر. قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وقال عليه الصلاة والسلام ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ) وولي الأمر في الآية والحديث هو رئيس الدولة.
رابعا: للأمة كلها حق الاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية لمعالجة مشاكل الحياة إذا توفرت شروط الاجتهاد، ولكن حق التشريع إنما هو للخليفة وليس للأمة، فله أن يختار الأحكام الشرعية من أقوال المجتهدين ويلزم القضاة والحكام العمل بها دون غيرها، وله أن يستنبط الأحكام باجتهاد صحيح ويلزم العمل بها، " للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات " وأمره بأي حكم شرعي يوجب على الناس حتى المجتهدين، العمل بهذا الحكم ويلزمهم اتباعه، لأن طاعته واجبة في حدود الشرع، " أمر الإمام نافذ ظاهرا وباطنا " واختياره لأي حكم من الأحكام الشرعية المستنبطة يرفع الخلاف بين الأئمة على هذا الحكم، " أمر الإمام يرفع الخلاف ". ولذلك كان جعل الأحكام الشرعية قوانين معمولا بها إنما هو لرئيس الدولة. فمثلا رأي أبي حنيفة ( أن الزكاة لا تجب على الصبي والمجنون لأنها عبادة، وهي لا تجب إلا على المكلف، وهما غير مكلفين ). ورأي الشافعي ( أن الزكاة تجب على الصبي والمجنون لأنها واجبة في المال المملوك للإنسان وليست على الإنسان. والصبي والمجنون إذا ملكا مالا بلغ النصاب وجبت عليهما، لوجود المال المملوك لهما ). فإذا اختار رئيس الدولة رأي الشافعي كان القانون أن تحصل الزكاة من الصبي والمجنون، وتجب على الناس ـ حتى من يرى رأي أبي حنيفة ـ الطاعة، ويلزمون بالعمل بهذا الحكم الشرعي.
حق الشورى
الشورى حق لجميع المسلمين على الخليفة، فلهم عليه أن يرجع إليهم في أمورهم التي تجب فيها المشورة. قال تعالى { وأمرهم شورى بينهم } ورجوع الخليفة لرأي المسلمين فيما لا نص فيه ولم يعرف حكم الله فيه واجب. قال تعالى { وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله } والأمر في الآية يقتضي الوجوب. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع للناس يستشيرهم. فقد استشارهم يوم بدر في أمر مكان المعركة، واستشارهم يوم أحد في القتال خارج المدينة أو داخلها، ونزل عند رأيهم في الحادثتين.
وقد رجع عمر إلى المسلمين في أمر أرض العراق: أيوزعها على المسلمين لأنها غنائم ؟ أم يبقيها في يد أهلها وتبقى رقبتها ملكا لبيت المال يستحق فيه جميع المسلمين، وقد عمل برأي أكثر المسلمين، وظلت أرضا خراجية. وقد عزل سعد بن أبي وقاص عن الولاية لمجرد الشكوى، وقال: إني لم أعزله عن خيانة أو ضعف. وقال رجل لعمر وهو على المنبر: لا سمع ولا طاعة حتى تعدل. وناقشه في أمر الأبراد اليمانية، وقد انعقد الإجماع على وجوب بيعة الخليفة من قبل الأمة، فلها حق اختيار الخليفة، ولها أن تظهر عدم رضاها عن أعمال الولاة والمعاونين، ولها أن تعطي رأيها في الأحكام الشرعية التي يأمر الخليفة بالعمل بها.
مجلس الشورى
للأمة أن توكل عنها من تشاء في التعبير عن رأيها في الحكم والتشريع، وأعمال المعاونين والولاة، ومناقشة الخليفة في أعماله. وتكون لهؤلاء الوكلاء الحقوق التي يملكها موكلوهم فقط، لأن الوكالة تصح فيما هو من صلاحية الموكل، وليس لهم غير ذلك، وهؤلاء الوكلاء في الرأي هم مجلس الشورى. فقد روي أن الرسول عليه السلام في بيعة العقبة الثانية قال للمسلمين بعد أن بايعوه البيعة المعروفة ( أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا ) فاختار القوم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وروي أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرجع في الشورى إلى من كانوا نقباء على قومهم؛ فكان يرجع إليهم في أمور الحكم والإدارة، وفي تعيين الولاة والكتاب. وقد خصص أربعة عشر رجلا كان يرجع إليهم في الأمور، واختارهم من النقباء على قومهم بغض النظر عن مقدرتهم. وأخذهم سبعة من الأنصار وسبعة من المهاجرين وكل واحد منهم كان نقيب قومه وجماعته، أي أنه ضمن إسلام قومه وجماعته ودخلوا في الإسلام على يديه وكان هو نقيبهم، وكانوا هم أهل الشورى الذين يرجع إليهم في الرأي.
ولما وسدت الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه اتخذ له جماعة من الممثلين لقومهم ليرجع إليهم في أمور الحكم والإدارة والتشريع، وكان من أبرز هؤلاء عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبو عبيدة وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.
إلا أن الأشخاص الذين كان يرجع إليهم الخليفة يستشيرهم في شؤون المسلمين لم يكونوا مخصصين للشورى، ولم يكن موكلاً إليهم عمل معين، بل كان الخليفة كلما حزبه أمر دعاهم إليه واستشارهم في أمر المسلمين، وكانوا في اجتماعهم عند أخذ الرأي يشكلون مجلساً، وبعد انتهاء المشاورة وتفرقهم لا تبقى عليهم صفة مجلس الشورى، إلا أنه لتعدد المشاكل وتنوعها يجب أن يخصص مجلس للشورى.

معاذ أبو الهيجاء
14/07/2007, 12:04 AM
نقول للأستاذ جواد صاحب هذا الكلام (إذا أردتَ السيادة لـ "الشرع" فلا سيادة لـ "شرع" إنْ هي ناقضت سيادة الشعب، فـ "الأرض والسماء كانتا رتقا ففتقناهما"، فلا تُعيد رتق ما فتقه الله. ))
الشعب مقيد بسيادة الشرع و ملزم عليه أن يتبع الإسلام في كل مجالات الحياة و أما التناقض فلا وجود له لان الله لا ينزل إلا الهدى و الرحمة و لا ينزل إلا الحق و قولك ما هو لا تخيل ليس إلا .

و باقي كلامك أن تحكيم الشرع يؤدي إلى تسلط الخليفة فهو قول خطا فلم يكن عمر و لا أبو بكر متسلطين أبداً .
فلا تجعل العهد الأموي و العباسي مصدر تفكيرك فقد امرنا الله بتحكيم شرع الله فكيف تريد تعطيله ؟ .
عجيب أمرك يا أستاذ جواد بالرغم من معرفتك بأن الذي يقول ما تكتبه هنا هو عدو الأمة الذي يستعمرها، فإنك لا تحل لهذه المعرفة محلها من الاعتبار، لأنك مخدر بثقافة هذا الاستعمار. وقد نسيت التاريخ الذي أجمع عليه مؤرخو جميع الأمم من أن الإسلام كانت له دولة بدأت منذ استقر الرسول عليه السلام في المدينة، في السنة الأولى من الهجرة، حتى سنة 1342 هجرية سنة 1924 ميلادية حين سقطت الخلافة على يد الاستعمار. نعم نسيت هذا التاريخ بالرغم من أنك تعلمه وتفتري على الإسلام أنه كانت له دولة دينية ( روحية ). ولم يروِ أحد من المؤرخين، ولا أشدهم بغضا للإسلام، أنه كانت للإسلام دولة ( روحية ) في أي لحظة من لحظات التاريخ. كما لم ينكر أحد أن الإسلام في صميم تشريعه لم يجعل للروح دولة أو سلطان حتى في العبادات نفسها لأن مفهوم الروح في الإسلام غيره في الغرب.
تجهل إسلامك، أو تتجاهلة، فتزعم أن الدين في الإسلام غير الدولة. وقد أجمع الناس من غير استثناء أن دولة الإسلام تعني تماما دولة الدين الإسلامي، أي الدولة التي تحكم بموجب الدين الإسلامي.
ويتجنى هؤلاء فينادون بفصل الدين عن الدولة. ولا أدري كيف يبقى دين الإسلام حيا ولا دولة له، وكيف يعيش المسلمون دون دولة، ويكون لهم كيان أو وجود، وكيف ينكر إنسان أن الإسلام دين لا يقوم إلا على الدولة. وقد جاءت شريعته تنادي بوجوب وجود الحكم والسلطان.
أليس القرآن الكريم كتاب الإسلام المنزل ؟ فلماذا إذن وجدت فيه آيات الحكم والسلطان، لو لم تكن للإسلام دولة ؟
استمع إليه وهو ينادي في الحكم فيقول:
{ فاحكم بينهم بما أنزل الله } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } وهل هناك أصرح من هذا في إنذار من لم يجعل ما أنزل الله حكما. ومن جعل الحكم على خلاف ما أنزل الله، وهل هناك خطاب أصرح من قول الله للرسول عليه السلام { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } يدل على أن الإسلام أنزل للحكم ؟
اسمع إليه وهو يقول: { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله }، { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } ثم اسمعه وهو يخاطب جماعة المسلمين فيقول: { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل }. { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }، { فلا وربك لا يؤمنون حنى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وكل ذلك صريح في الحكم والسلطان.
هذا بالنسبة للحكم من حيث هو. وهناك الآيات الكثيرة الدالة على تفصيلات حوادث الحكم. فهناك آيات التشريع الحربي، والتشريع السياسي، والتشريع الجنائي، والتشريع الاجتماعي، ( والتشريع المدني ) وغير ذلك من التشاريع.
{ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة } { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم } { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أمول الناس بالإثم وأنتم تعلمون } { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } إلى أن يقول في نفس الآية: { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد }.
{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }. { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة }. { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود }. { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن }.
وهكذا تجد الخطوط العريضة ( للتشريع المدني )، والعسكري، والمعاملات، والعقوبات، واضحة في مئات الآيات، فضلا عن الكثرة الوافرة من الأحاديث الصحيحة. فإذا لم يكن للإسلام دولة فلماذا نزلت هذه الآيات ؟ ومن الذي يطبق ما فيها من الأحكام ؟ وعلاوة على ذلك فإن الواقع التاريخي في حياة الرسول عليه السلام والصحابة أيام حياته ومن بعده ليدل دلالة واضحة على أن الإسلام كان نظاما للدولة وللحياة، ولكل جزئية من جزئيات حياة الأمة والدولة.
وإذا أنكر على الإسلام أن له دولة تنفذ الأحكام، وتسوس الأمة، فماذا يفعل في نصوصه التي هي صريحة في الحكم ؟ وكيف نغمض أعيننا عما كان يفعله عليه السلام من إرسال الولاة والمعلمين للأقاليم، ليحكموا بين الناس في أمورهم، ويعلموهم الإسلام دينا فيه العبادة والنظام والقانون.
نعم إن الإسلام نظام للدولة والحياة والأمة. ولا تملك الدولة الحكم إلا إذا كانت تسير وفق نظام الإسلام. ولا يكون للإسلام وجود إلا إذا كان حيا في دولة تنفذ أحكامه، فالإسلام دين عام والدولة جزء منه وهي الوسيلة لتنفيذه. ولا يوجد الإسلام وجودا حيا إلا إذا كانت له الدولة في جميع الأحوال. على أن هذه الدولة الإسلامية هي دولة سياسية، وليست لها قداسة ولا لرئيسها صفة القديسين. فهذا عمر يقول للناس من رأى فيّ اعوجاجا فليقومه، فيجيبه أحدهم لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا. فلا يزيد عمر على أن يقول، الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر بحد السيف. فأي قداسة لهذا الخليفة مع أنه عمر بن الخطاب.
حقا أن الاستعمار قد أوغل في ماديته ونبذه للقيم الخلقية، حين افترى على الإسلام أنه دولة دينية روحية، وحين افترى عليه أن الدين غير الدولة، وحين افترى عليه أنه لم تكن للإسلام دولة. ومع أن هذه المفتريات متناقضة مع بعضها، ومناقضة للحقيقة التاريخية التي لا ينكرها إنسان، مع ذلك فقد خدع الاستعمار بعض أبناء المسلمين بهذه الأباطيل والأضاليل.
ولسنا بصدد أن نرد على الاستعمار هذا الافتراء ونجادله فيه، كما أننا لا نتعرض لهؤلاء المفتونين أو المأجورين ونناظرهم، لأن قضية كون الإسلام دينا منه الدولة ليست قضية ذات موضوع لأنها من البداهة بحيث يعلمها حقا كل إنسان، متعلما كان أو غير متعلم، كما يعلم أن الواحد نصف الإثنين. ولكن القضية ذات الموضوع هي أننا نريد أن نستأنف حياة إسلامية في الحكم، وأننا مصممون على استئناف هذه الحياة مهما كلف الأمر، وأننا متأكدون بأن استئناف الحياة الإسلامية في الحكم أمر لازم لنا لزوم الماء للحياة، ولنعود إلى النظام الإسلامي الذي هو أساس سعادتنا وسعادة العالم.
ولن نستطيع العودة إليه إلا إذا عادت دولة الإسلام وحكمه، ولذلك صمم المسلمون اليوم _ ما عدا ضفادع استعمارية تنقنق _ على أن يوجدوا الحكم الإسلامي، ليعودوا إلى الإسلام.
وإنهم يعرفون أن هذا يحتاج إلى جهود غير عادية، وإلى أعمال ضخمة، ولكن حماسة الإيمان، والجرأة والإقدام، التي هي من صفات المؤمن، ستذلل هذه الصعاب بالصبر والثبات، لأن إيمانهم بضرورة وجود الحكم الإسلامي، يفوق كل شيء، وثقتهم بالله تسهل عليهم كل صعب.
غير أن هذا الإيمان نفسه يحدوهم وهم يبصرون الواقع السيئ على أن يرتفعوا بأذهانهم عن هذا الواقع، ويرسموا على ضوء الإسلام الحياة الإسلامية الكاملة، ويعملوا بعقلية مبتكرة مبدعة عمل المسلم الكامل في تجنب الترقيع، والابتعاد عن الحل الوسط، ومحاربة التجزئة والتدريج، صابرين على المشقات، واثقين بأنهم سيطبقون الإسلام كاملا، ويستأنفون حسب نظامه الحياة الإسلامية.
وعود الإسلام لا يكون بتعمير المساجد، وحفظ الأخلاق ومنع المحرمات فقط، فإن هذه الحلول جزئية مخدرة، ملهية عن الخطوة الحقيقية لإيجاد الإسلام. { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين }{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }. وإنما نعود إلى الإسلام إذا عاد للحكم في نظامه وأحكامه. فإذا عاد له الحكم وطبق نظامه تطبيقا انقلابيا فقد عاد قانونه ودستوره، وعادت حينئذ جميع شؤون الحياة تعالج بالإسلام. فصار المجتمع إسلاميا والحياة حياة إسلامية.
ولذلك حق على المسلمين أن يبينوا للناس نظام الحكم في الإسلام، حتى يعرفوه، وحتى يعملوا هم على إيجاده. ويصبحوا هم خلفاء في الأرض، وقد نالوا ما وعدهم ربهم به { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر }.
ونظام الحكم في الإسلام، وإن كان معروفا بأنه نظام دولة، ولكنه لا بد أن يعلم أنه نظام خاص لدولة خاصة _ نظام إسلامي لدولة إسلامية، ومعرفته لا بد أن تكون على هذا الوجه، حتى يجري تطبيقه على هذا الأساس.