المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تغير العراق و تطور .



فيصل آورفــاي
14/07/2007, 02:16 AM
كيف تحول العراق : :wel:

ليلة القبض على صدام ، كانت بمثابة مهرجان عراقي . فسقوط الطاغية الذي هز جماهير العراق بنشوة النصر ، و عبق الانتقام ، من قاتل سفاح هدر دماء شعبه ، و هجر مثقفي بلده ، و اعدم كل من تمرد عليه ، و من لم يسعفه الحظ بالنجاة من بطشه ، و بطش زمرته . لحظة تاريخية ما كان يمكن لاي عراقي ثائر على كل ما يمثله الطاغية من قيم و مبادىء استبدادية ، تفردية ، عنيفة ، لاوطنية ، ان يمنع نفسه من الاحتفال بموت فرعون العراق !

ولا شك ان كل من يمثل مصالح ذلك الطاغية شعر بالقلق و اعتصر فؤاده الالم و الضيق و التعاسة . فقد فقدوا رب عملهم ، وهو مالك خيرهم ، و ميسر نعمتهم . و حزنوا ومن حقهم ان يحزنوا ، لكن شتان ما بين العدالة ، و الحزن على فقدان اهل لمجرم ، خلقوه و صنعوا منه بطلا ، ثم اوردهم موارد التهلكة ، بسوء افعاله . لم يجد الجرذ الذي قبض عليه مختبئا في الجحر ، احدا يتحدث عنه بكلمة طيبة ، سوى جرذ آخر ، هو اكثر منه ايلاما بحق الليبيين . و هو اكثر استخداما للمخابرات ، في البطش بالمعارضين من بني شعبه ، وهو من شهدت له المحاكم بالقتل عبر الاغتيالات ، و تفجير الطائرات المدنية ، مقصرا في تفجير اية طائرة عسكرية من طائرات خصومه . و هو من أفقر الشعب الليبي ، بمشاريع وهمية و نووية ، قذف بها فيما بعد عند اقدام اعظم دولة في العالم ، الدولة التي طالما قال فيها : طز في امريكا !

كان من الضروري ان تقوم الولايات المتحدة بتسليم الجرذ الى الحكومة العراقية الشرعية ، و المنتخبة من قبل الشعب العراقي . الحكومة التي تلتقي معها كافة وزراء الخارجية العرب ، و التي لم يستطع أي رئيس عربي ان يقول ، نحن لا نعترف بهذه الحكومة .

لم تستطع الولايات المتحدة الامريكية اسقاط بغداد خلال ساعات ، بدون اطلاق رصاصة واحدة لولا ان النظام الصدامي كان هشا ، مسوسا ، لا خير فيه . فلا سنة العراق تحركت لانقاذه ، ولا شيعته . كان عبارة عن نظام مرفوض عربيا ، و مرفوض دوليا ، لكثرة ما قام به من موبقات بحق شعبه ، في الداخل ، و ضد الشعوب المجاورة له ، في الخارج . لهذا كان سقوطه بمثابة المطر الخير الذي ينهمر على الارض العطشى . و بمثابة امل تحقق في كل الاتجاهات . ولهذا لم تتحرك الدول العربية للدفاع عنه ولو بالكلمة .

بعد ان نكل صدام حسين بابناء شعبه دون استثناء ، ولم ينفذ من شره اقرب الناس اليه . بات بحاجة للدعم الخارجي ليبقى على سدة السلطة . وقامت الثورة في ايران ، كانت ثورة اسلامية ضد شاه ايران و ضد العلاقات الايرانية الامريكية . ماذا فعل صدام ( الذي جعل اعلامه فيما بعد ، يصوره على انه بطل لوقوفه ضد امريكا ) تعاون مع دول الخيج النفطية + امريكا + اوروبا + الروس ، لكي يكسر مجاذيف تلك الثورة . فقد خاف الجميع منها ، و خوفهم كان مبررا . لان ما لم تراه الناس في ذلك الوقت ، نشهده اليوم من الصلف و الجبروت الايراني و تدخله في كل دولة عربية ، لزرع الفتنة فيها . و تم تكليف صدام بالقضاء على تلك الثورة . و نفذ نصف ما طلب منه ، فقد تمكن من وقف توسع تلك الثورة ، و جعلها تجد ابتلاع السم اهون عليها من ايقاف الحرب ، التي اجبرت عليه . كما سبق للخميني ان قالها ! لكن تلك الجيوش التي تعملقت ، كانت بحاجة لكل شيء . كانت بحاجة للطعام ، وهو مفقود ، و بحاجة للدواء وهو مفقود ، و بحاجة للرواتب وهي مفقودة ، و بحاجة للتبرير الحقيقي لتلك الحرب ، التي ابادت اكثر من مليون شخص عبثا .

احتار صدام ، كيف سيحصل على اموال وعد بها مقابل الحرب ضد ايران ، و كيف سيطعم جيشه الذي تم تحويله الى كلاب للنهش بايران ، خارجيا ، و بالشيعة العراقية و الاكراد ، داخليا . واحتار كيف سيقدم رواتب ، لاولئك الذين ماتوا ، او الذين تعرضوا للاذى ن بسبب حربه اليائسة ، و الفاشلة ، و التي لم تنتج الا المآسي . فلا تحرير ولا تصد لعدو ما كان بعد بعدو لصدام . بل كل ما هنالك ان صدام طمع بالمال الوفير و الرزق الكثير من الارتزاق بالحروب . فقد تخلت عنه الدول التي وعدته بتاج كسرى ، ومال هارون ، و راس كليب الايراني ، و باسترجاع اراض ، سبق له ان وقع معاهدات بيعها للشاه ، بنفسه ، مقابل الا يدعم الشاه اكراد العراق . فضغط على الكويت لتقدم له عشرين مكليارا من الدولارات ، و رفضت الكطويت . و اصر ، و رفضت . فما كان منه الا ان هاجم الكويت ، ظانا انه اشطر من عبد الكريم قاسم . و سقط في شر عمله . و تكالبت على الكلب الذئاب . و تكتلت الدول العربية ، بما فيها سوريا الاسد ، البعث التوأم ، المنادي بالوحدة العربية ، يهوذا عام 1990 ، و الذي لم يقل نذالة عن صدام نفسه . و تم تحرير الكويت من براثن الضبع الجائع . و عاد الى وكره بعد توقيع معاهدة مذلة ، مع قوات التحالف ، بزعامة الامريكيين .

حوصر العراق ، و قسمت سماءه و حظر طيرانه و جاع اطفاله و انقطعت امدادات الغذاء و الدواء و الآلات و قطع الغيار ... الخ . ومن كان ليتحمل مسؤولية كل هذا غير رئيس الدولة و الامين على مصيرها . انه صدام و زبانيته الفاشلين ، الذين لم يحركوا ساكنا يوم سقطت بغداد ، فمنهم من هرب ، و منهم من تعاون مع جيوش التحرير الامريكية ، ومنهم من اختبأ وما زال مختبئا .

شنت قوى التحالف حربها على صدام ، بعد ان استوت الطبخة التي كانوا يعدون لها في القدر العراقي . فقد دمروا صواريخه و جمدوا نشاطاته و حرموه من العزة و الكرامة و السيادة ، قبل ان يسقطوا بغداد فوق رؤوس طغاتها . لم يصغ صدام للمناشدات الدولية بان يقبل بما تطلبه قوات التحالف . و لم يقبل مناشدة الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الامارات العربية ، بان يكون لديه كلاجىء سياسي ، و يجنب العراق الدمار و ما هو فيه الآن من مذابح و فوضى و فتن . بل ظل يعاند و يماطل متوقعا ان شعب العراق ، الذي تعرض على يديه للتنكيل و الخراب ، سوف يدافع عنه ، او ان المرتزقة الذين كانوا يتعيشون من فضلاته و فضلات ولديه الاحمقين ، كانوا سيردون عنه الاذى و يفدونه . لكن سقوط بغداد كشف لنا و لصدام نفسه ، كم كان مغرورا ، و كم كان غشيما مدعيا .

قبل سقوط بغداد بليلة واحدة ، امر صدام امين البنك المركزي بتقديم كل ما يملك من مال و ذهب وودائع لولديه الذين اخذا المال و هربا به الى جهة مجهولة . و سقطت بغداد . و بدا مال العراق يظهر مصروفا على شكل رشاوى و منح لكل من كان قادرا على حمل السلاح للدفاع عن العراق . و بدا شبح الارهاب يسيطر على كل مرافق العراق . كان العراق بمثابة اكبر سوق سلاح في العالم . سلاح مدفوع الثمن ، اذ يكفي ان يطلب من يريد السلاح ليحصل عليه عن طريق ولدي صدام او بقية اركان سلطته القمعية ، الذين حوكموا فيما بعد ، لجرائمهم بحق الشعب العراقي . و انتشرت المجموعات السلفية ، و كبر الاخطبوط السلفي و تعملق ، حتى بات يفرض ما يريد في العراق . و بات يطالب بدولة اسلامية مستقلة ، لا بعث فيها ولا قوميين ولا شيوعيين ولا ليبراليين . و عاد العراق الى مرحلة القرن الاول الهجري . و بغض النظر عن كل ما ادعاه الغرب ضد صدام . فلم يكن صدام ذلك الرجل القادر على الدفاع عن وطنه ، و لم يكن ذلك السياسي القادر على اقامة علاقات طيبة مع بقية العرب من القادة ن ولم يكن ذلك القائد الذي يقيم جبهة داخلية تحميه من العدو الخارجي . فقد كان ، و بكل بساطة ، مجرد فاشل حقيقي .

لم يسلف صدام شيعة العراق الا الشاورما ( نار ، حديد ، دم ) لهذا فلا يتوقعن احد منا ان يحصل منهم على حزن على شنقه ، بل احتفالات وصل صوتها الى السماء التي استجابت لدعائهم عبر عقود من الاهانة و الاذلال على يدي صدام . و بعد سقوط بغداد باسابيع كان مجلس الحكم قد بدا بتعديل القوانين العرفية في العراق و الغاء كل ما كان يعطل حريات الناس ، فانتشرت الصحف و الاذاعات بمختلف فئاتها و اتجاهاتها ، و انتشرت الاطباق اللاقطة للفضائيات و التي كان صدام يمنعها ، و يسمح بكل اشكال التعبير و الحريات الاساية لكل انسان في العراق حتى بات هناك اكثر من ستين صحيفة . كما سمح بتشكيل الاحزاب و الجمعيات الاهلية من منظمات المجتمع المدني ، و تحول العراق الى دولة عصرية ، نظريا ، بكل معنى الكلمة . لكن ايران من جهة ، و البعثيين ، من جهة اخرى ، و منظمات القاعدة و غيرها من فرق الموت و كتائبه ، كانت تعيث فسادا و قتلا و اغتيالا ، مانعة الشعب العراقي من العيش بسلام في ظل النظام الجديد .

فقد ظهرت فرق الموت الصدامية و معها الفرق السلفية السنية المتطرفة و معهما عصابات القاعدة الاجرامية ، لتمارس القتل اليومي لشيعة العراق . فكانوا يفجرونهم بالعشرات ، في الاسواق و الجوامع و الحارات و مراكز التطوع ....الخ ، على مدى اربع سنوات متتالية دون ان يصدر عن الشيعة سوى الادانة و الشكوى الاعلامية . الى ان استطاع الشيعة السيطرة على السلطة ن نتيجة لموقف السنة العراقية الفاشل عندما التي بدت متخلفة سياسيا ، اذ ظنت انها بمقاطعة الانتخابات ستتمكن من اسقاط الحكومة التي قامت بعد سقوط بغداد ( مجلس الحكم ) لكن الخطة فشلت ، و بدات الشيعة بتكريس انتصارها ، و انشات الجيش و الشرطة و الامن العام . و كانت فرق الموت السنية بكل فصائلها تقتل اكقثر من خمسين شابا يوميا من جماعة الشيعة . الى ان بدا بعض رجال الشيعة من جماعة حزب الدعوة و منظمة بدر و حزب المهدي بتشكيل كتائب الموت التي بدات بالرد على اعمال فرق الموت السنية . و راح العراقي طعاما لرصاص و متفجرات الطرفين من عضصابات القتل العشوائي التي كانت تفجر الجوامع و الحسينيات و المطاعم و المقاهي و خطوط النفط و الازقة ، باختصار كانوا يدمرون العراق فوق رؤوس أهله .

في البداية ، كان الدور الامريكي داعما للشيعة ، لكن بعد ان تزايد نفوذ منظمات الشيعة و كتائب الموت التي تعمل لصالحهم بدات امريكا تغير اسلوب تعاطيها مع الشان العراقي . و بدات تعمل على نشر نوع من التوازن السلطوي بين القوى العراقية . و اخذت تطالب المالكي باحداث توازن في السلطة و تعديل مسودة الدستور العراقي و مراجعة قانون اجتثاث البعث . مما جعل القوى السنية التي كانت تطالب بخروج فوري للامريكيين من العراق ، تغير مواقفها و تطالب الامريكيين بجدولة خروجهم . ولم تخرج ضد الامريكيين في العراق سوى مظاهرات قليلة ليست بذات شان . بينما قام الشيعي مقتدى الصدر ، مدعوما من ايران بمعارك عديدة ضد الامريكيين مطالبا اياهمك بالخروج الفوري ن وما زال يطالبهم بذلك حتى اليوم . وما زالت المعارك مع التيار الصدري مستمرة . ولا نقصد بكلامنا انه اكثر وكنية من غيره ، بل هو مجرد عميل ينفذ الاجندة الايرانية ضد المصالح الامريكية . فقدمت له ايران المال و السلاح و المكاتب و الاعلام و الفتاوى و الرجال و الملاذ و كل ما يحتاجه في صراعه ضد الامريكيين ، و احيانا ، ضد بني جلدته من الشيعة انفسهم . حتى انه خسر اكثر من ثلاثمئة مقاتل في حربه ضد الامريكيين .

و الآن تجري في العراق مناورات سياسية بين المالكي و الزعماء السنة من جهة و بينه و بين الزعماء الشيعة من جهة اخرى ، كما و يتعرض من مضايقات ايران ، عبر مقتدى الصدر الذي يهدد حكومته ، بين الفترة و الفترة ، بالانسحاب منها ، مما يا قد يؤدي الى حل الحكومة . و المالكي محتار كيف سيوازن ما بين مطالب السنة و مطالب الشيعة و المطالب الامريكية التي اهم من الجميع . ولولاها لما كان هناك سلاح ولا تدريب للجيش و الشرطة ولا اجهزة ولا دعما ماليا ولا وعود بمساعدة العراق مستقبلا اذا قام المالكي بما عليه من واجبات .

باختصار ، قد قطع العراق الشوط الاول في طريقه الى الحضارة بعد ان سن القوانين الاساسية في تحوله الى عراق ديموقراطي حر و منارة للاشعاع في المنطقة . و قريبا يخرج المحتل و يبقى العراق بما انتج من تقدم حضاري . شرط ان يتفق العراقيون من سنة و شيعة على حكومة متوازنة تحفظ ماء وجه الطائفتين و تحفظ حقوق بقية الطوائف و القوى العراقية . لتبدا مرحلة ديموقراطية لا ديكتاتورية صدام فيها ، ولا فساد البعث العربي الاشتراكي ! :hi:

تحياتي .