المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشية "الانفجار الكبير"!



جواد البشيتي
14/07/2007, 02:58 PM
عشية "الانفجار الكبير"!

جواد البشيتي

أنتَ إنْ بقيتَ مُتَّ، وإنْ خَرَجْتَ مُتَّ، فما الحل؟ هذه هي حال الولايات المتحدة، وليس إدارة الرئيس بوش فحسب، في العراق، وهذا هو السؤال.. "السؤال ـ المعضلة"، الذي يسأله الطرفان ("الجمهوريون الحاكمون" و"الديمقراطيون المعارضون") على مدار الساعة؛ ولكن من غير أن يُوفَّقا، أو يوفَّق أحدهما، في إجابته بما يحل "المعضلة"، التي تختلف عن "المشكلة" لجهة "حلِّها"، أو لجهة "عواقب حلِّها"، في أنَّها تَعْدِل "المغامرة غير المحسوبة العواقب"، وفي أنَّ "النجاح" إذا ما تحقَّق (عبر تلك المغامرة) لن يكون إلا مر المذاق، وكأنَّه صنو "الفشل". وإلى أن تملك الولايات المتحدة ما يكفي من "جرأة المغامرة (غير المحسوبة العواقب)" يستمر الطرفان في المفاضلة بين ثمنين غاليين: "ثمن البقاء" و"ثمن الرحيل".

الرئيس بوش ـ الذي ليس لديه ما يخسره شخصيا إنْ هو ظلَّ بوش الذي نَعْرِف أو أصبح شمشون؛ لأنْ لا سبب يدعوه إلى المزاوجة بين مغادرته الوشيكة والنهائية للبيت الأبيض ومغادرة الولايات المتحدة لجهنَّم العراقية ـ مع مَنْ بقي معه من فريقه الحاكم ومن حزبه، مُصِرٌّ على البقاء، ولو كان بقاءً لا يُبقي للولايات المتحدة شيئا من مقوِّمات البقاء عراقيا وإقليميا، ويُظْهِر استمساكا لا نظير له بالمبدأ الأوَّل لـ "الحماقة السياسية".. مبدأ أنَّ الفشل يمكن أن يغدو نجاحا إذا ما خُضَّتَ التجربة ذاتها غير مرَّة. وحتى لا يقال إنَّ حماقته يعوزها الدليل جاء بنفسه بالدليل إذ قال وهو قاب قوسين أو أدنى من بدء "السقوط المتسارِع" إنَّ "الارتفاع"، أي النصر أو كسب الحرب في العراق، ما زال ممكنا!

أمَّا إذا سعى خصومه من "الديمقراطيين"، المجتذِبين إليهم مزيدا من "الجمهوريين" الذين يتوفَّرون على أن يستجمعوا لأنفسهم أسباب الفوز الانتخابي، في تعداد وتبيان وشرح أوجه الفشل، الذي تضاعفه سياسة "الإصرار على البقاء"، فإنَّ الرئيس بوش يشرع يُحَدِّثهم عن الكوارث والمصائب التي ستَحْضُر لا محالة إذا ما أخذ بخيارهم.. "خيار المغادرة" بدءاً من الأوَّل من نيسان المقبل، أي من يوم "كذبة نيسان". هُم يُحدِّثونه عن "شرور البقاء"، وهو يُحِدِّثهم عن "شرور الرحيل".

وحتى يَكْفوا أنفسهم شرَّ المفاضلة التي يفضِّلون فيها "شرور الرحيل" على "شرور البقاء" دعوا إلى "رحيل" فيه جُلُّ معاني "البقاء"، فجزء كبير من الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق يمكن ويجب أن يبقى بعد "الرحيل المُتَدَرِّج" من أجل "الدفاع عن الحدود"، و"محاربة الإرهاب"، و"تدريب وتسليح الجيش العراقي"، وكأنَّ "الرحيل" الذي يدعو إليه "الديمقراطيون"، والذي سيَلْتَزِمه الرئيس المقبل إذا ما كان "ديمقراطيا"، هو الذي بموجبه يعود الجزء الأكبر من "المارينز" إلى الوطن، ليبقى جزء كبير منهم في العراق على أن يرحل هؤلاء من العراق، أي من حيث يدركهم الموت، إلى العراق،أي إلى حيث لا يدركهم الموت، فيغدو الموت عراقيا خالصا!

الرئيس بوش، وقبل أن يغادِر البيت الأبيض، قد يُصْدِر أمرا (لا يستعصي تبريره) لجيشه في العراق بأن يغادِر بغداد وغيرها من "مدن الموت"، ليُركِّز وجوده حيث "كثافة المخاطِر الأمنية الداخلية" أقلُّ بكثير. على أنَّ هذا إنْ حَدَث فلن يَحْدُث إلا بوصفه علامة على أنَّ ساعة ضرب إيران قد أزِفت.

كان العراق "مشكلة"، فسعى الرئيس بوش في حلِّها؛ ولكن بما يُوافِق مصالح وأهداف شخصية وفئوية ضيِّقة له ولِمَن رأى في الحرب خير تجارة، فكانت العاقبة أن تحوَّلت "المشكلة" إلى "معضلة"، لا حلَّ لها، إنْ حُلَّت، من غير أن يتمخَّض عن حلها مشكلات وأزمات ومعضلات جديدة وكثيرة.

لقد تخطَّى العراق، ومعه الولايات المتحدة، "نقطة اللا عودة"، ولم يبقَ من "انفراج واقعي" غير ذاك "الانفراج" الذي تصنعه سياسة "اشْتدِّي أزمة تنفرجي"!

"الأزمة العراقية"، أو "أزمة الولايات المتحدة في العراق"، يمكن أن تؤثِّر تأثيرا كبيرا وجليا في أزمات أخرى، بعضها إقليمي وبعضها دولي؛ ولكن ليس من أزمة يمكن أن يكون لها التأثير ذاته في تلك الأزمة.. حتى إحراز نجاح يُعْتَدُّ به في حل المشكلة الفلسطينية لن يُمكِّن الولايات المتحدة من أن تحل أزمتها في العراق بما يوافِق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، عراقيا وإقليميا ودوليا، أي بما يسمح لها بجعل وجودها فيه على مثال وجودها في كوريا الجنوبية أو اليابان.

وأحسب أنَّ إدارة الرئيس بوش تعي ذلك وتعلمه علم اليقين؛ ولو كانت تعلِّل نفسها بالوهم الذي كثير من الحكومات العربية تعلَّل نفسها به لرأيْناها تتوفَّر على بذل جهد حقيقي وجدِّي لحل المشكلة الفلسطينية ولو جاء الحل بما يُوافِق "الخريطة" و"الرؤية" "والوعد".
حتى مهادنتها لإيران في برنامجها النووي ولو انتهى إلى امتلاكها السلاح النووي أو القدرة على صنعه لن تجعل لها العراق في الهيئة التي أرادتها، ورغبت فيها، وجاهدت في سبيلها.

وإنَّ من الوهم بعينه أن يَظُنَّ أحد أنَّ أحدا في العالم على رحبه واتِّساعه يمكن أن ينجح في ما فشلت فيه الولايات المتحدة وهو "إنقاذ العراق بما يُنْقِذ المصالح والأهداف الاستراتيجية للقوَّة العظمى في العالم"، فهذه معجزة لا يَعْتَقِد بها إلا كل من استبدَّ به الشعور بالعجز، فلا الأمم المتحدة، ولا اجتماعات الدول المجاوِرة (وغير المجاورة) للعراق، ولا حتى اللقاءات الثنائية المباشِرة بين طهران وواشنطن، يمكن أن تُخْرِج العراق من الأزمة التي خلقتها له الولايات المتحدة، أو أن تُخْرِج الولايات المتحدة من الأزمة التي خلقها لها العراق، فهذا صراعٌ من النمط الذي فيه يتَّحِد الطرفان في شيء واحد فحسب هو السعي إلى أن يُمْعِن كلاهما في تدمير الآخر.. وفي جعل "الجنون السياسي والحربي" قائدا أوحد للصراع، الذي كلَّما اشتد وعنف طَلَبَ مزيدا من الصراع.. في أماكن أخرى، وفجَّر مزيدا من الأزمات في جواره، الجغرافي والسياسي.

"الأزمة" إنَّما هي في المقام الأوَّل "أزمة حلول"، فليس من حلٍّ لـ "الأزمة العراقية"، أو لـ "أزمة الولايات المتحدة (وغيرها) في العراق"، جُرِّب، أو يُراد تجريبه، إلا وكان من النمط الذي يُفجِّر أزمات أخرى، ويَصُبُّ مزيدا من الزيت على النار.

"الفوضى العامة العارمة"، والتي أشعلوا فتيلها إذ توهَّموا أنَّها ستكون "بنَّاءة"، أي تَهْدِم بما يسمح للقوَّة العظمى في العالم بأن تعيد بناء الشرق الأوسط بما يُوافِق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، والمشترَكة مع إسرائيل، لم تنتهِ بعد؛ لأنَّها لم تبدأ بعد، فالعقبات من طريقها ذُلِّلت وتُذلَّل الآن. وسوف نراها في وضوح عندما نرى من الوقائع الجديدة ما يَحْمِل إيران على أن تملأ فراغا هنا، وفراغا هناك، فتشتد الحاجة، بالتالي، إلى إنشاء وتطوير علاقة بين دولٍ عربية وإسرائيل تقوم على التضحية بالمبدأ الأوَّل للسلام والتطبيع.. مبدأ "الأرض في مقابل السلام"، فـ "الخطر المشترَك" أعظم من أن يُسْمَح للاستمساك العربي بهذا المبدأ بأنْ يظل عقبة كبرى في طريق التعاون في مواجهته، وإنْ احتاج الأمر إلى بعض من "الحلول" التي تشبه ذرَّ الرماد في العيون، وتُحرِّر الأيادي من بعضٍ من قيود الألسنة.

اليوم كانت الخشية أن تكون "إيران الرسمية" قد كشفت عن بعضٍ من نيَّاتها الحقيقية عبر تلك "المقالة (الإيرانية) الصحافية" التي قال كاتبها، الذي لا ينطق عن الهوى، إنَّ البحرين محافظة من محافظات إيران الشيعية، وإنَّ البحرينيين يطالبون بعودة الجزيرة إلى "وطنها الأم". أمَّا غدا، أي عندما يتأكَّد أكثر عجز الولايات المتحدة عن أن تكون أقوى من حكومة المالكي في العراق، فقد يصبح السيف أصدق إنباءً من الصُحُف!

في مقالة له، رأى الدكتور سليم الحص إذ نظر إلى الأمور بعينيِّ نظرية "المؤامرة"، أنَّ إدارة الرئيس بوش لم تفشل وإنَّما نجحت في العراق، فهو، أي الدكتور الحص، فهم "النتائج"، التي تمخَّضت، وتتمخَّض، عن الغزو والاحتلال والحرب على أنَّها "المكامِن" التي فيها تكمن "الأهداف الحقيقية".

إنَّني لا أشاطره هذا الرأي الذي يُفْرِط فيه في تفسير الأمور بما يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ السياسة لا تتضمَّن "المؤامرة"؛ ولكن تَعْدِلها، فالولايات المتحدة أخفقت استراتيجيا في العراق، وإنَّ خير دليل على ذلك هو أنَّ "النتائج" قد ذهبت بما توقَّعت واستهدفت؛ وعلينا، إذا ما أردنا لإخفاقها هذا أن يتحوَّل إلى هزيمة لها، مفيدة لنا، أن نفهم الأمور على هذا النحو، فالنظر إلى "النتائج" على أنَّها هي "الأهداف الحقيقية"، والنظر إلى "الأهداف الحقيقية"، ولو كان بعضها غير مُعْلَن، على أنَّها خداع للأبصار والبصائر، لا يفيد إلا في إخراج السياسة من عالمها الواقعي لإدخالها في عالم الغيب.

كل ما نراه ونعرفه الآن هو أنَّ الولايات المتحدة، بما تُمثِّله من مصالح وأهداف دَفَعَتْها إلى غزو العراق واحتلاله، توشِك أن تقع في فم هزيمة يشبه فم "الثقب الأسود"؛ وإذا كان من تحدٍّ حقيقي وتاريخي نواجهه الآن، أو من الآن وصاعدا، فهذا التحدِّي إنَّما هو أن لا نُهْزَم بهزيمتها، وأن نعرف كيف نصنع من هزيمتها التي لا ريب فيها نصرا لنا.

حتى الآن، لا نملك من "جواب الواقع" إلا ما يؤكِّد أنَّنا طلاب هزيمة في زمن يتحدَّانا أن نجرؤ على الانتصار، فالولايات المتحدة، بإخفاقها وهزيمتها الوشيكة، تَضَع في أيدينا مزيدا من أسباب الانتصار؛ ولكنَّ أيدينا تَعْمَل بما يُوافِق مصالح وأهداف كل عدوِّ لنا!

فيصل آورفــاي
14/07/2007, 05:29 PM
رائــع يا أستاذنا ، البشيتي . انها الفيزياء بعينها . انها فيزياء العبارة ، حيث تترابط الجمل حاملة الموضوع و الدلالة و المعنى و الهدف ، في سياق لا ثغرة فيه . ما كنت لاسمي اسلوبك في البيان باقل من الفيزياء اللغوية . و بغض النظر عن بعض التحفظ على امر أو اثنين ، فلا يسعني الا ان أقول : ليتني املك مثل تلك الفيزياء ! و اغبطك على تلك الموهبة .

اقتباس:
"الأزمة العراقية"، أو "أزمة الولايات المتحدة في العراق"، يمكن أن تؤثِّر تأثيرا كبيرا وجليا في أزمات أخرى، بعضها إقليمي وبعضها دولي؛ ولكن ليس من أزمة يمكن أن يكون لها التأثير ذاته في تلك الأزمة.. حتى إحراز نجاح يُعْتَدُّ به في حل المشكلة الفلسطينية لن يُمكِّن الولايات المتحدة من أن تحل أزمتها في العراق بما يوافِق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، عراقيا وإقليميا ودوليا، أي بما يسمح لها بجعل وجودها فيه على مثال وجودها في كوريا الجنوبية أو اليابان."

ما الرابط يا أستاذنا ، ما بين القضية الفلسطينية و القضية العراقية برأيكم ؟
و كيف يمكن للنجاح في القضية الفلسطينية ، ان يؤدي الى نجاح في المسألة العراقية ؟

فان رددت على السؤال المزدوج ، لك جزيل الشكر . و ان لم يتسع وقتك لذلك ، فنلتمس لك عذرا !

تحياتي . :good:

جواد البشيتي
15/07/2007, 11:29 AM
الأستاذ فيصل آورفاي
أشكركَ يا عزيزي على مشاعركَ الطيِّبة، وإنْ كانت كلمات الإطراء التي أسْمعتني إيَّاها قد جعلتني أشعر بالخجل.
بالنسبة إلى سؤالك المزدوج أقول: كلَّما دعت الولايات المتحدة الدول العربية، أو دولا عربية، إلى أن تحارِب إلى جانبها، وبما يعود بالنفع والفائدة على العدو القومي الأوَّل للعرب وهو إسرائيل، قالت تلك الدول إنَّها ترغب في ذلك، وتريده؛ ولكن بقاء المشكلة الفلسطينية بلا حلٍّ يُصَعِّب عليها التعاون، ومد يد العون والمساعدة للحليف الدول الاستراتيجي الأوَّل لإسرائيل في حروبه الإقليمية. وكثيرا ما سعت الولايات المتحدة في اجتذاب الدول العربية إلى حروبها التي ليس للعرب فيها من ناقة أو جَمَل عَبْر سياسة يطيب لها أن تدعوها سياسة "الإجماع الاستراتيجي"، والتي بموجبها تُبْذَل الجهود والمساعي توصُّلا إلى انفراج جزئي ومؤقَّت في الأزمة في العلاقة بين العرب وإسرائيل حتى يصبح ممكنا من الوجهة السياسية ـ الأخلاقية على الأقل الزج بالعرب في حروبها الإقليمية.
الآن، تحاول الدول العربية، أو بعضها، أن تُقْنِع إدارة الرئيس بوش بأنَّ إحراز نجاح في تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين سيُساعِد كثيرا في التهيئة لحلول للأزمة العراقية بما يوافِق المصالح والأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق، وعلى المستوى الإقليمي، وبما يسمح، بالتالي، بضرب إيران، عراقيا، وفي عقر دارها، فَجُلُّ ما تريده بعض الدول العربية هو أن تساعدها الولايات المتحدة في إقناع إسرائيل بجدوى وضرورة التوصُّل إلى حلٍّ ما للمشكلة الفلسطينية حتى تتمكَّن هي، وعلى خير وجه، من أن تتعاون معها، ومع إسرائيل "الجديدة"، في درء الخطر المشترَك الجديد، وهو إيران ببرنامجها النووي، وقوَّتها الإقليمية المتنامية، ونفوذها المتَّسِع عراقيا، والذي قد يمتد إلى الدول العربية المجاورة.
هذا هو "الرابط" في معناه الدبلوماسي والسياسي في الوقت الحاضر، والذي في سياق الجهود المبذولة لترجمته بوقائع معيَّنة يمكن ويجب إدراج الإقرار العربي الثاني لمبادرة السلام العربية. ولولا إسرائيل العصية على "الإقناع" لرجحت كفَّة الميل العربي إلى التعاون معها ومع الولايات المتحدة ضد إيران على كفَّة الميل العربي إلى الاحتفاظ بما بقي من عداء للدولة اليهودية. وإلى اللقاء.
أخوك
جواد البشيتي

فيصل آورفــاي
16/07/2007, 07:35 PM
من جهتي ، اعتقد بان العرب على حق في حذرهم من التعامل ، بشكل مفتوح ، مع الولايات المتحدة الامريكية ، فالقلب من اللوعات محروق .
على كل ،
شكرا لك ، استاذ جواد .
تحليل دقيق ، و قد اصبت فيه كبد الحقيقة .:good:

تحياتي .