المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغة مجموعات الدردشة



Prof. Ahmed Shafik Elkhatib
03/11/2006, 11:08 PM
فيما يلي ترجمتي للفصل الخامس من كتاب ديفيد كريستال، اللغة والإنترنت، مطبعة جامعة كيمبردج، الطبعة الثالثة، 2002.

5 لغة مجموعات الدردشة

يتيح الإنترنت للناس فرصة الانخراط في محادثة متعددة الأطراف على الخط، سواء أكان تزامنيا، في الوقت الحقيقي، أم غير تزامني، في وقت مؤجل (الفصل 1). ويشار إلى الحالات التي تُجرى فيها مثل هذه التفاعلات بطرق متعددة، تعكس جزئيا تلك الفترة في تاريخ الإنترنت التي اُدخلت خلالها، وجزئيا توجُّه المجموعة المشترِكة والموضوع الذي تتناوله، مثل مجموعات الدردشة، ومجموعات الأخبار، وغرف الدردشة، وقوائم البريد، وقوائم المناقشة، والمؤتمرات الإلكترونية، ولوحات الإعلانات. وفي هذا الكتاب، أستخدمُ مجموعات الدردشة مصطلحا عاما يشير إلى الخطاب الإلكتروني المتعدد الأغراض، سواء أكان يجري في الوقت الحقيقي أم لا. وهناك تداخل تقني مع استخدام البريد الإلكتروني: إذ إن قائمة البريد هي في الأساس عنوان بريد إلكتروني يعيد توجيه رسالة إلى مجموعة من العناوين الأخرى. كما أنه بإمكان أعضاء مجموعتي دردشة أن يرتبوا التواصل تواصلا شخصيا من خلال البريد الإلكتروني أو استخدام أية وسيلة أخرى لإرسال الرسائل. إلا أنه من وجهة نظر لغوية فإنه من المهم أن نفرق بين مجموعة الدردشة وحالة البريد الإلكتروني (الفصل4)، في أن الأخيرة تجري في شكلها النموذجي بين زوج من الأفراد المحددين (أو المؤسسات)، مع اقتصار تبادلات البريد غالبا على تبادل واحد، يتعلق بقضية محددة سبق التخطيط لها. أما مجموعات الدردشة، فإنها على النقيض من ذلك، تضم في شكلها النموذجي عدة أشخاص، مع كون تبادلات الرسائل مجهولة عادة، وتستمر إلى أجل غير مسمى، وتتناول مدى واسعا لا يمكن التنبؤ به من الموضوعات. وبالرغم من وجود عدة أوجه شبه لغوية بين الحالتين، فإن الملامح اللغوية والاستراتيجيات التي يستخدمها المشاركون في مجموعات الدردشة تختلف اختلافا بيِّنا عن تلك التي يوظفها مستخدمو البريد الإلكتروني.

وفي سياق غير متزامن، يدخل المستخدم "غرفة" دردشة وينضم إلى محادثة تجري في الوقت الحقيقي. وتُرسل الإسهامات الموقعة إلى حاسب آلي مركزي وتُدخَل إلى شاشة دائمة التغير جنبا إلى جنب مع إسهامات المشاركين الآخرين. ويرى أعضاء المجموعة وهم على الخط إسهاماتهم تظهر على الشاشة بعد أن يرسلوا بها ببرهة (بشرط أن تمضي جميع الأمور على ما يرام: انظر أدناه)، ويأملون في استجابة سريعة. أما في سياق غير متزامن، فإن التفاعلات تذهب أيضا إلى عنوان مركزي، غير أنها حينئذ تُخزَّن بصيغة ما، وتتاح لأعضاء المجموعة فقط بناء على طلب منهم، بحيث يتمكن الناس من اللحاق بالمناقشة، أو الإضافة إليها، في أي وقت – حتى بعد مضي وقت طويل. وليس مهما للأعضاء أن يروا إسهاماتهم وهي تصل، وردود الفعل السريعة تكون موضع ترحيب ولكنها ليست مفترضة. ومن بين الحالتين، فإن التفاعلات المتزامنة هي التي تتسبب في الابتكارات اللغوية الأكثر جذرية، كما سنرى، مؤثرة بذلك في الأمور الأساسية العديدة المتعارف عليها التي تميز التواصل المنطوق والمكتوب. ولذا فإنه من الأفضل أن نبدأ هذا الفصل بالنوع غير المتزامن، حيث يشبه العديد من التفاعلات إلى حد كبير تلك الموجودة في البريد الإلكتروني والأنواع الكتابية التقليدية مثل الخطاب أو المقال.





المجموعات غير المتزامنة


انتشرت مجموعات النقاش انتشارا ملحوظا إلى حد بعيد في التسعينيات من القرن العشرين إلى درجة أنه من الصعوبة بمكان أن نصدر أقوالا حولها تتسم بأي قدر من العمومية. فقد كان للمجموعة WELL (=Whole Earth 'Lectronic Link) [البئر = الرابط الإلكتروني للأرض بأسرها]، التي أُسست عام 1985، تضم أكثر من 260 مجموعة (يشار إليها باسم مؤتمرات) مع حلول منتصف عام 2000. والمجموعات التي تضمها يوسنت [شبكة الاستخدام] (والتي يُطلق عليها مجموعات الأخبار) متعددة الجوانب لدرجة أنها منظمة تنظيما هيكليا، مع وجود أكثر من 50 مجالا رئيسيا تتناول موضوعات مثل الترفيه، والعلم، والأعمال، والحوسبة، والأخبار. وعلى سبيل المثال، فقد كان مجال الترفيه في منتصف عام 2000 يتكون من أكثر من 300 مجموعة مخصصة لمجالات مثل الرسوم (وتمثلها 9 مجموعات)، والألعاب (51 مجموعة)، والحيوانات الأليفة (10 مجموعات)، والرياضة (19 مجموعة)، بالإضافة إلى مجالات أكثر تحديدا مثل المسدسات، والنبالة، واللعب بالكرات في الهواء، وأعمال الخشب. وكانت معظم هذه العناوين الرئيسية تضم مجموعات أصغر، تتناول جوانب أكثر تحديدا من الموضوع. وكان لستسيرف LISTSERVâ، الذي طُوِّر في عام 1986، نظام برمجيات للتعامل مع قوائم البريد الإلكترونية (وعدم وجود حرف الـ –e في نهاية الاسم يعكس اقتصار الحاسبات الآلية على ثمانية حروف في عملية التسمية في ذلك الوقت). وكان يتعامل مع 180000 قائمة بحلول أكتوبر 2000، من بينها 40000 متاحة للجميع. وفي ذلك التاريخ موضع البحث، كان هناك ما لا يقل عن 162 مجموعة مخصصة لموضوع "اللغة" و 44 لموضوع "علم اللغة". وإذا ما نظرنا إلى واحدة من هذه المجالات بمزيد من التفصيل، واسمها LINGUIST [اللغوي]، وهي قائمة متخصصة في علم اللغة أسست سنة 1990، فإننا نرى أنها كانت قد طورت 70 مؤتمرا بحلول أواخر عام 2000.

وتركز جميع المقدمات، وفقرات المساعدة، والأسئلة التي تثار كثيرا على تنوع الأسلوب والنغمة، وتنوع مجال التغطية والتناول، الذي يوجد فيما بين هذه المجموعات. "يكاد يكون من المستحيل التعميم بشأن جميع مواقع يوسنت تعميما يتجنب التفاهة"، هكذا يقول كاتب مقدمة تتناول تلك المنظومة، ويحذر كاتب في وِلْ (WELL) الملتحقين الجدد بالمؤتمرات التي تستخدمها لشرح المنظومة من ألا يفترضوا أن غيرها من المجموعات سوف تكون الشيء نفسه: "كل مؤتمر له أسلوب يميزه". وفي ضوء هذا التنوع، وفي ظل غياب بحوث مسحية مقارنة، فإن شرحا على سبيل التقديم لن يمكنه أن يفعل أكثر من أن يوضح نوع النشاط الذي يحدث، ويشير إلى تنوع المداخل الموجودة بالفعل، ويحدد بعض القضايا اللغوية التي تنشأ عن عمليات من هذا النوع.

وتتعدد أهداف مجموعة ما بقدر ما يمكن تصوره. وكثير منها يوجد نتيجة للاهتمام بموضوع معين، سواء أكان هواية أم تخصصا. كما توجد أخرى لمجرد الحديث أو ممارسة الألعاب. وعضوية مجموعة ما قد تكون أكاديمية، أو مهنية، أو حكومية، أو تجارية، أو اجتماعية. وكما يعلق كاتب وِلْ فإن "الأعضاء المنتظمين يدخلون دخولا متكررا لتقديم الخبرة، والجدل بشأن الأفكار، وممارسة الألعاب اللفظية، والانخراط في الهذر والثرثرة". وتعبر الأوصاف غير الرسمية عن هذا التنوع. ولقد وُصفت لستسيرف بأنها "مقهى متخيل"؛ كما وُصفت يوسنت بأنها "مهرجان، وحفل كوكتيل، واجتماع في مدينة، ومذكرات جمعية سرية، ودردشة في طرقات مؤتمر، وحفل شواء في ليل يوم جمعة، ودردشة ما بعد الجماع، والمحادثات التي تُسمع عَرَضا في قاعة انتظار بالمطار أسفرت عن صُحبة عابرة، ومجموعة من الأشياء الأخرى". وتسمح بعض النظم بوجود محتوى خارجي، مثل الإعلانات التجارية؛ في حين لا تسمح أخرى بذلك. وكلما كان الموضوع أكثر تخصصا، زاد احتمال أن يتسم بالتركيز – وتستخدم مجموعات جديدة مديرين للتأكد من أن المحادثة لا تبتعد عن الموضوع ابتعادا كبيرا (تخرج عن الموضوع). غير أن كم الهوية والمسئولية الممنوحة للمسهمين تختلف اختلافا هائلا. فبعضها يسمح بالعضوية المجهولة (انظر أدناه)، في حين تصر أخرى على أن تستخدم الأسماء الحقيقية. ولكن جميعها تركز على حرية التعبير الموجودة في الحالة، في حين تقوم في الوقت نفسه بتحذير المستخدمين من الاستخدام غير الحذر لتلك الحرية. ويؤكد القول المأثور في وِلْ، وهو (YOYOW) “You Own Yow Own Wods” ["أنت تملك كلماتك (أ ت ك)] على الحرية الشخصية، ويجذب الانتباه إلى الحاجة إلى "الاحترام المتبادل والتعاون" (راجع مبادئ جرايس، ص 42).

وتعمل جميع الأنظمة بالطريقة نفسها تقريبا. ويتيح التنظيم عددا من الخيارات للمجموعة – مثل ذلك العدد من مجموعات الأخبار على اليوسنت – التي يمكن أن يلتحق بها الأفراد الذين لديهم البرامجيات المناسبة. ثم يرسل (يعلق) الأعضاء إسهاماتهم (مقالات، ورسائل، وتعليقات) للمجموعة، ويتيح النظام هذه لجميع العناوين التي يضمها، والتي يمكن أن يكون بعضها شبكات أخرى من العناوين. وقد تُحفظ الرسائل في ملفات لكي تُقرأ أو يُبحث فيها (المحفوظات، والكراسات، والمدخلات، والمؤتمرات) وتصنف بدرجات متفاوتة من التفصيل فيما يتعلق بالتاريخ، والموضوع، والمؤلف، إلخ. وتقع مسئولية إدارة كل مجموعة، أو مهمة محددة في نطاق كل مجموعة، في يد شخص فرد أو فريق صغير، تشير إليه مسميات الأدوار بوصفه صاحب القائمة، أو المحرر، أو ناظر البريد، أو القائم، أو المدير. وهناك نظم مختلفة تُعرف باستخدامها لواحدة أو أخرى من هذه المسميات، وكثيرا لأكثر من واحدة؛ وعلى سبيل المثال، فإن الشخص الذي يمتلك قائمة ويعرف مضمونها قد يسمى تسمية مختلفة عن الشخص الذي يقوم على أمور القائمة حاسوبيا. وفي هذا الكتاب أستخدمُ كلمة المدير بوصفه مصطلحا عاما سهل التناول للدلالة على أي شخص له تأثير إداري في عمل مجموعة ما. ويمارس المديرون أحجاما متنوعة من السلطة – مثل تحديد ما إذا كانت رسالة مناسبة أو مؤذية للشعور. وللعديد من المجموعات مديرون تقتصر سلطتهم على السماح لرسالة بالظهور من عدمه (ويقع مضيفو وِلْ ضمن هذه الفئة). وتسمح مجموعات أخرى لمديريها بسلطات التحرير والمنع، مما يمكِّنهم من تقصير رسالة مبالغ في طولها، أو حذف البذاءات، والبريد غير المرغوب فيه (ص 46)، والغاضب (ص 47)، والإعلانات غير المصرح بها، وغيرها من المواد غير المرغوب فيها. وتظهر إلى الوجود مسائل الرقابة والذوق حتما، في مثل هذه السياقات، كما تشيع "نقاشات حول النقاشات" فيما يتعلق بدور المدير. وفي جميع الحالات، فإن المديرين ينتمون إلى مجموعات فردية داخل نظام ما. وليس هناك "مدير خارق للعادة" لمنظومة مجموعات الدردشة بكاملها، وليس هناك "أخ أكبر" يراقب – بتعاطف أو بغيره – منظومة مجموعات الدردشة على الإنترنت بكامله، بغض النظر عن الشكوك الشائعة التي تشير إلى العكس.

ويمكن لكثير من الحاسبات مقدمة الخدمة نشر رسالة ما بسرعة كبيرة جدا، خلال دقيقة أو نحو ذلك؛ وسوف يكون أمرا غير معتاد إن تجاوز التأخر نصف ساعة، وإن كان هذا – كما هي الحال دائما – يتوقف على عوامل مثل نظام الحاسب الآلي المستخدم والمنطقة من العالم التي ترسل الرسالة إليها (ارجع إلى ص 28). ونظرا لأن الرسائل يمكن أن تصل في أي وقت، وقد لا يريد المستخدمون أن يقرأوها بمجرد وصولها، فإن بعض الأنظمة (مثل لستسيرف) تتيح ملخصا لجميع الرسائل التي جرى تلقيها خلال فترة زمنية محددة، والتي يمكن الوصول إليها مرة واحدة في مرحلة تالية. وربما يتاح فهرس للرسائل المتلقاة في فترة ما، يمكن للمستخدمين أن يلقوا نظرة عليها قبل أن يقرروا ماذا يقرأون منها. كما قد تُخزن ملفات أخرى لكي يرجع إليها أعضاء المجموعة، مثل محاضر الاجتماعات، ومقالات المجلات، والأجندات، والبحوث الأكاديمية. غير أنه من المهم أن نأخذ في حسباننا أن بعض نظم البريد لا تقبل رسائل كبيرة الحجم جدا أو ملخصات رسائل (مثلا أكبر من 64 كيلوبايت أو 100 كيلوبايت). ولذا فإن القيود على الطول المفروضة تكنولوجيا تعد عنصرا مهما يؤثر في السمة اللغوية لرسائل مجموعات الدردشة، بالإضافة إلى الضغوط العملية للأفراد لكي يجعلوا إسهاماتهم قصيرة نسبيا. ومن غير المحتمل أن تكون مجموعات الدردشة مجالا نجد فيه أحاديث فردية مطولة أو محاورات متوازنة – خطبا، ومحاضرات، عروضا تقديمية تجارية، ومناظرات رسمية، أو نحو ذلك، أو، لو عبرنا عن هذا بطريقة أخرى، فإنه سيكون غير مجدٍ لأي شخص أن يحاول أن يستخدم بهذه الكيفية وسيطا مصمما لإثارة رسائل قصيرة وقبولها. وربما كانت هذه النقطة واضحة، غير أنها ملمح لغوي مميز لحالة مجموعة الدردشة.

والطبيعة غير المتزامنة للتفاعل هي صلب الموضوع. إذ إن الإسهامات الفردية لمجموعة تُحفظ وتوزع بمجرد وصولها، وهذا يمكن أن يكون في أي وقت وبأي فاصل زمني. وفي إحدى المجموعات، لاحظتُ أن إسهامات عديدة كانت تصل يوميا؛ وفي أخرى، كان هناك أكثر من مائة رسالة موجودة، ولكنها موزعة على مدار عام؛ وفي ثالثة، كانت المجموعة لم تتلق إسهامات لعدة سنوات (ولهذا، فإنني أظن أنها قد توقفت). وكل مسهم يترك "بصمة" لغوية، بمعنى أن ما يقال له تأثير عملي دائم. وفي التواصل وجها لوجه، فإن الأمر المعتاد هو أن التأثيرات العملية عاجلة ومباشرة. أما في قائمة غير متزامنة، فإن تأثير إسهام ما يُحفظ إلى فترة زمنية غير محددة – بما يشبه الطريقة نفسها التي يمكن أن يعاد فيها بث مقابلة شخصية مرات غير محدودة طالما كان هناك اهتمام بها. ومن التقنيات المعتادة إحراج أحد السياسيين، مثلا، عن طريق إعادة إذاعة كلماته بعد سنوات من التصريح بها. غير أن الأمر لا يقتصر على السياسيين. إذ أي منا، في المحادثة اليومية، لم يصادف موقفا بارك فيه حقيقة أن أقوالنا لا تُسجَّل علينا لكي تستخدم دليلا فيما بعد؟ ومع ذلك، فإن هذا هو بالضبط الموقف الذي يحدث في مجموعات الدردشة غير المتزامنة، حيث ندون كل شيء بأنفسنا، باستخدام لوحات مفاتيحنا. وربما تأتي محادثاتنا الإلكترونية الفردية إلى نهايتها، ولكن النص يبقى. ولذا فإنه لا ينبغي أن نندهش إذا ما استخدم شخص، في وقت من الأوقات – حتى بعد سنوات – ما قلناه بطريقة لم نقصدها، أو يقتبس كلامنا خارج السياق. ويحذر مديرو المجموعات مرارا وتكرارا أعضاءهم من التأثير طويل المدى لإسهاماتهم. وكما يقول موقع وِلْ:



تذكر أن الكلمات التي تُدخلها في فورة من العاطفة الملهمة أو الغضب الساخط سوف تبقى

لك (وللجميع) لتقرأها بعد أن تكون مشاعرك الحادة قد ذهبت. وليس المقصود من هذا

هو عدم التشجيع على التلقائية والتعبير عن المشاعر على موقع وِلْ، ولكن لمجرد تذكيرك

بالوجود والتأثير الطويل المدى لما تكتبه.



وهذا يدفع الموقف إلى مدى أبعد كثيرا في اتجاه اللغة المكتوبة، كما نصادفها في المقالات، والكتب، وغيرها من الأدبيات "الدائمة". وهناك استقلالية للنص بمجرد إرساله، تشبه كثيرا تلك التي نصادفها في كتاب. وفي حقيقة الأمر, فإننا إذا نظرنا إلى قائمة الموضوعات داخل مجموعة معينة بعناوينها الرئيسية والفرعية، سنجد تشابها ملحوظا مع تقسيمات الكتاب التقليدية. ولقد وجد بويد ديفيز، وجيتون بروار، بعد أن انتهى المؤتمر الطلابي الذي درسوه، أنه أصبح يُقرأ قراءة مختلفة: "إذ إن الموضوعات تصبح فصولا، حتى في النص المطبوع".

ومن المؤكد أن ردود أفعال المشاركين في الدراسة التي أجراها ديفيز، وبروار مشوقة لسبب آخر، وهو ما يوحي به هذا الاقتباس الآخر:



نسي الطلاب كيف يقرأون النص كاملا لكي يجدوا مداخلاتهم، وعندما قُدِّم النص المطبوع

للمؤتمر كاملا لإحدى المجموعات، أصيبوا بحيرة لحظية إلى أن تمكنوا من بسطه عبر

المكان واستعادوا الإحساس بالتواصل الذي كان لديهم عندما كانوا جزءا من المؤتمر. إذ

أن قراءة الأشياء بعد أوانها يتطلب توجها نحو الموضوع ليس دائما متتابعا ويمكن

أن يجمعها وحدة الموضوع عبر الزمن والمكان.



والطبيعة غير الخطية للتفاعل يجري إبرازها هنا، وهذا كما سنرى تترتب عليه جميع أنواع النتائج اللغوية. وبالضبط كما نستطيع أن "نغطس" في كتاب، فإنه بإمكاننا أن نغطس في مجموعة. وعندما نلتحق بمجموعة ما، فإننا يمكن أن نستدعى موضوعا حديثا أو بعيدا، ثم نبدأ بأحدث الرسائل، أو نعود إلى تلك التي أُرسلت منذ أيام، أو شهور، أو حتى سنوات مضت. وليست هناك نقطة بداية تاريخية معينة. وتصنَّف الموضوعات وفقا للأمر الذي تتناوله أو وفقا للمؤلف داخل الأدلة وداخل أحد الموضوعات، وهناك إحساس أقوى بالخطية التاريخية، نظرا لأن الرسائل تُنظَّم بالترتيب الذي تلقاه الحاسب الخادم بها. إلا أن هذه خطية في التقديم فقط، ولا يترتب عليها نتائج فيما يتعلق بالتواصل: إذ ليس هناك ضمان أن المرسل هـ في رده على الرسالة أ قد قرأ أيا من الرسائل ب، ج، د التي ربما تكون قد أُرسلت إلى المجموعة في الوقت الفاصل. وبالفعل، فإن هـ لا يعرف ما إذا كان أ سوف يقرأ رد هـ – أو ما إذا كان أي شخص آخر سيفعل ذلك على الإطلاق. إذ ربما يكون أ قد أنهى دخوله على الحاسب قبيل الوقت الذي رد فيه هـ. ومن الممكن دائما أن حفنة من الرسائل الأخرى ربما تصل (وربما تأخذ الموضوع في اتجاه مختلف)، بحيث إنه عندما يدخل أعلى الحاسب في المرة التالية، فإن رسالة هـ ربما تكون قد بعدت كثيرا جدا في الصف بحيث لا يمكن ملاحظتها. ونظرا لأنه ليس هناك التزام على هـ أن يرد، أو توقُّع من جانب أ أن هـ سوف يرد، فإن أ قد لا يبحث عن الرد. ووقت الناس محدود: فقد وجد ديفيز، وبروار على أساس الدليل الداخلي في مادة بحثهم (الكيفية التي يشير بها المرسِلون إلى الرسائل السابقة)، أن أعضاء مؤتمرهم يقرأون في المتوسط ما بين خمس وسبع رسائل أخرى قبل أن يبعثوا برسالتهم.

وإزاء نقاط الدخول العشوائية، والتجمع المستمر للموضوعات، فإن الفهرسة الكافية للرسائل في مجموعة دردشة غير متزامنة تعد أمرا حرجا. إذ إن هناك حاجة إلى الانتباه إلى كلا التغطية (مدى المادة المفهرسة) والمعالجة (كيفية تقديم المعلومات المفهرسة). وسوف يكون الفهرس الألفبائي التقليدي لمحتوى رسائل المجموعة مفيدا جزئيا – إذ إنه سيكون مفيدا فيما يتعلق بأسماء المسهمين، مثلا – ولكن المحتوى الخاص بالموضوعات يحتاج إلى مدخل موضوعي، بحيث يمكن تحديد الرسائل المرتبطة دلاليا (الخيوط). والقراء (كما يوضح مثال المؤتمر الطلابي) بحاجة إلى أن يزوَّدوا بـ "خريطة" لبنية رسائل المجموعة، عندما يدخلون إليها. أما الطلاب، فقد عولجت بياناتهم باستخدام برنامج إدارة المؤتمر المسمى فاكسنوتس (فاكس = الحاسب الآلي الصغير الخاص بامتداد العنوان المتخيل)، مع إعطاء كل رسالة رقما، وتاريخا، وعنوانا لموضوعها، ورقما للملف الذي يحتوي عليها؛ وعلى سبيل المثال فإن 3.16 هو الرد رقم 16 على الموضوع رقم 3. وقد وُصف المدخل المطلوب بأنه "طبوغرافي" – "كتابة ذات أماكن، وموضوعات تتحقق مكانيا". والمفهوم الدلالي الحاكم هو العنوان المخصص لموضوع الرسالة. وعلى حد قول ديفيز، وبروار، فإن العناوين تمكننا من أن نقرأ "خريطة" المؤتمر كما لو كنا نعيش على الأرض التي يجري عليها"؛ وهي تعطينا مرشدا لـ "طوبوغرافيا المؤتمر". وهي تشبه بطرق كثيرة "موضوعات" البريد الإلكتروني، وتعمل في ظل قيود شبيهة (ص 89). وإذا كانت غامضة أكثر مما يجب فإنها تكون عديمة الفائدة. وإذا ما عُدِّلت، فإنه يصبح من الصعب تتبع موضوعات الرسائل.

وتتزايد خيوط العناوين في العدد كلما اتسع موضوع المؤتمر. فلو أنني قررت إنشاء مجموعة تسمى "تأثير الهامستر* في نظرية التجليد" فإن أولئك الذين يرون مثل هذه المجموعة ويقررون الالتحاق بها من المحتمل أن يكونوا أعضاء في جماعة مغلقة إلى حد بعيد، ومهتمين بذلك الموضوع المحدد تحديدا كبيرا، ولا يتوقعون أن يصادفوا موضوعات لا صلة لها بالموضوع في طريقهم. ومن المحتمل أن عددا صغيرا نسبيا من الخيوط سوف يُصادَف (وإن كان المرء لا يعرف أبدا). ومن ناحية أخرى فلو أنني أنشأت مجموعة اسمها "اللغة في العالم الحديث" فإنه بإمكاني أن أتوقع مدى هائلا من الموضوعات، من شأنه أن يولِّد عددا ضخما من خيوط الموضوعات المختلفة بمرور الوقت. ومن المحتمل أن مجموعة خاصة بإحدى الكليات اسمها "أفكار للمشروعات" أو "ردود فعل على المادة الدراسية رقم 300" سوف تولِّد ردود أفعال أكثر تنوعا. وتفعل العناوين أكثر بكثير من مجرد تحديد موضوع معين، إذ إنها كثيرا - وبالقدر نفسه - ما تعبر عن مقصد الكاتب، وموقفه، ووجهة نظره. ولذا، فإنه جنبا إلى جنب مع عناوين المحتوى المحددة، والتي يمكن أن تكون أي شئ بدءا من Aardvarks (خنزير الأرض* وحتى"Zarathustra revstited " (إعادة فحص زاراثوسترا)، فإننا نجد الآتي (مأخوذة من تشكيلة من المجموعات، ولكن الخمسة الأولى مأخوذة من ديفيز، وبروار):



رد فعل من الأعماق

تهويمات

رد كالا

رد على كانديس

رد كالا على بيتر

مشروع بحثي، استمروا في مناقشته

هل مازلت عضوا في هذه القائمة؟

هذا صحيح

نعم، سؤال وجيه

اعتذار سريع

سؤال سريع

أوافقك، يا جف

والمقارنة بأسلوب الصحف تفرض نفسها – وبخاصة تلك التي تستخدم عناوين مثل "نحن نوافق يا توني"، و "سؤال وجيه"، و "ردنا على الكولونيلات"، و "أمسكت بك". والعناوين المميزة لشخصية كاتبها والطريفة تجذب القارئ، وتزيد من احتمال قراءة مقالتهم المصاحبة للعنوان. وتنطبق النقطة نفسها على رسائل مجموعات الدردشة. إذ إنه إزاء التنافس الشديد على جذب القراء، فإن الرسالة ذات العنوان الجذاب هي التي تزداد فرصة اختيارها والرد عليها. وهذا فرق آخر مهم عن حالة الإنترنت. إذ إن كلا كتَّاب البريد الإلكتروني ومجموعات الدردشة يبحثون عن الاستجابات، ولكن في حين يندهش كاتب البريد الإلكتروني إذا لم يصله رد ("ألم تتلق رسالتي بالبريد الإلكتروني؟") فإن كاتب مجموعة الدردشة لا يزعجه دون وجه حق إذا أخفقت إحدى رسائله في اجتذاب رد فعل فردي. إذ إن إسهامات مجموعات الدردشة إسهامات في مناقشة جارية. والهدف منها هو التأثير في النقاش، وتصحيح سوء فهم، والتعبير عن الاتفاق، وتذكير الناس بأنك موجود، وأن "تُسمِع صوتك"، و"أن تعبر عن رأيك". فإذا ما اهتم أحد بالرد تحديدا فإن هذا تفضُّل منه. ولا يُأخذ عدم الرد بطريقة شخصية. وحتى في تلك الحالات التي يوجه فيها كاتب سؤالا محددا للمجموعة ("هل يعرف أي شخص أين يمكنني الحصول على … ؟ ")، فإن عدم وجود رد فعل ربما يعني فقط أنه لا أحد ممن قرأوا الرسالة يعرف. وليس هناك إحساس بالمسئولية الشخصية هنا – على العكس من ذلك الموجود في حالة البريد الإلكتروني، حيث سنستجيب بـ "لا" لمثل هذا السؤال، إذا كنا لا نعرف، بل ونعتذر عن التأخر في إرسال "لا" إذا لم نرد بسرعة.

والضغط الذي نستشعره من أجل التتبع العملي لخريطة الطريق الذي سلكته رسالة ما يعني أنه، حتى في المجموعات التي يُحتمل أن تكون فيها العناوين متسمة بشخصية كاتبها والمعالجة الطريفة، فإن صيغا معينة تتكرر في العناوين، مركِّزة على محتوى النقاش. وتضم الأمثلة:

رد / استجابة / رد فعل بخصوص س (حيث س هو كاتب الموضوع)

بخصوص: س

إلى س

أتفق مع س

أختلف مع س

إلحاقا بـ 6.16



وهذا المثال الأخير، الذي يشير إلى رقم رسالة سابقة، ينشأ لأن هذا المرسِل كان مدركا للبعد الزمني الذي فصل بين رسالته والرسالة التي يرد عليها. وهنا نجد اهتماما بالحفاظ على خيط الرسالة مستمرا. وبطبيعة الحال فإن التعاون لا يصدر عن الجميع. ويبدو أن بعض المرسِلين يكترثون قليلا بوضعية إسهامهم لدرجة أنهم قد لا يبالون بوضع عنوان لرسالتهم على الإطلاق – والتي تبعا لذلك تظهر بصيغة <لا عنوان>. ولكن أغلب المسهمين يتسمون بقدر أكبر من المبالاة بتفاعلاتهم. إذ يريدون من الآخرين أن يقرأوا رسالتهم. ولذا فإن العنوان الواضح وغير المُلبس يعد أمرا حاسما، وسوف يضمن أن رسالتهم ذات صلة بالرسائل الأخرى في خيط ما. ويمثل هذا اختلافا مهما عن دور الموضوع في رسائل البريد الإلكتروني. إذ عندما يصل البريد الإلكتروني، فإنه من المحتمل إلى حد بعيد أنه سيُقرأ، أو على الأقل سيُفتَح، لا لشئ إلا لأنه هناك – وغالبا بدون انتباه خاص للسطر المحتوي على الموضوع. وهوية المرسِل دائما أكثر صلة بالموضوع من المحتوى؛ وحقيقةً، فإنه في معظم الأحوال يكون الشخص معروفا للمتلقي، ومن المتوقع للرسالة أن تكون شخصية وموجهة لفرد بعينه. والملاحظة الشائعة هي: "آه، فلان قد بعث برد" أو "هناك رسالة من فلان"، وليس "آه، هنا موضوع مشوق" أو "ذلك الموضوع قد أثير مرة أخرى". ويمكنك تجنب استخدام سطر الموضوع تجنبا مطلقا، وكثير من الناس يفعلون ذلك، أو (إزاء شعورهم بالالتزام بوضع شئ ما، لأن البرامجيات قد حثتهم على ذلك) يُدخلون شيئا فارغا، مثل "منوَّع" أو "رسالة". وهذا من شأن أن يمثل نفيا كاملا للذات في قائمة بريدية، حيث يكون الأشخاص الذين تضمهم القائمة لديهم الحافز لقراءة رسالة ما إذا أحسوا أن الموضوع ذو أهمية لهم. وفي مواقف مثل مؤتمرات قاعات الدرس، فإن الضغوط نفسها توجد. وفي هذه الحالات، فإن الوسيلة الوحيدة لدى المرسِلين لكي يؤثروا في الآخرين بحيث يقرأون رسائلهم هي من خلال عناوينهم.

ووجود عناصر شخصية وتفاعلية في العناوين يعني أنها تتخذ سمة التحية . ولا نتوقع لرسالة تبدأ بـ "رد على جف" أن تبدأ بعبارة "عزيزي جف"، أو " أهلا يا جف". إذ إن الرابطة قد عُقدت بالفعل. وعلى أية حال، فإن الرسالة ليست موجهة لجف وحده، بل هي للمجموعة بكاملها. وجف هو فقط الخطاف الذي نعلق عليه ردا معينا. وبالفعل، فإنه إذا دخل اسم شخص إلى عنوان، فإنه يصبح موضوعا في حد ذاته: إذ إن تتابعا كاملا من الرسائل ربما يتخذ عنوانا له "رد على جف". وربما يصبح جف في الوقت المناسب مصطلحا عاما: إذ إن رسالة عنوانها "المزيد عن جف" لا علاقة لها بجف كشخص، ولكن بمحتوى الرسالة التي بعث بها. وهكذا فإن طبيعة التفاعل الذي يجري بين شخص واحد وأشخاص عديدين تجعل من التحية الرسمية أمرا غير محتمل الحدوث. أما المستجدون في الالتحاق بالمجموعة، أو الأشخاص الذين يجددون الصلة بعد غياب، فإنهم قد يبدأون رسالتهم بعبارة من نوع "أهلا بكم جميعا"، خاصة إذا كانت المجموعة صغيرة ومغلقة في عضويتها (كما في مؤتمر قاعة درس). أما الأناس "العاديون" الذين يكتبون إلى شخصية بارزة (كما في حالة مجموعة أنشئت لمناقشة عمل معين، بإشراك الفنان أو المؤلف) غالبا ما يبدأون باسم الشخصية. وعندما تردُّ الشخصيات البارزة، فإنهم يميلون إلى تحية مخاطبيهم بالاسم، متناولين سلسلة من الرسائل مرة واحدة) بما يشبه كثيرا طريقة البريد الإلكتروني المؤطرة، ص 108). كما أن المعلمين في مؤتمرات قاعات الدرس يُعَدُّون شخصيات بارزة، في هذا المجال. ولكن معظم الكتَّاب يدخلون مباشرة إلى صلب رسالتهم بدون أية تحية.

ومن التقنيات الشائعة تقديم رسالة بإشارة صريحة إلى رسالة سابقة، عادة على شكل اقتباس منها أو إعادة صياغة لها، كما في هذه الجمل الافتتاحية:



(1) نحن جميعا ديمقراطيون في أعماقنا؟ لا أظن ذلك.

(2) لم أظن أبدا أنني سوف أسمع شخصا يتحدث عن سلطة الشعب، ليس في سنة 2000.

(3) > كنت أعيش في عالم مختلف. (قصَّ الكاتب هذه الجملة من رسالة سابقة.) أليست هذه

هي الحقيقة!

(4) بل بالأحـرى نتسـم بالحيـاة، كمـا أرى. (يشيـر الكاتـب إلى سـؤال ســابق: "هل نحن حـيـوانات؟ ")

والاقتباس الطويل أمر غير معتاد – وحقا فإنه غير ضروري، لأن الرسائل السابقة متاحة بسهولة بكاملها. وهناك اهتمام قليل بدقة الاستشهاد، واستخدام علامات الترقيم أمر غير معتاد. إذ إن روح الرسالة وليس نصها هو ما يُعدُّ ذا مغزى، ويمكن لصياغة سابقة أن يعاد تحويرها لتلائم الكاتب الجديد، كما في المثال الأخير أعلاه. وحتى عندما لا تبدأ الإسهامات بهذه الكيفية، فإن صلب الرسالة يحتوي على إعادة استخدام ذات مغزى للمفردات المهمة. فقد عاد ظهور كلمة ديموقراطي، المستخدمة في الجملة (1) في رسائل متتابعة عديدة أرسلها مشاركون مختلفون, إلى أن انتقلت المحادثة إلى موضوع آخر. ولقد وُجد أن التكرار الواسع المدى للمفردات (كلمات وعبارات) يمثل ملمحا أساسيا في مؤتمر الطلاب الذي درسه ديفيز، وبروار، على سبيل المثال، مما يوحي بأن الطريقة المفيدة لتحديد خيوط الموضوعات (أو الانتقالات إلى موضوعات أخرى) في هذا النوع من البيانات سوف يكون من خلال تتبع استخدام المفردات الفردية وعلاقات المعنى الخاصة بها (المفردات، والمضادات، والفرعيات، إلخ… ).

ومن وجهة نظر عملية (في مقابل دلالية)، فإن ماهو مشوق فيما يتعلق بالاقتباس هو أنه يؤدي وظيفتين. أولاهما، أنه يعبر عن وهم التقارب، وبذا يجعل التفاعل أكثر شبها بعالم المحادثة الحقيقي. وثانيتهما، أنه وسيلة أخرى لإثبات العضوية بالمجموعة . وبمعنى من المعاني، فإن الرجوع الصريح إلى محتوى سابق يؤدي بعض وظيفة التحية. وحقيقةً، فإن هذه الإستراتيجية شائعة بما فيه الكفاية في المحادثة وجها لوجه، حيث يمكننا أن نسمع الناس يبدأون محادثة عن طريق الاستشهاد بشئ من لقاءاتهم التواصلية السابقة. وعندما وصل شخص إلى محطة قطارات هوليهد قابله شخص ما وكان أول ما قاله "من ذا الذي لن يسافر أبدا في أيام الأحد مرة أخرى، إذن؟ " – وكان الأمر يتمثل في أن اليوم كان يوم أحد، وأن الشخص الذي قوبل كان من الواضح أنه أقسم، بتلك الكلمات، أنه لن يُقدم على تلك التجربة مرة أخرى. ثم جرى تبادل الحديث التالي، بناء على المعلومات المشتركة لدى المشاركين:



الزميل (مقدما إياي): أقدم لك ديفيد كريستال

الشخص الجديد: آه، موت اللغة.



وكانت الإشارة إلى دوري القصصي وليس المسبِّب في هذا الموضوع، وهذا ما يسعدني قوله، وكان كتابي حول ذلك الموضوع قد ظهر توا. وفي مثل هذا الظرف، أدى الاستشهاد دور التحية بالضبط، حينما رددت أنا بالعبارة العادية تماما "يسعدني أن ألتقي بك". وفي سياق ستوباردى*، يمكنني تخيل عدة سطور من حوار مسرحي يجري تناوله بهذه الكيفية.

والاقتباس ليس الطريقة الوحيدة التي تُربط بها رسائل مجموعات الدردشة، بطبيعة الحال. إذ نجد أيضا في الجمل الافتتاحية (ص 102) جميع أنواع الإشارة المتبادلة إلى ما سبق:



أداة جيدة أخرى هي …

آخر مرة جربتها فيها …

إنها تقوم بعمل جيد …

ربما يجب علىَّ أن أكون أكثر وضوحا ...



والترابط بين الجمل موجود، وبخاصة فيما بين الأعضاء الذين يتابعون الرسائل بكثرة لدرجة أن التفاعل يقترب من المتزامن (انظر أدناه):



أو يمكنك فحسب أن …

إلا أنك لا يمكنك …

وإنه من الأسهل أن ...



كما توجد تغذية راجعة عامة أو ردود أفعال تشير إلى ما سبق مستخدمة بوصفها جملا افتتاحية – "أيوه"، و "شكرا"، و "عجبا"، و "فكرة رائعة" – جنبا إلى جنب مع ملامح خطاب مثل "حسنا"، "أم م م م". وما يثير الدهشة، بطبيعة الحال، هو أن هذه الروابط الملتحمة قد تظهر في رسائل تفصلها فترات طويلة من الزمن. والانطباع هو دائما محادثة تتحرك بسرعة – إلى أن ننظر إلى العناوين، لنجد أن ز كتب رسالته في إبريل وأن ح كتبت رد فعلها في ديسمبر.

وهناك عدم توافق عملي مشوق يعمل في بعض مجموعات الدردشة. إذ إنها قد لا تقدم التحية، ولكنها تقدم خاتمة. وفي بعض مواقف قاعات الدرس، تنتهي جميع الرسائل تقريبا بعبارة توديع من نوع ما – عادة بالاسم فقط، ولكن كثيرا ما يسبقه صيغة ختامية، مثل "إلى اللقاء" أو "اعتنوا بأنفسكم"، أو بتعبير ينم عن الانتماء للمجموعة ("كل النفوذ لكل مَنْ اسمهم جف في هذا العالم"). وبالرغم من أن اسم المرسل واضح من العنوان أو من وجوده في الدليل، فإن هناك اتجاها قويا لإضافة توقيع شخصي، أحيانا مع كل الاختصار الذي نصادفه في رسائل البريد الإلكتروني (ص99). وهذا أقل احتمالا في مجموعة صغيرة، أو في واحدة ذات عضوية مغلقة (لم تكن التوقيعات أحد ملامح المادة العلمية التي درسها ديفيز، وبروار، على سبيل المثال). ولا يكاد أي من أعضاء المؤتمرات الموجودة في وِلْ المتاحة للجميع تنتهي بخاتمة رسمية، بالرغم من أن هناك التحية العَرَضية والإشارة إلى الاسم في منتصف الرسالة. ومن ناحية أخرى، في عينة من 200 إسهام شخصي من عدة مجموعات موجودة على قائمة LINGUIST [اللغوي] (باستثناء النشرات، والإعلانات عن المؤتمرات، والدعوة لتلقي بحوث، إلخ.) فإن أكثر من 90% انتهت بنوع من التوديع، يتراوح بين التحية العَرَضية "شكرا جزيلا" وتوقيع انتماء رسمي. وهناك قدر كبير من التنوع في الممارسة يوجد بوضوح.

إلا أن صلب رسالة في مجموعه دردشة، يتسم ببعض الملامح المميزة. وقد حددت سوزان هرنج عددا من الجزئيات الكبرى الوظيفية في مادة بحثها، وتوصلت إلى أن "المشاركين يهدفون إلى شكل مثالي للرسالة يتكون من ثلاث حركات وظيفية: مقدمة، وصلب رسالة ذي محتوى، وخاتمة". وداخل الصلب، وجدت أن ثلاثة عناصر أخرى موجودة دائمة: صلة برسالة سابقة، وتعبير عن وجهات النظر، وتوجُّه ناحية المشاركين الآخرين. وعلى هذا، فإن رسالة معيارية قد تكون كما يلي:



مقدمة: أمر طيب أن نرى أن الناس قلقون حول هذه القضية.

الصلب: الصلة: يعتقد سميث أن س هي القضية.

التعبير عن وجهة النظر: وأنا أوافقه.

التوجه: هل أنا وحدي في هذا التصور؟

الخاتمة: أتطلع لسماع المزيد حول هذا الأمر.



وهذه، جنبا إلى جنب مع تقاليد كتابة الرسائل من تحية وتوقيع، كوَّنت "وحدة تواصلية متوازنة".

ومما يميز رسائل مجموعة دردشة أيضا هو طولها، الذي يميل إلى أن يكون قصيرا. وفي حين رأيت إسهامات، وبخاصة في المناقشات الأكثر تعمقا للمجموعات المتخصصة، والتي تمتد إلى أكثر من 100 سطر – أو حتى تعيد إنتاج مقالات كاملة – فإن الغالبية العظمى قصيرة جدا بالفعل. وفي عينة مكونة من 113 رسالة – هي كل الإسهامات المرسلة لثلاث مجموعات على وِلْ (والتي تضم كل منها على الأقل 30 عضوا) كان متوسط طول الرسالة 5.3 أسطر؛ وكانت 20% من الرسائل تتكون من سطر واحد أو سطرين. وكان متوسط عدد الفقرات في الرسالة 45ر1؛ وكانت 70% تتكون من فقرة واحدة؛ في حين كان العدد الأقصى للفقرات 5، وهو ما حدث في 5 رسائل فقط. وبغض النظر عن الفجوات في الزمن الحقيقي الذي يفصل بين الرسائل، فإن الحوار يتقدم بسرعة للأمام، في إسهامات بليغة وجذابة. وفي مؤتمرات قاعات الدرس، كان الطول أكبر وهو أمر طبيعي، نظرا لأن الطلاب يطرحون ما لديهم أمام معلمهم وأقرانهم، وكثيرا ما يرد المعلم ردا مطولا. وحتى في هذه الحالة، فإنه في عينة من 50 رسالة من مناقشة بين أفراد المجموعة لإحدى الروايات في كليَّة بالولايات المتحدة، ومتاحة على الشبكة العنكبوتية، كان متوسط طول الرسالة 1.8 أسطر فقط، وكانت نصف الإسهامات تتكون من 6 أسطر أو أقل. وقد أنهى أحد الطلاب، وكان قد كتب رد فعل محَّمل متحمس من 30 سطرا (وهي أطول إسهام في العينة) رسالته باعتذار عن طولها.

والردود القصيرة هي أحد الملامح التي تمنح مجموعة دردشة إحساسا بمحادثة تتسم بالحركية. إلا أن كونها تميل إلى أن تكون متسقة في طولها يمثل بالفعل اختلافا عن المحادثة وجها لوجه، والذي لا يكون متوازنا بأي حال من الأحوال فيما يتعلق بأخذ الأدوار. إذ إن المحادثة اليومية منافسة دائمة على "من يأخذ فرصة الكلام"، وهي المنافسة التي تصبح أشد عندما يشترك مزيد من الناس في المحادثة. ويكتسب أخذ الأدوار في محادثة سمة غير متوازنة ولا يمكن التنبؤ بها، حيث يتوقف هذا على درجة الاهتمام بالموضوع، وشخصية المتحدث، وعوامل أخرى شبيهة. إذ إن تعليقا قصيرا من أ قد يجلب قصا مطولا من ب؛ أو ربما يُقطع سؤال موجه من ب إلى أ من قِبَل ج. وفي سيناريو مألوف، فإن عددا من الأشخاص يتداخلون في حديثهم أو يتكلمون في الوقت نفسه. ولا تنشأ هذه العوامل في مجموعات الدردشة غير المتزامنة، حيث تستحيل المقاطعات والتداخلات، ولا يمكن لأحد أن يعطي أحدا آخر فرصة الكلام.

وهناك ملمح آخر يشبه المحادثة هو عدم توقع الموضوع. إذ بالرغم من أن موضوعا معينا هو الدافع وراء رسالة ما، فليس ثمة ما يمنع الكاتب من إدخال موضوع جديد، أو زاوية أو إشارة جديدة إليه. ويستخدم ديفيز، وبروار استعارة من مجال علم الطيور للتعبير عن السلوك "الاحتشادي" لطلابهما، عندما "يهاجر" مجموعة من الكتَّاب إلى موضوع جديد. إلا أنه ليس هناك أي شيء في مجموعات الدردشة غير المتزامنة يشبه تماما عشوائية الموضوع في المحادثة وجها لوجه. وربما كانت حدة التركيز التي تتأتى من الالتحاق بمجموعة ما، أو ربما كان هذا شيئا له علاقة بعملية الطباعة أو الوقت المتاح للطابع، ولكن الغالبية العظمى من الرسائل التي رأيتها تظل ملتزمة بالموضوع التزاما يدعو إلى الدهشة. ويبدو أن الصلة بالموضوع (ص 42) تمثل دافعا قويا، يجتمع عليه جميع الأعضاء. فإذا ابتعد إسهام ما ابتعادا كبيرا عن موضوع المجموعة، فإن المدير (إن وجد) قد يتدخل، أو قد يعرب الأعضاء الآخرون عن انتقادهم. وفي يوسنت، على سبيل المثال، هناك التقليد ob- [=obligatory] [إجباري] الذي يوضع أمام كلمة لكي يوضح أن هناك محاولة لإعادة موضوع ما إلى مساره، بعد أن ابتعد في اتجاهات متعددة (مثل obpassports التي اُستخدمت بعد أن دخلت مناقشة حول جوازات السفر طرقا جانبية وتطرقت إلى موضوع الإجازات). والمشاركون ما هم إلا بشر، بطبيعة الحال، ولذا فإنهم يجدون أنفسهم يخرجون عن الموضوع، من حين إلى آخر، ولكنهم عادة يدركون هذا وغالبا ما يعتذرون عن الإقدام عليه. وقد حذف (خربش) أحد الكتَّاب رسالته إلى مجموعة ما، ثم أرسل مباشرة رسالة أخرى يعتذر فيها عن فعله هذا ويقدم تفسيرا – فقد كانت رسالته الأولى خارج الموضوع، لأنها كان مقصودا إرسالها لمجموعة أخرى، وشعر بالأسف لتشتيت أذهانهم. ومن الرحمة أن المديرين ليس لهم وجود في المحادثة اليومية، ولا يصحح المشاركون عادة مسار الخروج عن الموضوع أو الاعتذار عنه. فقد يقول قائل "هذا يذكِّرني …" ثم يغيِِّر اتجاه المحادثة، دون الإحساس بالخجل من الأمر أو المخاطرة بأن يُطلب منه مغادرة الغرفة. وبالرغم من أن المناقشة في مجموعات الدردشة تتسم ببنية أقل إحكاما بكثير مقارنة بكل التنويعات الأخرى من اللغة المكتوبة تقريبا، فإنها نادرا ما تصبح غير مركزة، ومشتتة، وغير متتابعة مثل المحادثة اليومية.

ومن الملامح الأخرى للمحادثة وجها لوجه التي نجدها في مجموعات الدردشة أن الأعضاء يتكيفون مع بعضهم. وبالرغم من أنهم يأتون من خلفيات مختلفة، ويكتبون بأساليب مختلفة كثيرة، فإن إسهاماتهم تتخذ باستمرار سمة لغوية مشتركة – وهو ما يرادف لهجة أو لكنة محلية. إذ يبدأ الجميع في استخدام أنماط معينة من التراكيب النحوية، أو العامية، أو المصطلحات المهنية، أو الاختصارات. وغالبا ما يكون هذا التكيف قصير العمر. إذ قد يتبنى عدة أعضاء تعبيرا معينا بوصفه تقليعة، ويُستخدم بكثافة لفترة من الزمن قبل أن يتلاشى – وإن كان من الممكن أن يصبح جزءا من الذاكرة الجمعية للمجموعة، ويجري إحياؤه من حين إلى آخر. ويمكن لخطأ هجائي أن يستدعي سلسلة من الهجاءات الخاطئة. ويمكن أن يوجَد نوع من التنافس، وبخاصة فيما بين أعضاء المجموعات الأصغر، حيث يحاول الأعضاء أن "يستهدف أحدهم الآخر"، ربما من خلال أخذ تورية استخدمها أحد الكتَّاب وصك توريات أخرى على غرارها، كما يحدث في حالات "التورية المتبادلة "* وجها لوجه. وقد وجد ديفيز، وبراور انتقالات في مجموعتهما الطلابية: إذ إن وسيلة جديدة (مثل استخدام طالب ملمحا معينا، مثل الخطاب المباشر) من شأنه أن يؤثر في الآخرين على امتداد نحو خمس إسهامات قبل أن يحدث تغيير.

ومن المحتمل أن عينة من الرسائل من أي مجموعة دردشة سوف تُظهر استخداما مشابها لملامح لغوية معينة. ويضفي الوسيط على الإسهام الشخصية والذاتية، ويترتب على هذا نتائج لغوية آنية: "الاستخدام الطاغي للضمير أنا؛ والكثرة التي استخدمت بها it [إنه] لتقديم تعليق شخصي (مثل إنه يبدو لي)؛ والاعتماد على أفعال ذاتية (مثل أعتقد، و أحس، و أعلم). كما حدَّدت هرنج أيضا أهمية هذه الملامح في مادتها العلمية، وذلك بعنوان "التعبير عن وجهات النظر"، وتشير أيضا إلى إنه يبدو لي، ضمن أشياء أخرى. وهناك ملمح مهم جدا هو استخدام كلا الأسئلة البلاغية والأسئلة الذيلية، للتعبير عن موقف شخصي وإضفاء تركيز أكبر على ما قاله الشخص توا. ومن الاستراتيجيات المعتادة إصدار جملة تقريرية ثم تساؤل كاتبها عنها بنفسه، كما في هذه الأمثلة:



… نحن لا نستطيع أن نتحمل ثمنها. هل أنا على صواب؟

… جهاز لكل طالب. هل س يعيش في هذا العالم؟

… سوف يعطي كل شخص مؤهلا. ما علاقة ذلك بالموضوع؟

… سوف يعني هذا أننا سوف تكون لنا جميعا وظائف. هل يمكن أن نصدق هذا؟

… هذه مجرد إضاعة للوقت، ألا تعتقد ذلك؟



ومن حين إلى آخر فقط يأخذ الأعضاء الآخرون مثل هذه الأسئلة حرفيا، ويجيبون مباشرة عنها.

ولغة الرسائل غير المتزامنة تتكون من خليط غريب من الخطاب غير الرسمي والمقالات، ومن الحوار الفردي المنطوق والحوار الثنائي. ويبحث الآخرون عن أوجه مقارنة:



لم يكن خطاب المؤتمر في مادتنا العلمية محادثة شفهية، ولا، كما هو معتاد، شرحا مخططا

ومراجعا. وبدلا من ذلك، إزاء صلته الوثيقة بالسياق وبنيته المرتجلة المعتمدة على لوحة

المفاتيح، كان أشبه بمحادثة متعددة الأطراف فيما بين غرباء في طريقهم لأنه يتعرفوا على

بعضهم.



وفي الوقت نفسه، فإنه تنقصه بعض من أكثر الخصائص أساسيةً التي تميز المحادثة، مثل أخذ الأدوار، والحديث، والمزاوجة بين الجمل (ص33). وإذا ما قرأنا خلال سجل مؤتمر، فإننا قد يأتينا الانطباع بأن مثل هذه السلوكيات لها وجود، غير أن هذه نتيجة خالصة للمادة العلمية. وعلى حد تعبير ديفيز، وبروار:



ليس هناك أخذ أدوار حقيقي في خطاب المؤتمر الإلكتروني. وبدلا من ذلك، هناك تبادل غير

متزامن للرسائل حول موضوع محدد … والمرسل ليس موجودا مع الطلاب الآخرين، ولكن

مع النصوص التي خلَّفها الطلاب.



وبالإضافة إلى ذلك, فإن هناك عنصرا من التوتر بين الدافع لأن تكون غير رسمي بشكل تلقائي والطبيعة (ونواحي القصور التكنولوجية) الخاصة بالوسيط. وأعضاء مجموعات الدردشة من ذوي الخبرة، الذين ألفوا برمجيات المجموعة، ويمتلكون أجهزة شخصية متقدمة، ولديهم وقت متاح لأن يكونوا مشاركين منتظمين، يمكنهم أن ينسوا أن كثيرا ممن يتطلعون إلى أن يصبحوا مشاركين في مجموعة دردشة لا تنطبق عليهم أي من هذه المعايير. إذ قد يتعاملون مع أجهزة لها إمكانات تحريرية محدودة جدا، مثلا، مما يؤدي إلى أن تتخذ رسائلهم طابع المسوَّدة، نظرا لصعوبة تصحيح الأخطاء. ولكن على كل شخص أن يتعلم كيف يتعايش مع بقاء البيانات، وقد أصبحت بياناتهم جزءا من مادة علمية تحتفظ بغير رحمة بكل النقائص التي يتصف بها نص لم يُخطَّط له أو يُحرَّر. فالأخطاء أو نواحي القصور في التعبير تبقى، من ناحية المبدأ، إلى الأبد. وحتى لو بث المرسل رسالة تالية يصحح فيها سوء فهم، فإنه ليس هناك ما يضمن أن القراء في المستقبل سوف يرونها.

وهذا فقط أحد المحاذير المتصلة بهذا الوسيط. أما المعلمون بالكليات الذين يطلبون تعليقات من طلابهم الذين يكوِّنون مجموعة دردشة، فإنهم سرعان ما يصادفون مشكلات أخرى. إذ تُوجَّه انتقادات عديدة لهذا الموقف غير المتزامن. وفي بادئ الأمر، فإن فكرة تلقي رسائل من عدد كبير من الناس لها وقع مشوق، غير أن تجربة تلقِّي طوفان من الرسائل حول نقطة نقاش محددة للفصل الدراسي يمكن أن تكون مزعجة. إذ إن ثلاثين أو أربعين قد تصل دفعة واحدة، ولا يبدو أن أيا من هذه الرسائل سوف يكون مختلفا عن الرسائل الأخرى. إذ من المحتمل أن يكون هناك قدر هائل من المكرر والعادي. إذ إن أربعين شخصا جميعهم يقولون إنهم أعجبهم" أو "لم يعجبهم" فصل في رواية سرعان ما يفقد هذا الأمر أي إلهام. وكل معلم يدرك الملل الذي يمكن أن يتسلل عندما يصحح عددا كبيرا من المقالات. وفي قاعة درس إلكتروني، يتوزع عنصر الملل على الجميع. وعلى حد قول أحد الطلاب: "لا أريد أن أعرف ما يعتقده كل واحد في فصلي كل أسبوع". غير أن المشكلة لا تكمن في قاعة الدرس، ولكن في الوسيط. إذ إن مجموعة الدردشة غير المتزامنة عبارة عن وسيط يشجع على التكرارية. ونظرا لأن الأعضاء لا يعرفون ماذا قاله الآخرون إلى أن تظهر رسائلهم على الشاشة، فإن تكرار الموضوعات يعد أمرا حتميا.

وعلى الجانب الآخر، فإن الفوائد التي نجنيها من الوسيط جديرة بأن نأخذها في الحسبان. وفي حالة قاعة الدرس، فإن كلا الطلاب والمعلمين يذكرون الفرصة التي يتيحها لتكافؤ الفرصة في المشاركة. إذ إن الطلاب الذين قد يتسمون بالتحفظ في قاعة درس حقيقية، أو الذين لا يجدون فرصة للإسهام هناك (ربما بسبب عدد الطلاب أو وجود زملاء يتسمون بقدرة لفظية عالية)، لديهم الآن فرصة متكافئة لكي يُسمعوا أصواتهم للآخرين – والعديد من هذه الأصوات سوف يكون لديها أشياء جديدة ومثيرة تقولها. ومثل هذه المجموعات تكون موضع تقدير أولئك الطلاب الذين لديهم ساعات محدودة أو غير منتظمة – ربما بسبب اضطراهم للعمل لكسب عيشهم حتى يتمكنوا من الالتحاق بالكلية – والذين تمثل المرونة الزمنية في التواصل نعمة من نعم الله. كما أن الموقف يساعدهم أيضا على أن يعرفوا الأعضاء الآخرين في فصلهم، وبخاصة إذا كان الفصل لا يلتقي كثيرا (واللقاءات الحقيقية غير المتكررة كثيرا تزيد من الحافز للانخراط في مجموعة دردشة). ولكن قبل كل شيء، فإن مؤتمر الفصل الدراسي يسهل تبادل الأفكار فيما بين جماعة تعمل على المستوى التعليمي نفسه – على العكس من التفاعلات بين المعلمين وغيرهم من الخبراء. وهذا هو العامل الذي تتصف به مجموعات الدردشة غير المتزامنة بعامة. إذ إن الناس يلتحقون بمجموعة لأنهم يعلمون أنهم يتحدثون إلى أقرانهم. ومن المفترض أنهم متساوون (سواء أكانوا كذلك في الحياة أم لا) وسوف يُنظر إليهم هكذا، على أساس من نوعية رسائلهم. وتبعا لذلك، فإن اللغة تصبح الوسيلة الرئيسية لإرساء العضوية في مجموعة والانتماء إليها، والاستمرار فيهما.

وعلى هذا، فإنه يبدو من المحتمل – بعد أن تُجرى بحوث وصفية مناسبة – أن مجموعات الدردشة غير المتزامنة سوف تحتل مكانا بوصفها تنويعة لغوية متميزة (ص 5). وبعض الكتَّاب، وقد أدركوا أننا نتعامل مع تكنولوجيا حديثة نسبيا، ليسوا متأكدين من هذه الحقيقة. وعلى سبيل المثال، فإن ديفيز، وبروار يصفان مؤتمر قاعة درسهم بأنه "أسلوب جيد في الخطاب الإلكتروني المكتوب، يتسم بأنه أكثر تعقيدا مما قد يتصوره المرء في البداية"، وفي نهاية دراستهما يشيران بحذر إلى أنه "على ما يبدو أسلوب يخرج إلى حيز الوجود". وينبع حذرهم أساسا من حقيقة أن المستخدمين في حالتهم – وهم طلاب منخرطون في مهمة محددة – كانوا قد اشتركوا لفترة زمنية قصيرة نسبيا، ومن ثم فقد كانت لديهم فرصة ضئيلة لتطوير نوع التقاليد اللغوية الجمعية التي من شأن أسلوب ما أن يتطلبها. إلا أن قدر التميز اللغوي المشترك الذي نشأ بالفعل بين طلابهم يعد أمرا يثير الإعجاب، كما أن وجود العديد من هذه الملامح في سياقات مجموعات غير متزامنة أخرى يمثل أمرا يقنعنا بوضعية هذه الوسيلة للتواصل الإلكتروني بوصفها تنويعة لغوية.





المجموعات المتزامنة


في مجموعة متزامنة، تحدث التفاعلات الإلكترونية في الزمن الحقيقي. ولكن هناك عدة طرق لتحقيق ذلك. وبعض الأنظمة مصممة لتسهيل التواصل بين مستخدمين اثنين فحسب؛ وأخرى فيما بين العديد من المستخدمين. وحديث يونكس مثال مبكر للنوع الأول. ويمكن أن يحدث تبادل حِواري للنص بين شخصين، أ، و ب: وعندما يوصَّل بينهما، باستخدام وصلة تليفونية عادية بين عنوانين إلكترونيين، فإن شاشة كل منهما تنقسم إلى نصف علوي ونصف سفلي. وكل شيء يطبعه أ يُعرض في الجزء الأعلى من شاشة أ والنصف السفلي من شاشة ب، والعكس. وتظهر الكلمات بمجرد طباعتها، حرفا حرفا. ويمكن للشخصين أن يطبعا في الوقت نفسه، بحيث يصل ما يكتبه أي منهما في الوقت ذاته. والتواصل خاص، مثل البريد الإلكتروني؛ وليس هناك مدير. وتتضمن تطورات يونكس ذات الصلة إمكانية يُطلق عليها اكتب، وهي تسمح لـ أ أن يرسل رسالة فورية إلى شخص متصل بالفعل بالإنترنت: ويحاط ب علما على الشاشة بأن شخصا يحاول التواصل معه. وهناك أيضا إمكانية اسمها Ytalk التي تتيح بعث رسائل تحدَّث إلى أكثر من شخص.

وتعد (Internet Relay Chat / IRC [الدردشة التتابعية على الإنترنت] المثال الرئيسي للنوع الثاني. وتسمح هذه لمستخدمين عاديين بأن يتواصلوا مع بعضهم في الوقت نفسه. إذ يتصلون بأحد الحاسبات مقدِّمة الخدمة الخاصة بالـ IRC [د ت إ] على شبكة محددة، ويلتحقون بإحدى القنوات (أو غرف الدردشة) المنعقدة هناك، والمخصص كل منها لموضوع معين ويسبقها رمز الشباك #. وبعضها يعرَّف باستخدام اسم الدولة* (مثل gb#)، وبعضها بالاهتمامات المشتركة ( مثل # الرياضة، # الشعر)، وبعضها بالمجموعة السنية (مثل # 41 سنة فأكثر)، أو باستخدام تكنولوجيا معينة (مثل # ماك، # الشبكة العنكبوتية العالمية). ولشبكة ضخمة، مثل إفنت Efnet، أو أندرنت Undenet، أو آي أر سي نت IRCnet، أو دالنت DALnet، آلاف القنوات، وعادة تربط بين عشرات الألوف من الناس، يجري التعرف على كل منهم في كل جلسة باسم مستعار (كُنية). كما توجد أيضا شبكات ذات حجم متوسط وأخرى محلية. ويمكن لأي مستخدم أن يبتدع قناة جديدة ويصبح المشغِّل الخاص بها (operator أو op)؛ وللمشغلين سلطة مطلقة على قناتهم، ويقررون من يلتحق أو من يُستبعد (يُحظر). ومثل (تحَّدث)، فإنها وسيط يعتمد على النص فقط. وعلى العكس من (تحَّدث) فإنها تستخدم كامل الشاشة، بالرغم من أن معظم النشاط التواصلي يحدث في الجزء العلوي. وأيضا على النقيض من (تحدَّث)، فإنها تتيح إما التواصل الخاص، بين شخصين فقط (وهما قد يكونان أو لا يكونان على القناة نفسها) أو التواصل العام (حيث يستطيع أي شخص على قناتك أن يرى ماذا تكتب). وقد يكون لها مدير أو لا يكون.

وكلا نوعي الدردشة المتزامنة يبتعد عن المبادئ التي تقوم عليها المحادثة وجها لوجه (انظر الفصل2). وكما هي الحال في المجموعات غير المتزامنة، فإن فكرة أخذ الأدوار والمفاهيم المتعلقة بها (مثل المقاطعة) يجري مرة أخرى تقويضها. وحتى في حالة الحديث بين شخص وآخر على (حديث يونيكس)، فإن الوضع ليس دائما أن أ ينتظر حتى ينتهي ب من طباعة رسالته قبل أن يرسل أ رده. وغالبا ما يكتب الجانبان في الوقت ذاته أو يكتبون كتابة متداخلة:



أ يرسل الرسالة 1

ب يبدأ في الرد على الرسالة 1

أ يرسل فكرة خطرت بباله لاحقا بخصوص الرسالة 1في حين يكون رد ب مازال يِرِدُ

أ يرد على رد ب

ب يرد على الفكرة الطارئة لـ أ

ب يبدأ نقطة أخرى

إلخ



وإذا أصبحت رسالة أ طويلة بأي حال من الأحوال، فإن ب قد يرد على الجزء الأول منها، غير منتظر حتى ينتهي أ من نقاطه الأخرى. ثم قد يختار أ أن يؤجل هذه النقاط، ويتناول ما قاله ب، أو يختار أن يتجاهل مداخلة ب ويواصل نقاطه. ثم قد ينظر أ إلى مداخلة ب ويرد عليها، جنبا إلى جنب مع أية مداخلات ربما يكون قد أجراها ب في الفترة الزمنية الفاصلة، وذلك دفعة واحدة. وهكذا تتقدم المحادثة، في خليط من التتابع، والتلقائية، والتداخل. وهذا شيء لم يكن ليستطيع أ أن يفعله في محادثة وجها لوجه، حيث إما تنجح المقاطعات أو يُقضي عليها، وحيث يكون الكلام المتداخل في حده الأدنى. والسيناريو الذي يتحدث فيه شخصان حديثا متوازيا ومطولا وفي الوقت ذاته يحتفظان فيه بفهم متبادل أمر لا يمكن تصوره. كما ينبغي أيضا أن نتذكر أن رسائل أ تكون في النصف العلوي من الشاشة ورسائل ب تحتها (أو العكس):



أ يرسل الرسالة 1

أ يرسل بفكرة خطرت بباله لاحقا بخصوص الرسالة 1 في حين أن رد ب ما زال يَرِدُ

أ يرد على رد ب



ب يبدأ في الرد على الرسالة 1

ب يرد على الفكرة الطارئة لـ أ

ب ينتقل إلى نقطة أخرى



ولذا فإنه يصبح من الصعب إلى أقصى حد اقتفاء أثر تتابع الأحداث التي يتكون منها التفاعل. وحتى في حالة ما إذا كان كل طرف ينتظر في امتثال حتى ينتهي الآخر قبل أن يرد هو، فإن الشاشة المقسومة لا تجعل هذا الأمر واضحا:



أ يرسل الرسالة 1

أ يرسل الرسالة 2

أ يرسل الرسالة 3



ب يرسل الرسالة 1

ب يرسل الرسالة 2

ب يرسل الرسالة 3



وليست هناك وسيلة، من خلال بيان بهذا التفاعل، لمعرفة ما إذا كانت الرسائل قد تناوبت بنظام، أو ما إذا كانت رسالتان من رسائل ب الثلاث قد أُرسلت بعد رسالة أ الثانية، أو ما إذا كان قد حدث تتابع مختلف.

وفي حالة التفاعل المتعدد الأطراف، فإن الموقف سرعان ما يمكن أن يصبح أكثر تشوشا إلى حد بعيد. إذ إنك تدخل مجوعة دردشة عند نقطة عشوائية، وأنت لا تدري كم من الآخرين مشتركون، ومَنْ هم، أو ماذا كانوا يتحدثون عنه. وربما وجدت نفسك في وسط محادثة مثل هذه (حيث تظهر كنية كل عضو في بداية السطر موضوعة بين قوسي زاوية):



<ألفين> ولم لا بحق الله؟

<رف نك> لأنه لا أحد يريد أن يشتري أيا منها

<لوبي> ربما اشتريت بعضها في وقت من الأوقات

<ألفين> آه ولكننا لسنا جميعا أغنياء مثلك

<توتل 2> لن تفعلي

<آن جول> إن الأقراص المدمجة لفريق البيتلز رخيصة جدا في متاجرنا المحلية ...



ويمكنك أن تكتشف القليل عن من هم المشاركون (من خلال كتابة الأمر )] whoisمَنْ هو]، ولكن الطريقة الوحيدة لكي تكتشف ماذا يجري هي أن تسترخي في مقعدك وأنت تشاهد لبرهة. "تأكد من تتبع المحادثة قبل أن تقاطع أحدا" هكذا يقول ملف أخلاقيات (شبكة الدردشة)، وتقدم شبكات أخرى نصحا مشابها. وعندما تقرر الالتحاق، فإنك بحاجة إلى أن تتبنى استراتيجية مختلفة في المحادثة، ومجموعة من التوقعات حول التفاعل. وكما هي الحال مع المجموعات غير المتزامنة، فإنه حتى التقاليد الأساسية، مثل التحية وطلب الإذن بالانصراف يجري تحويرها. إذ إنه ليست هناك تناظرية في الحوار، على سبيل المثال. وعندما توقِّع للدخول، فإن برمجيات الآي آ ر سي تبلغ المستخدمين الآخرين بأنك قد وصلت (موضحة أن الرسالة مبعثها البرامجيات عن طريق استخدام ثلاث نجمات):



د ك التحق توا بقناة # لنج لانج [علم اللغة واللغة]



ويمكنك أن تحيى الجميع إذا رغبت، عن طريق قول "أهلا جميعا" أو نحو ذلك، غير أن قليلا وربما لا أحد من الأعضاء الآخرين سوف يرد. وإذا ما رد الجميع، على أية حال، فإن هذا من شأنه إغراق الشاشة بالرسائل. وهناك إمكانية للتحية الإلكترونية، حيث يقول النظام مباشرة: "هلا جميعا" أو ما يشبه ذلك؛ إلا أن الكثيرين يعتقدون أن التحية التلقائية من السلوكيات السيئة في مجموعات الدردشة، وذلك لأنها تنحي جانبا العنصر الشخصي الذي يمثل جزءا من الوسيط. وبالمثل، وبعض صفحات المساعدة بشأن الأخلاقيات على الآي آر سي تتبنى موقفا صارما بشأن هذه النقطة: "النصوص التي تحيى الناس تلقائيا تُعد فظة وليست موضع ترحيب". وبالمثل، فإنك عندما تكون على وشك الانصراف فإنه يمكن أن تسبق مغادرتك بسبب – وهذا سلوك طيب، لتتجنب أي إيحاء بأنك تنصرف في لمح البصر – ولكن مرة أخرى، فإن قليلين سيردون وربما لا يرد أحد.

وبعد وصولك، فإنك قد تقرر أن ترسل تعليقا حول ما قاله ألفين توا، على سبيل المثال. إلا أنك لا تعلم ما إذا كان ألفين سوف يرد عليه، أو حتى يراه (وهو – إذا كان حقا ذكرا، بالنظر إلى أن جنس الكنية كثيرا ما يكون غير واضح كما سوف نرى – ربما لا يكون أمام الشاشة في تلك اللحظة). وقد يقرر آخرون أن يردوا عليه بدلا منك – وقد يرد أكثر من شخص في الوقت نفسه، مثيرين النقطة نفسها مستقلَّين عن بعضهم. وسوف يرد القادمون الجدد إلى المجموعة، في الوقت الفاصل، على نقطة دون أن يكونوا قد رأوا النقاط السابقة التي أثارها أحد الأعضاء، والتي ربما تكون قد أثارت ردود أفعالهم بالفعل. وهناك انتقال دائم لقائميِّ المرمى. كما لا يمكن أخذ أي مقياس زمني في الحياة الحقيقية بوصفه أمرا مسلما به: إذ إن الترتيب الذي تصل به الرسائل إنما تحكمه عوامل تقع بتمامها خارج نطاق سيطرة المشاركين، مثل سرعة حاسباتهم الآلية وإمكانات المعالجة لمقدمي الخدمة. ولا شيء من هذا يمكن أن يسفر عن "محادثة" بالمعنى التقليدي للكلمة.

ومسألة التوقيت ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بمجموعات الدردشة المتزامنة. وفي الفصل 2 (ص 28) ناقشتُ فكرة التأخر – أي الوقت الذي يستغرقه ما يطبعه المرسل حتى يظهر على شاشات الآخرين. والتأخر ليس قضية خطيرة في المجموعات غير المتزامنة، نظرا لأن حالات التأخر التي يتسبب فيها الحاسب الآلي لن تلاحَظ عادة، إزاء الإطارات الزمنية المطولة التي يجري التعامل معها؛ ولكن في المجموعات المتزامنة فإن هذا يمثل أمرا حاسما. فإذا ما تأخر تدخل ما أكثر من اللازم فإنه يصبح غير ذي موضوع، نظرا لأن المحادثة قد مضت إلى الأمام. كما أن جميع حالات التأخر تضيف قدرا من الارتباك لما هو بالفعل تفاعل معقد إلى حد بعيد. وتتراوح حالات التأخر في مجموعات الدردشة بين حالات خفيفة مدتها ثوان قليلة وبين الاختفاء الكامل لأعضاء المجموعة. ومن المواقف المزعجة بصفة خاصة هو "انفصال الشبكة" الذي يحدث في الآي آر سي، حين يحدث أن يفقد أحد الحاسبات المقدِّمة للخدمة (مثلا، في استراليا) اتصاله بالحاسبات الأخرى (مثلا، في المملكة المتحدة، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان). وفي هذا المثال، فإن أي مشاركين استراليين في مجموعة الدردشة سوف يخرجون من الشبكة، بدون إنذار، تاركين الاتصالات التي لم يُجب عنها معلقة في فضاء الاتصالات. ومن وجهة نظر الأعضاء الآخرين، فإنه ليست هناك وسيلة لمعرفة ما إذا كان شخص ما قد انصرف عمدا أم لا. ويتضح الموقف فقط حين يُستعاد الاتصال ويعاود المشاركون الآخرون الظهور على الخط.

وتجربة التأخر الشائعة، ومعرفة أسبابها، لابد من أن تكون أحد العوامل التي تؤثر في الطول الإجمالي لرسائل مجموعات الدردشة. و يقع الناس تحت ضغط الحفاظ على قِصَر رسائلهم، بالإضافة إلى الميل الطبيعي لتوفير الوقت والجهد أثناء الإرسال. وتجعل الآي أر سي هذا أمرا واضحا في ملف المساعدة بشأن السلوكيات:



لا تبعث بنفاياتك إلى قناة أو مستخدم (بإرسال كميات كبيرة من المعلومات غير المرغوب فيها).

إذ إن هذا من المحتمل أن يتسبب في ركلك خارج الآي آر سي. ويسبب "تجشؤا" في الشبكة،

وتوقف الوصلات لأن الحاسبات مقدمة الخدمة لم تعد تستطيع التعامل مع كمية كبيرة من

الرسائل المارة.



وينطبق المبدأ ليس فقط في حالة الكميات الكبيرة من النص، ولكن على جميع رسائل مجموعات الدردشة. "لا تكرر في قناة"، هكذا تقول صفحة سلوكيات الشبكة في جالاكسي نت. وهناك بالفعل علامات عدة على اتجاه ملحوظ نحو البلاغة: إذ إن التقسيمات إلى ما يشبه الفقرات أمر نادر الحدوث؛ وتميل الإسهامات إلى أن تكون مكونة من جمل وحيدة أو أجزاء من جملة؛ كما أن طول الكلمة يجري تقصيره من خلال استخدام الاختصارات واختصارات أوائل الكلمات. ومن الإسهامات المألوفة:



أشعر أنني أفضل كثيرا الآن i feel much better now

أعتقد أنني سوف أتجاوز هذه think I'll sit this one out

أين أنت where RU

كيف تمضي بك؟ how it going?

هلا ياروكوكو hi Rococu

من يريد مراسلتي who wanna meg me [= message]

آه صح yeah right

استولى شخص على كنيتي !!!!!! someone has taken my nick



وقد أظهرت عينة مكونة من 100 إسهام حديث مباشر مأخوذة من سجل بيانات منشور أن متوسط عدد الكلمات لكل إسهام كان 23,4 كلمة، مع كون 80% من الجمل مكونة من 5 كلمات أو أقل. والكلمات نفسها تتسم بالقصر: فقد كانت كلمات نحو 80% من عينات تتكون كل منها من 300 كلمة من الحديث المباشر المأخوذ من السجلات (بعد استبعاد أسماء الأعلام) تتكون من مقطع واحد؛ وبالفعل فقد كانت 4% كلمات أطول من مقطعين. وهذا يضع جمل مجموعات الدردشة المتزامنة في مرتبة تالية قليلا للمحادثة اليومية التي تتسم بأنها أحادية المقطع بشكل أكبر، وفي مرتبة تسبق الصحافة، التي تتسم بهذه الخاصية بشكل أقل بكثير. ومن المؤكد أن مثل هذه الجمل القصيرة تساعد على تدعيم التوزيع السريع وتمكِّن المحادثة من أن تتخذ المزيد من حركية الوقت الحقيقي.

وكون الرسائل قصيرة عادة، وتُوزَّع بسرعة (مع السماح بالتأخر)، وتأتي من مصادر متنوعة (إذ قد يكون أي عدد من الناس على الخط في الوقت نفسه) ينتج عنه الخاصة الأكثر تمييزا للغة المستخدمة في مجموعات الدردشة المتزامنة: ألا وهي تداخل المشاركين. ويوضح المثال التالي المأخوذ من دراسة أجرتها سوزان هرنج الطبيعة النصية للتداخل في تفاعل قصير بين خمسة مشاركين:



1. <أشنا> هلا ياجات

2. *** مغادرة: يوجا

3. <ديف – ج> ياكالي لقد كنت فقط أمازحك

4. <جات> يا أشنا: أهلا؟

5. <كالي> ياديف – ج لقد كان الأمر مضحكا

6. <أشنا> كيف حالك يا جات

7. <لكمان> سسا* جميعا

8. <ديف –ج> ياكالي أنت المرأة!

9. <جات> يا أشنا: هل يعرف كل منا الآخر؟ أنا بخير كيف حالك

10. *** لكمان غادر قناة # بنجاب

11. *** لكمان دخل قناة # بنجاب

12. <كالي> يا ديف – ج حلوة (:

13. <جات> يا كالي: كيف حال المدرسة، الحال عموما، حال الحب، حال الأسرة؟

14. <أشنا> يا جات لا نحن لا يعرف أحدنا الآخر، أنا بخير

15. <دات> يا أشنا: من أين أنت؟



والرسائل من تبادل واحد تقطع بشكل روتيني التبادل الآخر. فإذا فككنا خيوط تشابكها، نستطيع أن نرى أن هناك تبادلين أساسا : أشنا ، وجات يمضيان في محادثة واحدة:



1 . <أنا> هلا يا جات

4. <جات> يا أشنا : أهلا؟

6. <أشنا> كيف حالك ياجات

9. <جات> يا أشنا : هل يعرف كل منا الآخر: أنا بخير كيف حالك

14. <أشنا> يا جات لا نحن لا يعرف أحدنا الآخر، أنا بخير

15. <جات> يا أشنا: من أين أنت؟



كما يمضي ديف-ج وكالي في محادثة أخرى:



3. <ديف-ج> يا كالي لقد كنت فقط أمازحك

5 . <كالي> ياديف-ج لقد كان الأمر مضحكا

8. <ديف-ج> يا كالي أنت المرأة!

12. <كالي> يا ديف-ج حلوة (:



ثم يبدأ جات محادثة أخرى مع كالي:



13. <جات> يا كالي: كيف حالة المدرسة، الحال عموما، حال الحب، حال الأسرة؟



وبالإضافة إلى ذلك، يغادر بوجا، ولكمان الجلسة (وتبين علامات النجمة أن الرسائل أنتجتها برمجيات الآي آر سي):



2. *** مغادرة: بوجا

7. <لكمان> سسا جميعا

10. *** لكمان غادر قناة # بنجاب

11. *** لكمان دخل قناة # بنجاب



وكل تبادل يقطعه رسائل من التبادل الآخر، مما يحول دون أي فهم تقليدي للمزاوجة المجاورة (ص 29). وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا مثال بسيط إلى حد كبير، مقارنة برسالة معينة قد تتسبب في ردود متعددة من المشاركين، أو تبدأ في الوصول بعد فجوة زمنية طويلة (وقد لوحظت حالات فصل بين الحافز والاستجابة بما وصل إلى خمسين رسالة). وينشأ اضطراب آخر إذا ما تكررت رسالة من أحد أعضاء المجموعة. وتشير هرنج في دراسة أخرى لها إلى أن أكثر من ثلث كل المشاركين (وعددهم 117) الذين بعثوا برسائل لم يتلقوا ردا، مما أدى إلى بعث بعضهم برسالته أكثر من مرة (راجع الرسائل غير المرغوب فيها (ص 46). وتتوصل إلى نتيجة هي: "إن انتهاكات الترابط التتابعي هي القاعدة وليست الاستثناء في ت ب ح آ [التواصل بمعاونة الحاسب الآلي]." ويشبه التأثير إلى حد ما حفل كوكتيل يتحدث فيه كل شخص في الوقت نفسه – فيما عدا أن الأمر أسوأ، لأن كل ضيف يمكنه أن "يسمع" كل محادثة بالتساوي، وكل ضيف بحاجة إلى أن يستمر في الكلام لكي يثبت للآخرين أنه مازال منخرطا في تبادل الحديث. وفي حفلة حقيقية، إذا لم يكن شخص ما يتكلم، فإنك على الأقل تستطيع أن ترى أنه (أو أنها) مازال منتبها. وفي مجموعة دردشة، فإن الصمت أمر مُلبس: إذ قد يعكس امتناعا متعمدا، أو عدم انتباه مؤقت، أو غياب جسدي (دون إعلام بالانصراف). وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل محادثات المجموعة غير ذات هدف: فالمشاركون يتحدثون لمجرد الحفاظ على وجودهم على الشاشة، بالرغم من أنهم قد لا يكون لديهم في واقع الأمر أي شيء يقولونه.

واستخدام أسماء الكنية (الكنيات) ملمح مميز للغة مجموعات الدردشة المتزامنة. كما يوجد أيضا بعض الاستخدام للكنيات في المجموعات غير المتزامنة، وهي أحيانا تحل محل الاسم الحقيقي، وأحيانا أخرى تظهر جنبا إلى جنب معه. واختيار كنية عمل طقسي، تمليه الثقافة التي يتطلع الفرد إلى الانتماء إليها – ومثله مثل جميع الممارسات المتعلقة بالتسمية – ويعد أمرا ذا تعقيد وحساسية شديدين. إلا أن ممارسة مجموعات الدردشة - على العكس من التكنية التقليدية - تتأثر بعوامل خارجية، من أبرزها المبادئ التي تقدمها الشبكة. والمبدأ الأساسي هو أن الكنيات لا يملكها أحد، بأي معنى دائم. وعندما تلتحق بمجموعة دردشة، فإنه يمكنك أن تختار أي كنية ترغب فيها (وفقا للقيود التي يفرضها النظام – انظر أدناه)، ولكن إذا كان شخص آخر قد اختار تلك الكنية بالفعل فإن البرامجيات لن تسمح لك باستخدامها. إذ إن صدام الكنيات ليس مسموحا به. ومهمتك إذن أن تبتدع كنية مميزة بحيث لا يقع اختيار آخرين عليها، مما يمكِّنك من أن تحتفظ بالكنية نفسها في كل مرة تدخل إلى مجموعة معينة. وكما هي الحال مع جميع الأسماء المختارة شخصيا (مثل لوحات أرقام السيارات ومقابض CB) فإن أصحاب الأسماء يصبحون ملتصقين بها. والكنية هي هويتهم الإلكترونية: إذ إنها تقول شيئا عن مَنْ هم، وتكون بمنزلة دعوة للآخرين لكي يتحدثوا معهم. والأشخاص الذين يشعرون بأنهم ينتمون إلى مجموعة معينة سوف تكون لديهم الرغبة في الاحتفاظ بهذه الهوية، وإن كان هذا فقط لضمان أنه التعرف عليهم بوصفهم الشخص نفسه في كل مرة يدخلون إلى المجموعة. وهم ينزعجون إذا ما وجدوا أنهم لا يستطيعون استخدامها، لأي سبب من الأسباب – مثل الشخصية الألمانية التي وصفتها هيا بشار–إسرائيلي، وهي بونهيد [الرأس العَظْمي] الذي وجد أن اسمه قد استولى عليه النازيون الجدد في العالم الحقيقي، والذي اضطر لذلك لإيجاد بديل cLoNehEAd [الرأس المستنسخ]. ولذا، فإنه إذا لم تكن المجموعة صغيرة جدا، فإن أسماء عادية (مثل فِرِدْ، وشيلا) من غير المحتمل أن تظهر بوصفها كنيات، لأن فرصة تكراراها كبيرة. ومن ناحية أخرى، فإن الكنيات الغريبة والعجيبة تعد هي الأساس، ودراستها سوف تمد علم دراسة الأسماء بمجال رائع في الوقت المناسب.

وابتداع كنية ليس مهمة سهلة كما قد يًظن لأول وهلة. إذ إن المستخدمين مقيدون بخط واحد من الحروف (في حالة الآي آر سي يصل إلى تسعة، مع عدم السماح بالمسافات). ويمكن استخدام أية حروف كبيرة أو صغيرة، بالإضافة إلى الأرقام، والشُّرط الصغيرة، وعدد صغير من الرموز الموجودة على لوحة المفاتيح والتي ليست لها وظيفة بالفعل داخل البرامجيات. ويمكن للكنيات أن تكون كلمات أو عبارات، ذات معنى أو بدون معنى. وبالنظر إلى أن العدد المحتمل للكلمات التي تشبه الأسماء الحقيقية محدود، فإن الناس كثيرا ما يتلاعبون بطريقة الكتابة أو بصرف الكلمات، مما يسفر عن إنتاج ابتكارات لغوية ذات سمة لغوية تتسم بذوق فني في بعض الأحيان. وقد صنَّف بشار–إسرائيلي الكنيات في مادة بحث تشتمل على 260 اسما من ناحية الأفضليات الدلالية التي جرى التعبير عنها. وقد كان لنصفها تقريبا خصائص ذاتية (شخصية الفرد، أو مظهره، أو مهنته، أو هواياته، أو موقعه الجغرافي، أو سنه، إلخ) ، مع فئات أخرى، بترتيب جوانب التفضيل فيها، كما يلي:



النفس: [<المتأنق الخجول>، <المؤرَّق>، <الملاَّح>، <الفتى الهولندي>، <الأيرلندي>، <فتى

السحاب>، <الدب العجوز> <الخطيب الأعزب> <عبد إكيم>

أسماء لها علاقة بالتكنولوجيا والوسيط: <بنتيم> ، <رجل الحاسب الآلي الشخصي>

أسماء لها علاقة بالحياة النباتية، والحيوانية، والأشياء: <الضفدعي>، <الخزامي>، <بي إم دبليو>، الجبن>

أسماء ذات صلة بشخصيات شهيرة، حقيقية أو خيالية: <جودو> <بي ميوب>، <إلفيس>، <ستالين>

أسماء لها علاقة بالجنس أو الاستفزاز <وعاء الجنس>، <تقلص المِقْعَدة>، <هتلر>، <حماس>



كما كانت هناك أسماء فارغة من المعنى (مثل <أنا>، <وإيه – يعني>، وذات جرس صوتي <تام تام>، <توتو توو>، و طريفة <جورف> [=ضفدع]، ومتلاعبة بطريقة الكتابة <الولد القوي>* ، <الرأس المستنسخ>**. ومن الممكن للمرء تغيير كنيته في أي وقت، وبعض المجموعات تقوم بالفعل بالعبث بكنياتها، حيث تبلغ الأعضاء الآخرين بأن "<فليرب> يُعرَف الآن باسم <سلونك>"، وتبدأ في سلسلة من التغيرات المؤقتة بسرعة كبيرة. وقد يغير جميع المشاركين في التفاعل أسماءهم بكيفية معينة – مثلا بإضافة رقم إلى كنيتهم، أو اتخاذ اسم حيوان – قبل أن يعودوا إلى الاسم السابق.

كما أن للأسماء قيمة في الخطاب، أيضا، تتمثل في أنها تتيح وسيلة ناجعة في تتبع الخيوط الدلالية فيما يعد حالة قد تتسم بعدم الترابط بدونها. وعندما تتعقد التفاعلات، فإن الأعضاء يسمون بعضهم – عادة قبل، وأحيانا أثناء أو بعد صلب رسالتهم – على سبيل الإشارة الخطابية للمستقبِل المقصود. وهذا لا يكون ضروريا حينما يكون عضوان أو ثلاثة أعضاء فقط يشتركون في مناقشة حول موضوع وحيد، أو عندما يكون هناك أناس يتناولون موضوعا وليس شخصا، أو حيث يكون موضوع متميزا كثيرا عن "الضوضاء" بحيث لا تلتبس أية إسهامات فيه مع غيرها. غير أن عددا محدودا نسبيا من حالات الدردشة تتسم بنظام محكم، وبذا يصبح استخدام الكنيات في الخطاب المباشر وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها لربط الرسائل فيما بينهم. وهي تشبه دور نظرة العين وحركة الجسم في المحادثة وجها لوجه التي تضم عدة أشخاص: فعندما أتحدث إلى أ، و ب، و ج، و د، فإنني يمكن أن أخص ب بوصفه متلقيا سؤالا ما من خلال تلاقي النظر، وفي حين أفعل ذلك يمكن للآخرين أن يتحدثوا إلى بعضهم دون حدوث بلبلة. والتسمية غير ضرورية في مثل هذه الظروف. إذ إنه من غير المعتاد إلى أقصى درجة أن نسمع:



ماري: يا جون، هل ستذهب إلى البروفة الليلة؟

جون: يا ميري، نعم، سأفعل.

ماري: يا جون، في أي ساعة؟

جون: يا ميري، حوالي السادسة.



والتسمية في بدايات الجمل من هذا النوع تحدث في التفاعل المنطوق فقط حينما لا يكون بإمكان الأطراف رؤية بعضهم، مثل محادثة في مؤتمر على الهاتف، أو في برامج الإذاعة، حيث يتعامل مُحَاوِر مع عدة أشخاص في الوقت نفسه.



يا فرانك سميث، ما آراؤك حول هذا؟



وحتى في تلك الحالة، فإنها ليست بقدر انتشارها في حالة مجموعات الدردشة.

وعلى العكس من المحادثات غير المتزامنة، فإن الموضوعات تخبو بسرعة كبيرة. وليس من السهل على الإطلاق لأعضاء مجموعة ما أن يواصلوا محادثة لفترة ممتدة من الزمن. ولا يقتصر الأمر على أن ما يقوله أناس آخرون يعترض طريق المناقشة، بل إن بعض هذه الأقوال تقوم بالفعل بدور في التشتيت، جارفة المحادثة في اتجاهات لا يمكن التنبؤ بها. بل إن الجذب قد يبتعد كثيرا بالتفاعل بأكمله عن الموضوع الذي يفترض أن القناة تناقشه. وفي إحدى دراسات هننج، كان نصف ما قيل تقريبا خارجا عن الموضوع. إذا لا يتطلب الأمر سوى انتقالة دلالية طفيفة حتى يبدأ الانزلاق نحو موضوع آخر – مثلما قد تشعل فتيلة ملاحظة متلاعبة بالألفاظ. إذ إن تعليقا حول توني بلير، على سبيل المثال، يؤدي إلى قافية حول hair [الشَّعر]، مما قد يؤدي إلى أن يعرب مشارك عن رغبته في أنه (أي المشارك) كان له مزيد من الشَّعر … وتدريجيا يتحرك الموضوع في اتجاه آخر. وفي القنوات التي ليس لها مدير، ربما لا يعود مطلقا إلى حيث كان. كما أن التعبير "حيث كان" ليس مفهوما واضحا، لأنه كثيرا ما تكون هناك عدة موضوعات تُناقَش على التوازي – ليس فقط بين أزواج مختلفين من المناقشين (كما هو موضح أعلاه) ولكن من قِبَل المناقش نفسه. إذ إن بي قد يكتب حول الموضوع س للمشارك ص في حين يكتب ص عن الموضوع م للمشاركِة بي. ويمكن أن نجد ممارسات مركَّبة فيما بين أعضاء مجموعات الدردشة ذوي الخبرة، مع وجود شخص ما يُجري عدة محادثات في الوقت نفسه (أحيانا حتى على قنوات مختلفة، مستخدما نوافذ مختلفة على الشاشة). ولكن فيما يتعلق بمعظم الناس، فإن تتبع محادثة متعددة الأبعاد أمر بالغ الصعوبة، إزاء الحاجة إلى الحفاظ على انتباه شديد لشاشة تتحرك إلى الأعلى بسرعة.

وهناك عديد من الملامح الشكلية لمجموعات الدردشة المتزامنة تجعل التنويعة اللغوية الخاصة بكلام الشبكة مميزة إلى حد بعيد. وتمثل السطور التي تبدأ بالكنيات، والتي تضم الأسماء بين أقواس على شكل زاوية، أحد هذه الملامح. وهناك ملمح آخر يتمثل في التعرف على نوع الرسائل التي تولِّدها البرامجيات. وفي الآي أر سي، على سبيل المثال، وكما رأينا، فإن الرسائل التي ينتجها النظام تسبقها العلامة التقليدية المكونة من ثلاث نجمات. وتعطي هذه الرسائل ذات الشكل المميز معلومات عن أمور مثل أي المشاركين موجود، ومن الذي يدخل إلى القناة أو يغادرها، أو ما إذا كان أحد يغير هويته:



*** د ك دخل توا القناة # كذا كذا

*** مغادرة: دك

*** د ك يعرف الآن بـ ك د



أما الأحداث والتعليقات من جانب المشاركين فإنه تتقدمها في هذا النظام علامة نجمة واحدة: وعندما يكتب أحدهم / أنا يتبعها الحدث، فإن البرامجيات تستبدل كنية الشخص، وتعبر عن الحدث بأسلوب قصصي يشبه التعليق، عادة باستخدام ضمير الغائب المفرد في الزمن المضارع. وعلى سبيل المثال، لو كتبتُ أنا (وكنيتي <د ك>):



/ أنا مشوش الذهن تماما



فإن ما كتبته سوف يظهر على شاشة المجموعة هكذا



*د ك مشوش الذهن تماما



وهناك مصادر أخرى عديدة للتميز المرئي، ويمكن أن نرى معظمها في حالات الإنترنت الأخرى. فالأشكال الباسمة (ص 32) – أو على الأقل، واحد من نوعين أساسيين – تتتمتع بانتشار معقول. وتعطي الاختصارات التي تشبه الكناية الرسومية* والحذوفات العامية الجمل مظهرا غير مألوف (مثل are > r ، you > u ، and > n) ، وكذلك تفعل كيفية كتابة الكلمات المعبرة عن صيحات الانفعال (hehehe ، owowowowow)، والوقفات التي يملؤها الصوت (مثل um ، er ، erm)، وأصوات التعجب التي تشبه في أسلوبها كتب رسوم الكرتون (مثل ugh ، euugh ، yikes ، yipes). وقد وجد كريستوفر ملامح مشابهة في عينته الفرنسية: qqn ["["quelqu'un"]، c ["c'est"]، t ["tu"]. ومن الملامح المميزة أيضا تتابعات الحروف التي نجدها في الكنيات، التي تجمع بين الرموز بطرق غير معتادة (مثل DC77DC، aLoHA! ، TwoHands). وعلامات الترقيم الداخلية والنقاط النهائية لا وجود لها عادة، ولكن علامات الاستفهام وعلامات التعجب تميل إلى أن تكون موجودة. وعلامة الأبوستروفى من الشائع غيابها في الصيغ المختصرة، بكيفية تذكرنا بجورج برنارد شو. وعلامات الترقيم المعبرة عن الانفعال كثيرا ما نراها بشكل مبالغ فيه (ص 82)، مثل hey!!!!!! . وقد تكون رسالة من مجرد علامة ترقيم، تعبيرا عن الحيرة، أو الدهشة، أو غيرها من الانفعالات. وحالات الهجاء الغريبة (مثل out of> outta ، see you > ceeya ، seems > seamz ، والكلمة الفرنسية ouais [“yes” = “oui”] : ص 81) . كما تشيع الأخطاء الطباعية. أما استخدام الحروف الكبيرة فإنه يجري تجاهله بانتظام، حتى فيما يتعلق بكلمة I، غير أنها تراعى بدقة في الكنيات. ومن الجمل المألوفة نرى:



لا أعرف لماذا I don’t know why

أنت الشخص المناسبyou da right person

كيف حالك how ya doin

أريد أن أعرف السبب wanna know why

يكفي هذا i got enuf

كان هناك الكثير مما يُضحك it wuz lotsa lafs



ويتميز النحو أساسا بالتراكيب العامية إلى درجة كبيرة والاستخدامات غير المعيارية، والتي غالبا ما تتبع نماذج معروفة في لهجات أو تنوعات لغوية أخرى. وتوضح الأمثلة التالية حذف فعل الكينونة (أي أحد صيغ الفعل be بوصفه فعلا رئيسيا)، وحذف فعل مساعد، وعدم التوافق بين الفاعل والفعل، وإحلال صيغة تدل على حالة نحوية معينة محل أخرى.



[أنا بخير] fine i

[أنا في الواحدة والثلاثين] me is 31

]هل تشعر بتحسن الآن؟[ you feeling better now?



كما أن صك كلمات لا وجود لها تستخدم مرة واحدة أمر شائع – من خلال دمج كلمات مع بعضها لتكوين كلمات مركبة (what a unifreakinversitynerd) [ياله من أبله جامعي لا مثيل له]، أو ربط عدة كلمات باستخدام شرط قصيرة (dead-slow-….) [حاسب آلي بطيء بطئا مميتا ومتوقف]. كما أن التلاعب بالألفاظ شائع. وتنشأ كلمات جديدة – مثل bamf! ، التي يستخدمها بعض الناس علامة على جملتهم الختامية عندما يغادرون مجموعة على الخط (والكلمة مستعارة من كتاب رسوم الكرتون X-Men [الرجال الغامضون]، حيث تُحدث إحدى الشخصيات هذا الصوت قبل اختفائها المفاجئ.

وبالرغم من أن استخدام الصيغ غير المعيارية، والمصطلحات المهنية، والعامية، يختلف من مجموعة إلى أخرى، فإن مجموعات الدردشة المتزامنة تعتمد بشدة على مثل هذه العمليات، ربما بوصفها وسيلة لتأكيد هوية المجموعة. ومن الأمور الملحوظة العدد الكبير من التقاليد المميزة التي نمت وترعرعت خلال مثل هذا الوقت القصير. وللنظم المختلفة لهجاتها الفردية الخاصة بالأوامر. ويختلف استخدام لون الشاشة اختلافا كبيرا؛ مع وجود بعض القنوات التي تحظر النصوص الملونة أو الإفراط في استخدام الألوان. كما أن اختصارات أو مصطلحات معينة ترتبط بنظام معين أو قناة معينة. كما أن الأساليب المفضلة في التغذية الراجعة تختلف – على سبيل المثال، ما إذا كانت المجموعة تقول <grin> [يبتسم ابتسامة عريضة] أو تختصرها إلى <g>. وربما تمتع نوع معين من الهجاء الخاطئ بوضع مميز في مجموعة ما، نظرا لأنه قد جذب انتباه الجميع في فترة من الفترات. وسرعان ما يدرك القادم الجديد أن جميع أفراد المجموعة يتهجون كلمة computer [الحاسب الآلي] مثلا هكذا: comptuer، ويحذو حذوهم. ولكل مجموعة تاريخها الخاص بها، كما توجد ذاكرة جمعية (كثيرا ما تُعطى صيغة شبه رسمية في FAQs )الأسئلة المثارة كثيرا] الخاصة بتلك المجموعة) وُتحترم. وفي المجموعات متعددة اللغات، فإن الكيفية التي ينتقل بها الآخرون من لغة إلى أخرى تصبح مؤشرا مهما على الشخصية. والحفاظ على هوية المجموعة هو ما يهم، وبخاصة نظرا لعدم وجود أي نوع آخر من الهوية لكي يُعتمد عليه، إزاء حقيقة أن إخفاء هوية الأشخاص هو الوضع السائد.

وفي حقيقة الأمر، فإن عدم معرفة هوية المشاركين يعد واحدا من أكثر ملامح الوسيط تشويقا، بالرغم من أن مناقشة هذه الظاهرة تبتعد بنا عن علم اللغة وتُدخلنا في مجال علم النفس الاجتماعي. غير أنه من المهم أن نلاحظ أنه عندما يكون المشاركون مجهولي الهوية، فإن اللغة المستخدمة في التفاعل، كما تقدم على الشاشة، هي كل ما يرتكن إليه الأعضاء الآخرون في المجموعة. ومن ثم فإن المشاركين، بغير إدراك واعٍ منهم على الأقل، سوف يولون اهتماما خاصا باختيار كل شخص لكلماته، وظلال المعاني التي توحي بها صياغة العبارات، وغيرها من النقاط المتعلقة بالمحتوى وأسلوب التقديم. وبالرغم من أن الانخراط في المجموعة بشكله المثالي يقوم على الثقة، فإن المعلقين والمشاركين على حد سواء يدركون تماما – من التعرض على مدى سنوات للتحذيرات الزائفة، والفيروسات، وتزوير الأسماء، وغيرها من السلوكيات السيئة – أن الإنترنت وسيط من المحتمل أن يكون خادعا، وخطيرا، وغشاشا. إذ من يعرف ماهية مقاصد أحدث زائر لإحدى غرف الدردشة، أو الشخص الجديد الذي يلعب أحد الأدوار في لعبة خيالية؟ إذ قد يكونون أو لا يكونون أعضاء جددا حقيقيين. ويعتمد المشاركون اعتمادا كبيرا على اختيار القادمين الجدد للغة التي يستخدمونها في تحديد سماتهم الحقيقية، وهذه الحقيقة وحدها قد بدأت في إثارة قدر هائل من الاهتمام والبحوث. وعلى سبيل المثال، نظرا لأن الإجادة السريعة لتنويعة لغوية جديدة من الصعوبة بمكان فإنه من المحتمل تمييز المتطفلين بسهولة. فلو اختار شخص بالغ زيارة غرفة دردشة خاصة بالمراهقين، فإنه سوف يكون من الصعب جدا للزائر أن يتخذ الهوية المفترضة للمراهق أو الاستمرار فيها، نظرا للفروق اللغوية الكثيرة (وبخاصة العامية) فيما بين الأجيال. وبالمثل، فإن ذكرا في غرفة دردشة للإناث (أو العكس) – وهو حدث شائع إلى أقصى حد ممكن – من شأنه أيضا أن يصادف صعوبات في تقمص الشخصية الملائمة، إزاء نقاط الاختلاف الكثيرة التي لاحظها علم اللغة الاجتماعي بين كلام الذكور وكلام الإناث. وقد حددت بعض الدراسات الفروق الأساسية بين حالات معينة من حالات الإنترنت. وقد أوضحت إحدى الدراسات لقائمة إخبارية أكاديمية أن الذكور، ضمن أمور أخرى، بعثوا رسائل أطول، واستخدموا تأكيدات أقوى، وانخرطوا في الدعاية لأنفسهم بقدر أكبر، وتحدوا الآخرين أكثر، وسألوا عددا أقل من الأسئلة، وقدموا اعتذارات أقل. في حين أوضحت دراسة أخرى، متخذة المادة العلمية من مجموعات الأخبار ومجموعات ذات اهتمامات خاصة، أن النساء استخدمن المزيد من الأشكال الباسمة (ص 32) أكثر من الرجال. ولم تُجرَ بحوث كافية لتحديد إلى أي مدى يمكن ترجمة فروق من هذا النوع إلى انطباعات قائمة على الحدس ويمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بالنوع* والسن، والسمات الشخصية الأخرى. غير أنه هناك بدون شك الكثير مما يثير الاهتمام اجتماعيا ونفسيا ولغويا في هذا المجال.




لماذا ندردش؟


إن التمييز بين الحالتين غير المتزامنة والمتزامنة ليس تمييزا مطلقا. فقد لاحظ بعض الكتَّاب "السمة غير المتزامنة لمؤتمرات الحاسب الآلي المتزامنة". فإذا كان شخص ما غير موجود على الخط في مجموعة دردشة متزامنة، فإنه يمكن ترك الرسائل في صندوق ذلك الشخص لكي يقرأها فيما بعد. أو من الممكن حفظ نص اجتماع خاص بالعمل جرى في الوقت الحقيقي بحيث يمكن إعادة بثه لمجموعة أخرى (ربما تتبع منطقة زمنية مختلفة) وذلك للتعليق عليها. ثم تُحفظ هذه التعليقات وإعادتها إلى المجموعة الأولى لمزيد من التعليقات؛ وبذا تستمر المناقشة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عديدا من القضايا التي أشرنا إليها بوصفها مهمة لكلام الشبكة تنطبق على كلا النوعين من مجموعات الدردشة؛ وتحذر ملفات آداب السلوك الخاصة بكل منهما من إشعال الغضب، والتحرش، واللغة المسيئة، والإغراق بالرسائل، والإعلان؛ وهي تُصدر النوعية نفسها من التحذيرات فيما يخص الخصوصية والأمان. ويثير كلا نوعي الحالة السؤال المحير نفسه: كيف يمكن لمجموعات الدردشة أن تعمل بأي صورة من الصور؟ وكيف يمكن للمحادثات النجاح، إزاء التشوش غير العادي في المدى الزمني وفي أخذ الأدوار الذي يسمح به كلا النوعين: غير المتزامنة والمتزامنة؟ وينبغي للمشاركين أن يغادروا مجموعات الدردشة في زُرافات، نظرا لعدم قدرتهم على التعامل مع التشوش وعدم الترابط، والشكوى من إضاعة الوقت. غير أنهم لا يفعلون ذلك. وفي حقيقة الأمر فإن الموقف العكسي هو السائد: إذ يبدو أن معظم الأشخاص سعداء تماما بوجودهم هناك.

وهناك سببان من المحتمل أنهما يقدمان تفسيرا لهذا الوضع. ويثير أولهما قضية ماذا يريد الناس من مجموعات الدردشة. فإذا كانت الإجابة هي "تبادل المعلومات"، فقط وببساطة، فحينئذ أحسب أن هناك مشكلة حقا. إذ إن المعلومات هي الشيء الذي تمدنا به الشبكة العنكبوتية إمدادا روتينيا (الفصل 7). أما مجموعات الدردشة فإنها تزودنا بشيء آخر – ألا وهو التفاعل بين شخص وآخر، وهو أمر اجتماعي أساسا في سَمْته. ومن المحتمل أن يكون المحتوى الدلالي وترابط الخطاب في مجموعة دردشة أقوى داخل السياق غير المتزامن، ولكن حتى في تلك الحالة فإن عناصر اجتماعية مهمة تعمل عملها. وربما بدا أنه – حتى في التفاعلات غير المتزامنة التي تتصف بأقصى درجة من الخلو من المعنى ومن عدم الترابط، تفوق المزايا الاجتماعية نواحي القصور الدلالي. والجو، حتى عندما يتميز الموضوع بتركيز حاد، يتسم بأنه ترفيهي (كما توحي به الاستعارة الخاصة بـ "ركوب الأمواج"). والتلاعب بالألفاظ أمر روتيني. وكثيرا ما يبعث المشاركون لبعضهم بعبارات الود. وتسود الذاتية: إذ تسود الآراء والمواقف الشخصية، وغالبا ما تكون من النوعية المتطرفة، مما يترتب عليه أنه يكاد يستحيل الحفاظ على مستوى هادئ من الخطاب لفترة طويلة جدا. وإذا كنت تبحث عن الحقائق، فإن مجموعة الدردشة ليست هي المكان الذي تجدها فيه. ولكن إذا كنت تبحث عن آراء ليكون لك رد فعل إزاءها، أو إذا أردت أن تنفس عن رأي لك، فإنها المكان المثالي. وتسود التفاعلات ملاحظات غير ذات قيمة، غالبا ما تتسم بقدر كبير من التشدد. وقد تكون عبارة "مجموعات النميمة" وصفا أكثر دقة لمعظم ما يجري في حالة مجموعات الدردشة. والنميمة، كما هو شأنها في العالم الحقيقي، ذات قيمة اجتماعية هائلة.

أما السبب الثاني فينشأ مما سبق. إذ إنه قد يبدو، عندما تكون المزايا الاجتماعية كبيرة جدا، أن الناس يتسامحون تسامحا هائلا فيما يتعلق بالمعنى. ويعرب عديد من الكتَّاب عن اعتقادهم أن وجود تشوش لغوي وعدم ترابط من الممكن أن يكون جذابا بطبعه، نظرا لأن الفوائد الاجتماعية والشخصية – للمشاركة في عالم غير محدد الهوية، وحركي، وغير دائم، وتجريبي، ولا يمكن التنبؤ به – عظيمة جدا. ووفقا لما يقوله هرنج فإن الموقف يتسم بأنه "غير مترابط وظيفيا ولكنه متميز في الوقت نفسه". ولابد أن المشاركة في مجموعات الدردشة المتزامنة الأكثر تطرفا تشبه الانخراط في لعبة مجنونة، لانهاية لها، وذات ضخامة هائلة، أو تشبه حضور حفل لغوي أبدي، حيث تُحضر معك لغتك، وليس زجاجة*. ويدعم السلوك اللغوي المشترك، وبالضبط لأنه غير معتاد إلى حد بعيد، من وجود صيغة جديدة للجماعة. ويعرب ديفيز، وبروار عن هذا الرأي كما يلي:



إن الملامح المكررة، والمتنقلة من موضوع لآخر، والاستطرادية والمعادة لكتابة المؤتمر

الإلكتروني ربما بالفعل، حينئذ تخدم غرض تكوين جماعة تضم الكتّاب المشاركين فيها،

وإن كانت هذه الجماعة لا تعمَّر طويلا.



وهذا النمط من الجماعة يوصف بأنه "فائق التواصل بين الأشخاص" أكثر من كونه "فيما بين الأشخاص"، وهناك بعض المزايا في هذا الأمر. إذ يبدو أن التواصل يتجاوز التفاعل الفردي، نظرا لتركيزه على المجموعة، أو على سجل النصوص الخاص بها.

ويفسر الناس تجربة مجموعات الدردشة تفسيرات كثيرة. وعلى سبيل المثال، فإن باتريشيا والاس، تقدم لنا مناقشة دقيقة للأمور المتضمنة، مستخدمة مصطلحات من علم النفس الاجتماعي. ومن وجهة نظر لغوية، أجد أن لغة مجموعات الدردشة آسرة، وذلك لسببين. أولهما، أنها تتيح مجالا يمكننا من خلاله النظر إلى اللغة المكتوبة في أكثر حالاتها بدائية. إذ إن كل اللغة المكتوبة تقريبا التي نقرأها (بغض النظر عن الخطابات غير الرسمية) قد جرى التدخل فيها بصورة من الصور قبل أن تصل إلى أيدينا - على أيدي المحررين، ومعاوني المحررين، والمراجعين، والرقباء، والمنقحين، ومحسِّني النصوص، وغيرهم. ومجموعات الدردشة هي أقرب ما يُحتمل أن نصل إليه حتى يمكننا رؤية الكتابة في حالتها العارية، غير المحررة، والتلقائية. وثانيهما، أنني أرى مجموعات الدردشة بوصفها تقدم دليلا على التنوع اللغوي الملحوظ الذي يوجد داخل أناس عاديين – وبخاصة الأناس الشباب العاديين (كما قد يبدو من الدراسات المسحية لاستخدام الإنترنت). ولو كنتَ قد قلتَ لي، منذ سنوات قليلة مضت، أنه كان بالإمكان أن تكون لدينا محادثة ناجحة في حين لا نقيم وزنا للتقاليد المعتادة المتعلقة بأخذ الدور، والتتابع المنطقي، والترتيب الزمني، ونحو ذلك، فإنني كنت سأستبعد ذلك تماما. غير أن الدليل واضح: ألا وهو أن الملايين يفعلون ذلك بالضبط. أما كيف يفعلونه بالضبط فإن الصورة ليست واضحة تماما لي – وإن كنت آمل أن يكون هذا الفصل قد ألمح إلى بعض الخطوط الإرشادية. ومن الواضح أنهم قد تعلموا استخدام قدرتهم الكامنة داخلهم للتأقلم مع مواقف لغوية جديدة محققين نتائج عظيمة. وقد طوروا إحساسا قويا بالجماعة الكلامية، من خلال جذب أناس ذوي عقول أو اهتمامات متشابهة وعلى استعداد للتكلم بالكيفية نفسها، ومستعدون لانتقاد أو استبعاد القادمين الجدد الذين لا يقبلون المعايير اللغوية الخاصة بمجموعتهم. وقد حوَّروا المبادئ التي أرساها جرايس (ص 42)، معطين إياها قيما مبدئية جديدة. وهم يدرون ما يفعلون، كما يدل على ذلك "مناقشاتهم حول المناقشات" فيما يتعلق بالسلوك اللغوي (والاجتماعي) المقبول، و"الدعاية حول الدعاية"، متلاعبين بالتقاليد اللغوية الخاصة بالمجموعة. وهو أداء يتسم بإمكانية تكيف عظيمة وقدر غير قليل من الإبداع. وكما يقول ديفيد بورتر:



في حين يتكيف المشاركون مع الأحوال السائدة الخاصة بعدم تحديد الهوية، وبالتجربة التي

يحتمل أن تكون مربكة، والمتعلقة بالتلاشي إلى مجرد صوت منفصل يطفو في فراغ

إلكتروني لا شكل له، فإنهم يصبحون في الوقت نفسه مهرة في إعادة تكوين العالم عديم

الملامح الذي يحيط بهم لكي يصبح أجساما، وتواريخ، وحيوات … أما عمليات القراءة

الإبداعية … فإنها يمكن أن تحل محل الوجود الجسدي في هذه اللقاءات التي تُجرى على الخط.



وفي حالة العوالم المتخيلة، فإن الإبداع اللغوي يصبح أكبر.





--------------------------------------------------------------------------------

* حيوان من القوارض شبيه بالجرذ. (المترجم)

* أو أبو ذقن, وهو حيوان ثديي أفريقي من آكلات النمل. (المترجم)



* نسبة إلى الكاتب المسرحي الإنجليزي ستوبارد. (المترجم)



* شبيه بهذا مايُعرف في مصر باسم "القافية" بمعناها العامي. (المترجم)



* أو بالأحرى اختصار له. (المترجم)



* تعبير عن الاستئذان في المغادرة. (المترجم)



* في النص الأصلي, الكلمة مكتوبة بسلسلة من الحروف الصغيرة والكبيرة هكذا <myTboy>. (المترجم)



** في النص الأصلي، الكلمة مكتوبة هكذا: <cLoNehEAd>. (المترجم)

* أي الكناية عن كلمة أو عبارة برسم يذكر المرء بها أو بمقطع منها (مثل صورة القطة cat على خشبة، أي log , كناية عن كلمة catalog. (المترجم)

* بمعنى الذكورة أو الأنوثة. (المترجم)

* أي زجاجة مشروب كحولي. (المترجم)