الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
28/09/2006, 03:35 PM
نحو رؤية جديدة للكتاب الموسوعي :
الأغاني ، لأبي الفرج الأصبهاني
لأبي الفرج الأصبهاني (1) ، علي بن الحسين ...... كان أمويّا قرشيّا عربيّا ً... من الأدباء المحسنين والمصنفين المكثرين . حافظاً للحديث والأشعار ولأنساب العرب وأيامهم وأخبارهم .
وكان الأصبهاني من عصره السمع والبصر .
روى ..... وصوّر ..... وألـّف ، وكتابه الأغاني وحده يعدل مكتبة بأجمعها ويعد هذا الكتاب من أغنى الموسوعات الأدبية ، التي تعتز بها المكتبة العربية ، ولكن هذا الكتاب ، على غزارة مادته ، وتنوع موضوعاته ، هو أوسع مصدر نملكه في تراجم شعراء العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري .
وغرض المؤلف الأول من كتابه إنما هو تثبيت أشهر أغاني عصره بكلماتها وألحانها ، فقد كان الخليفة الرشيد (170/193هـ) أمر بعض مغني عصره أن يصطفوا له من بين الأغاني المشهورة مئة أغنية أو صوت (2) .
ولما تولى الخلافة حفيده الواثق ( 227/232هـ) طلب إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي أشهر مغني ذلك العصر ، أن يعيد النظر في هذه الأصوات المائة ، حيث طلب منه أن يختار من هذه عشرة ثم ثلاثة .
وكانت نقطة الانطلاق في كتاب أبي الفرج تثبيت هذه الأصوات بتقييد كلماتها وألحانها ، وذكر أسماء ملحنيها وشعرائها ومن هنا العنوان الذي اختاره لكتابه.
فالأصفهاني ... جعل الأصوات المائة أساس كتاب له سماه كتاب الأغاني. وبدأ الأصفهاني كتابه بالأصوات الثلاثة وأصحابه :
- بدأ بالشاعر أبي قــَطيفة ... ثم بالمغني مَعْبَد بن وَهب ، الذي غنى صوت أبي قطيفة...
- وثنى بالشاعر عمر بن أبي ربيعة ... ثم بالمغني عبيد بن سريج ، الذي غنى صوت عمر ...
- وثلث بالشاعر نـُصيب بن رباح ... ثم بالمغني مُسْلم بن مُحْرز ، الذي غنى صوت نصيب ....
- بعدئذ جاء بالشعراء والمغنيين على غير نسق مخصوص ...
وهو بهذا ينطلق منها صوتا بعد صوت حتى يتم المائة إحصاء ، أو بعبارة أخرى ، حتى يتمها تسعة وتسعين صوتا ، وهي عدد الأصوات الحقيقية التي سجلها...
ولكن قيمة الكتاب الموسيقية لا تكاد في الحقيقة تذكر إلى جانب ما أنطوى عليه من ثروة أدبية كبيرة .
ذلك أن أبي الفرج كان إذا ذكر صوتا من الأصوات أسهب في ترجمة الشاعر الذي اختير هذا الصوت من شعره ، كما أسهب في ترجمة المغني الذي وضع لحنه.
وقد يتفق أن يكون الشعر منسوبا إلى أكثر من شاعر واحد ، أو أن يكون قد وضع له أكثر من ملحن واحد ، فلا يتردد أبو الفرج في ذكر تراجم كل الشعراء الذين ينسب إليهم هذا الشعر وكل المغنيين الذين تعزى إليهم تلك الألحان ، كما أن الكلام على صوت من الأصوات وعلى ملحنه كثيرا ما يستدعي ذكر أصوات أخرى عرف بها هذا الللحن ، فلا يتردد المؤلف في ذكر أخبار الشعراء الذين تنسب إليهم هذه الأصوات .
وهكذا غدا الكتاب سجلا ضخما لتراجم أعلام الشعراء والغناء في عصر أبي الفرج والعصور التي سبقته ، كما غدا سجلا للحضارة العربية والإسلامية في كثير من مضامرها.
في كتاب الأغاني أربعمائة من الشعراء في الأكثر ، ومن المغنيين في الأقل ، ترجم لهم الأصبهاني تراجم مقصودة مبسوطة تساوى فيها أنسابهم وأخبارهم وأشعارهم وأصواتهم .
فإذا اعتبرنا الشعراء والمغنيين الذين ورد ذكرهم في كتاب الأغاني عَرَضا من شيء من أخبارهم وأشعارهم ، بلغ هؤلاء ألفا ومائتين .
فإذا اعتبرنا سائر الأعلام من الأدباء والولاة والخلفاء واللغويين والقواد والأعيان والعوام ، كان لنا في كتاب الأغاني ثروة تاريخية أدبية لا مثيل لها.
ثم إن في كتاب الأغاني صورة مبسوطة للحضارة العربية منذ الجاهلية إلى أواخر القرن الثالث للهجرة ، تتناول الحياة الاجتماعية في جانبها الهين الصرح في الأكثر :
مجالس اللهو والخمر ، حياة البلاط ، الأسواق الأدبية ، اللباس والطعام ، صلات الخلفاء والأمراء بالشعراء وبالعامة ، الغناء وأسبابه وقواعده الخ ...
وأما هدف الكتاب ومنهجه فهو مزيج من الموسيقى والأدب فمن خلال الموسيقى جمع الأصوات المائة التي اختارها المغنون للرشيد والأصوات بلغة عصرنا هي الألحان ، ومن خلال الأدب حشد أبو الفرج في كتبه استطرادا من النص الشعري الملحن اسم مغنيه وقائله وأخباره وأشعاره وبيئته وثقافته وصلاته بالناس وصورة عصره ووصف مجتمعه.... إلى غير ذلك مما سوف نعرض له بعد قليل بشيء من التفصيل .
فمن ناحية الغناء وهي الصفة الملازمة للكتاب ملازمة أبدية
لأن اختيار المؤلف لعنوانه كان "الأغاني" ، فإن الأصبهاني قد عمد إلى ذكر المائة صوت المختارة للرشيد وهي التي كان قد أمر كلا من المغنيين الكبار: إبراهيم الموصلي ، وإسماعيل بن جامع ، وفليح بن العوراء باختيارها له من الغناء الذي عرفوه ، وهذه الأصوات (الألحان) المائة كانت قد رفعت بدورها إلى الواثق بن المعتصم ، فرأى أن يدخل بعض التعديلات في اختيار الأصوات التي جمعت لجده ، وكان مولعاً بالطرب محبا للموسيقى مشاركا فيها ، حتى أنه صنع بنفسه مائة صوت (لحن) ليس فيها صوت ساقط.
إن الواثق يأمر إسحاق الموصلي أن يختار مما جمعه أبوه وزملاؤه أحسنها ويبدل منها ما ليس جديرا بأن يكون في المرتبة العليا من الأصوات بحيث يحصي تلك التي تجمع النظم العشر المشتملة على سائر نغم الأغاني والملاهي والأرمال الثلاثة إلى غير ذلك من التفاصيل الموسيقية التي لا يستطيع هضمها إلا من كانت له مشاركة فعالة في الموسيقى ثقافة وعزفا .
والواقع أن الرشيد حين أمر المغنيين بأن يختاروا له مائة صوت وتم له ما أراد .
وكتاب الأغاني فريد في بابه من حيث كونه أكبر مرجع عربي في ذكر الغناء وتاريخه وقواعده والآلات الموسيقية التي كانت على عصره أو سابقة عليه ، ولكي تكون على شيء من الحرص فنحن نستثني من ذلك كتاب "الموسيقى الكبير" ، للفارابي ، فإنه أكبر وأعظم عمل موسيقي عربي ، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين طبيعة الكتابين ، بحيث لا يجمل الخلط بينهما ، ولا تحمد المقارنة .
وكمصدر أعلى للغناء العربي فإن الأصبهاني يلم بكل المغنيين والمغنيات ، وفنونهم وأخبارهم وألحانهم ، في أجزاء الكتاب على صحة رقعتها ، ويعرِّف بأول من دوَّن الغناء العربي ، وهو الكاتب يونس بن سليمان من أهل المدينة ، الذي أخذ فنه عن الرعيل الأول من رواد الغناء العربي مثل معبد والغريض وابن سريج وابن محرز ، ولقد وصل صيت يونس وفضله إلى الوليد بن يزيد وهو من يعرف حبا للطرب وشغفا بالموسيقى وإقبالا على الملذات فاستقدمه من المدينة وقربه إليه وظل مقيما في الشام عنده حتى مقتله .
وقارئ كتاب الأغاني سوف يصادف في طريقه كثيرا من المصطلحات التي يستغلق عليه فهمها ،ذلك لأنها مصطلحات موسيقية بحتة ، وكلها متعلق بالعود العربي .
فمن هذه المصطلحات البم والمثلث والمثنى والزير .. إنها أوتار العود من أعلى إلى أسفل .
وللعب الأصابع على الأوتار أماكن ذات مسميات فـنية أيضا منها دستان الخنصر ، ودستان السبابة ، ودستان البنصر ، ودستان الوسطى .
ولعلنا نلاحظ أن الخنصر والبنصر و السبابة والوسطى هي الأصابع التي تتحرك بنانها على الأوتار مشدودة على عنق العود في رشاقة وانتظام فتحرك الأنغام متى كان صاحبها ملماً بفنه عارفاً بأصوات العزف.
وسوف يصادف قارئ الأغاني ، وبخاصة عند الأصوات أسماء يشكل
عليه أمرها حتى ليكاد ذهنه ينصرف إلى أوزان أبطال الرياضة في
زماننا مثل ثقيل أول ، وثقيل ثان ، وخفيف الثقيل الثاني ، وخفيف الخفيف ، فلا عليه من ذلك ، أنها قوانين الغناء ، وهي لا تخرج عن ثمانية قوانين .
إن هدف الكتاب في طبيعته حسبما ذكرنا موسيقى من ناحية الشكل العام ، ولكنه في واقعه كتاب عظيم من كتب أدبائنا العريق بل إن الناحية الأدبية فيه أوسع وأشمل منها من الناحية الموسيقية ، فهو والأمر كذلك لا يمكن اعتباره كتاب طبقات رغم احتوائه على هذا العدد الهائل من شعراء الجاهلية والإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجري ، فإن تلك الفكرة لم تجر لمؤلفه على خاطر ولم تلح له على بال .
الأغاني ، لأبي الفرج الأصبهاني
لأبي الفرج الأصبهاني (1) ، علي بن الحسين ...... كان أمويّا قرشيّا عربيّا ً... من الأدباء المحسنين والمصنفين المكثرين . حافظاً للحديث والأشعار ولأنساب العرب وأيامهم وأخبارهم .
وكان الأصبهاني من عصره السمع والبصر .
روى ..... وصوّر ..... وألـّف ، وكتابه الأغاني وحده يعدل مكتبة بأجمعها ويعد هذا الكتاب من أغنى الموسوعات الأدبية ، التي تعتز بها المكتبة العربية ، ولكن هذا الكتاب ، على غزارة مادته ، وتنوع موضوعاته ، هو أوسع مصدر نملكه في تراجم شعراء العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري .
وغرض المؤلف الأول من كتابه إنما هو تثبيت أشهر أغاني عصره بكلماتها وألحانها ، فقد كان الخليفة الرشيد (170/193هـ) أمر بعض مغني عصره أن يصطفوا له من بين الأغاني المشهورة مئة أغنية أو صوت (2) .
ولما تولى الخلافة حفيده الواثق ( 227/232هـ) طلب إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي أشهر مغني ذلك العصر ، أن يعيد النظر في هذه الأصوات المائة ، حيث طلب منه أن يختار من هذه عشرة ثم ثلاثة .
وكانت نقطة الانطلاق في كتاب أبي الفرج تثبيت هذه الأصوات بتقييد كلماتها وألحانها ، وذكر أسماء ملحنيها وشعرائها ومن هنا العنوان الذي اختاره لكتابه.
فالأصفهاني ... جعل الأصوات المائة أساس كتاب له سماه كتاب الأغاني. وبدأ الأصفهاني كتابه بالأصوات الثلاثة وأصحابه :
- بدأ بالشاعر أبي قــَطيفة ... ثم بالمغني مَعْبَد بن وَهب ، الذي غنى صوت أبي قطيفة...
- وثنى بالشاعر عمر بن أبي ربيعة ... ثم بالمغني عبيد بن سريج ، الذي غنى صوت عمر ...
- وثلث بالشاعر نـُصيب بن رباح ... ثم بالمغني مُسْلم بن مُحْرز ، الذي غنى صوت نصيب ....
- بعدئذ جاء بالشعراء والمغنيين على غير نسق مخصوص ...
وهو بهذا ينطلق منها صوتا بعد صوت حتى يتم المائة إحصاء ، أو بعبارة أخرى ، حتى يتمها تسعة وتسعين صوتا ، وهي عدد الأصوات الحقيقية التي سجلها...
ولكن قيمة الكتاب الموسيقية لا تكاد في الحقيقة تذكر إلى جانب ما أنطوى عليه من ثروة أدبية كبيرة .
ذلك أن أبي الفرج كان إذا ذكر صوتا من الأصوات أسهب في ترجمة الشاعر الذي اختير هذا الصوت من شعره ، كما أسهب في ترجمة المغني الذي وضع لحنه.
وقد يتفق أن يكون الشعر منسوبا إلى أكثر من شاعر واحد ، أو أن يكون قد وضع له أكثر من ملحن واحد ، فلا يتردد أبو الفرج في ذكر تراجم كل الشعراء الذين ينسب إليهم هذا الشعر وكل المغنيين الذين تعزى إليهم تلك الألحان ، كما أن الكلام على صوت من الأصوات وعلى ملحنه كثيرا ما يستدعي ذكر أصوات أخرى عرف بها هذا الللحن ، فلا يتردد المؤلف في ذكر أخبار الشعراء الذين تنسب إليهم هذه الأصوات .
وهكذا غدا الكتاب سجلا ضخما لتراجم أعلام الشعراء والغناء في عصر أبي الفرج والعصور التي سبقته ، كما غدا سجلا للحضارة العربية والإسلامية في كثير من مضامرها.
في كتاب الأغاني أربعمائة من الشعراء في الأكثر ، ومن المغنيين في الأقل ، ترجم لهم الأصبهاني تراجم مقصودة مبسوطة تساوى فيها أنسابهم وأخبارهم وأشعارهم وأصواتهم .
فإذا اعتبرنا الشعراء والمغنيين الذين ورد ذكرهم في كتاب الأغاني عَرَضا من شيء من أخبارهم وأشعارهم ، بلغ هؤلاء ألفا ومائتين .
فإذا اعتبرنا سائر الأعلام من الأدباء والولاة والخلفاء واللغويين والقواد والأعيان والعوام ، كان لنا في كتاب الأغاني ثروة تاريخية أدبية لا مثيل لها.
ثم إن في كتاب الأغاني صورة مبسوطة للحضارة العربية منذ الجاهلية إلى أواخر القرن الثالث للهجرة ، تتناول الحياة الاجتماعية في جانبها الهين الصرح في الأكثر :
مجالس اللهو والخمر ، حياة البلاط ، الأسواق الأدبية ، اللباس والطعام ، صلات الخلفاء والأمراء بالشعراء وبالعامة ، الغناء وأسبابه وقواعده الخ ...
وأما هدف الكتاب ومنهجه فهو مزيج من الموسيقى والأدب فمن خلال الموسيقى جمع الأصوات المائة التي اختارها المغنون للرشيد والأصوات بلغة عصرنا هي الألحان ، ومن خلال الأدب حشد أبو الفرج في كتبه استطرادا من النص الشعري الملحن اسم مغنيه وقائله وأخباره وأشعاره وبيئته وثقافته وصلاته بالناس وصورة عصره ووصف مجتمعه.... إلى غير ذلك مما سوف نعرض له بعد قليل بشيء من التفصيل .
فمن ناحية الغناء وهي الصفة الملازمة للكتاب ملازمة أبدية
لأن اختيار المؤلف لعنوانه كان "الأغاني" ، فإن الأصبهاني قد عمد إلى ذكر المائة صوت المختارة للرشيد وهي التي كان قد أمر كلا من المغنيين الكبار: إبراهيم الموصلي ، وإسماعيل بن جامع ، وفليح بن العوراء باختيارها له من الغناء الذي عرفوه ، وهذه الأصوات (الألحان) المائة كانت قد رفعت بدورها إلى الواثق بن المعتصم ، فرأى أن يدخل بعض التعديلات في اختيار الأصوات التي جمعت لجده ، وكان مولعاً بالطرب محبا للموسيقى مشاركا فيها ، حتى أنه صنع بنفسه مائة صوت (لحن) ليس فيها صوت ساقط.
إن الواثق يأمر إسحاق الموصلي أن يختار مما جمعه أبوه وزملاؤه أحسنها ويبدل منها ما ليس جديرا بأن يكون في المرتبة العليا من الأصوات بحيث يحصي تلك التي تجمع النظم العشر المشتملة على سائر نغم الأغاني والملاهي والأرمال الثلاثة إلى غير ذلك من التفاصيل الموسيقية التي لا يستطيع هضمها إلا من كانت له مشاركة فعالة في الموسيقى ثقافة وعزفا .
والواقع أن الرشيد حين أمر المغنيين بأن يختاروا له مائة صوت وتم له ما أراد .
وكتاب الأغاني فريد في بابه من حيث كونه أكبر مرجع عربي في ذكر الغناء وتاريخه وقواعده والآلات الموسيقية التي كانت على عصره أو سابقة عليه ، ولكي تكون على شيء من الحرص فنحن نستثني من ذلك كتاب "الموسيقى الكبير" ، للفارابي ، فإنه أكبر وأعظم عمل موسيقي عربي ، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين طبيعة الكتابين ، بحيث لا يجمل الخلط بينهما ، ولا تحمد المقارنة .
وكمصدر أعلى للغناء العربي فإن الأصبهاني يلم بكل المغنيين والمغنيات ، وفنونهم وأخبارهم وألحانهم ، في أجزاء الكتاب على صحة رقعتها ، ويعرِّف بأول من دوَّن الغناء العربي ، وهو الكاتب يونس بن سليمان من أهل المدينة ، الذي أخذ فنه عن الرعيل الأول من رواد الغناء العربي مثل معبد والغريض وابن سريج وابن محرز ، ولقد وصل صيت يونس وفضله إلى الوليد بن يزيد وهو من يعرف حبا للطرب وشغفا بالموسيقى وإقبالا على الملذات فاستقدمه من المدينة وقربه إليه وظل مقيما في الشام عنده حتى مقتله .
وقارئ كتاب الأغاني سوف يصادف في طريقه كثيرا من المصطلحات التي يستغلق عليه فهمها ،ذلك لأنها مصطلحات موسيقية بحتة ، وكلها متعلق بالعود العربي .
فمن هذه المصطلحات البم والمثلث والمثنى والزير .. إنها أوتار العود من أعلى إلى أسفل .
وللعب الأصابع على الأوتار أماكن ذات مسميات فـنية أيضا منها دستان الخنصر ، ودستان السبابة ، ودستان البنصر ، ودستان الوسطى .
ولعلنا نلاحظ أن الخنصر والبنصر و السبابة والوسطى هي الأصابع التي تتحرك بنانها على الأوتار مشدودة على عنق العود في رشاقة وانتظام فتحرك الأنغام متى كان صاحبها ملماً بفنه عارفاً بأصوات العزف.
وسوف يصادف قارئ الأغاني ، وبخاصة عند الأصوات أسماء يشكل
عليه أمرها حتى ليكاد ذهنه ينصرف إلى أوزان أبطال الرياضة في
زماننا مثل ثقيل أول ، وثقيل ثان ، وخفيف الثقيل الثاني ، وخفيف الخفيف ، فلا عليه من ذلك ، أنها قوانين الغناء ، وهي لا تخرج عن ثمانية قوانين .
إن هدف الكتاب في طبيعته حسبما ذكرنا موسيقى من ناحية الشكل العام ، ولكنه في واقعه كتاب عظيم من كتب أدبائنا العريق بل إن الناحية الأدبية فيه أوسع وأشمل منها من الناحية الموسيقية ، فهو والأمر كذلك لا يمكن اعتباره كتاب طبقات رغم احتوائه على هذا العدد الهائل من شعراء الجاهلية والإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجري ، فإن تلك الفكرة لم تجر لمؤلفه على خاطر ولم تلح له على بال .