المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغة العوالم المتخيَّلة



Prof. Ahmed Shafik Elkhatib
03/11/2006, 11:10 PM
فيما يلي ترجمتي للفصل السادس من كتاب ديفيد كريستال، اللغة والإنترنت، مطبعة جامعة كيمبردج، الطبعة الثالثة، 2002.

6 لغة العوالم المتخيَّلة

تشترك رسائل البريد الإلكتروني، ومجموعات الدردشة، والشبكة العنكبوتية في شيء واحد: أنها جميعا وسائط إلكترونية يضم الموضوع الذي تدور حوله – بقطع النظر عن الحالات العارضة للخروج عنه – أشياء حقيقية تدور في العالم الحقيقي. ولكن هذا الفصل يفحص سيناريو مختلفا: ألا وهو التفاعل حيث يكون الموضوع خياليا تماما. ويحدث كل التواصل بين المشاركين بالإشارة إلى شخصيات، وأحداث، وبيئات عالم متخيل. وتعرف هذه العوالم المتخيلة بأسماء متعددة، غير أن التسمية العامة الأكثر شيوعا هي اختصار الأحرف الأولى: MUDs.

وقد كان للمصطلح MUD تفسيران على مدى السنوات. فقد كان يشير أصلا إلى "Multi-User Dungeon" [الزنزانة متعددة المستخدمين]، وهو ما يعكس في العقلية الجماهيرية اسم الدور الرئيسي في اللعبة الخيالية المبتكرة في السبعينيات من القرن العشرين، والتي مازالت تُمارس ممارسة واسعة باسم ™ "Dungeons and Dragons" [الزنزانات والتنينات] علامة مسجلة. ومنذ ذلك الحين نُشرت مئات من مثل هذه الألعاب D&D [ز، ت]، مع توسيع المفهوم من عوالم متخيلة إلى الرعب، والخيال العلمي، والتاريخ، وغيرها من المجالات. وجميعها لها التوجه نفسه. وهي تمارَس من قِبَل مجموعات مكونة من شخصين أو أكثر. ويحدد أحد اللاعبين، والذي يعرف عادة باسم "قائد اللعبة" بيئة خيالية يتحرك خلالها اللاعبون ويتفاعلون، كما يحدد أنواع العقبات التي سوف يصادفونها، وأنواع القوى التي يتمتعون بها. ويبتدع كل لاعب شخصيته ويحدد صفاتها – حجمها، وشكلها، والجنس البشري الذي تنتمي إليه، وملابسها، وأسلحتها، وهكذا. وتدور المغامرات حول موضوعات موغلة في القدم، مثل البحث عن كنز، أو معركة بين الخير والشر، أو إنقاذ شخص في محنة. والألعاب التي تستمر عدة ساعات أمر مألوف، كما أن ألعابا مستمرة منذ سنوات أمر معروف. وتتمتع ألعاب الزنزانات متعددة المستخدمين بأوجه تشابه وثيقة، وإن كانت درجة تأثير ألعاب الزنزانات والتنينات تأثيرا مؤسسا في الفكر المحرك لألعاب الزنزانات متعددة المستخدمين تعد أمرا موضع جدال.

وفي هذه الأيام، تفسر كلمة MUD بأنها "البعد متعدد المستخدمين" بغرض الابتعاد عن إيحاء "الوحش الخرافي والقتال" (أو "الفأس والسكين") المرتبط بالتسمية السابقة. وبالرغم من أن المرادفات المتخيلة للألعاب الأقدم لا تستبعد اللعب الخيالي من نوعية "الزنزانة والتنين" فإن العوالم المتخيلة التي تُنتَج بمعاونة الحاسب الآلي تختلف كثيرا في موضوعها وبعضها يشتمل على عنصر ضئيل من الخيال أو لا يحتوي على أي قدر منه على الإطلاق. وبعض برامج الأبعاد متعددة المستخدمين عبارة عن ألعاب تُحرَز فيها النقاط وهناك فائزون وخاسرون؛ ولكن الكثير منها يدعم أنشطة لعب الأدوار التعاونية من نوع تعليمي، أو مهني، أو تجاري، أو اجتماعي. وقد تجتمع مجموعة من الناس بغرض الدردشة الاجتماعية، كما يفعلون في مجموعة دردشة متزامنة ( الفصل 5)؛ ويكمن الفرق في أنهم، إذا ما كونوا بعدا متعدد المستخدمين, فإنهم يتحدثون في عالم ابتدعوه لأنفسهم, وينتحلون شخصيات تتناسب مع هذا العالم. وقد طُبِّق هذا المفهوم في إطار المجال التعليمي, على سبيل المثال, حيث تولَّت مجموعات بناء أبعاد متعددة المستخدمين للانخراط في مناقشة للبحث الأكاديمي أو ممارسة التدريس في الكليات, أو لتسهيل التفاعل بين المعلمين والطلاب. ويمكن ابتداع موقف تعليمي بكامله في إطار بعد متعدد المستخدمين – سواء أكان خاصا بمن هم في سن السابعة أم السابعة عشرة. والعالم المتخيل قد يكون حرما جامعيا، أو قاعة درس، أو مركزا تجاريا؛ وقد يكون خياليا أو إعادة تركيب دقيقة لجزء من العالم الحقيقي. ولكن سواء أكان الغرض هو القتال أم المحادثة، التدمير أم المناظرة، البحث أم الترفيه، فإن الأبعاد متعددة المستخدمين تتمتع جميعها بشيء واحد مشترك فيما بينها: ألا وهو أنها قواعد بيانات تفاعلية تبتدع بيئات تتسم بالحيوية يتفاعل المستخدمون فيها في الوقت الحقيقي. كما كانت جميعها مبنية على أساس من النصوص.

وقد أنشئ أول بعد متعدد المستخدمين في عام 1979 – 1980، من تصميم عالميِّ الحاسب الآلي البريطانيين روي تربشو، وريتشارد بارتل في جامعة إسكس بالمملكة المتحدة. وعندما انتشرت فكرة البعد متعدد المستخدمين, تطورت تنويعات منها, مما ترتب عليه كثرة هائلة في اختصارات أوائل الحروف وتضم هذه ما يلي:

· ،LPMUD القائمة على لغة البرمجة LPC (ويأتي حرفا LP من عالِم الحاسب الآلي السويدي لارس بنسيو، الذي طوَّر الحاسب الآلي الأول في عام 1989)؛ وهي تجذب المبرمجين المتهمين بإدخال تعديلات على البيئات المتخيلة – من خلال إضافة ملامح وأوامر جديدة، وبصفة عامة استكشاف طرق لتوسيع المفهوم. وبالرغم من أنها كانت في الأصل ذات سمة "الفأس والسكين" فإن LPMUDS تشتمل الآن على جميع أنواع الموضوعات.

· Diku MUDs (الاسم مصدره قسم علوم الحاسب الآلي في جامعة كوبنهاجن Datalogisk Institute Københavns Universitet))، حيث اُبتكرت هذه التنويعة في عام 1990)؛ وبما أنها مكتوبة بلغة البرمجة C، فإنها تسمح بعمق أكبر في الأنشطة وتطوير الشخصيات داخل اللعبة نفسها. وهي مغامرات متقدمة من نوع البعد متعدد المستخدمين، وأحيانا تقارَن بتنويعة لعبة العالم الحقيقي المسماة "لعبة الزنزانات والتنينات" المتقدمة.

· Tiny MUDs، والمسماة هكذا لأن البرنامج المستخدم لتطويرها الذي ابتكره لأول مرة عالم الحاسب الآلي الأمريكي جيم أسبنز في عام 1989) كان أصغر من البرامج السابقة المستخدمة في الأبعاد متعددة المستخدمين، والموجودة داخل منظومة قاعدة بيانات ولا تعتمد على لغة برمجة مستقلة. وهي جميعها أبعاد متعددة المستخدمين "متكلمة"، تهدف إلى إتاحة بيئة اجتماعية تكون الدردشة هي النشاط الأساسي فيها (وإن كانت في عالم خيالي).

ولم تكن هذه سوى البداية. فقد طوَّر كل نوع من أنواع الأبعاد متعددة المستخدمين أنواعا فرعية خاصة به، ومعظمها ذات أسماء مختصرة مكونة من الأحرف الأولى، وتبدأ عامة بالحرف M. وبعض الأسماء مبنية على المعنى في العالم الحقيقي لكلمة "mud"، ["الطين"], وبالرغم من أنها مكتوبة بالحروف الكبيرة فإنها ليست اختصارات أحرف أولى على الإطلاق: وعلى سبيل المثال، فإن الأسماء المشتقة من TinyMUDs هي MUCKs (أو TinyMUCKs)، و MUSHes (أو TinyMUSHes)، حيث تكون الأسماء مجرد تنويعات طريفة على إيحاءات كلمة "الطين". إلا أن الأمر لا يحتاج وقتا طويلا حتى تبدأ أشباه اختصارات الأحرف الأولى تجتذب التفسيرات، وأصبحت MUSH بمرور الوقت تُفسَّر بأنها ("multi-user shared hallucination" ["الهلوسة المشارَكة بين العديد من المستخدمين"]. ومما يعطي أمثلة على المدى الموجود داخل مجال الـ MUCK هي DragonMUCKs، و FurryMUCKs، FuroticaMUCKs والتي تتسم بالغموض إلى حد ما، بالإضافة إلى Lion King MUCKs التي تتسم بتسمية تفسـر نفسـها إلى حد أكبر قليلا، ومثلها X-files MUCK. وإزاء وجود MUSEs، و MAGs، و MUGs فإنه يبدو أنه ليست هناك نهاية للابتكار في المفردات. وعند استخدام التقليد المتعارف عليه الخاص بالكلمة الناقصة جزءا، فإن مجال البعد متعدد المستخدمين يشار إليه أحيانا هكذا MU*.

أما MOOs فإنها لا تنتمي إلى الاختصار الذي ناقشناه. إذ إن كلمة MOOs تشير إلى "البعد متعدد المستخدمين الموجه نحو شيئ"، وهو ما يشير إلى الأشياء المبرمجة (الطرق، والأثاث، والأسلحة، إلخ…) التي يمكن ابتداعها والتحكم فيها في إطار العالم الخيالي. وقد ابتكره لأول مرة عالم الحاسب الآلي الأمريكي ستيفن هوايت في عام 1990، وهناك الآن الكثير من أنواع MOO أيضا، مثل LambadaMoo (وهو العالَم الاجتماعي الذي يزوره أكبر عدد من الناس)، و MediaMOO، والجمهور الذي درسته لين تشرى، وهو Else MOO. وعادة ما يشير أولئك الذين يكنون حبا للمصطلح MUD بوصفه مصطلحا عاما، إلى أنفسهم بأنهم MUDders أو MUDsters؛ أما أولئك الذين يندمجون مع MOOs بوصفها نوعا منفصلا فإنهم يشيرون إلى أنفسهم بأنهم MOOers أو MOOsters. ويوجد الكثير من الكلمات الجديدة: MOOmen، MOOwomen، MOOcode، MOOtalk، MOOnet، إلخ ،وربما يجعل شخص يشعر بتعاسة حقيقية إزاء الطريقة التي يمضى بها تفاعل ما شخصا آخر يرتكب MOOcide [انتحار على طريقة مو]. وتماما كما أنه بإمكان شخص أن "يطيِّن" ("كنت أطيِّن طوال الليل") فإن المرء بإمكانه أن "يمو". ووفقا للمسوح التي جرت حتى الآن، فإن معظم اللاعبين في البعد متعدد المستخدمين من صغار السن، الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و25 عاما، وغالبا ما يكونون طلابا (مستخدمين الدخول المجاني إلى الشبكة الذي تتيحه الكلية)، وإن كان المدى السني يصل إلى الأربعينيات، ويمكن أن يمتد عندما يعرف مزيد من الناس عن الوسيط . ومعظم اللاعبين من الذكور – أو هكذا يدَّعون.

ونظرا لأنه ليست جميع الأبعاد متعددة المستخدمين عبارة عن ألعاب، بالمعنى المعتاد، فإن هناك بعض الشك في استخدام الكلمة المناسبة للإشارة إلى أولئك الذين يشاركون بنشاط فيها: ومصطلح اللاعبون واسع الانتشار، غير أن بعض الذين يريدون الابتعاد عن إيحاءات ممارسة الألعاب يفضلون كلمة المستخدمون، وبخاصة في MOOs، التي ليست ألعابا بمعنى أن الناس يحرزون نقاطا، ويفوزون، ويخسرون. وبالرغم من ذلك، فإنه في جميع الحالات، هناك حاجه إلى التمييز بين اللاعبين والشخصيات التي يبتدعونها. إذ إن الشخصية هوية على الشاشة، باسمها الخاص وأوصافها المتعلقة بها؛ وقد تنتمي عده شخصيات بديلة (morphs) [أشكال] إلى لاعب واحد. وفي النظم الرسومية، حيث تُعرَض المواد المرئية جنبا إلى جنب مع النصوص، فإن الشخصيات غالبا ما يطلق عليها avatars [الشخصيات المجسَّدة]. ويمكن للاعب أن يكون له وجود على الشاشة أيضا – وهي تفرقه تصبح مهمة عندما يتوقف شخص عن لعب دوره ولكن يستمر في التفاعل "خارج الشخصية" (OOC)*. والمسيطر البشري على لاعب ما خارج الشاشة غالبا ما يسمى "الطابع"**. ومن حين إلى آخر، فإن هذا الكائن يمكن أن يشار إليه على الشاشة (مثلا، ربما رأينا جملة مثل "طابع شخصية لانجمان قد نفد صبره")، غير أن مثل هذا التصرف لا يحبذه أحد كثيرا. ويمكن للشخصيات أن تكون أي شيء على وجه الإطلاق – إنسانية، وشبه إنسانية، والية، ومن الفضاء الخارجي، وأسطورية، وميكانيكية، وحيوانية، وخضرية، ومعدنية … وإن كان للأبعاد متعددة المستخدمين أفضلياتها (مثل شخصيات شريرة من الفضاء الخارجي، في حين يصر بعضها الآخر على الشخصيات البشرية). وتحدد مجموعة الخصائص في حدها الأدنى اسم الشخصية، ونوعها (ذكر أو أنثى)، وجنسها (إنسان، عفريت، حيوان، إلخ…). وقد يحتفظ المخضرمون في مجال الأبعاد متعددة المستخدمين بأسماء شخصياتهم في مجموعات مختلفة (وليست هناك حدود، فيما عدا تلك التي يفرضها الوقت والعقل، لعدد مجموعات الأبعاد متعددة المستخدمين التي يمكن أن يلتحق بها المرء).

وعادة ما تكون الأبعاد متعددة المستخدمين تحت أيدي مديري النُّظم، والذين يشبهون في وظيفتهم المديرين الذين ذكرناهم في الفصل 5. وتختلف أسماؤهم (wizards ، programmers ، tinkers، ،gods arches ، imp[lamenter]s) [السحرة، والمبرمجون، والسمكريون، والآلهة، والرؤساء، والمنفذون] – وسوف أستخدم كلمة السحرة بوصفها المصطلح الشامل في هذا الفصل – غير أن جميعهم لاعبون ذوو خبرة بالموقع، وعادة لديهم قدره على البرمجة. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يضعون الأهداف، ويقدمون الأشياء، ويديرون بصفة عامة كيفية ممارسة اللعبة. ويُمنح اللاعبون الذين يكتسبون خبرة ومهارة في بعد متعدد المستخدمين مزيدا من السلطة، وقد يرتقون إلى أن يصبحوا سحرة. وهم يتمتعون بسلطات تقنية كبيرة، وقد يضطلعون بدور تأديبي ضد اللاعبين الذين لا يلتزمون بقواعد البعد متعدد المستخدمين، ويبحثون عن حالات الإغراق بالرسائل، وإشعال الغضب، والخداع (ص 45 وما بعدها) ويراقبون سلوكيات زائري الموقع (الضيوف). وتدرك مجموعات الأبعاد متعددة المستخدمين الحاجة إلى الكياسة بقدر إدراك جماعات الدردشة لها، ولكن في عالم متخيل، حيث يمكن لأي شئ أن يحدث، فإن هناك فرصا أكبر لسوء التصرف. وعلى سبيل المثال، فإنه من السلوك السيئ التنصت (من خلال دخول غرفة في صمت) أو الإرسال المفاجئ لشخصية إلى موقع آخر بدون موافقة اللاعب. كما أن هناك العديد من قصص التحرش الجنسي. وكما هي الحال مع مجموعات الدردشة فإن أي شئ من شأنه أن يزيد زمن التأخر (مثل الإغراق بالرسائل، أو استخدام أوامر معقدة تعقيدا غير ضروري) يعد أمرا غير لائق. وقد يجد المخالفون المصرون على المخالفة أنفسهم وقد حُرموا حرمانا مؤقتا من استخدام شخصيتهم (جُمِّدوا) أو يجدون أن شخصيتهم قد أصبحت محدودة في قدراتها أو حتى اُستبعدت تماما من مجموعة البعد متعدد المستخدمين (حُذفت). كما أن الأمر بالمنع من الكلام متاح أيضا، مما يمكِّن اللاعب ب من أن "يُخرس" اللاعب ق، وبذا يمنع رسائل ق من الظهور على شاشة ب فقط؛ وفي حين أنه يمكن ألا يدرك ق ما قام به ب، فإن تجمع عدد من قرارات الإسكات من قِبَل العديد من اللاعبين سرعان ما ينقل اعتراض المجموعة، مما يثير في ق إحساسا واضحا بالعزلة التواصلية.

وكما هي الحال مع مجموعات الدردشة، فإنه من المهم أن نتفهم حجم مجموعات البعد متعدد المستخدمين. ومعظم هذه المجموعات صغيرة، ولكن أكبر المواقع (وأبرزها LambadaMOO) تضم آلافا من الشخصيات المسجلة، ولاعبين غالبا ما يكونون بالمئات، بالرغم من أن عدد الأشخاص الذين يلعبون في الوقت نفسه أقل كثيرا، وهناك مؤشر على أن الأعداد ربما تكون آخذه في الانحسار. ولقد كان في مجموعة تشرني المسماة ElseMOO ثلاثون مستخدما متصلون في الوقت ذاته، مع وجود مائة أو نحو ذلك اتصلوا اتصالا متقطعا. إلا أن ثلاثين متخاطبا ليس عددا صغيرا بأي حال من الأحوال، وجميع التعقيدات اللغوية المتعلقة بإدارة مثل هذه الحالات، والتي نوقشت في الفصل السابق، نصادفها هنا مره أخرى. والتأخر، بصفة خاصة، يمثل مشكلة خطيرة في المجموعات الأكبر. بل إن LambdaMOO قد أدخلت "عدادا لقياس التأخر" على الشاشة في فترة من الفترات. وتدلى تشرني بتعليق ملائم يقول: "إن الشكوى من زمن التأخر في مجموعة البعد متعدد المستخدمين هي مقابل للشكوى من الطقس: إذ إنه يؤثر في الجميع، والكل لديه شئ ما ليقوله بهذا الخصوص". كما أن مشكلة حجم المجموعة تقلق الجميع أيضا؛ وتضع بعض المواقع الآن قيودا على إدخال شخصيات جديدة بسبب التزايد الهائل في عدد جمهورها، ولا يرحبون بالدعاية (وهذا هو السبب في أنني لا أعطي عناوين المواقع في هذا الكتاب). وفي الوقت نفسه، فإن مجموعات البعد متعدد المستخدمين يمكن أن ينتهي وجودها، بمجرد أن يشعر اللاعبون فيها بأنهم قد سئموا أو بمجرد انتقالهم إلى موقع آخر. وإذا ما تبنت مجموعات موقفا استبعاديا مبالغا فيه نحو العضوية فيها، فإنها تحد من احتمالات بقائها على المدى الطويل.

وبالرغم من أن الدردشة واسعة الانتشار في العوالم المتخيلة – حتى في ألعاب المغامرة – فإنه سيكون من الخطأ أن نفكر في مجموعات البعد متعدد المستخدمين بوصفها نوعا من مجموعات الدردشة (الفصل 5). إذ إن الحقيقة التي توجد في حالة مجموعة الدردشة، مثل الدردشة المتتابعة إلى الإنترنت، هي وظيفة المشاركين الموجودين على الخط وحدهم. استبعد الناس، فلا تجد شيئا متبقيا. أما الحقيقة التي تتضمنها مجموعة البعد متعدد المستخدمين, فإنها, على النقيض من ذلك، مستقلة عن اللاعبين. استبعد الطابعين، ولكن العالم المتخيل الذي ابتدعوه يبقى، مما يسمح للاعبين جدد بالدخول والتفاعل في أي وقت، طالما كان الحاسب الآلي مقدم الخدمة يعمل. وعالم مجموعة البعد متعدد المستخدمين عبارة عن قاعدة بيانات ذات أماكن وظيفية متصلة ببعضها (غُرَف)، وتوصف تبعا للموضوع الذي تتناوله المجموعة: إذ ربما تكون في قلعة، أو مدينة، أو محطة فضائية، أو كوكب, أو طريق، أو حقل – أو بطبيعة الحال، تكون محاكاة للحجرات في منزل عادي. وتوصف الغرف الموجودة باستخدام النصوص داخل قاعدة البيانات. وعندما تدخل إلى المجموعة فإنه يظهر على الشاشة وصف لأين أنت، بأسلوب مثل ما يلي:



أنت في ميدان في وسط مدينة لانجسكيب، على الكوكب زورب. هناك نافورة ضخمة في وسط

الميدان. إلى الشمال هناك أصوات معركة تدور في أحد الشوارع. إلى الجنوب يمكنك أن ترى

سلسلة من المحلات تبيع أحدث الأسلحة. [إلخ.]



واتجاهات البوصلة تشير إلى شاشة الحاسب الآلي: إذ يعنى "الشمال" أعلى الشاشة. وتبحر خلال عالم مجموعة البعد متعدد المستخدمين عن طريق أوامر نصية يمكن أن تكون عامة (مثل "تحرك غربا") أو محددة (مثل "اذهب إلى مركز التحكم"). وكلما تقدمت، فإن الشاشة تصف لك أين أنت، وأي غرف تمر من خلالها. وعندما تصل إلى مقصدك، وتدخل الغرفة، فإنه تحاط علما بالأشياء الموجودة بها، ومن يوجد فيها. وفي التتابع المألوف التالي، يطبع اللاعب الذي يتحكم في شخصية "لانجمان" التعليمات في السطر الأول:



> اتجه إلى مركز التحكم

سِرْ إلى السلم الشمالي.

اصعد السلم وادخل المكتب الخارجي.

اعبر المكتب وادخل غرفة التحكم.

أنت ترى:

صندوق يضم شرائط

جهاز تسجيل

كمية من الموز

نسخة نصف متآكلة من مجلة علم اللغة

الدكتور هنا

الأستاذ الجامعي هنا



واللاعبان اللذان يقومان بدور الدكتور والأستاذ الجامعي سوف يريان الرسالة التالية تظهر على شاشتيهما:



لانجمان يصل إلى مركز التحكم قادما من المكتب.



ويستطيع لانجمان أن "يتكلم" مع الشخصيات الأخرى في الغرفة، ويمكنه أن "يسمع" ما يقولونه. ويمكنه أن يجري محادثة خاصة مع شخصية أخرى في الغرفة نفسها مستخدما أمر الهمس. وهو لا يستطيع أن يسمع ما يجري في الغرف الأخرى، غير أنه يمكنه أن يتكلم مع شخص هناك من خلال أمر الصفحة. كما أن بعض مجموعات البعد متعدد المستخدمين تسمح أيضا بأمر الهمهمة الذي يراه الجميع فيما عدا لاعب محدد. (ولا يروق للجميع الأوامر الاستبعادية، وتحذر بعض المجموعات منها.) ومن الممكن أيضا أن نعرف عن شخصيات الجميع عن طريق كتابة أمر مناسب؛ ويستدعي هذا من قاعدة البيانات الأوصاف الذاتية التي حددها اللاعبون الآخرون. وعلى هذا, لو أراد شخص ما أن يعرف من هو لانجمان، فإنه يمكنه أن يطبع التعليمات التالية ويحصل على الاستجابة المناسبة:



> انظر لونجمان

إنسان آلي طوله 7 أقدام بُرمِج لكي يتكلم جميع لغات العالم. ويرتدي دائما

قبعة صفراء ومعطفا. ويسافر حول العالم باحثا عن أشخاص يتكلمون لغة

واحدة حتى يمكنه أن يعلمهم لغة ثانية.

وهو متحفز وجاهز للتحرك.

ويحمل:

هاتفا متنقلا

وحقيبة تضم معاجم

ومجموعة من بطاقات الزيارة



وعند أية لحظه معينة، يمكنك كتابة أمر من شأنه أن يستدعي قائمة بما بحوزة شخصية ما. وهذا أمر مهم في سياق لعبة ما، حيث يتعامل اللاعبون مع جميع أنواع المواقف الصعبة ويحصلون على الأسلحة، والكنز، والجماجم، والطعام، أو أي شئ يصادفونه في طريقهم (بالإضافة إلى نقاط تضاف إلى ما أحرزوه). وبالاعتماد على نوع مجموعة البعد متعدد المستخدمين، يمكن للاعبين أن يضيفوا غرفا جديدة، وأشياء، ومناظر، بل وأنواعا من الأوامر، مما يترتب عليه أن تختلف المواقع اختلافا بيِّنا. ومن الأوامر المألوفة @who [@ مَنْ] للعثور على لاعب آخر متصل؛ @where [@ أين] لمعرفة مكان وجود لاعب؛ و look أو examine [انظر أو افحص] للحصول على الأوصاف موضع الاهتمام؛ get, hand ، drop [احصل على، سلِّم، أسقط] للتحكم في الأشياء؛ go , join@ , teleport[اذهب، @ التحق، اطرد سريعا] للسيطرة على تحركات الشخصيات. وهناك تقاليد متعارف عليها لإسراع الطباعة، عن طريق استخدام اختصارات للأوامر.

وربما ليس هناك مجال آخر في الإنترنت يتيح مثل هذه الفرص للتعبير الإبداعي، والذاتي، والخيالي، كما أن احتمال أن هذه الحالة سوف ينشأ عنها تنوع لغوي مميز هو السبب الرئيسي لتناول مجموعات البعد متعدد المستخدمين تناولا منفصلا في هذا الكتاب. وحتى لو ثبت أنها مرحلة عابرة في تاريخ تطبيقات الإنترنت، فإنها تقدم مثالا رائعا على الكيفية التي يمكن للوسيط من خلالها تدعيم خط جديد من الإبداع اللغوي. وبالرغم من أن بعض مجموعات الأبعاد متعددة المستخدمين تكاد تتطابق في الغرض منها مع مجموعات الدردشة المتزامنة، فإن الحقيقة الواضحة التي تقول إنها تقع في عالم متخيل تكفي للحفز إلى اختلافات في نوع اللغة المستخدمة. ولا ينبغي التقليل من شأن المهارة اللازمة: إذ إن الأمر يتطلب وقتا حتى تصبح لاعبا ماهرا في مثل هذه المجموعات، وبعض ممارسي هذه الألعاب يشحذون مهاراتهم على مدار شهور أو سنوات (إذ إن "الحبكة" التي تقوم عليها مجموعة البعد متعدد المستخدمين لا تنتهي أبدا من ناحية المبدأ، ويمكن أن يعيد إرسالها شخص ما في منطقة زمنية مختلفة ما طوال اليوم وكل يوم). وعندما يصبح الوسيط أكثر "خبرة"، تبعا لذلك، فإن التقاليد اللغوية تصبح أكثر رسوخا وتقدما. وفي هذا الفصل، لن أستعرض تلك السمات المميزة لخطاب مجموعات البعد متعدد المستخدمين التي تتشارك فيها مع مجموعات الدردشة بصفة عامة، ولكن سوف أركز على تلك السمات التي تجعل هذا الخطاب مختلفا. وعلى سبيل المثال، فإن مشكلات التواصل المتعلقة بأخذ الأدوار نجدها هنا كما نجدها في مجموعات الدردشة؛ إلا أنه، في مجموعات البعد متعدد المستخدمين, هناك قضايا إضافية تنشأ من مدى خيارات الخطاب التي يتيحها الوسيط. وسوف أوضح الإجراءات بشيء من التفصيل أكثر مما فعلت في الفصول السابقة، ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى أن هذه الحالة من حالات الإنترنت معروفة بدرجة أقل، وجزئيا لأنه من الصعب الحصول على عينات من البيانات.

وتوجد طريقتان رئيسيتان للتواصل: القول، والوضع. ونمثل للقول بالاقتباس التالي من محادثة مفترضة بين لانجمان، الذي أقوم بتشغيله، والشخصيات الأخرى في غرفة التحكم، التي يديرها لاعبون آخرون. ولكي أجعل الشخصية الخاصة بي تتكلم فإنني أكتب:



> قل أهلا



وسوف يظهر هذا على شاشة كل شخص آخر كما يلي:



لانجمان يقول "أهلا"



وربما ردوا عليَّ.



الأستاذ الجامعي يقول: "طاب يومك"

الدكتور يقول: "كنت في أي مصيبة؟"



فإذا أردت أن أخص واحدا أو أكثر من الشخصيات، فإنني كان من الممكن أن أكتب أمرا موجها، مثل:



Ø قل للأستاذ الجامعي أهلا

Ø

وهو ما سيظهر على شاشات الجميع كما يلي:



لانجمان [للأستاذ الجامعي]: "أهلا".



وبطبيعة الحال فإن اللاعب الذي يدير شخصية الدكتور ربما حينئذ يتساءل لماذا لم أقم بتحيته – والأسباب لا شك مرتبطة بمرحلة سابقة من اللعبة.

أما طريقة التواصل من خلال الوضع (أو الهيئة)، فإنها تسمح لأحد اللاعبين بالتعبير عن أعمال شخصية ما، ومشاعرها، وردود فعلها، و إيماءاتها، وتعبيرات وجهها، وما إلى ذلك. ولا تستعملها جميع مجموعات البعد متعدد المستخدمين، غير أنها ملمح سائد في المجموعات التي تستخدمها. وهي في شكلها النموذجي عبارة عن جمل تقريرية في الزمن المضارع الغائب المفرد (بالرغم من أن أزمنة أخرى قد توجد في ظروف معينة). وعلى سبيل المثال فإن الأمر الموجه للشخصية التي أديرها:



> خذ وضع التحية



من شأنه أن يترتب عليه ظهور ما يلي على شاشات الجميع:



لانجمان يحيي.



إلا أنه على شاشتي أنا، تغير البرامجيات الرسالة إلى الشخص المناسب:



أنت تحيي



وبالمثل، فإنني قد أرغب في التعبيرعما يلي:



أنا أطبع الآخرون يرون أنا أرى

> أبدو متحيرا لانجمان يبدو متحيرا. أنت تبدو متحيرا.

> التقط المجلة لانجمان يلتقط المجلة. أنت تلتقط المجلة.



وبعض الأفعال شائعة شيوعا خاصا في التعبير عن الأوضاع: وفي مجموعة ليس تشرني، لاحظتْ كثرة تردد الأفعال يبتسم، يضحك، يلوِّح، يحيي، يضحك ضحكة عريضة، ينحني،

و يومئ. وتُمثَّل جميع السياقات الاجتماعية أو الذهنية – مثل يحتضن، يخمن، يفكر، يحدق، يؤخر، ويقتل. ومن الواضح أن هناك أمورا متشابهة مع التنوعات اللغوية الأخرى التي تحتوي على أوصاف متدفقة، مثل التعليق الإذاعي أو القص التعليمي (كما في وصفات كتب الطهي). غير أن الأوضاع تفعل أشياء لا تفعلها التعليقات، وهو ما يوضحه هذا التتابع:



راي لا يستطيع أن يتذكر

راي يمكن أن يقسم أنه التقطها …



وهذا يحرك التقليد المتبع تحريكا أكبر في اتجاه القص المنتمي لتيار الوعي.كما أن وظيفة التغذية الراجعة التي تزودنا بها الأوضاع مهمة أيضا، والتي يجري إيصالها ليس فقط من خلال الأفعال التقليدية ("س يوافق / يومئ/ يضحك ضحكة عريضة") ولكن من خلال الصياغة الذاتية للكلمات:



لارجو يهأهئ ["يقول هه"]

جاك يع ["يعترف"]

أنتوني يؤله*

بيت يفعِّل**



كما أن ممارسة تحويل نوع الكلمات إلى نوع آخر يقدم لنا أفضل السوابق: " Grace me no grace, uncle me no uncle " [لاتنعمني بنعمة، ولا تعممني كعمٍّ] (ريتشارد الثاني، الفصل 2، المنظر 3، السطر 86)، وإن كانت عمليات استخدام الظرف بوصفه فعلا*، وكلمة التعجب بوصفها فعلا تتسم بجرأة لابد من الاعتراف بها**.

ويضفي الأسلوب القصصي للأوضاع نكهة أدبية إلى حد ما على التفاعل, الذي يقترب اقترابا غريبا من النغمة التي تتسم بدرجة عالية من العامية المميزة للكلام المباشر. وتتابع مثل الآتي- والذي يضم حالة من التلاعب بالألفاظ، ووصفا أدبيا نمطيا، وإقحاما على المناقشة، وتركيبا وصفيا مفتعلا إلى حد ما – ليس أمرا غير مألوف:



تقول لين: "رجِّل رجلي يا توم"

بِنِي ترمق راي بشراسة

لين [مكلمة بنفولد] هيه

راي يضع الجرس الإلكتروني المزعج على شجرة عيد الميلاد



وهذا اقتباس من مجموعة ElseMOO التي درستها تشرني. والتعبير "eye warily" [ينظر بشراسة] هو وضع ابتكره لاعبو ElseMOO، والذي قدر له الاستمرار, فأصبح جزءا من عباراتها الاصطلاحية المميزة للهجتها ("س ينظر إلى ص بشراسة"، "س ينظر إلي نفسه بشراسة").وهم يستخدمونه أساسا بوصفه إشارة إلى عدم الارتياح، لإحاطة الآخرين علما بأنه هناك إيحاء خفي أو تهكم فيما قيل توا. وتنتمي تلك الحيلة إلى نوع التلميحات الأدبية كتلك التي نجدها في توم سويفتز [توم يسرع] وغيرها من حالات التلاعب اللغوي الطريف الذي يكشف عن وعي بالذات. كما ابتكرت مجموعات بعد متعدد المستخدمين أخرى كلمات وعبارات مفضلة لديها, تقوم بوظيفة الإشارة إلى الهوية في المجموعة، وإن كان الدليل على ذلك سماعيا فحسب. واستخدام الضمائر التي لا تشير إلى النوع (ذكر أو أنثى) مثل المجموعة التي اخترعها مايكل سبيفاك – وهي e, em, eir تُستخدم بحذر في بعض المجموعات, في حين تتجنبها أخرى. وليس واضحا, إزاء عدم وجود عديد من الدراسات على غرار دراسة تشرني, لأي حد يتسم استخدام معين بالعمومية. وعلى سبيل المثال, كم مجوعة بعد متعدد المستخدمين تستعمل تكرار الصيغة (مثل راي تومئ تومئ، بيت يلوِّح يلوِّح يلوِّح)؟ ونحن لا نعرف الإجابة.

والأوضاع مهمة لكونها وسيلة لإبراز بنية بعد النشاط الخاص بتفاعل ما – وذلك بإتاحة السياق غير اللغوي للكلام المباشر. غير أنها تضيف مزيدا من التعقيد لمهمة الحفاظ على ترابط الخطاب الذي ذكرناه في الفصل 5. وكما هي الحال مع مجموعات الدردشة, فإن عدة محادثات يمكن أن تجرى في الوقت ذاته, وعدم التوافق الزمني منتشر، والخيوط المتعددة (ص 123) أمور معتادة. ولكن في مجموعات البعد متعدد المستخدمين، جنبا إلى جنب مع الحاجة إلى تتبع خيوط الكلام المباشر، فإن هناك أيضا الحاجة إلى ربط الأوضاع بمثيرها المناسب. وربما لا يكون واضحا وضوحا مباشرا، في المثال التالي, ما إذا كانت ضحكة تكو موجهه للأستاذ الجامعي أو للدكتور. ومع نهاية التتابع, ازداد احتمال اللبس، مما جعل من الضروري للدكتور تحديد الشخص الذي يوجه جملته إليه.



لانجمان يقول: "لقد أعطيت الشرائط للأستاذ الجامعي"

الأستاذ الجامعي تطرف عينه

الدكتور يلوِّح لتكو

الأستاذ الجامعي يقول: "لم أحصل عليها"

الأستاذ الجامعي يقول: "أين وضعتها؟"

تكو يضحك.

تكو يقول: "أسف للتأخر"

لانجمان يقول: "في الثلاجة"

الأستاذ الجامعي يبدو عليه الرعب.

الدكتور يقول: "إنه أفضل مكان"

الأستاذ الجامعي يضحك ضحكة عريضة.

الدكتور [لتكو]: لا تفعلها مرة ثانية.



وللحد من مشكلات أخذ الأدوار, طوَّرت بعض مجموعات البعد متعدد المستخدمين (كما هي الحال مع مجموعات الدردشة) حيل خطابية – مثل وصف يتحكم فيه المدير، وتذكيرات بالموضوع، وإشارات متعارف عليها للتعبير عن الرغبة في الكلام أو ترك المجال للآخرين للتكلم (مثل رفع اليد، أو نطق كلمة انتهى عند الانتهاء). ويبتكر اللاعبون أنفسهم موضوعات متعددة داخل الرسالة الواحدة (على العكس من رسائل البريد الإلكتروني). ونظرا لأنهم يعرفون أن حجم الرسالة إنما يحدده اللاعب وحده (حيث إن حالات المقاطعة ليست ممكنة والتغذية الراجعة ليست مرئية إلى أن تُبعث الرسالة: ص 27), فإنهم كثيرا ما يقسمون رسالتهم إلى جمل أقصر مثل:



لانجمان يجد الموقف غريبا.

لانجمان لم ير شيئا مثل ذلك طوال حياته.

لانجمان يعتقد أن الدكتور ينبغي أن يعتذر فورا.

إلخ.

أو

لانجمان يقول: "الموقف غريب".

لانجمان يقول: "لم أر شيئا مثل ذلك طوال حياتي".

لانجمان يقول: "الدكتور ينبغي أن يعتذر فورا".



وهناك دائما, بطبيعة الحال, خطر أن يقحم لاعب آخر رسالة فيما بين هذه السطور. ولذا فإن مزيدا من التقاليد المتعارف عليها قد تُستخدم لتنبيه الآخرين إلى أن رسالة أطول في الطريق، وأن لاعبا يريد أن يبدأ الكلام، مثل بدء تعليق بكلمة حسنا. فلو كان قد بدأ هكذا:



لانجمان يقول: "حسنا…"



فإن الجميع سوف يعلمون أن حديثا فرديا كان في ذهنه. ومن الأمثلة الأخرى لتقاليد الخطاب هو نظام "الخسارة" الذي صادفته تشرني في إلسمو. وهذا ينشأ عندما يستجيب لاعبان لنقطة محددة بالطريقة نفسها. وتصل استجابة ب إلى الشاشة في حين مازالت كيو تطبع استجابتها. وترى كيو أن استجابتها لم تعد إليها حاجة، ولذا فإنها لا تبالي بإكمالها، مختتمة إياها بكلمة "أخسر". غير أنها ترسل الرسالة إلى المجموعة مع ذلك، ربما تلقائيا، وربما لتحيط الآخرين علما بأنها كانت أيضا في الحلبة. ومثال منقول إلى مجموعة البعد متعدد المستخدمين المسماة Langscape MUD يمكن أن يكون:



لانجمان يقول: "ماذا كان اسم ذلك الكتاب الذي ألفه تشومسكي في 56؟"

الأستاذ الجامعي يقول: "جوانب نظرية نظم الجملة"

الدكتور يقول: "جوانب نـ أخسر"



وهناك سلوك يشبه "الخسارة" يظهر في المحادثة وجها لوجه أيضا، عندما يبدأ شخصان الكلام في الوقت نفسه، ثم يترك أحدهما المجال للآخر (آسف – فلتمض قدما).



وفي صلب رسالة إلى مجموعة بعد متعدد المستخدمين، سوف نجد مدى من الصيغ والتراكيب اللغوية يشبه تلك التي نصادفها في مجموعات الدردشة وغيرها من الحالات غير الرسمية لكلام الشبكة – وعلى سبيل المثال، فإن اللاعبين يستخدمون المدى المعتاد من الصيغ المختصرة (wanna , donna , gonna , usta [used to]) [سوف أفعل، أريد أن، كان من عادتي، نوعا]، واختصارات ( LOL, BRB, BBL, إلخ.: ص 75)، والمؤتمرات الصوتية المتعارف عليها (aieee , mmmm , arrgh). ولكن عندما نرجع إلى الخلف لننظر إلى رسائل مجموعات البعد متعدد المستخدمين بوصفها تتابعا، فإننا نجد فروقا عديدة، وبخاصة في تلك المجموعات التي تستخدم الأوضاع. والانتقال المستمر بين القول والوضع ينتج عنه واحد من أكثر الملامح المميزة لأسلوب مجموعات البعد متعدد المستخدمين: ألا وهو الانتقال بين المتكلم والمخاطب والغائب. إذ إن هناك مراوحه دائمة بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب في جمل الخطاب المباشر، وضمائر الغائب في الوضع الذي يشبه التعليق، كما يوضح المثال التالي:



لانجمان يقول: "أنا أسف".

الدكتور ينظر إلى لانجمان في شك.

الأستاذ الجامعي يقول: "لا تبالِ، فلدينا الكثير من الوقت".

الدكتور يقول: "حسنا، خمس دقائق ".

الأستاذ الجامعي يضحك ضحكة عريضة.

لانجمان يُسقط المجلة.

لانجمان يبدو خجلان من نفسه كما يليق به.



واستخدام ضمير المخاطب للتعبير عن وضع ما من شأنه إثارة اللبس، وهناك اتجاه إلى تجنبه. إذ لو قالت الشاشة: "الدكتور ينظر إليك بشك"، فإن اللاعبين (وربما يكون هناك الكثير منهم في الغرفة) قد لا يكونون متأكدين أيهم المتلقي المقصود.

وتحدث مجاورة مشابهة للأساليب عندما تضاف رسائل ولَّدها الحاسب الآلي إلى الخليط الذي يتكون من جمل الكلام المباشر والتعبيرات عن الأوضاع. والأسلوبان الأخيران، بالرغم من الفروق بينهما، تجمعهما نغمة عامية بصفة عامة واستعداد للابتعاد عن معايير اللغة الإنجليزية المعيارية؛ إذ إن الجمل التي يولدها الحاسب الآلي من المعتاد أن تكون بلغة إنجليزية نموذجية رسمية إلى حد كبير، فيما يتعلق بالهجاء، وعلامات الترقيم، واستخدام الحروف الكبيرة، والتراكيب. وتأثير الإنجليزية النموذجية موجود في كل مكان، وفي حقيقة الأمر، بغض النظر عن المحاولات الدائمة للابتعاد عنه. بل إنه في سياقات الكلام المباشر، يمكن للاعبين في مجموعات البعد متعدد المستخدمين أن يُظهروا إحساسا قويا بمعايير التواصل. وبالفعل, فإنه على امتداد حالة العوالم المتخيلة، كما هي الحال في مجموعات الدردشة، ليس الأمر "كل شئ مباح" بأي حال من الأحوال. إذ إن للمحظورات وجودا قويا، واللاعبون لديهم حساسية ضدها. والأداء اللغوي التعاوني شرط ضروري للترحيب بلاعب جديد. فإذا كانت الجمل التي يستخدمها شخص ما غير دقيقة بصورة جامحة في الطباعة أو الهجاء، فإن اللاعبين الآخرين سوف ينتقدونها، بل وقد ينتقدها اللاعب، كما في التعليقين: كل ما في الأمر أنني فقدت أصابعي، أنا طابع سيئ.

والانطباع الأكبر عن لغة مجموعات البعد متعدد المستخدمين هو أنها خليط من الأساليب – وهو أمر لا يكاد يثير الدهشة، إزاء تعدد الوظائف التي أصبحت تقوم بها (من ألعاب المغامرة إلى البرمجة الاستكشافية إلى المناقشة الجادة إلى صيغ الإهانة إلى الدردشة القائمة على النميمة) – وأيضا اهتمامها الصريح في بعض الأحيان بأن تكون لها هويتها الفريدة. وتختلف الأفضليات حول حجم المجموعة: إذ تفضل بعض مجموعات البعد متعدد المستخدمين لاعبين كثيرين، مما يجعل الجو أشبه بحفلة، في حين تريد أخرى أن يكون العدد صغيرا، اعتقادا أن الحفلات تتضمن الكثير من الصخب (الإغراق). وبعض المجموعات تتعايش مع مشكلة كثرة اللاعبين من خلال تشجيع تكوين مجموعات فرعية – حيث تذهب مجموعة من اللاعبين إلى غرفة أخرى، أو يهمس بعضهم إلى بعض كثيرا. وتجد مجموعات أخرى مثل هذه الممارسات غير اجتماعية. كما أن الأسلوب الذي تستخدمه مجموعة معينة يتوقف إلى حد بعيد على عدد المشاركين الذين يحاولون الكلام في الوقت نفسه. وقد وجدت تشرني أنه إذا كان هناك أكثر من ستة لاعبين يتكلمون معا خلال دقيقة، فإن عدد كلماتهم في الدقيقة تناقص. وقد يستخدم اللاعبون عددا أكبر من الجمل في الدقيقة، ولكنهم يضعون عددا أصغر من الكلمات داخلها. ومما لا شك فيه أن هذا يرجع، كما تشير تشرني – إلى أن الناس عليهم أن يقرأوا رسائل اللاعبين الآخرين في حين يطبعون رسائلهم، وكلما زاد مقدار ما يقرأونه أو يفكرون فيه، قل الوقت المتاح لهم للكتابة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه عندما يرسل عدد كبير من اللاعبين رسائل قصيرة في الوقت نفسه, فإن الشاشة تتحرك إلى أعلى بسرعة كبيرة. وعلى سبيل الملاحظة العابرة، فإنه يبدو لي أن أولئك اللاعبين الذين يحاولون المذاكرة أو يقومون بأي عمل آخر خلال التحاقهم بمجموعة بعد متعدد المستخدمين لابد من أن يمروا بوقت عصيب – وإن كنت قد تأثرت بذكر تشرني تعليقا، فيما يخص التفاعلات في Tiny MUD من أنه "من الممكن أن تعمل الواجب المنزلي في مادة التفاضل والتكامل وأن تمارس جنسا خفيفا في الوقت نفسه، إذا كنت تطبع بسرعة."

كما تختلف مجموعات البعد متعدد المستخدمين اختلافا بيِّنا فيما يتعلق بالاقتصاد في التعبير المرتبط بالتفاعل في كلام الشبكة. إذ تطوِّر بعض المجموعات نموذجا بليغا للتفاعل، حين تحتل الجمل الجانب الأيسر فقط من الشاشة، مع سطور بطول الشاشة قليلة نسبيا: وأظهرت عينة مكونة من 100 جملة، مأخوذة من سجل "جلوريا"، بعد استبعاد صيغ "س يقول"، أن متوسط عدد الكلمات في السطر كان 4.75 كلمة، وأن ثلثي الرسائل كان أقل من 5 كلمات – وهو ما يشبه الأطوال القصيرة التي نجدها في مجموعات الدردشة المتزامنة (ص 140). وعلى الجانب الآخر، أوضحت عينتان أخريان من الموقع نفسه مجموعة أكثر اكتمالا، وأكثر استطرادا من جمل الكلام المباشر: مجموعة "الوردة السوداء"، بمتوسط 8.7 كلمة في الجملة، ومجموعة "الإخفاق الكلاسيكي" بمتوسط 7.68 كلمة، وكلتاهما تضم عدة تتابعات من الجمل تتكون من أكثر من 20 كلمة. أما الكلام غير المباشر (الوضع) فقد شكل أيضا ملمحا مهما في هاتين العينتين (على النقيض من "جلوريا"، حيث لم تستخدم أية أوضاع)، وأوضحت هذه مدى مشابها، يتراوح بين الموجزة (حالم اليقظة يبتسم) والممتدة (زد يخرج لكي يعيد ترتيب غرفته الوحيدة في كلاسيك دليلا على الاحتجاج. ولم يعتقد أن يكون له أي اعتراض على الإدارة هناك.). واستخدام أكثر من جملة في المثال الأخير جدير بالملاحظة، إذ إنه يوضح إلى أي مدى يمكن لتركيب الوضع أن يتسم بالاسترخاء. وبالفعل، فإن تفكك التركيب أمر شائع، عندما يفقد المتكلمون السيطرة على وجهة نظرهم. وفي المثال التالي، من "الإخفاق الكلاسيكي"، ينتقل اللاعب من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم في الرسالة نفسها:



يشير ميزو إلى أن الناس على جانبي حملة انتقاد بروس يفعلون أشياء تؤثر في الآخرين، أيضا. وربما أنت لست – ملتزما – بأن تحتفظ بأشيائك إلى جوارك، ولكنني أقترح أنه على الأقل من

سوء الأدب أن تتسرع لمجرد إشباع رغبتك في معارضة بروس عندما يؤثر ذلك في مستخدمي

مجموعة البعد متعدد المستخدمين كذلك.



وربما كلما كانت الرسالة أطول، كان الموضوع أكثر خطورة، وكلما كان اللاعب مندمجا عاطفيا قلت العناية والاهتمام اللذان يبذلهما من أجل الحفاظ على التقاليد المتبعة في التعبير. وهذه العوامل تختلف بطبيعة الحال اختلافا بيِّنا فيما بين مجموعات البعد متعدد المستخدمين وأيضا داخلها.

وهناك بعض الدلائل على وجود قلق عام فيما يتعلق بالاقتصاد في التعبير. وعلى سبيل المثال، فإن الكلمات الوظيفية كثيرا ما تحذف – مثل حروف الجر (جون يلوِّح ساندي)، وأفعال الكينونة (مايك سعيد* ), والأفعال المساعدة (رِكْ يصل هناك)**, وأحيانا تحذف تتابعات مع الكلمات الوظيفية، مما يعطي الجملة سمة تشبه الرطانة (بنفولد مزاج سيئ). وهناك دافع إلى الحذف أكثر من مجرد تحقيق سرعة أكبر في الطباعة. وربما كان من الأفضل النظر إلى أشكال الحذف هذه بوصفها ملامح لهجية ازداد استخدامها نتيجة للضغط الحاد من أجل التوفيق بين أعضاء المجموعة (ص 131). ولا يمثل الاقتصاد في التعبير القصة كلها، كما يمكننا أن نوضح بسهولة من بنية التعبير عن الأوضاع، التي غالبا ما تستخدم تعبيرات على درجة كبيرة من التعقيد، ومن أمثلة مثل onna ["on a"] و atta ["at a"]، التي تستخدم بالفعل ضغطة إضافية على لوحة المفاتيح لطباعة الحرف الزائد.*** ومن ناحية أخرى فإن أي شئ من شأنه إسراع الطباعة سوف يكون موضع تقدير – وإن اقتصر على الإقلال من الإصابة بالإجهاد العضلي المتكرر. ومن أمثلة هذا التقليد /s (راجع ص 83)، المستخدم لتصحيح بعض أنواع أخطاء الهجاء، والذي يتخذ الشكل s / old string / newstring [الكلمة الجديدة / الكلمة القديمة / s]. وعلى سبيل المثال:



لانجمان: كان ينبغي أن تعطيني مهلة أسبوع

لانجمان: [شهر / أسبوع / s]



وهذا يعني: "استبدل كلمة شهر في الجملة السابقة بكلمة أسبوع" – وبذا يجري تجنب طباعة الجملة بأكملها ثانية. ويمكن أن يتدخل لاعبون آخرون. فإذا شعر الأستاذ الجامعي أن شهرا لم يكن كافيا، فإنه قد يضيف:



الأستاذ الجامعي: سنة / شهر / s



غير أن هذا التقليد ليس متبعا في جميع المجموعات بأي حال من الأحوال، نظرا لأنه يتطلب قدرا معينا من الإلمام بالبرمجة.

ويعكس التنوع في الاستخدام فيما بين مجموعات البعد متعدد المستخدمين جزئيا الفروق اللهجية المتزامنة بين المجموعات الواعية بأقصى درجة بهويتها إلى حد استبعاد الآخرين. وكل مجموعة لها مصطلحاتها المفضلة، وجملها التي تمثل طقوسا لها، وأوامرها الخاصة بها. واستخدام الأوضاع أو عدم استخدامها هو أحد الحدود اللهجية الكبرى – وهو ما أعتقد أننا يمكن أن نطلق عليه icocybe [ الحد الفاصل في فضاء الاتصالات]. ويمثل مدى الأشكال الباسمة وتكرارها حدا آخر. ولكن التنوع يعكس أيضا التغير اللغوي. وهناك إشارة باستمرار في حوارات إلسمو إلى "كيف كانت الأمور" – أي إلى التاريخ اللغوي للمجوعة, وإلى الاستخدام الذي عفا عليه الزمن، وإلى أصول المصطلحات، وإلى نكات وقصص قديمة، وما إلى ذلك – ويبدو أن النقاش اللغوي حول المناقشات أمر شائع في حالات الدردشة بمساعدة الحاسب الآلي. وفي حقيقة الأمر فإنه من الحيل العادية تماما، وبخاصة عندما يكون المحتوى الحقيقي غائبا، أن تبحث مجموعة في داخلها، وتبدأ في الحديث عن كيفية كلامها. وعند الاستماع لهذه الأمور التاريخية، فإن الموضوع الذي يتكرر هو إلى أي حد ابتعدت مجموعات البعد متعدد المستخدمين عن غيرها من المجموعات، وكيف أنها تبنت تقاليد لغوية جديدة خلال هذه العملية.

وأكثر مجال يتضح فيه الاتجاه اللغوي الذاتي لإحدى مجموعات البعد متعدد المستخدمين هو في ولعها بالتلاعب باللغة. وجميع المجموعات تتلاعب، ولكن بعضها يتلاعب أكثر من المجموعات الأخرى, كما أن بعضها يتلاعب بملامح لغوية معينة أكثر من الأخرى – من خلال استخدام رموز أسكي* على سبيل المثال، أو تتابعات من الأشكال الباسمة الطريفة. ومهما تكن القواعد التي أرستها مجموعة معينة من مجموعات البعد متعدد المستخدمين، فإنها موجودة لكي يُلوَى عنقها وتُكسر. ومجموعات البعد متعدد المستخدمين مثل إلسمو، والتي تعتمد اعتمادا كبيرا على الأوضاع، تبدأ في التلاعب بها – وقد وجدت تشرني أمثلة عديدة للتلاعب الجانبي بالأوضاع وأيضا بما أسمته "الأوضاع الفارغة"، حيث تتعمد إحدى الشخصيات كسر قواعد الخطاب:



تقول لين: "ما غريب الأطوار؟"

توم



(وبأسلوب آخر، توم غريب الأطوار). وهذا يشبه إلى حد ما نكتة "خبط –خبط" السخيفة:



خبط – خبط

من هناك؟

الدكتور

الدكتور (مَنْ)؟

أوه، أحسنت التخمين.



وكما هي الحال في جميع مستحدثات السلوك المتعلق بإطلاق النكات، فإن مجموعات البعد متعدد المستخدمين المختلفة يمكن أن تنتقد إلى أقصى حد ما تعتبره صبيانية في التلاعب باللغة الذي تمارسه المجموعات الأخرى.





عالم اَخذ في التطور


تعمل مجموعات البعد متعدد المستخدمين في عالم غريب يشبه عالم أليس*, حيث يمكن لأي شئ أن يحدث. وقد يجد لاعبان نفسيهما يفعلان أشياء مستحيلة منطقيا. إذ قد تقرر اللاعبة ب التقاط قطعة من الشيكولاتة وأكلها، وتحيط الجميع علما بأنها فعلت ذلك، وفي الوقت ذاته، فإن اللاعب كيو يقرر أن يلتقط قطعة الشيكولاتة نفسها ويأكلها، ويبلغ الجميع بأنه فعل ذلك. ويمكن أن يُقتل الناس ثم يعودون إلى الحياة مرة أخرى بعد دورة أو دورتين. كما أن الأشياء يمكن أن تغير حجمها، وشكلها، ولونها. والسفر عبر الزمن والاختفاء المفاجئ أمور عادية. ومع احتمال وجود التعارض, فإن اللغة المرتبطة بهذا تبدأ في أن تمتد بطرق لا يمكن لأوصاف الحقيقة التقليدية أن تتناولها، فتمنح صلاحية لجُمل من شأنها أن تكون موضع تساؤل وعدم قبول في لغة العالم الحقيقي. وهو عالم يمكن فيه بالفعل للأفكار الخضراء عديمة اللون أن توجد, وأن تنام بغضب.** كما أن استخدام لعب الأدوار يُبعد التفاعلات في مجموعات البعد متعدد المستخدمين بعدا أكبر عن الواقع. ويسمح عدم معرفة هوية اللاعبين لهم بأن يُدخلوا جميع أنواع المبالغات والخداع (ص 45).

وربما عندما تصبح العوالم المتخيلة أقل اعتمادا على النصوص وأكثر اعتمادا على الرسوم، فإنها سوف تصبح أكثر شبها بالعالم الحقيقي، وبذا تفرض قيودا أعظم على اللغة المستخدمة. ويمكن لوسيط يقوم على النص أن يتعايش بدون قلق مع "الأخضر عديم اللون"؛ أما الوسيط الرسومي فإنه لا يمكنه ذلك. ولذا فإنه من المهم ملاحظة أنه، كما هو الوضع في حالات كلام الشبكة الأخرى، قد بدأت مجموعات البعد متعدد المستخدمين في تطوير بعد متعدد الوسائط. والتفاعل المتزامن واستخدام البريد الإلكتروني يوجدان بالفعل في بعض المواقع، مع تخزين الرسائل في قاعدة البيانات. وكثيرا ما تُستخدم قوائم البريد في أغراض مثل توزيع المعلومات العامة، وتقديم الالتماسات، وتنظيم الاقتراعات. ويرحب بعض الناس بالخيارات الجديدة، ويعارضها آخرون؛ وعلى سبيل المثال، فإن بعث الرسائل المتزامنة، يعد وسيلة لمنح المزيد من اللاعبين فرصة أكبر للاشتراك في المجموعة، غير أنه, فيما يتعلق بأولئك الذين لا تمثل لهم تجربة مجموعات البعد متعدد المستخدمين سوى تجربة في الزمن الحقيقي، وهو ما يعد مسألة ثقافية أكثر منها مسألة تكنولوجية، فإن مثل هذه التعبيرات يمكن أن ينظر إليها بوصفها ضلالة.

ولغة العوالم المتخيلة, كما هي الحال مع مجموعات الدردشة بصفة عامة, من الصعب دراستها, تماما كما كان من الصعب دراسة لغة المحادثة غير الرسمية وجها لوجه في بواكير البحث اللغوي. ولا يبالي كثير من مجموعات البعد متعدد المستخدمين بحفظ تفاعلاتها (وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل إجراء بحوث على تاريخ الوسيط أمرا غير سهل)، وعندما تفعل, فإنه من السهل أن تتعرض للتحرير. وبعض السجلات التي وجدتها، في معرض البحث بخصوص الفصل الحالي، قد جرى تنقيتها بعدة طرق, مع حذف المعلومات الحساسة فيما أظن. ثم, بعد الحصول على عينة يمكن الاعتماد عليها, فإن السؤال المهم المتعلق بالخصوصية لابد من أخذه في الحسبان. ومثل هذه القضايا طالما جرى تناولها تناولا مُرضيا في البحوث المسحية اللغوية الكبرى التي أُجريت في العقود الأخيرة؛ وتحتوي كل مادة علمية كبرى الآن على قدر مهم من البيانات المتعلقة بالمحادثة، كما أن اتخاذ الإجراءات المناسبة لعدم كشف الهوية تعد أمورا روتينية في هذه الأيام. إلا أن دراسة محادثات كلام الشبكة, مازالت بعيدة بعدا كبيرا عن هذه المرحلة, إزاء حساسية المشاركين حول "ملكية" جُملهم, وحيرة الباحثين الشديدة فيما يتعلق باحترام هذه الحساسيات من عدمه. وتشير تشرني, التي تحيرت أكثر مما فعل معظم الباحثين، إلى أن اللاعبين أنفسهم ليسوا متأكدين من وضع حالتهم:



إن الفهم الكامل لثقافة مجموعات البعد متعدد المستخدمين يتطلب فهم تأرجح معظم المشاركين

في هذه المجموعات تجاه نصوصهم, التي تظل ترفرف بين المرور العابر للكلام وبقاء الوثائق.



ويبدو أن صلب الموضوع هو ما إذا كانت مثل هذه النصوص تُعَدُّ بيانات عامة من عدمه. فمن ناحية, يمكن الجدال بأنه بمجرد وضع كلماتك على شاشة يمكن أن يصل إليها عدد غير محدد من الناس الذين لا تعرفهم، فإنك بالفعل قد قدمت إقرارا علنيا, يمكن استخدامه, مع الإشارة المناسبة, بالكيفية نفسها التي يمكن بها استخدام البيانات العامة (مثل مقالات الصحف). ووفقا لوجهة النظر هذه, فإنه في إطار التقليد المعتاد الخاص بـ "الاقتباس العادل" فإنه بإمكاني استخدام استشهادات من هذه المحادثات دون أن أطلب إذنا مسبقا. ومن ناحية أخرى, نظرا لأن لاعبي مجموعات البعد متعدد المستخدمين ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم ينتمون إلى مجتمعات متخيلة، ويتفاعلون مع لاعبين (أو على الأقل الشخصيات التي يتحكمون فيها), يصبحون أحيانا على معرفة جيدة بها ويتناولون موضوعات تتسم أحيانا بالحميمية في طبيعتها، فإن هناك إحساسا سائدا بأن ما يقولونه أمور خاصة, وينبغي احترامها.

وطبقا لوجهة النظر هذه, فإنه ينبغي أن أطلب الإذن من الجميع قبل الاقتباس من أقوالهم.

وقد استخدمت البحوث المسحية حول الاستخدام كلتا الطريقتين. ونظرا لأن بعض الظروف تتسم بدرجة عالية من العمومية, وتشتمل على عدد كبير جدا من الناس, فإنه من المستحيل التحكم في عملية استئذان تركز على الأفراد، إذ قد يكفي إذن من المؤسسة التي ينتمون إليها. وأتذكر، عودةً إلى الوراء في الستينيات من القرن العشرين, مناقشة بشأن الدراسة المسحية للاستعمال في اللغة الإنجليزية حول من ينبغي الاتصال به، لو وُجد أنه من الضروري الحصول على تصريح من "المشاركين" باستخدام جزء من التعليق المذاع الخاص بلعبة الكريكيت. وقد اتضح أن المرء ينبغي ألا يطلب الإذن من المعلقين فحسب, ولكن أيضا من منتج البرنامج، ورئيس القسم الذي ينتمي إليه المنتج، وكل لاعب كريكيت ذُكر اسمه في التعليق، بالإضافة إلى أي شخص آخر أشير إليه، ومن بينهم ملكية أي شخص متوفى ورد ذِكره! فكانت اتفاقية بسيطة مع هيئة الإذاعة البريطانية, آخذة في الحسبان الأغراض المحدودة للوصف اللغوي، هي المخرج المعقول. ومن ناحية أخرى فإن المحادثات التي يجري تسجيلها تسجيلا خاصا, مثل تلك التي قمت أنا وديريك ديفي بتسجيلها لكتاب الإنجليزية للمحادثة المتقدمة قد تطلبت إذنا شخصيا, جنبا إلى جنب مع الإجراءات المناسبة لضمان عدم إفشاء الهوية (مثل تغيير جميع أسماء الأعلام إلى صيغ مشابهة صوتيا).

وتحتل حالة مجموعات البعد متعدد المستخدمين مكانا حائرا بين الإجرائين. وليس السبب في هذا هو الوضع غير المؤكد للنصوص بوصفها كلاما أو كتابة-وذلك لأن الأمور نفسها بالضبط تنطبق على الوسيط المكتوب (مثل ما يتعلق باستخدام النص المكتوب لرسالة غير رسمية). كما أن الأمر لا يتعلق بالحميمية: إذ إنه ينبغي التمييز بين المعلومات الشخصية والمعلومات ذات الخصوصية. إذ إن المعلومات ذات الخصوصية قد لا تكون شخصية، كما أن المعلومات الشخصية قد تكون عمومية تماما (كما في حالة النقوش على شواهد القبور). بل إن الأمر يتعلق بالتمييز بين الطابع / اللاعب / والشخصية، وما إذا كان ما نتعامل معه هنا هو في حقيقة الأمر حقيقة أم خيالا، إزاء إخفاء الهوية وخيالية الموقف بأسره. وأتذكر أن أنتوني بيرجيس قد سئل ذات مرة بعد محاضرة ألقاها، عندما هاجمه شخص بسبب شئ "كان قد قاله" في إحدى رواياته: فقد رد بيرجيس بقوله: "لم أقل ذلك؛ بل شخصيتي التي ابتدعتها قالت ذلك". وهو الموقف نفسه هنا، فلو أنني ديفيد كريستال التحقت بمجموعة بعد متعدد المستخدمين بوصفي الملاح العفريت "دافيديا"، فهل أنا مسئول عما تنطق به شخصيتي، وهل لديَّ أى أساس للاعتراض إذا ما اقتبس شخص ما هذه العبارات دون إذني؟ وإذا ما اتصل لغوي بدافيديا في وقت لاحق، سواء أكان في المجموعة (كما فعلت تشيرني مع اللاعبين معها) أم من خلال البريد الإلكتروني، وطلب من هذه الشخصية الإذن باقتباس أقواله ورفضتْ، فهل يمكن لمجرد الطابع ديفيد كريستال أن يشكو فيما بعد إذا أقدم شخص ما على هذا الاقتباس؟ وعلماء الدراسات الإثنوجرافية على دراية كبيرة بمثل هذه القضايا, التي تتجاوز كثيرا أمورا اللغة، وتناقشها تشيرني مناقشة مستفيضة في فصلها الختامي؛ غير أن حداثة الوسيط، والكثير من المواقف المتباينة فيما بين المجموعات وداخلها, تعني أن هذه القضية لم تُحسم بأي حال من الأحوال. وهذا هو السبب، من قبيل الاحترام العام للطبيعة الناشئة لفضاء الاتصالات اللغوي، في أنني اخترعت شخصياتي في هذا الفصل, ولم أستخدم السجلات الموجودة على الشبكة (وكثير منها عمره أكثر من عقد الآن) وذلك في أمثلتي التوضيحية الأطول أو الأكثر امتدادا.

وبيانات مجموعات البعد متعدد المستخدمين لا تعد أساسا راسخا للتعميم بشأن التميز اللغوي الذي أمكن إرساؤه فيما يتعلق بالحالات الأخرى من كلام الشبكة. والانطباع الذي لديَّ هو أن تنويعة لغوية قد تطورت هنا، وتنطوي على أصالة ملحوظة، غير أن خصائصها المميزة لها قد غطى عليها وجود كم هائل من الفروق الفردية. وإلى أن يتاح مزيد من المادة العلمية للجمهور بدون جدال حول هذا الأمر، فإنه سيكون من الصعب إيجاد حل للمشكلة. وفي حين يتساءل بعض المعلقين بالفعل عن الانقضاء المحتمل للبيئات المتخيلة القائمة على النصوص, إزاء الخيارات التواصلية الأكثر قوة التي تنتجها التكنولوجيا الجديدة (انظر الفصل 8)، فإن الأمر ربما لن يعرف الحل أبدا، وسوف يصبح موضوع هذا الكتاب حلقة تاريخية مشوقة في تطور الإنترنت، توضح ماذا يمكن أن يحدث عندما يتبنى الناس وسيطا جديدا لكي يفي باهتماماتهم وحاجاتهم. ويحدث موقف مختلف إلى حد ما في الفصل التالي، حيث نلتقي بمجال يكون فيه الوضع العام للبيانات في موضع شك، حيث لا يكاد يوجد أي نقص في المادة التوضيحية، وحيث يتأكد مستقبل الظاهرة: ألا وهو الشبكة العنكبوتية العالمية.





--------------------------------------------------------------------------------

* اختصارا لـ out of character. (المترجم)

** بمعنى الكاتب على لوحة المفاتيح. (المترجم)



* أي يقول: "يا إلهي". (المترجم)

** أي يقول: "بالفعل". (المترجم)

* كما في "يُفَعِّل". (المترجم)

** كما في "يؤلِّه". (المترجم)



* أي Mike happy بدلا من Mike is happy. (المترجم)

** أي Rick getting there بدلا من Rick is getting there. (المترجم)

*** قول المؤلف إن هناك ضغطة إضافية لا يصح إلا إذا لم نعد الضغطة على مسطرة المسافات في حالة الكلمتين المنفصلتين. (المترجم)

* أي نظام الشفرة الأمريكي القياسي لتبادل المعلوماتASCII (American Standard Code for Information Exchange) (المترجم)

* أي (أليس في أرض العجائب). (المترجم)

** الإشارة هنا إلى جملة مشهورة للغوي الأمريكي المعروف نوعم تشومسكي, وهي Colorless green ideas sleep furiously. (المترجم)

يسري حمدي
03/11/2006, 11:30 PM
الزميل الفاضل / الدكتور أحمد

شكراً جزيلاً على هذه المساهمات المتميزة وياحبذا لو وضعت لنا رابطاً للرجوع إلى أصول تلك الكتب التى تفضلت بعرضها إن وجد

مع خالص تحياتى

Prof. Ahmed Shafik Elkhatib
04/11/2006, 03:44 PM
الأخ الفاضل الأستاذ/ يسري
أشكرك على إطرائك لمساهماتي المتواضعة.
أما عن الرابط،، فإنه لا علم لي به، وأغلب الظن أنه لا وجود له، لأنني لا أتصور أن كتابا بمثل هذه الأهمية, وصدر منذ ثلاث سنوات فقط، يمكن أن يُنشر على الشبكة مجانا.
تحيتي ومودتي.

يسري حمدي
05/11/2006, 01:22 AM
الأخ الفاضل الدكتور / أحمد

شكراً جزيلاً على الإيضاح وفى إنتظار مزيد من تلك النفائس

مع خالص تحياتى