المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليك ،أستاذ النظرية النقدية التواصلية ، فتعرف عليها .



فيصل آورفــاي
17/07/2007, 11:11 PM
النظرية النقدية التواصلية

يورغن هابرماس: الفكر يخص العالم كله

يحاول حسن مصدق في كتابه يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت المركز الثقافي العربي، بيروت 2005 الغوص في أعمال الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس من خلال التعريف بأطروحاته وآرائه النقدية، مسهماً بذلك في التعريف بفلسفته ونظريته في الفعل التواصلي، وفي التعرّف على أخلاقيات التواصل وعلم السياسة، خصوصاً ما يسمح منها بتعليل مختلف الأداءات التي تبحث في أسس شرعية تطبيق معايير قانونية أو قرارات سياسية في مجتمع ديموقراطي.

وينهل يورغن هابرماس، في فلسفته، من التراث النقدي لفلاسفة فرانكفورت، ويعتبر هذا الفيلسوف النقدي وعالم الاجتماع الألماني، أحد كبار الفلاسفة في عصرنا الراهن، ومن المنشغلين بشكل كلّي بالشأن العام، فهو لم يتوقف من خلال ممارسته الفلسفية عن السعي إلى توصيل أفكاره الفلسفية والاجتماعية النقدية إلى مختلف المهتمين في العالم، إدراكاً منه أن الفكر النقدي لا يقتصر على اقليم بعينه أو شعب، بل يخصّ جميع أبناء العالم.

وتتجلّى أهمية هابرماس الفيلسوف في أنه فتح الفلسفة المعاصرة على نظرية التواصل، بشكلها المتميز، ثم سار بها قدماً، كي تمسّ السلوك الاتصالي، سعياً منه إلى تشخيص حال العالم بشكل عام، والمجتمعات الأوروبية بشكل خاص، ومحاولاً تحليل أسباب ونتائج ما يهدّد الحياة الإنسانية، وبالأخص محاولات تحطيم بنيات الاتصال في خصوصياتها الإنسانية التي ترتبط بالقوى اللاعقلانية في عالم اليوم.

وشكّلت اللغة هاجس هابرماس ومجال اهتمامه، فهي بالنسبة إليه وسيلة وسلوكاً اتصالياً، واستخدمها في نظريته في الفعل التواصلي، التي تنهض على الحوار والتفاهم بين مجموعة المتحاورين في مجتمع الأصدقاء. وسعى في سياق ذلك إلى الكشف عن العقل العملي، الذي يفرض علينا ما نعمله وما نتكلمه، من خلال الاعتراف بالتفاهم والحوار السلمي، وفي ظل ظروف وشروط الاختلاف الاجتماعي والثقافي. وهدف هابرماس من ذلك كله، هو مواصلة تقاليد الأنوار، من خلال نظرية اجتماعية نقدية، تنهض على ترسيخ قيم الحرية والعدالة في الذاكرة الاجتماعية، وتربطها بقوى دولية تمكنها من تفتح نواة الخير العام، والفضاء الذي يتسع للجميع.

وينطلق هابرماس، من داخل الحداثة وخطابها الفلسفي، محاولاً إنقاذ المشروع الحداثي الأوروبي، ومستخدماً العقل كي يهدم أبنية العقل المتحجّرة والمعيقة، ويحافظ على جوهر الحداثة بعقل تواصلي، مرتبط بالحداثة، ينتجها وتنتجه من خلال بناء مختلف للذات. ويستمد هذا العقل التواصلي معطياته من العقل النقدي للحداثة، التي بينت الطبيعة الاختزالية لعقلانية الحداثة، والتي ارتبطت بالعلم والتقنية. تلك الطبيعة التي أنتجها العقل الأدائي، أي العقل بوصفه مجرد أداة لا غير، ووجوده الكلاّني الذي شيّأ كل شيء يحيط به بما في ذلك العقل نفسه، والعقل التضمني الذي يحاول ابتلاع كل شيء. وعليه وجّه هابرماس نقداً شاملاً للعقل الأداتي ومركزه الفلسفي الوضعي، متبعاً دروب هوركهايمر، وأدورنو، وماركوز، وغيرهم من فلاسفة مدرسة فرانكفورت.

ويقترح هابرماس العقل التواصلي كدرب للخروج من فلسفة الذات، من خلال نظرية الفعل التواصلي التي تعدّ قراءة جديدة للفلسفة الأوروبية، تظهر فيها الحداثة ـ في التحليل الأخير ـ كتحقيق لنظرية الفعل التواصلي، على أن تفهم التواصلية خارج كل ذاكرتها الاصطلاحية وتاريخها المفهومي. وترمي التواصلية إلى بناء مختلف للذات عبر عقل تواصلي يتجاوز الذات الضيقة، ويشكّل نسيجاً من الذوات المتواصلة. ويستمد العقل التواصلي إمكاناته من العالم المعيش، ويؤسّس عقلانية تقوم على التلاحم الذاتي، يكون فيها العقل مصدر كل القرارات.

هذا العقل التواصلي مدعو إلى تجوز عقل متمركز على الذات، ووظيفته التغلّب على مفارقات وتسويات نقد للعقل ذاتي المرجع، وكذلك التخلص من كل إشكالية العقلاني. ويتطلب الفعل التواصلي، كما تدلّ تسميته، تحطيم دوائر الانغلاق سواء جاءت من العبارة أو رموزها الواقعية أو ممثليها المنفذين، بوصفه نموذج الفاعلية الموجهة نحو التفاهم. وما هو أساسي في نموذج التفاهم هذا، هو الاتجاه الأدائي الذي يتبنّاه المشتركون في التواصل، حيث ينسّقون مشاريعهم بالاتفاق في ما بينهم على أمر ما موجود في العالم، ويعول هابرماس على التوافق الفكري بين الفاعلين، لأن الفعل التواصلي يتطلب وعياً وإرادة لتحقيقه بين أنا وآخر، حيث أنا عندما أقوم بالكلام، والآخر الذي يتخذ موقفاً ازاء كلامي، نعقد كلانا، الواحد مع الآخر، علاقة بين شخصينا، في تبادل يتوسطه اللسان، يتيح للذات أن يكون لها مقابل ذاتها، كأننا متحاوران أحرار في جمهورية حرّة وسقراطية.

إضافة إلى ما سبق، فقد تناول هابرماس جملة من المسائل الراهنة، التي تثيرها قضايا مختلفة، كالمادية التاريخية وتطوّر البنى المعيارية، والتاريخ والتطوّر، وقضايا الشرعنة في الدولة الحديثة، ودور الفلسفة داخل الماركسية، والتطور كدياليكتيك.

إن فيلسوفاً في قامة يورغن هابرماس، يعرف جيداً أن مقاربة هذه المسائل تقتضي الاستناد إلى مقاربات العلوم الاجتماعية المعاصرة، وإلى منهجيتها، بغية الكشف عن المعيقات المفهومية، التي تقف حائلاً أمام إعادة البناء الشاملة للماركسية. وهي فعالية بدأها منذ بداية مشواره الفلسفي في مدرسة فرانكفورت، وتتمحور حول النهوض بمهمة التخلص من الحواجز الإدراكية أمام الفاعلية التواصلية، بوصفها فاعلية للتحرّر من كل مظاهر الايديولوجيا وإحالاتها الميتافيزيقية.

من جهة أخرى، يعتبر هابرماس الفرد والجماعة مبدأين أساسيين، لا يجوز مقابلتهما ضدياً، بل يجب النظر إليهما بوصفهما ثنائية أصلية في الديموقراطية. وبهذا يتجاوز هابرماس الفكرين: الليبرالي الذي يعلي من شأن الفرد على حساب الجماعة، والماركسي الذي يعلي من شأن الجماعة على حساب الفرد. ويشترط القبول بمبادئ المساواة والاستقلالية، بوصفها مبادئ مؤسسة للمجتمع الديموقراطي.

غير أنه إذا كان التوافق يتيح قيم الاندماج والاستقرار بين مكونات الجماعة، فإن ذلك لا يعني التسليم بأن التراضي شرط لشرعية الجماعة أو شرط لوجودها. من هنا لا يجوز وضع الأمّة أمام الدولة ولا الدولة أمام الأمّة .
عمر كوش