المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائع الشعر الأردي الحديث في باكستان



إبراهيم محمد إبراهيم
23/07/2007, 11:40 AM
حسن الفخراني ( 1 )
نقلها عن الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم

هذه ترجمة الجزء الأول من منظومة
" حسن الفخراني : حسن كوزه كر "
التي كتبها الشاعر الباكستاني الكبير
" ن . م . راشد " (1)
باللغة الأردية .

جهان زاد !
في حارتك .... وأمام أعتابك ....
أقف أنا العاشق .... حسن .... صانع الفخّار ...
رأيتك في السوق صباحاً .....
عند دكان العجوز يوسف العطّار ....
كان في عينيك ذلك البريق الذي ....
جعلني أهيم شوقاً تسع سنوات ...

*****
جهان زاد !
أهيم منذ تسع سنوات ....
هي كل الفترة التي ...
لم ألتفت فيها أبداً .... إلى أكوابي الحزينة ....
تلك الأكواب التي .....خلقتها بمهارة يدي ....
تلك المخلوقات الخرساء من الطين والألوان ....
كانت تتهامس قائلة :
أين حسن الفخراني ......؟!
هل ملّ منّا ...؟! ملّ صنيعته ....؟!
وصار إلهاً ....؟! وغضب كالآلهة .....؟!

*****
جهان زاد !
مضت عليّ هذه السنوات التسع ....
كما يمضي الوقت على مدينة مدفونة ....
وذلك الصلصال في الآنية ....
والذي كانت رائحته الزّكية ....
تملؤني هياماً ....
صار الآن حجراً صوّاناً ....
الأباريق والكئوس ..... والمزهريات والفوانيس ....
سندي في حياتي البائسة .... عوني على التعبير عن فنّي .....
كلّها ملقاة محطمة ....
وأنا نفسي .... أنا حسن الفخراني ....
الطين على أقدامي .... وعلى رأسي التراب ....
مشقوق الرأس عريان .... عبوس الوجه مهموم ....
كمثل صنم حزين ....
ظللت أصنع أكواب الأحلام .... من الصلصال والطين ...

*****
جهان زاد !
قبل تسع سنوات .... كنت غرّا صغيرة .....
لكنك كنت تعلمين ....
أنني ... حسن الفخراني ....
رأيت ذلك البريق ...
في عينيك الشامخة كجبل " قاف " ....
ذلك البريق الذي ....
جعل من جسدي وروحي ....
معبراً للقمر والسحاب ...

*****
جهان زاد !
تلك الليلة الحالمة في بغداد ...
وساحل نهر دجلة ....
وذلك القارب ... والملاّح مغلق العينين ....
كانت تلك الليلة ...
بمثابة حرارة الحياة ...
لصانع الفخّار .... التعس الحزين ....
ولا يزال مرتبطاً بها وجوده ....
جسده ... روحه ....
لكن جمال ليلة واحدة ....
أثار في النهر موجة ....
غرق فيها حسن الفخراني ...
ولم يطفو على السطح بعدها أبداً ....

*****
جهان زاد !
في تلك الفترة ...
كانت زوجتي البائسة ....
تأتيني كل يوم .... كل يوم ...
تنظر إلى أقدامي فوق عجلة الفخّار ...
" هذه العجلة التي ظلّت لسنوات طويلة .... وسيلة رزقي الوحيدة ..."
ورأسي بين ركبتيّ ....
فتهزّني من أكتافي قائلة :
" أفق يا حسن ... يا فخراني ...
وألق نظرة على بيتك الخرب ...
كيف سنطعم الأولاد ....
حسن .... يا قتيل الحبّ ...
الحبّ ... لعبة الأغنياء ...
حسن ... انظر إلى بيتك .... والتفت إلى أحوالك .... "
وكان هذا الصوت الحزين يبدو لي ....
وكأن أحداً ينادي غريقاً ... أحاطت به الدوامة ...
نعم ...
كانت دموعها المنهمرة ....
كورود تتساقط ...
ولكن ... أنا .... حسن الفخراني ....
كنت مشدوهاً ... إلى خرائب مدينة الأوهام ...
حيث لا صوت ولا حركة ....
ولا حتى ظلّ طائر ....
ولا دليل على وجود حياة ....

*****
جهان زاد !
واليوم ...
أنا في حارتك ...
هنا ... في ظلام الليل البارد ...
أقف أمام أعتابك ...
قلق الوجه .... شارد الذّهن ...
وعيونك ...
شبيهة جبل " قاف " ....
ترمقني من النافذة مرة أخرى ....
الزمن يا جهان زاد ...
هو عجلة الفخّار التي ....
يتشكّل فوقها الإنسان ...
كما يتشكّل الإبريق والكاس ... والمزهريات والفوانيس ...
ثم تتحطم جميعاّ فوقه ...
أنا إنسان ....
ولكن ....
هذه السنوات التسع مضت ...
في قالب الأحزان ...
واليوم فإن حسن الفخراني ...
ليس إلاّ كومة من تراب ....
لا أثر فيها لرطوبة أو ماء ....

*****
جهان زاد !
بينما كنت في السّوق صباحاً ...
عند دكان يوسف العطار ...
قالت لي عيناك شيئاً ....
فسرى في كومة التراب هذه ....
من أثر تلك العيون البرّاقة ...
بعض الرطوبة والنّدى ...
ربما يجعل هذا من كومة التراب ....
طيناً وصلصالاً ....

*****
جهان زاد !
من يدري شيئاً ....
عن وسعة الأماني ....
ولكن ...
إن أردت أنت ...
عدت أنا مرة أخرى ...
ذلك الفخراني الذي ....
كانت تزيّن أكوابة كل كوخ وجبل ....
كل قرية ومدينة ....
وتزدان بها ....
مساكن الأغنياء والفقراء ....

*****
جهان زاد !
من يدري شيئاً .....
عن وسعة الأماني ...
ولكن ....
إن أردت أنت ....
التفتّ أنا ثانية ....
إلى أكوابي المهجورة ....
إلى آنية الطين والصلصال التي جفّت ....
إلى معينتي على إظهار فن معيشتي ....
فأستخرج مرة أخرى ....
من هذا الطين والصلصال ....
ومن تلك الزيوت والألوان ....
تلك الشرارة التي ...
تضيء القلوب الخربة ....

1 - ولد الشعر ن . م . راشد ( نذر محمد راشد ) في الأول من أغسطس عام 1910م بمدينة أكال كرهـ أحد مراكز كوجرانواله ، وحصل على الثانوية عام 1926م من المدرسة الحكومية العليا ، ثم التحق راشد عام 1926م بالكلية الحكومية بمدينة لايل بور " فيصل آباد الحالية بباكستان " ، ودرس اللغة الإنجليزية والتاريخ والفلسفة واللغة الفارسية واللغة الأردية ، وبعد أن انتهى من المرحلة المتوسطة عام 1928م التحق بالكلية الحكومية بلاهور ودرس فيها اللغة الإنجليزية وعلم الاقتصاد واللغة الفارسية ، وحصل على الليسانس عام 1930م ، كما حصل على الماجستير في الاقتصاد عام 1932م .
تزوج راشد في ديسمبر من عام 1935م من ابنة خاله وأنجب منها خمسة أطفال هن : نسرين وياسمين وشاهين وشهريار وتمزين .
عمل راشد في إذاعة عموم الهند في مايو عام 1939م ، وفي عام 1943م التحق بالعمل في الجيش وسافر خارج البلاد ، فمكث بالعراق ستة شهور ، وبمصر ستة شهور ، وفي مايو من عام 1947م ترك الخدمة في الجيش وعاد إلى إذاعة عموم الهند ثانية ، وبعد تقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان عام 1947م عمل راشد في إذاعة بيشاور بباكستان ، ثم في إذاعة لاهور ، وعمل في الأمم المتحدة منذ أكتوبر عام 1954م ، فمكث في نيويورك ست سنوات ، وعمل في طهران من قبل الأمم المتحدة من عام 1967م إلى عام 1973م .
ماتت زوجة راشد في أكتوبر من عام 1961م ، فتزوج في سبتمبر عام 1963م من سيدة إيطالية الأب إنجليزية الأم هي شيلا ، وكانت تعمل مدرسة ، وتوفي راشد عام 1976م وأحرقت جثته عملاً بوصيته !!!!.
ترك راشد أربع مجموعات شعرية هي : ما ورا ( 1942م ) – إيران مين أجنبي ( 1955م ) – لا = إنسان ( 1961م ) – كمان كا ممكن ( 1977م ) .