المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرحوم عبداللطيف زغلول: شاعر من نابلس



د.عبدالرحمن أقرع
24/07/2007, 02:58 AM
شعراء من نابلس

عبداللطيف زغلول

عن كتاب (ديوان (نفح الذكرى):عبداللطيف زغلول-مختارات من تراثه الشعري) للشاعر الفلسطيني (لطفي زغلول) نجل الشاعر الراحل.

والكتاب المذكور يقع في 154 صفحة من القطع المتوسط تصدر بإهداء من نجله الشاعر واللغوي الفلسطيني الكبير (لطفي زغلول) نصه:
إلى الروح التي ما زالت تجوب فضاءاتنا
تجنِّح رؤانا بذكراها العطرة
تحملنا على جناحيها
إلى صلاة في محراب وجدان
وإلى سَبحَة في مدار خيال
وإلى تجلٍّ في أحضان صبوة
نفخت فيها من روحك
على مدى أيام عمرك
فكانت هذه القصائد وغيرها الكثير
إليك...إلى كل أحبائك
ألذين علمتهم الحب
وإلى ذاكرة الوطن
نرفع لك هذا العمل وهو منك إليك
ممهورا بإيمانك، بانتمائكَ ، بحبك
وبشمعة لا تنطفئُ ساهرة
يتلو ذلك سطور من حياة الراحل ، متلوة بفضاءات ثلاث من أشعاره جاءت على التوالي:
الفضاء الأول : في محراب الإيمان، ويضم نخبة مختارة من القصائد الدينية والصوفية
الفضاء الثاني:من كل روض ٍ قصيدة ، ويضم مختارات من قصائد عبداللطيف زغلول التي كتبها لأحبائه ..للمجتمع..للأحفاد ..وللأصدقاء
الفضاء الثالث : ملاعب الهوى والشباب ، ويضم نخبة نظمها في مرحلة عنفوان الشباب ، وقد نظم معظمها في نهاية عقد الأربعينيات وعقد الخمسينيات من القرن العشرين.
وسننشر هنا على التوالي نبذة عن حياة الشاعر الراحل ، ومختارات من الفضاءات الثلاث ..راجين أن تكتمل الفائدة والمتعة معا في التعرف على حياة هذا الشاعر واللغوي الفذ


حياته كما يرويها نجله الأستاذ لطفي زغلول

*ولد المرحوم الحاج لطفي زغلول في العام 1915 في أحد أحياء قصبة نابلس القديمة التي كانت آنذاك تحت ظلال الحكم العثماني الذي كان في أواخر أيامه . ويعود بنا تاريخ ميلاده إلى فترة عصيبة من تاريخ بلاد الشام التي كانت تعيش آنذاك ما عرف في التاريخ الشعبي (السفر برلك) وهو فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والتي أسفرت عن هزيمة الدولة العثمانية وخروجها من بلاد الشام التي سقطت في أيدي الإحتلالين البريطاني والفرنسي مقاسمة بينهما حسب اتفاقية (سايكس بيكو).


في هذه الحرب تم تجنيد أخيه الأكبر (محمد) في صفوف الجيش العثماني وارسل للقتال في الجبهة الشرقية ضد إمبراطورية روسيا القيصرية آنذاك. وقد انقطعت أخباره ، وساد الظن حينها أنه استشهد. وقد جاء مولد عبداللطيف ليخفف من بعض الحزن الذي اصاب العائلة على فقدان (محمد) أحد ابائها الذي كان في الحقيقة أسيرا في أحد ضواحي مدينة موسكو العاصمة الروسية ، وعاد من بلاد المسكوب في العام 1918.

كانت عائلة عبداللطيف بسيطة ، وكان رب الاسرة والده (الحاج سعيد ) يتباهى على الدوام بماضيه العسكري .فقد كان ضابظا صغيرا في الجيش العثماني . وكان ايضا يذكر بافتخار جده الأكبر الذي كان هو الآخر ضابطا في جيش إبراهيم باشا وهو ابن محمد علي باشا والي مصر الذي جاء على راس حملة على بلاد الشام. وكان الحاج سعيد يردد دائما أن أصل عائلته من مصر وهو ( ناصر الدين) من بلدة دسوق المصرية .

في أثناء خدمته العسكرية حارب (الحاج سعيد) في اليمن وسوريا وشرقي الأردن. وفي العام 1908 ، وهو آخر عهده بالعسكرية كان في صفوف حرس الشرف العثماني الذي رافق الإمبراطور (وليام) الألماني الذي زار القدس آنذاك حاجا إلى أماكنها المقدسة . وقد حصل على ( نيشان ) ألماني أسوة بزملائه الذين كانوا في حرس شرف الإمبراطور .

وبعد أن انتهت خدمته رجع إلى نابلس مسقط رأسه وعمل في إحدى مصابنها فترة من الزمن ثم استاجر دكانا قريبا من داره حيث عمل بقالا حتى سن متأخرة .

في ظل هذه الظروف ولد ( عبد اللطيف) وكان له أخ آخر اسمه (أحمد) أكبر منه . وقد تلقى دروسه الأولية في (كتاب الحارة) . ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الهاشمية ، فالصلاحية. وقد كان ذكيا ومجتهدا ، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم عن ظهر قلب . وكان مولعا بالشعر والتاريخ العربي الإسلامي . إلا أنه كان لافت النظر في حبه للغة العربية التي أتقنها نحوا وصرفا . وهذا لم يمنعه من ان يتقن اللغة الإنجليزية أيضا.

ونظرا للظروف المعيشية القاسية آنذاك فقد خرج من المدرسة قبل أن يستكمل دراسته الثانوية ، ويومها قدم طلبا لدائرة البريد فقبل موظفا في مدينة حيفا . وفي بداية تعيينه عمل بين فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني ومصر التي كانت هي الأخرى ترزح تحت الإحتلال البريطاني أيضا في توزيع البريد المنقول بالقطار الواصل بينهما آنذاك والذي كان ينتهي في مدينة ( العريش ) المصرية . ثم بعدذلك انتقل إلى العمل المكتبي في دائرة بريد حيفا.
مما جاء في رسالة وجهها إلى أبائه يتحدث فيها عن حياته : ( اشتغلت في الحياة وشققت طريقي فيها شأن كل فقير محروم من حطام الدنيا ، غني بنفسه وروحه وعزيمته وإيمانه ، حتى تمكنت من تأمين مستقبلي إلى حد ما . حرمت من التعليم العالي فانكببت على التحصيل والمطالعة الدائبين حتى ثقفت نفسي بما قصر عنه أبناء الأثرياء المترفين . قاسيت ألم الفقر وذقت مرارة الحرمان ، فلم أفقد ثقتي بنفسي وبالله حتى ضمنت لي عيشا وسطا شريفا حلالا . تنعمت واخشوشنت فبقيت في الحالتين متمسكا بأخلاقي وديني ومثلي في الحياة ، وحظيت طوال ذلك باحترام الجميع . عاشرت جميع الطبقات وعشت مع كل الناس في جحيم هذا ونعيم ذاك . وكنت إذا شعرت بتقصير عن مجاراة المنعمين أغطي هذا النقص بتجاريبي في الحياة من علم وثقافة ومعرفة عامة . فان رأيت أن البذرة ألقيت في تربة غير صالحة انسحبت بكل هدوء ولطف حتى يتاح لي مجال أصلح أو ظرف أنسب.

هكذا قضيت حياتي أحمل فكرة معقولة عن الحياة وأسعى لهدف معقول فيها لا أغلو في أفكاري ولا أتسامح في حقي ولا أفرض نفسي فرضا على الناس والمجتمع . ولم يفتني في أثناء هذا كله أن أسعى لإسعاد أسرتي والترفيه عنها واضعا نصب عيني أن لأهلي وذوي قرابتي حقا علي أؤديه لهم ولكل ذي حاجة ما وسعني ذلك وفي حدود العقل والعاطفة معا) .
وفي العام 1937 تزوج عبداللطيف من إحدى قريباته التي كانت عائدة من (هوندوراس) في أمريكا الوسطى . وقام بتغيير اسمها من (ماريا) إلى (أمل) ، ولكنها ظلت تحمل إسم (مريم) في جواز سفرها وأوراقها الثبوتية الأخرى. وجدير بالذكر أن أمها كانت سيدة مسيحية من بيت لحم يقال أنها اعتنقت الإسلام فيما بعد. وقد رزق عبداللطيف من مريم خمسة اولاد وبنت واحدة ، هم: لطفي ، هدى، نزار ، محمد ، عدنان ، وعماد. وقد ظل يعمل في سلك البريد حتى تقاعد في العام 1967 ، قبيل الإحتلال الإسرائيلي بثلاثة أيام.

خدم عبد اللطيف عدة سنوات في حيفا . وفي بداية الأربعينيات كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها . فانتقل إلى بريد نابلس حيث عمل هناك حتى انتهاء فترة الإنتداب البريطاني عام 1948 . وفي العهد الأردني شغل عدة وظائف في سلك البريد . فكان مراقبا لهاتف بريد نابلس الذي كان مقره في مبنى المحافظة الحالي الذي دمرته قوات الإحتلال الإسرائيلي في اجتياحها للأراضي الفلسطينية عام 2002 . ثم انتدب من قبل وزارة المواصلات الأردنية آنذاك لتأسيس دوائر بريد في كل من سلفيت ودير الغصون. وفي العام 1963 تولى إدارة بلدية قلقيلية . وفي العام 1965 أصبح مساعدا لمدير بريد نابلس . وفي العام 1967 ، وقبل ثلاثة أيام من الإحتلال الإسرائيلي صدر كتاب احالته على التقاعد.

لم يقف عدم استكمال عبد اللطيف دراسته الثانوية حائلا دون تنامي رغبته في الإقبال على القراءة التي شكلت المساحة الكبرى من اهتماماته وهواياته وأولوياته . وكان الكتاب بالنسبة له الصديق والجليس والأنيس والنديم . فأقبل على اقتناء الكتب الدينية والتاريخية والأدبية ودواوين الشعر . ولا عجب أن ترك وراءه مكتبة عامرة بأمهات الكتب منها المجموعة التي كانت من نصيب نجله الأستاذ لطفي . وكان يقول : ( الكتب غذاء العقول وزينتها ، وليست زينة للمكتبات . إنني بحمد الله قد قرأت كل الكتب التي اقتنيتها وما زلت أقرأها . إن هجر الكتاب بعد قراءته مرة واحدة خطأ وخطيئة . وإن التواصل مع الكتاب صلة لا تفوقها إلا صلة الرحم) .

كان المرحوم عبد اللطيف شديد التمسك والإلتصاق بعروبته وعقيدته الإسلامية ، وكان يعتز بانتمائه إلى التاريخ العربي والإسلامي وانجازات المسلمين الحضارية والثقافية والأمجاد العسكرية . وقد احتلت اللغة العربية اهتمامه الأكبر . وغني عن القول أنه كان يتقن قواعدها نحوا وصرفا إتقانا شاملا. وفي هذا الصدد أعلن مرارا وتكرارا أنه يكاد يقارب على إعراب معظم القرآن الكريم . وكان يؤلمه ويحز في نفسه ما آلت إليه اللغة العربية من تراجع على أيدي أبنائها . وكان يخص بالنقد فئة المتعلمين المثقفين الذين لم يعودوا يحترمون قواعدها ، في حين أنهم كانوا وما زالوا حريصين شديد الحرص على إتقان اللغات الأجنبية . وفي هذا السياق كان ينحي باللائمة على المناهج المدرسية التي فقدت دسمها الإنتمائي على صعيد اللغة والتاريخ والعقيدة جراء موجات الغزو الثقافي والفرنجة والإرتماء في أحضان الأغراب وممارسة التقليد الأعمى.

كان عبداللطيف يحب أبناءه وكافح كفاحا مستميتا حتى حقق هدفه السامي في تعليمهم جميعا تعليما جامعيا فنجحوا في حياتهم العملية . وفي حياته كان يعاملهم كأصدقاء ويحضر بعضا من جلساتهم مع أصدقائهم يناقشون في أمور دينهم ودنياهم ويستمعون إليه مرشدا وموجها وشاعرا.
توفي -رحمه الله -عام 1992

مختارات من قصائد عبداللطيف زغلول





-1-
وفاء زنبقة
أكرم بها مـن زنبقـة=وبطيبهـا مـا أعبقَـهْ
بَعَثـت إلـي بنفـحـةٍ=مـن طيبهـا مترفقـة
كيمـا تذكرنـي بمـن=باتـت لهـا متشوقـة
ورنـت إلـي عيونهـا=كشعاع شمس مشرقـة
فرأيـت فـي أكمامهـا=شفق الأصيل ورونقـه
كانت إلى الأمس القريب=بحلمـهـا مستغـرقـة
آلـت تظـل جفونهـا=من غير نـومٍ مطبقـة
حتى تلاقـي صنوهـا=بعد النـوى والتفرقـة
من ذا الذي أوحى لهـا=هـذا الخيـال ونمقـه
درسٌ يعلمنـا الوفـاء=فـحـق أن نتعشـقـه
حييتِ يا أبهى الزهـورِ=فأنـتِ أهـل للثـقـة
كونـي رسولـي للتـي=أنداؤهـا بـكِ محدقـة
من تقبس الأزهارُ مـن=أشدائـهـا المتدفـقـة
وتزودي مـن حسنهـا=بالنضـرة المترقرقـة
وتعلمي مـن طهرهـا=أصفى الوداد واصدقـه
فهي التي باتـت علـى=أترابـهـا متـفـوقـة
وسمت بهـا أخلاقهـا=كالنجـمـة المتألـقـة
وسقت بمزن عبيرهـا=وردَ الربيـعِ وزنبقـه


الــــجــــمـــــال =شعر المرحوم: عبداللطيف زغلول
إني لأعجب من أناسٍ فرطـوا=في حسنِ وصفِ المرأةِ الفتـانِ

إذ شبهوا بعض َ الجمالِ بحليـةٍ=والبعضَ بالأزهارِ والأغصـانِ

ظلموا جمالَ الغانياتِ وما دروا=أن النسـاءَ نضـارة الأكـوانِ

واللهُ يشهدُ أن أحسـنَ صـورةٍ=في خلقهِ هي صورةُ الإنسـانِ

لكنـهُ خـصَّ النسـاءَ بميـزةٍ=وأعدهـنَّ لفتـنـةِ الـذكـرانِ

ما شـمُّ أزهـارِ كلثـمِ مباسـمٍ=أو هزّ غصنٍ كاختيـالِ غـوانِ

أين النراجسُ من لحاظِ خرائـدٍ=أم أينَ وردٌ من خـدودِ حسـانِ

أم أينَ رمانٌ على الأغصانِ منْ=صدرٍ ترعرع فوقـهُ النهـدانِ

أم أينَ أغصانُ الحدائـقِ كلهـا=من قَدِّ ريـمٍ مـالَ كالنشـوانِ

ما ميـزَ اللهُ الجنـانَ بزهرهـا=بل ما زها بالحـورِ والوِلـدانِ

فصِفِ الرِياضَ بغـادةٍ فتانـةٍ=ونسيمهـا بنعومـةِ الأبــدانِ

وكن ابن آدمَ وانحَ منحـاهُ فقـدْ=بـاعَ النعيـمَ بفتنـةِ النسـوانِ

لا تأنفوا من كل غيـرِ جميلـةٍ=هـذي وذي بأنوثـةٍ صنـوانِ

والحسنُ قامَ على الأنوثـةِ أولاً=والوصف مقياسُ الجمالِ الثاني

والحسنُ ألوانٌ يروقكَ بعضهـا=ويروقُ غيرك بعضُ ذي الألوانِ

لكنها الأذواقُ تفضُـلُ بعضهـا=والذوقُ يعرفـهُ ذوو الوجـدانِ


مـــحـــمـــد -صلى الله عليه وسلم- =شعر المرحوم: عبداللطيف زغلول
رف الندى وزها على الأغصانِ=وزكا العبير بروضة ِ الفرقـانِ
وتضوعت في كل جـوٍّ نفحـةٌ=علويـةٌ مـن جنـةِ الرضـوانِ
وتألقت في الكونِ أنوارُ الهـدى=تهدي الورى للحـقِ والإيمـانِ
وانجابت الظلماتُ بعدَ ضلالـةٍ=وانهدَّ ركـنُ الظلـمِ والطغيـانِ
والكفرُ ولى صاغيـاً مستحذيـاً=والشركُ باتَ مقـوضَ البنيـانِ
وسرتْ بأنحاءِ الوجـودِ بشائـرٌ=ببزوغِ فجرِ العـدلِ والإحسـانِ
فضلٌ من الرحمانِ أنزله علـى=خيـرِ الأنـام ِوسيـدِ الأكـوانِِ
فإذا الوجودُ بنورِ أحمدِ يزدهـي=ويفيضُ بِشراً من سنـا القـرآنِ
يا وقفةً بحراءِ كانـت مفصـلاً=في الدهرِ بينَ الحـقِ والبهتـانِ
إذ ذاكَ باركَ ذو الجـلالِ نبيـهُ=وأعــده لهـدايـةِ الإنـسـانِ
أوحى إليهِ رسالـةً مـا نالهـا=فـي الرسـلِ إيـاهُ نبـيٌ ثـانِ
آتاهُ علماً مـن لدنـهِ وحكمـةً=لمّـا يـزالا صفـوة الأديـانِ
ديـنٌ تخيـرهُ الإلـهُ لخلـقـهِ=سمحٌ كريـمٌ ناصـعُ البرهـانِ
دينٌ يعزُ مـن استظـلَّ بظلـهِ=ويقيلُ عثراتِ الشقـيِ العانـي
دينٌ بتى نُظـمَ الحيـاةِ قويمـةً=وأقامَ صرحاً راسـخَ الأركـانِ
ومشى على الأيامِ وهو مظفـرٌ=متجـددٌ حـيٌّ علـى الأزمـانِ
فـإذا بـهِ أعـلامـهُ خفـاقـةٌ=شرقاً وغرباً فوقَ كـلِّ مكـانِ
وإذا بنـوهُ بكـلِ قطـرٍ سـادةٌ=يسعى لهم مـن سائِـرِ البلـدانِ
شادوا حضارتهم وأعلوا صرحها=متفيئـيـنَ بظـلـهِ الفيـنـانِ
حكموا فكانَ العدلُ شيمةَ حكمهم=يتحدث القاصـي بـهِ والدانـي
لم تشهـدِ الأيـامُ شعبـاً سيـداً=كالعربِ أهلَ تُقىً ذوي وجـدانِ



إلى شاعرة فلسطين -فـدوى طـوقـان =شعر المرحوم: عبداللطيف زغلول
أكثرت من لومٍ ومن عتـبِ=يا ربةَ الشعرِ الذي يصبـي
يا ربةَ القلـبِ الكبيـرِ ويـا=ليلى زمانٍ مجـدِبِ القلـبِ
حملتِ قلبـا فـوقَ طاقتـهِ=فسما عن الأحقـادِ والريـبِ
أوغَلتِ في وادي الشعورِ وقدْ=غاصَ الزمانُ بحمأةِ الذنـبِ
لا تعذلي من ضلَّ في زمـنٍ=أهلوهُ باعوا الجـدَّ باللعـبِ
لا تعذلي أهلَ الزمـانِ فقـدْ=ساروا بغيرِ هدى على الدربِ
أم خلتهم شعراء قـد وُهِبـوا=مافيهِ خصبُ البلقعِ الجـدبِ
لا لا فليـسَ بشاعِـرٍ أبـدا=من راحَ ينكِرُ صبوةَ الصبِ
والحبُّ همسٌ ليـسَ يسمعـهُ=من كانَ معتادا على الصخبِ
من صم عن علـوي نغمتـهِ=لا تعجبي إن شـكَّ بالـربِ
يـا ربـةَ الإبـداعِ معـذرةً=فالحزن لم يخلقْ لذي اللـبِ
هيا اخرجي للدهـرِ باسمـةً=واستقبليهِ بصدركِ الرحـبِ
وانسي همومَ الدهرِ وابتهجي=فالعيشُ لا يحلو مـعَ النـدبِ
واستلهمي الأشعارَ لحنَ منىً=ودعي لحونَ اليأسِ والكـأبِ
فالشعرُ للمحـزونِ منتجـعٌ=يجلو سحابَ الهـمِّ والكـربِ
فاستمتعـي بظلالـهِ أبــدا=وتبختري في فيئِهِ الرطـبِ
تحيي بهِ ما عِشتِ في دعـةٍ=تغنيكِ عن أهلٍ وعن صحبِ
وابني لفـنِّ الشعـرِ كعبتـهُ=من كل لحنٍ مطربٍ عـذبِ
تُسلِـمْ إمـارتـهُ أزِّمتـهـا=مختـارةً لسفيـرةِ الـحـبِّ



الثلج في نابلس 1950-=للمرحوم:عبداللطيف زغلول
***=***
أطل بحسنهِ أضحى وأمسى=سطَّرَ ذكرياتٍ ليـسَ تنسـى
كسا الدنيا رِداءً من بيـاضٍ=كديباجٍ زها مـرأىً ولمسـا
حباها الثلجُ ثوبا مـن بهـاءٍ=تخالُ الأرض إذ لبستهُ عُرسا
فوجهُ الأرضِ بدرٌ في الليالي=وفي وضحِ النهارِ تراهُ شمسا
فصولُ العامِ أربعـةٌ ولكـن=نزولُ الثلجِ سواهُـنَ خمسـا


خواطر من وحي البيتِ الحرام
ومسجد خيرِ الأنام
شعر المرحوم: عبداللطيف زغلول

إلى الكعبة الغراءِ يممتُ محرماً=ووجهت وجهي للمهيمنِ مسلما
وودعت آثامي وتبت لبارئي=فلم أرَ مثل التوبِ للنفسِ معصما
وأقبلتُ عطلا من ثيابٍ وزينةٍ=فحسبي إزارٌ باتَ للزهدِ توأما
ورحتُ إلبي لاهفا متشوقا=إلى ذلك الوِردِ الذي يطفئ الظما
وقفتُ أمامَ الركنِ والبيتِ خاشِعا=وعاينتُ من حولي المقامَ وزمزما
وطفتُ ببيتِ اللهِ والقلبُ ضارِعٌ=لمولاهُ يرجو أن يمنَّ ويرحما
وفاضت دموعي إذ تبدتْ لناظري=ذنوبي وعمري كادَ أن يتصرما
فناديتُ ربي من رِحابٍ تشرفت=بأقدسِ بيتٍ قامَ للأمنِ معلما
وقلتُ إلهي بالخطايا تسربلت= جوانبُ نفسي والحشا باتَ معتما
فنوِّرْ فؤادي بالهدى وبصيرتي=لأخرج من أسر الضلالة والعمى
ويا رب هب لي من لدنك معونة=على كبحِ نفسي أن تضلَّ وتظلما
فإنَّ السعيدَ الحق من صنتَ قلبه=عن الإثمِ ، والمحرومِ من خاضَ مأثما
وقد لذتُ بالبيتِ المحرمِ عائذا=بوجهكَ ربي أن أردَّ وأحرما
فثبت على تقواكَ خطي ولا تُزِغْ=عن الحقِّ قلبا قد أنابَ وأسلما
وهب لي من الإيمانِ حصنا وآتني=يقينا يقيني أن أزلَّ واندما
فأنتَ الذي تهدي المسيءَ فيهتدي=وتمحو خطايا من على الخيرِ أقدما
وأنتَ وليي فاكفني فتنة الهوى=وصن يا ملاذي مستجيرا بكَ احتمى
وتوِّج إلهي حجنا بقبولهِ=وزدنا بهِ أجرا فما زلتَ منعما
وجد بالرضا والفضلِ عنا تفضلا=وعن والدينا منة وتكرّما
وصلِّ على المختارِ أكرمِ مرسِلٍ=وأكرم من لبى وطافَ وأحرما
من اختاره الرحمن للكونِ هاديا=وآتاهُ خلقا ما أبر َّ وأعظما
فأكرِمِ بهِ في اللهِ خيرَ مجاهِدٍ=وأكرمْ بِهِ في المرسلين َمقدَّما
وأكرِمْ بِهِ للمتقينَ إمامهمْ=وأكرِمْ بِهِ للعالمينَ معلّما
وأكرم ْ بمن ترجى شفاعته غدا=فما مثلهِ من بالشفاعةِ كرِّما
ولا غيره أسرى بهِ اللهُ وارتقى= بمعراجِ نورٍ للمليكِ بهِ سما
فلما دنا حيّى المليكَ تحيةً=غدت بعدُ ركنا للصلاةِ متمما
وحياهُ رب العرشِ في ظلِّ عرشهِ=وأعطاهُ ما أعطى ومنَّ وأنعما
وشرفهُ بالقُربِ من بينِ خلقِهِ=فكانَ أعزَّ الخلقِ في الأرضِ والسما
فطوبى لمن زارَ الحبيبَ بطيبةٍ=وشاهَدَ قدرَ الرسلِ فيهِ مجسما
وتاقت إلى نفحِ النبوةِ روحه=فأقبل نحو المصطفى متحشِّما
وناجى رسول اللهِ والطرفُ مطرِقٌ=وصلى على الهادي البشيرِ وسلَّما
ويا سعدَ من صلى بروضةِ أحمدٍ=ومِنْ عَبَقِ المختارِ مسكاً تنسما
وآنَسَ من نورِ النبوةِ هالةً=تعانِقُ قلباً بالحبيبِ متيما
وتسعِدُ نفسا شفَّها الشوقُ للسنا=وتشرح صدرا بالخشوعِ مطعِّما
فخفَّ لها قلبي وهزتهُ نشوةٌ=سرت في حواشي النفسِ برداً وبلسما
وفاضَ معينُ النورِ من كل جانبٍ=ورف الندى والطيبِ كالقطرِ إذ همى
فأترعتُ كفي بالندى متوضئاً=ومرغتُ وجهي بالسنا متيمما
ورحتُ لفوري ساجدا ومسبحا=وحولي صدى التسبيحِ يشدو مرنما
فخِلتُ الصدى همس الملائكِ في العلى=وخِلتُ السنا وجهَ الجنانِ تبسما
وفي موكِبِ الأنوارِ طافت بي الرؤى =تحلق في صمتٍ يفوق التكلما
تطالعني عبر العصورِ مساهِدٌ=تولف سفرا باتَ للمجدِ معجما
يتوجهُ عهدُ النبي وصحبهِ=وقد نذروا للدعوةِ المالَ والدِما
فما زادهم إلا مِضاءَ عزيمةٍ=وصبرا يردُّ البغيَ بالغيظِ مضرما
وتنسلخُ الأعوام والكفرُ سادِرٌ=ويرتقبُ الإيمانُ نصرا محتما
فمذ بايع الأنصارُ لاحت بشائرٌ=فخطَّ رسول اللهِ رأيا وأحكما
وراحَ يعدُّ الأمرَ والله حسبهُ=وعاصمهُ من أن ينالَ ويهزما
وراحت قريشٌ إذ أحست بعزمه=تبيت غدرا ما اخسَّ وألأما
وجاءوا يسلون السيوفَ فمسهم=خيالٌ وباتوا كالمُخَدَّرِ نوَّما
فمر رسولُ اللهِ وسطَ جموعهم= وكلهمو قد غط في النومِ مرغما
ولما أفاقَ القومُ جنَّ جنونهم=أباتوا سكارى أم تماثيل كالدمى
فهاجوا وماجوا ثم طاروا وراءه=لكي يدركوهُ حيثُ سارَ ويمما
ولكن عين اللهِ كانت تظله=وصاحبه في الغارِ لم تغنهما
وباضت بباب الغارِ ورقاء وانبرت=عناكبه نسجاً فغامَ وعتَّما
وكلت عيونُ القومِ بحثا فلم يروا=سوى خيبة الآمالِ خسرا ومغرما
وأخزاهم الرحمن وارتدَّ كيدهم=إلى نحرهم نارا وغيظا ومندما
ويمم ركب المصطفى نحو طيبةٍ=وانجاهُ ربُّ العرشِ منهم وسلَّما
وهبت للقياهُ المدينةُ فرحةً=بمقدمِ خيرِ الخلقِ ركباً ومقدما
فكانَ لقاءً للمؤاخاةِ رائدا=وللبذلِ والإيثارِ عيداً وموسما
غدت بعده أرض المدينةِ موئلا=ينزلُّ فيهِ الذكرُ وحيا منجما
فراحَ رسول اللهِ يقضي بنهجهِ=ليثبته في الأرضِ شرعا محكما
ليبني على الإسلامِ أعظمَ دولةٍ=تفيأت الدنيا بها منذُ آدما
وجاهدَ حتى أيد اللهُ دينهُ=بنصرٍ على نصرٍ وبالفتحِ تمما
فولت جيوشُ الكفرِ وانهدَّ ركنها=ونكست لأصنامُ والشركُ حطما
وأشرقَ فجرُ الحقِ والنورِ والهدى=بأرجاءِ كونٍ كانَ من قبلُ مظلما
فحمداً لمن أهدى إلينا محمداً=ليهدينا أهدى سبيلٍ وأقوما
لقد جاءنا بالبيناتِ وبالهدى=كتابُ من الرحمن أنزِلَ قيما
وعلمنا الدينَ الحنيفَ مفصلا=وبين شرعَ اللهِ حِلّاً ومحرما
ولبى نداءَ اللهِ والدينُ قائمُ=كطودٍ بنورِ اللهِ أمسى معمّما
ففي ذمةِ الرحمن يا سيد الورى=وعهدك باقٍ ما مضى الدهرُ ملزما
جزاكَ إلهُ العرشِ اوفى جزائِهِ=وصلى عليكِ اللهُ دوما وسلما
وقامَ بأعباءِ الأمانة بعده=خلائف هبوا للجهادِ ترسما
فكم شرَّقوا في الأرضِ فتحا وغربوا=وكم رفعوا الراياتِ في الأرضِ أنجما
وكم أسسوا من دولةٍ بنيت على=مبادئ دينِ اللهِ نهجا منظما
شعارهمو عدلٌ وحلمٌ وعفةٌ=فلم تشهد الدنيا أعف وأحلما
وبالعلمِ راحوا ينشئونَ حضارةً=تأست بها كل الشعوبِ تعلما
واعلوا منارَ الدينِ والعلمِ باسقا=وشادوا على الأخلاقِ للمجدِ سلما
وفاضت بي الذكرى فأرسلتُ دمعةً=على صرحِ مجدٍ شامخٍ قد تهدما
فقمتُ إلى مثوى الحبيب أبثهُ=خواطر مكلومٍ يلوب تألما
على المسجدِ الأقصى أسيرا مكبلا=غدا في يدِ الأعداءِ نهبا مقسما
يعيثُ بهِ الأعداءُجهراً كأنهم=ذِئابُ غدت حولَ الفريسةِحوِّما
وأهلوهُ باتوا كالأسارى بدارهم=يعانونَ مرَّ العيشِ صاباً وعلقما
يسامونَ أصنافَ العذابِ تأسفا=على يدِ أعداءِ الحمى وتحكما
وكم بذلوا من مائهم ودمائهم=فما وهنوا يوما ولا اليأسِ خيما
وظلوا على الأعداءِ حربا وقومهم=يمنونهم بالزحفِ جيشا عرمرما
وطالَ انتظارُ الزحفِ والوعدُ لم يزل=كلاما وكانَ اللهُ بالسرِّ أعلما
فرحماكَ يا ربي ولطفاً بأمةٍ=تمتُّ إلى المختارِ دينا ومنتمى
تفرق شملُ المسلمينَ فردَّهم=إلى الدينِ صفا، واكفهم راميا رمى
وولِّ عليهم يا إلهي خيارهم=وألف قلوبا بينها الخلفُ قد نما
واصلح ولاةَ الأمرِ واجمع قلوبهم=على الخيرِ واجعلهم على الحقِّ قوَّما
وبارك الهَ العالمينَ جهادنا=وهيئ لنا نصرا يعز به الحمى
ونمحو بهِ عارَ الهزيمةِ عندما=يعودُ لنا الأقصى عزيزا مكرما
وسدِّد خطانا يا إلهي وكن لنا=حمىً من عوادي الدهرِ يا خيرَ من حمى
دعوتكَ ربي ساعيا وملبيا=وقد كنتَ لي فيما دعوتكَ ملهما
تقبل دعائي واستجب لضراعتي=بحرمةِ بيتٍ جلَّ قدراً وحرِّما
وبارك طوافي في حماهُ ووقفتي=ببابكَ لا أبغي سوى العفوِ مغنما
واكرم قصيدي بالقبولِ فإنه= دعاءٌ وتسبيحٌ بذكركَ أفعِما
وصلِ على خيرِ الأنامِ محمدٍ=حبيبكَ وابعثه المقامَ المعظما
وأبلغه عنا ربِّ أزكى تحيةٍ=ننالُ بها زلفى لديكَ وأنعما
وشفعهُ فينا يومَ لا المالُ نافِعٌ=ولا الجاهُ إلا من أتى اللهَ مسلما

منذر أبو هواش
24/07/2007, 09:00 AM
أخي الدكتور الفاضل عبد الرحمن،

جميل أن يكون لدينا امتدادات من الشعراء والأدباء والمترجمين واللغويين في مدن فلسطين الحبيبة، وجميل أن نسمع من فلسطين أصوات الأصالة والحق والعبقرية تطغى على أصوات الظلم والباطل.

جميل أن نقرأ عن واحد من رجالات نابلس التاريخيين العظام في القرن العشرين (عبد اللطيف زغلول) الذكي المجتهد، والإسلامي العروبي، والمكافح، والشاعر، واللغوي، والمؤرخ، وأحد أعلام وأعمدة اللغة العربية في أرض فلسطين المجاهدة.

نشكر لكم هذه الإضاءة الشعرية التاريخية الجميلة من مدينة نابلس الصامدة الصابرة التي كشفت لنا جانبا مشرقا يكاد يكون مجهولا من التاريخ والأدب والشعر في هذه البلدة العربية الأصيلة الحبيبة.

إن (عبد اللطيف زغلول) واحد من ثلة من النجباء الأخيار الذين أنجبتهم مدينة نابلس في فترة من أكثر الفترات التاريخية حرجا في تاريخ الأمة الإسلامية، فهو من الرعيل الأول الذين أبصروا النور، في فترة بدأت فيها أنوار الحكم الإسلامي تخبو أمام نيران الهجمة الغربية البربرية الاستعمارية المسعورة التي ما زلنا نكتوي بها ونعاني من آثارها ومن تبعاتها وامتداداتها حتى هذه اللحظة. لكن يعزينا أن أمتنا أمة ولود لا تتوقف عن انجاب العظماء حتى في أصعب ظروفها وأحلك لياليها ... وإلى أن يجعل الله من أمره فرجا قريبا بإذنه تعالى ...

رحم الله الشاعر الجهبذ (عبد اللطيف زغلول) وأسكنه الفسيح من جناته.

وشكرا جزيلا لكم أخي الكريم

منذر أبو هواش

:fl: