المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فخاخ تتساقط من ثقوب الجسد قراءة في ديوان الخروج من ليل الجسد للشاعر آية وارهام



نجاة الزباير
02/08/2007, 03:04 PM
بعد ديوان "زمن الغربة"1979، "الكتابة على ألواح الدم"1984، "العبور من تحت إبط الموت"1994، "طائر من أرض السمسمة"1995، "ولائم المعارج"2003، يصدر ديوان "الخروج من ليل الجسد" في طبعته الأولى 2006، للشاعر المغربي الدكتورأحمد بلحاج آية وارهام، في نسخة فاخرة عن دار وليلي للطباعة بمراكش، ويضم ثلاثين قصيدة تحمل إيقاعات نفسية مختلفة. أما لوحة الغلاف فهي من توقيع الفنانة العراقية زينب عبد الكريم.

إطلالة من كوة الغلاف

يبدو الجسد في لوحة الغلاف مرتديا إزار التوهج في محاولة للقفز نحو الأعلى من فوق أحجار طينية، فهل هي محاولة لولادة ثانية تمثل فرحا باطنيا يرمم أعطاب الجسد؛ الحاضر في الزمن المشع برغبة التغير، وهل التجاعيد التي تتصاعد مثل سلالم نحو الأفق، انفجار للذات المبدعة داخل الأرخبيل الفينومنولوجي والسيميولوجي والاستيتيقي والغيبي...؟ !

عثرة أمام العنوان

إن العنوان تأكيد ضمني على استمرارية عملية تحرر الجسد من سياط الألم التي كبلته، فهل هذا يعني أن الشاعر الذي رمى بنا في فيزيقا الوجود الجسدي؛ داخل هذه المجموعة الشعرية التي ذاقت من صهباء المعاناة أقداحها، أراد أن يلفت انتباهنا إلى أنه قد استطاع أن يخرج من بين أنفاسها معانقا العوالم المتناسجة من المعيش المخيالي والحلمي والأسطوري.أم هي مجرد محاولة للإفلات من ظلماتها فقط ؟!
(...) تمتد رقعة ضوئية من تخوم الجسد، التي تغوص أقدامها بين خلايا الجمر، حيث تحملنا القصائد في انخطافاتها نحو مدينة لغوية أسطورية، يُقَدَّمُ فيها قربان الجرح مُقَفًّى بماء التميز؛ والذي يرسم الحروف زهرة اشتعال تتسلق مرفأ الكلام، هكذا يقول في فاتحة الديوان " امِّحَاءٌ" (ص:5)
ذَبَحَتْنِي اُلْحُرُوفُ،كَيْفَ أُصَلِّـي عَارِيًا لاَ شُهُودَ غَيْـرُ اُلتَّـحَلِّي ؟
هِيَ كَأْسُ اُلْأَنْوَارِ تَشْرَبُ ذَاتِـي وَ تُسَمِّي اُلْوُجُودَ نُقـْطَـةَ ظِـلِّ(...)
أُبْصِرُ اُلْكَوْنَ كَرْمَةً مِنْ مَعَـانٍ لَـبِسَتْ وَجْدَهَا، وَ قَامَتْ تُصَلِّي(...)
ذَبَحَتْنِي بِـرَاحَـةٍ، لَمْ تُؤَانِسْ بَـعْدَهَا اُلرُّوحُ أَيَّ نَـارٍ لِـخِلِّ.
فهل جاءت هذه القصيدة اعتباطا في تسلسلها الرقمي داخل الديوان؟ لا نظن ذلك؛ لأنها تصعد في معراج الأبعاد التي ستأتي مرتدية قفاز البوح حينا، وناحتة من صخر الموج تمثالها أحيانا. فإذا كان ابن عربي-الضليع بشرح المكانة الروحية للحروف والكلمات – يرى أن الحروف والكلمات كناية عن أرواح لها عقل ووعي وإدراك.و النفري يقدم الحرف على كونه يختزن أسرار الله "يا عبد، الحرف ناري...الحرف خزانة سري" (1)فإن الشاعر صنع منها وطنا مليئا بالأسئلة، فبين أوديته وجباله تعددت معانيه، واغتسلت فيها أنامل كونه. فعذاباته تعلقه في مشنقة الاحتراق كلما طرق الحرف جُرفه، فيحنو عليه يدفئه بمعطف زنابقه العطشى للارتواء من ماء التجلي. هذه الحروف هي النبض المذبوح بين عَسْعَسَاتِ الرؤى حيث صنع منها لجسده مُتَّكَأً، وغزل من بصيرتها غلالة تأسره، فهي النور الذي يخيط جراحاته. وفي محرابها تسَّاقطت غربته وتعبدت حناياه.
.. ففي كفها تصب هسهسة الروح خمرتها، ويتدثر كونه من صقيع الوقت،هكذا يحيط بها –أي الحروف-متأملا ومتهيبا كَسْرَ صنمها، حتى إنه لا يجد في روحه مكانا لِلْأخِلَّاِء، لأنها سكنته وملأت رحَابه بهوسها العلوي. وكأن الشاعر يرى ما ذهب إليه بعض شيوخ الصوفية من إبراز صلات غير اعتباطية بين أشكال الحروف وأعضاء البدن وأطرافه حيث " يغدو النص الإبداعي معادلا رمزيا للجسد الإنساني، وامتدادا متساميا لوجوده المادي؛ إذ تستحيل الغرائز و الأحشاء والدم والمسام والرغبات، كلمات و أفعال كلام وظلالا لسانية"(2)

تدحرج الجسد فوق عشب الألم


يعتبر الألم اليراع الخفي الذي كتب به شعراء عظام ذواتهم المشروخة، من أمثال بدر شاكر السياب، أمل دنقل، عبد الله راجع، أحمد المجاطي،الخمار الكنوني،وآخرين مِنْ مَنْ حملوا فوق كاهل روحهم هذه الشفرة القَدَرِيَّة؛ التي منحتهم وسام السبق في حلبة الشعر الحديث.ولعل ديوان "العبور من تحت إبط الموت"، وخاصة نص يحمل عنوان " أتمزق بالعناق وباللمس أجمع أعضائي" وديوان"طائر من أرض السمسمة". تجربة غائرة في الفرادة وماحقة للألم الجسدي الذي تَسَلْطَنَ فوق كثبان مثقلة بالعويل، المكتوي من التهاب الذات الواقعة تحت وطأة الأسقام ، والإصغاء لضوضاء الروح، حيث يحارب الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام العدم المتربص به بسلاح الكتابة. فيتحول من خلال ذلك إلى فراشة نورانية تعانق المطلق الأبهى. منزوعا من تربة الألم والعذابات التي تتلصص من ثقوب جسده راغبا في الخروج من بين تلاوين كل هذه العتمات.

ففي قصيدة "سبعة آفاق للجسد الحزين"،يرسم وجها مملوءا بالوساوس و الأرق،حيث تتقطع أنفاس الأحلام، و يلبس الموت أقنعة الجنون، فترتدي الروح كفن غربتها، مستسلما لتثاؤب الأزمنة في قيعان الجراح والسأم.حيث يسافر الجسد في اشتعالات أفق لا يوحي بغير الأوجاع.
يقول:
أُفْقٌ، جُفُونُ هَدِيرِهِ
وَقْدٌ
وَ عِشْقُ فِجَاجِهِ
خَيْلٌ
هُوَ اُلسَّفَرُ اُلْمُدَاهِمُ،
أَرَّخَتْ أَنْفَاسُهُ لَيْلَ اُلْجَسَدْ(...)
بُسَّتْ صُخُورُ اُلصَّمْتِ
جُمْجُمَتِي
عَلَى أَعْتَابِهَا اُنْفَجَرَ اُلسُّؤَالْ (...)ص: 8- 9
وتستمر الغيوم المحملة بزوابع النفس فوق أرضه، حيث يصعد بين المعنى والحرف بخورا شجيا، ينتشر في فضاء الوحدة النازفة ألوانا من الشقاء.مصغيا لثرثرة المساء الحزين المطل عليه من شباك الذين غادروا... يقول:
خَلْفَ مَثْوَى اُلرِّيحْ
وَجَدْتَ نَفْسَكَ تَحْرُثُ اُلزَّمَنْ
بَعِيداً.. وَحِيداً
فَرَاشَاتُ اُلـشَّجَنْ تُحَوِّمُ فَوْقَكْ
وَ فُصُولُ اُلْكَآبَهْ
تُمْطِرُ فِي نَوَافِـذِ اُلرُّوحْ،
أَيُّ قِيثَارٍ هَذَا اُلَّـذِي يُثَرْثِـرُ
فِي مَسَائِكَ أَيُّهَا اُلْجَسَدْ.؟ !
قيثار من قصيدة "من مساء الجسد" ص:23
لكن هذا الجسد القابع في زوايا الزمن الهائم بين أجنحة الهباء، المعلق بين جفون الصنوبر الحزين، نراه يتحول صلاة في نهر الغيب، عندما يأتيه الدمع سبحة في قبضة الفيض، يتصبب من وريد الصفات التي اختارها سكنا يستقبل معناها.هكذا كانت قصيدة "ركعة دمع"، التي أضفى عليها الشاعر سلوكا بشريا "الركوع".فحضور هذه الصورة الحسية في نسق درامي، ملأ أوصال الصورة الإبداعية بالدلالات والمشاعر والأحاسيس، لتتيح لنا استعاراتها رؤية مشهد بعين الخيال، فكيف يا ترى نتصور دمعا يركع فوق سجادة الإيحاء؟ !.
في هذه القصيدة يسقط الشاعر في بئر الحدوس؛ فتتعرى المشاهد أمامه فلا يرى غير نورها الذي يغسل تراب وجدانه. ففي انشطارها نصفين؛ نصف للغيب، ونصف للواقع، امتزجت نبضاته كافورا حيث يغدو فَرِحًا كلما أحاط به الإخلاص. فكانت هذه النجوى التي سبرت أسوار وجدانه، حينما غردت طيور النفس فوق أشجار التأمل العميق:
أَنْـتِ،
يَا رَكْعَةَ دَمْعٍ
خَفَقَتْ تَحْتَ سِرَاجِ اُلْغَيْبِ
فِيضِي وَصْوَصَاتٍ
ثُمَّ فِيضِي وَهَـجًا
فِي فَلَكِ اُلسَّكْرَةِ(...)
إِنِّي…..
أَتَهَادَى فَـرَحًا
كُلَّمَا خَفْقَةُ طِينٍ
أَخْلَصَتْ لِي نَبْضَهَا.
من قصيدة "ركعة دمع ص35-36"
إن هذا الجسد الهش الذي وقع بين براثن الظلمة،يتساقط شهيدا تحت أنقاض الحلم ف
هُوَ حَالَةُ رُوحٍ
تأَوَّدَ ظِـلُّهَا تَحْتَ هَزِيمِ اُلْأَلَمْ.
وشم الغياب ص:30
ولكن لماذا نراه فجأة منفيا في شارع عثمان حيث استباح ذوو القربى الدماء الزكية؟،هل يقصد به شارع الشعراء الملغم بالطقوس القبلية؟!! ،أم الذين ينفون قداسة الحرف بين أسنان الليل؟ أم هي صورة خيالية لشارع إنساني يتأوه فيه الابتلاء،و توله برصد تضاريس الاستعارات والمجاز،فالشاعر يطل على جسده سائرا مثل الغمام، إنه تصوير سينمائي لحالات بوح يحملنا إليها الشاعر.
فَوْقَ نَـافِذَةٍ
يَتَقَاسَمُ سُلْطَتَهَا اُلشُّعَرَاءْ
أَنْحَنِي
وَ أُطِلُّ عَلَى جَسَدِي
سَائِرًا كَاُلْغَمَامِ
بِشَارِعِ عُثْمَانَ(...)
"نافذة" من قصيدة"ظِلٌّ يُطْلِقُ اُلْبَرْقَ فِي شَارِعِ عُثْمَانَ عَلَى نَهْرٍ اُسْمُهُ أَوَّاب"ص: 170
ويلتحف الشاعر جفني الصبر، وهو المُطَارَدُ من طرف ظِلٍّ يلهث في رئة الماء.فيتوارى عنه ليغوص في دواخله يرى ما لا تراه غير عين البصيرة، فهنا يستظل الرمز في مرعى التساؤلات، فماذا يقصد الشاعر بالظل؟هل كل ما يغتال الحلم الجميل، ويمسخ أصالة الفكر وتوهج المتخيل، ويهدد أساطير كينونته كرمز وجودي ينوء تحت ثقل كل الدلالات الموغلة في البعد الروحي؟أم شيء آخر يغيب عنا؟ ، يقول:
(...) لُذْتُ بِاُلْبَابِ
سَــكَّرَهُ
لُذْتُ بِاُلنَّافِذَهْ
سَـدَّهَا
سَدَّ عَيْنَيَّ
غُصْتُ كَمَا حَلَزُونٌ بِحُبِّ اُلْبَصِيرَةِ
مَوْجُ اُلْمَشَاهِدِ يَزْأَرُ فِي دَاخِلِي(...)
"نفس القصيدة، ص:172"
في هذا النص مزامير كثيرة نسجت من أعضائه محرابا للنجوى، في حوارية تنزف في خريطة الأبجدية، يخترق من خلالها أخاديد الأرق، ويتأبط نبوءة الآتين من حقل الإشارات. حيث يغوص في البياض في شعرية آسرة، تحملنا هواجسه المتربعة في عرش الاستنكار لدوال لغوية تأسر وجدان المتلقي. فهو يصنع من شجن الغصون دارة دمع، وسريرا من صفاء. فيثلج ألفاظا تفتح نوافذ بنفسجية، تُحَوِّلُ أصابع روحه لشرارة تختمر في صقيع الوقت، حيث كان لا يصغي لغير عطر المحبة يُرَشُّ في سراويل الجهات النرجسية، يقول في معانقة ص: (172)
كَانَ أُفُقًا
يُعَانِقُهُ بِاُلْمَحَبَّةِ قَلْبُ اُلْجِهَاتِ
إِذَا جِهَةٌ عَطِشَتْ
مَدَّ مِنْ نَبْضِهِ مَطَرًا
وَ إِذَا اُلْقَرُّ حَلَّ بِأُخْرَى
كَسَاهَا بِوِجْدَانِهِ
تَتَشَرَّبُهُ اُلْأَرْضُ عِطْرًا
وَ تَسْهَرُ فِيهِ اُلطُّفُولَةُ طَيْرًا
تُلَقِّطُ مِنْ شَفَتَيْهِ رَغِيفَ اُلْحَكَايَا
لَهُ فِي جُذُورِ اُلصَّفَاءِ غِنَاءٌ.(...)

لكن لهذا الجسد صحوته، وفيه يتشكل صرح الاختلاف،المصنوع من ماء الكشف، حيث تتدلى من عرش الأشياء فواكه الرضى، وبإزميل التألق يخيط شفاه وجوده ، فهنا تولد قصيدة كونه بعيدا عن التدجيل والتزييف والختل و الأقنعة.
(...)بِاُخْتِلاَفِهِ يَكْـتُبُ كَـوْنَهُ
لاَ يَتَدَثَّرُ بِـاُلنَّصِّ
مِنْ قَرِّ وَقْتٍ
وَ لاَ يُدْمِنُ اُلشُّرْبَ مِنْ غَيْهَبٍ
مُورِقٍ بِـاُلسَّرَابْ.(...)
"المختلف" ص:83
إن الديوان غني بالتجليات الصوفية -والتي تحتاج لقراءة أخرى لرصدها-، التي تنطلق من الذات الشاعرة لتخاطب الآخر، سالكا منهج الحدس الذائب في الزمني واللازمني، باحثا عن التجليات الإلهية.
ولعل قوله الذي تصدر به قصيدته "مثل صواحب يوسف":
" أَتُرِيدُ أَنْ تُخْرَقَ لَكَ اُلإِشَـارَهْ
وَ أَنْتَ نَفْسُكَ مَا خَرَقْتَ اُلْعِبَارهْ ؟
مسلك معرفي مفتوح على فضاءات لانهائية، هذه المعرفة التي جعلته يوجه حواسه لقراءة ماء الغيب.ويذكرنا هذا الأسلوب ذي الجمل القصيرة بأسلوب محمد بن عبد الجبار النفري. و إن كان الشاعر يؤسس لوحدة لغوية خاصة به لأنه "ربط اللغة البدوية باللغة الصوفية مما أعطى شعره طعما خاصا، جعل منه كتبية ثانية رفعت جمرات الشعر قواعدها."(3)
يقول في قصيدة ( أنشق عن حجر ص:110):
مِنْ دُونِ صَوْتٍ أَوْ إِشَارَهْ
أُكَلِّــمُ اُلْأَشْـيَـاءْ
تِلْكَ اُلَّتِي أَمْوَاجُهَا مِرْآتِي،
عَـنْ حَجَـرٍ أَنْشَقُّ
ضَوْءًا
أَوْ رَذَاذًا
أَوْ فَرَاشًا(...)
إن ما هو لافت للانتباه؛ أننا أمام ملغمة من العناصر التي تبحر بنا في يم من الإبهام،فكيف يبني الشاعر جسرا من التواصل مع السوى= (المادة والكون بكل مخلوقاته) بدون إشارة ولا كلام؟ ! أهي العبارة التي لم تسعفه كما قال أحمد المجاطي، أم هو اختراق للحجب بحلو المجاز؟. وغموض يريد من خلاله أن يكشف عن بعض المصطلحات التي تتدثر بحجاب الأسماء المتصادية مع لغة الرمز الصوفي، والتي ترتوي من فيض التجليات سحرها.

هنا تتساقط الأسرار التي تحيط بهذا الشاعر الصوفي الذي ينفذ من مجاهيل المجهول ليعانق المعلوم بكم كبير من الرؤى الوجودية ،التي تستوطن أرضا لم تطأها رجلُ روحٍ غَيْرِيَّةٍ. وهي وطن الرمز الإشاري الخاص به فقط. وتلك فرادته التي تنثر أمامنا ذاته الملتهبة بالمعرفة الجُلى.المتجذرة في التراث الإنساني بكل مرجعياته الأدبية والفلسفية والتاريخية والصوفية، الخ...الخ...

ثمرة من نخل الديوان:


إن الشاعر في هذا الديوان يبعثر أوراق الذات القلقة في عراء هذا الوجود، يردم ثقوب الجسد راصدا وساوسه بعيدا عن الوضع الشبقي/الايروتيكي، تاركا القارئ مسافرا في نعال الريح للوصول إلى محفة الجمال البهية، التي يصطاد تواجدها من خلال شفرة مهووسة بالجمال اللغوي؛ الذي يبني آفاقه داخل المشاهد الشعرية المتنوعة، الغائرة في رصد تصدعات الجسد، ونسج أردية الروح المشتعلة بين فخاخ الأسئلة التي تسيل من فم العوالم والجهات.حيث يغتسل الجرح المكفوف، بين الصور الباذخة التي تكتب الأرض الأوريفية بلون الأحزان.(أنظر قصيدة "غناء على بابها" ص:،61 ،"ورقات من إضبارة ابن مقلة" ص:91، غيهيب ص:116،"اغتباقات" ص: 117 ،"قنديل السلالة" ص:127، "تصدعات": 139، زهرة الرماد،ص:160.)

إنه السكر من حانة الشعر الذي يعتبر جوهر الجوهر في هذا الوجود، محتفيا بالآفاق اللامرئية التي أنذرت كينونتها لاستيعاب القصيدة الكونية، عن طريق اللغة والمخيال.والمتوهجة داخل أنطلوجيا الإنسان. لهذا يعتبر الشاعر آية وارهام من بين هؤلاء الذين نعد تميزهم على أصابع الإبداع؛ الذين تطيعهم اللغة على نحو لا يتأتى إلا للقلة، وما هذا الديوان إلا لبنة سماوية تضاف إلى لبنات عمالقة الشعر في الخريطة الشعرية العربية والمغربية الحديثة.

الهوامش

1- "مقدمة النفري" يوسف سامي اليوسف دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع دمشق 1979.ص: 58.
2- "الجسد بين الشرق والغرب" هشام العلوي منشورات الزمن. ص:92
3- ديوان "ولائم المعارج" أحمد بلحاج آية وارهام، منشورات المشكاة، طبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2003، ص: 11

حسام الدين نوالي
09/08/2007, 11:25 PM
المبدعة القديرة نجاة الزباير..
دعيني أرحب بك أولا وبقدومك إلى هذا الصرح الثقافي، بلدك وبلد المثقفين العرب..
هذه القراءة العاشقة لإبداع واحد من الشعراء المغاربة الكبار الآن هي قراءة قراءة تمنح جماليتين، فهي توصل بالخطو الجميل والمثقف إلى محاورة لوحات لغوية يرسمها الشاعر بعناية الرؤية الصوفية التي أقرؤها في العديد من كتاباته، وهي قراءة بالتالي تمنح لذة المتابعة النقدية الأنيقة، وتغري بقراءة العمل الشعري كثيرا، لصعود معارج الجمال اللغوي الصوفي في وليمة شعر..
مع مودتي