بديعة بنمراح
04/08/2007, 01:37 AM
حلو و مر
وصلت سعاد متأخرة ، هذه المرة. وجدته في انتظارها. كانت عيناه تبحثان عنها ، و ما إن لمحها ، حتى افتر الثغر عن ابتسامة ، و امتدت يداه نحوها ، تهفو للعناق ، رغم قسوة حواجز تفصل بينهما.أشرق وجهها ، و ضمته بعينين تفيضان شوقا. حينها نسي سعد كل متاعبه ،
رمقها بنظرة حنونة ، بعثت فيها الأمل ، و إحساسا طاغيا بالدفء. و منها استمد قوة تشعره أنه لا يزال يحيا و يتنفس.و يرى العالم خارج القضبان ، عالم النور و الحرية ، الذي حرم منه ، منذ داهم البوليس عشهما الدافئ ، عبثوا بالكتب و الأوراق ، و أحرقوا الأشعار ، ثم جرّوه معصب العيون نحو مصير مجهول.
بقيا صامتين ، يتأمل كل منهما الآخر .
نظر سعد إلى فستانها ، بلون الورد و الشعر يداعب الكتفين برقة ، و الشفتين و الخدين و اليدين..
آه ! لو يستطيع كسر هذه القضبان العصية ، لو يمكنه أن يضمها لثوان معدودة..
" "ماذا يشغل فكر حبيبي يا ترى ؟ هل هي الأشواق ، أم هو الخوف؟ لا تخف أبدا يا عمري .. ابق هادئا ، ولا تدع ابتسامتك تغيب عن وجهك السمح ، مهما حصل ..كن شجاعا كما عهدتك لأني سأبقى وفية لك ماحييت .. سأستمد من صلابتك قوة ، ومن صمودك أملا ، ومن كل أيامنا الماضية و الآتية قدرة على الحياة و الابتسام" ،
" كيف تعيشين يا حبيبتي ، و أنا بعيد عنك ، بعد ان كبلتي أيادي الغدر و القمع ، و ماذا تقولين لابننا حين يسألبك عني ؟ هل كان لمثلي ان يحب و يتزوج ، و ينجب أطفالا ؟ أم كان علي أن امشي طريقي الشائك وحدي ؟ لكني أعرف أن دروب الحياة ، حتى السهلة منها وعرة ، إذا قطعها الإنسان بمفرده .. هل ستصمدين ، وتتحملين كل العواصف معي حتى نصل ير الأمان ، أم أن الأيام الصعبة ستنسيك حبنا و أحلامنا بالقمح و الحرية لكل إنسان ، و الهدوء و السلام لكل طفل"
.. من لهيب الأفكار المرسومة في حدقتي العيون ، ومن حمى اللقاء التي جعلت من الصمت رسولا بين القلوب ، أدركت سعاد ما ينغلق عليه صدر سعد ، و ما تجيش به عواطفه ، فرنت إليه بعيون ودت لو تبث فيه الطمأنينة ، و تمده بطاقة تكفيه لتجاوز المحنة.. ثم حاولت الكلام ، لكن دقات قلب الساعة ، التي تشق صدر الزمن ، أعلنت أن وقت الفراق قد حان ، و أزفت ساعة الوداع.. فوعدته دون كلام ، انها ستجيب دون شك عن الاستغهام الكبير ، المرتسم في لوحة أيامه ، مذ فرقت بينهما القضبان.
***
. رفيق دربي سعد
أتدري أن بعدك عني ، رغم قسوته و جبروته ، ومع أنه يسرق منا أيامنا ، و يحرمنا لذة العناق،إلا أنه مدني بوقيد التفكير و التأمل ! جلست مع نفسي ، نظرت داخلها ، فأحسست بمتعة. سألتني : هل تحبينه ؟ قلت : أجل .. ثم استفترتها عن معنى الحب فردت : عاطفة نبيلة.. قلت : و ماذا بعد ؟ فأجابت : أجمل إحساس يمكن أن يتنفسه إنسان ، فيمده بقوة تمكنه من مجابهة كل مصاعب الحياة.. نظرت أعمق و أعمق ، فأسرت لي أن الحب قضية .. مجموعة خيوط متشابكة و متماسكة في آن ، تستمد القوة من ارتباطها ببعضها ، حب الوطن ، حب الوالدين و الأبناء ، حب الأصدقاء ثم حب رفيق الخياة..ذاك الذي نمد له يدنا ، كي نبني مغا حياتنا و حياة الآخرين..نقطع دروب الحياة بكل شعابها الوعرة . المظلمة تارة ، و المضاءة مرة.
قد نتألم ، لا بأس ، فمن خلال ألمنا ، نحس بقيمة الفرح قد نحس بالخوف ، ليست مشكلة ، فالخوف إحساس طبيعي .. إنساني ، حيث لا يستبد بالإنسان ، حتى يقضي على كل منابع القوة لديه ، قد نضعف أمام عقبة من عقبات دربنا الطويل ، ليست جريمة ، فمن لحظات ضعفنا ، نستمد قوتنا و صلابتنا
. الحب رجل و امرأة ، معا يعرفان لذة الأخذ و العطاء ، و العمل. و إثبات الذات . جنبا إلى جنب ، يحققان المعجزات ، شخصيتان مختلفتان ، لكنهما ليستا متناقضتان . يحتدان .. يتناقشان ..
يصرخان . لكن ، ما إن يتعثر أحدهما ، حتى يسرع الآخر كي يسنده ، يمنحه قوة ليبدأ من جديد .. بكلمة طيبة.. بببسمة صادقة .. بوقفة شجاعة. قد يتباعدان ، حين تدعو الضرورة لذلك ، و قد يلتقي كل واحد منهما خلال رحلته ، وجوها أخرى مختلفة ، لكن صورة رفيق العمر ، تبقى ساكنة في الذاكرة ، مرسومة بمداد الجراح المشتركة ، و الأفراح.. و الأحلام التي حققا بعضها ، ولا زالا يجدان من أجل تحقيق ما لبقي منها.
الحب حلم وردي جميل . يمكن تحويله لحقيقة ممتعة. نرويها
بتعاوننا ، و تسامحنا. فمن لا يعرف الحب ، لا يمكنه أن يفجر بركان مواهبه ، تبوح لي نفسي . و لا أن يقدم شيئا للآخرين. . من لا يعرف الحب ، لا يعرف كيف يعطي أو يحزن أو يفرح.. كل شيء بالنسبة له عادي .. كامد .. يومي..
أرادت سعاد أن تستمر ، لكن أعماقها كانت قد أفرغت كل ما لديها .. و أمرت اليد أن تتوقف.
طوت الخطاب .. وضعته داخل ظرف ، ثم بعثته لزوجها في المعتقل
فبراير 2001
وصلت سعاد متأخرة ، هذه المرة. وجدته في انتظارها. كانت عيناه تبحثان عنها ، و ما إن لمحها ، حتى افتر الثغر عن ابتسامة ، و امتدت يداه نحوها ، تهفو للعناق ، رغم قسوة حواجز تفصل بينهما.أشرق وجهها ، و ضمته بعينين تفيضان شوقا. حينها نسي سعد كل متاعبه ،
رمقها بنظرة حنونة ، بعثت فيها الأمل ، و إحساسا طاغيا بالدفء. و منها استمد قوة تشعره أنه لا يزال يحيا و يتنفس.و يرى العالم خارج القضبان ، عالم النور و الحرية ، الذي حرم منه ، منذ داهم البوليس عشهما الدافئ ، عبثوا بالكتب و الأوراق ، و أحرقوا الأشعار ، ثم جرّوه معصب العيون نحو مصير مجهول.
بقيا صامتين ، يتأمل كل منهما الآخر .
نظر سعد إلى فستانها ، بلون الورد و الشعر يداعب الكتفين برقة ، و الشفتين و الخدين و اليدين..
آه ! لو يستطيع كسر هذه القضبان العصية ، لو يمكنه أن يضمها لثوان معدودة..
" "ماذا يشغل فكر حبيبي يا ترى ؟ هل هي الأشواق ، أم هو الخوف؟ لا تخف أبدا يا عمري .. ابق هادئا ، ولا تدع ابتسامتك تغيب عن وجهك السمح ، مهما حصل ..كن شجاعا كما عهدتك لأني سأبقى وفية لك ماحييت .. سأستمد من صلابتك قوة ، ومن صمودك أملا ، ومن كل أيامنا الماضية و الآتية قدرة على الحياة و الابتسام" ،
" كيف تعيشين يا حبيبتي ، و أنا بعيد عنك ، بعد ان كبلتي أيادي الغدر و القمع ، و ماذا تقولين لابننا حين يسألبك عني ؟ هل كان لمثلي ان يحب و يتزوج ، و ينجب أطفالا ؟ أم كان علي أن امشي طريقي الشائك وحدي ؟ لكني أعرف أن دروب الحياة ، حتى السهلة منها وعرة ، إذا قطعها الإنسان بمفرده .. هل ستصمدين ، وتتحملين كل العواصف معي حتى نصل ير الأمان ، أم أن الأيام الصعبة ستنسيك حبنا و أحلامنا بالقمح و الحرية لكل إنسان ، و الهدوء و السلام لكل طفل"
.. من لهيب الأفكار المرسومة في حدقتي العيون ، ومن حمى اللقاء التي جعلت من الصمت رسولا بين القلوب ، أدركت سعاد ما ينغلق عليه صدر سعد ، و ما تجيش به عواطفه ، فرنت إليه بعيون ودت لو تبث فيه الطمأنينة ، و تمده بطاقة تكفيه لتجاوز المحنة.. ثم حاولت الكلام ، لكن دقات قلب الساعة ، التي تشق صدر الزمن ، أعلنت أن وقت الفراق قد حان ، و أزفت ساعة الوداع.. فوعدته دون كلام ، انها ستجيب دون شك عن الاستغهام الكبير ، المرتسم في لوحة أيامه ، مذ فرقت بينهما القضبان.
***
. رفيق دربي سعد
أتدري أن بعدك عني ، رغم قسوته و جبروته ، ومع أنه يسرق منا أيامنا ، و يحرمنا لذة العناق،إلا أنه مدني بوقيد التفكير و التأمل ! جلست مع نفسي ، نظرت داخلها ، فأحسست بمتعة. سألتني : هل تحبينه ؟ قلت : أجل .. ثم استفترتها عن معنى الحب فردت : عاطفة نبيلة.. قلت : و ماذا بعد ؟ فأجابت : أجمل إحساس يمكن أن يتنفسه إنسان ، فيمده بقوة تمكنه من مجابهة كل مصاعب الحياة.. نظرت أعمق و أعمق ، فأسرت لي أن الحب قضية .. مجموعة خيوط متشابكة و متماسكة في آن ، تستمد القوة من ارتباطها ببعضها ، حب الوطن ، حب الوالدين و الأبناء ، حب الأصدقاء ثم حب رفيق الخياة..ذاك الذي نمد له يدنا ، كي نبني مغا حياتنا و حياة الآخرين..نقطع دروب الحياة بكل شعابها الوعرة . المظلمة تارة ، و المضاءة مرة.
قد نتألم ، لا بأس ، فمن خلال ألمنا ، نحس بقيمة الفرح قد نحس بالخوف ، ليست مشكلة ، فالخوف إحساس طبيعي .. إنساني ، حيث لا يستبد بالإنسان ، حتى يقضي على كل منابع القوة لديه ، قد نضعف أمام عقبة من عقبات دربنا الطويل ، ليست جريمة ، فمن لحظات ضعفنا ، نستمد قوتنا و صلابتنا
. الحب رجل و امرأة ، معا يعرفان لذة الأخذ و العطاء ، و العمل. و إثبات الذات . جنبا إلى جنب ، يحققان المعجزات ، شخصيتان مختلفتان ، لكنهما ليستا متناقضتان . يحتدان .. يتناقشان ..
يصرخان . لكن ، ما إن يتعثر أحدهما ، حتى يسرع الآخر كي يسنده ، يمنحه قوة ليبدأ من جديد .. بكلمة طيبة.. بببسمة صادقة .. بوقفة شجاعة. قد يتباعدان ، حين تدعو الضرورة لذلك ، و قد يلتقي كل واحد منهما خلال رحلته ، وجوها أخرى مختلفة ، لكن صورة رفيق العمر ، تبقى ساكنة في الذاكرة ، مرسومة بمداد الجراح المشتركة ، و الأفراح.. و الأحلام التي حققا بعضها ، ولا زالا يجدان من أجل تحقيق ما لبقي منها.
الحب حلم وردي جميل . يمكن تحويله لحقيقة ممتعة. نرويها
بتعاوننا ، و تسامحنا. فمن لا يعرف الحب ، لا يمكنه أن يفجر بركان مواهبه ، تبوح لي نفسي . و لا أن يقدم شيئا للآخرين. . من لا يعرف الحب ، لا يعرف كيف يعطي أو يحزن أو يفرح.. كل شيء بالنسبة له عادي .. كامد .. يومي..
أرادت سعاد أن تستمر ، لكن أعماقها كانت قد أفرغت كل ما لديها .. و أمرت اليد أن تتوقف.
طوت الخطاب .. وضعته داخل ظرف ، ثم بعثته لزوجها في المعتقل
فبراير 2001