المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعر وشعراء



حسن إبراهيم حسن الأفندي
04/08/2007, 11:55 AM

حسن إبراهيم حسن الأفندي
12/01/2008, 11:24 AM
الجواهرى الذى أسرنى وأبكانى

و عذرا لما جد من موضوعات , و لأعد بك إلى ما وعدت به فى بداية الباب , فقد أشرت إلى أنى سأتحدث عن الشيخ الكبيسى و الشاعر العملاق الجواهري , و صديقى عزت عفيفى قطب , و أرى أن الوقت حان لقضاء بعض الوقت مع الجواهري , الشاعر الكبير الذى ملك كل مشاعرى .
فالرجل عاش اغترابا و غربة امتدت لأكثر من ثلاثين عاما , على رضا منه أو على كره بين واضح , اختار ذلك أم فرضت عليه الغربة , و لكنه على كل حال ظل رهين أشواق العودة إلى الوطن و لو على جناحي عقاب :
ما أرخص الموت عندى إذ يمد فمى = بما تحوك بنات الشعر من كفنى
و ما أرق الليـالى و هي تسلمــنى = يوم القراع لظهر المركب الخشن
حسبتنى و عقـاب الجو يصعـــد بـى = إلى السموات محمولا إلى وطنى
و الرجل صهرته الأحداث و الحوادث و الآلام حتى لم يعد فى صدره و لا قلبه مكان جديد لألم جديد , فهو بجانب ما يعايشه من هم أصابه الكبر و أوهى من عزمه و قدرته على تحمل المزيد من المصاعب و المصائب , و يقرر أن لا مفر من أن يظل باقيا ضاغطا على الجمرة المحرقة دون أن يتأوه و دون أن ينبس ببنت شفة , بل و ما تفعل النار بمن جسمه كله ظل مشتعلا بنار , الصمت أفضل و لا شك فى ذلك و أليق بالرجال فى مثل هذه الحالات :
لم يبق عندي ما يبـــتزه الألـم = حسبى من الموحشات الهم والهرم
لم يبق عندى كفاء الحادثات أسى = و لا كــفـاء جراحات تضج دم
و حين تطغى على الحران جمرته = فالصمت أفضل ما يطوى عليه فم
و لكنى أبكى كثيرا و أحزن كثيرا و أنا أستمع إليه فى لاميته العظيمة :
و طول مسيرة من غـيــــر غــاي مطمح خجل
على أنى بـأن يـطوى = غد طول السرى وجل
و تلك هي آية الفكرة و ذلك لبها , و لا أعتقد أن أحدا لا يشغله ذلك الأمر , مهما كان , إلا أن يكون مبشرا بالجنة أو يعلم أنه غفر لــه ما تقدم و ما تأخر من ذنبه , فنحن نقدم بالموت على مرحلة جديدة , تدخل فى عالم الغيب , لا نضمنها و لا نضمن حسن الختام و لا نأمن مكر الله , و إن كنا نسعى جاهدين لإرضاء الله و كسب الحسنات , و شغلت قضية الموت الكثيرين من المفكرين و الشعراء و الصالحين و الصغار و الكبار على السواء , و عندما يصل بالمرء العمر أرذله و يحس أنه أضحى قريبا من الموت , يصبح عاطفيا إلى أبعد درجة , و يبكيه الكثير من الأمور , حتى الجبابرة أو الذين عاشوا حياتهم جبابرة , تجدهم و هم على مشارف الموت عاطفيين إلى أبعد الحدود . و يمضى الشاعر الكبير :
أقول و ربمـا قــول = يـدل بــــه و يبتهل
ألا هل ترجع الأحــلام ما كحلت بــــه المقل
و يبكى الرجل لطلبه المستحيل فأبكى معه بحرقة و ألم , تلك آثار الأيام و مرور السنين بسرعة عجيبة , عاش سيدنا نوح تسعمائة و خمسين عاما بعد أن أتته الرسالة و سئل عند الموت عما وجد بالحياة , فأجاب : هي كوخ صغير لـه بابان , تدخل من هذا و تخرج بالباب المقابل , و يذكرنى هذا البيت بما ورد فى القرآن الكريم بأن منا من يرد إلى أرذل العمر حتى لا يعلم من بعد علم شيئا , وأيضا من يعمر منا يُنكس فى الخلق , و صدق الله العظيم و صدق قرآنه الكريم , و أذكر أنى كنت أستمع عشية الاحتفال بعيد الاستقلال للسودان إلى برنامج تليفزيونى يجرى مقابلة مع المناضل السودانى الكبير و المحامى المشهور ـ عليه رحمة الله ـ الأستاذ أحمد خير المحامى , مؤلـف كتاب ( من وحي كفاح جيل ) , و لـه دور نضالي كبير أدى إلى استقلال السودان , كان اتحاديا و لكنه اختلف فى الرأي مع الاتحاديين فابتعد عنهم , و حقيـقة لا أدرى سبب الخلاف , المهـم كان مؤمـنـا بالديموقراطية إيمانا بعيدا و لكنه رغم ذلك تعاون مع حكم الفريق عبود و ظل وزير خارجية السودان للست سنوات التى حكم فيها عبود البلاد , و كان له دور بارز فى دول عدم الانحياز , و كان صاحب فكرة إنشاء أندية الخريجين بالسودان و التى تفتح أبوابها حتى الآن , و أدت إلى نشر الوعي العام و توجت النتائج باستقلال السودان , و سمعت بأنه كان صاحب فكرة الاحتفال بيوم المعلم فى إطار العمل النضالي و استغلال كافة الفرص لنشر الوعي و التجمع , فى وقت كان فيه الاستعمار يجثم على الصدور و يحسب خطوات كل مثقف , ظهر الرجل فى التليفزيون بملابسه السودانية التقليدية التى نبقى بها كسودانيين داخل بيوتنا , و كان حافي الرأس , و أخذ يسرد عن التاريخ السودانى و مراحل النضال و محاربة و مقاومة الاستعمار , و لكنه يحاول مرات أن يتذكر اسم رئيس وزراء مصر مثلا فى مرحلة تاريخية معينة , فتخونه الذاكرة , يبكى مرة و هو يتذكر فلانا و قد رحل إلى جوار ربه , و يشد شعره أحيانا , و قد علل مشاركته فى حكم الرئيس عبود ـ رغم مبادئه التى يؤمن بها و تغاير تلك المشاركة و تتعاكس معها ـ بأنه بشر و ليس ملكا , بمعنى خفي أنه أخطأ فى ذلك الموقف , و ظنى أنه قبل بمنصب وزير خارجية النظام العسكري نكاية فى من كان مختلفا معهم من السياسيين , و كان التليفزيون يعرض لـه صورا أنيقة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و الرئيس الهندي جواهر لال نهرو و غيرهما , كان يجلس و يشاهد كل ذلك بنتى الكبرى و ابني و استغربوا و تساءلوا : من الرجل و ما علاقة الصور التى تركز عليها كاميرا التليفزيون بهذا الرجل الكبير الذى بدأ ينسى أهم الأحداث , أجبتهم بحديث مطول عنه و قدمته لهم , فما صدقوا ما أقول ولم يجدوا علاقة بين ما أقول وما يشاهدون , وزاد استغرابهم ! حرّك ذلك في شجونا , وجادت شاعريتى بقصيدتى التى مطلعها :
هي الأيـام تجرى مسـرعات = فــــــلا تـأبـه لمــاض أو لآت
و عش أيام عمرك مثل طير = تجوب الأرض فى كل الجهات
سـيسرقـنا زمان مســــــتبـد = و يحرمنـا الجمـــيل من الحيـاة
و مضيت أحكى عن الحياة و العمر و الكبر , و آثار السنين , إلى أن وصلت :
هي الأيام تجرى فى سريع = تغـير من مظاهـر أو ذوات
فلا تعجب إذا ماجئت يوما = لتُلفى الأُسد فى ضعف الموات
و ينــــكر قيس ليـلى التياعا = ويسـأل أي ليــلى فى حيـــاتى
و حملت قصيدتى فى اليوم التالى و دخلت بها جريدة السياسة السودانية , سألت عن القسم الثقافي فوجهت إليه , و هناك التقيت لأول مرة بالقاص السودانى الأستاذ عيسى الحلو , و يبدو أنه كان مشرفا على الملف الثقافي , و كان يجلس معه الدكتور الشاعر السودانى المعروف تاج السر الحسن , أخ الشاعر الكبير الحسين الحسن ومؤلف قصيدة ( آسيا و أفريقيا ) التى وقف لها جمال عبد الناصر إجلالا عندما غناها المطرب السودانى عبد الكريم الكابلى أمامه على مسرح سينما أم درمان الوطنية فى أواخر الخمسينيات و كان جمال العرب فى زيارة إلى السودان , و عندما وصل الكابلى إلى :
مصر يا أخت بلادى يا شقيقة
يا رياضا عذبـة النبع وريقـة
يـا حقـيـقـة
مصر يا أم جمال أم صابـر
وقف عملاق العرب تحية و إكبارا لما سمع من معان عظيمة !
استمع الدكتور تاج السر الحسن و الأستاذ عيسى الحلو إلى قصيدتى , فعلق الدكتور بأن أسلوبي مميز و جميل , و الغريب فى الأمر , أني استمعت إلى نفس هذا التعليق بحذافيره من الأستاذ عبد اللطيف الزبيدى التوزرى التونسي ـ من نفس بلدة الشاعر التونسي المعروف أبى القاسم الشابي ـ و كان يستمع إلي لأول مرة عبر الهاتف فى قصيدتى ( طار غرابى ) ! و ظلت بيننا مودة و زرته فى القسم الثقافي بجريدة الخليج و أهدانى نسخة من كتابه الساخر ( فرائد أبى الزبائد فى الأدب الساخر , فى عصر المساخر ) و كتب إهداء طيبا يقرظنى فيه .
نشرت قصيدتى فى اليوم التالى على صدر الملف الثقافي لجريدة السياسة , و ذُهب بها إلى المطبعة بينــما كنت جالسا معهما أتناول بعض قصائدى بالنقاش و المداولة لمضامينها , و طلبا منى نشـر قصيدتى ثورى و لكنى أحجمت .
أعود إلى لامية الجواهرى العملاق , و الذاكرة لا تسعفنى كثيرا , فقد تركت القصيدة بالسودان ضمن مقتنياتى النادرة حسب نظرتى الشخصية طبعا , و لكنى ما زلت أتذكر منها :
و هل ينجاب عن عيني = ليــل مطبـق أزل
كأن نجومـه الأحجار = فى الشطرنج تنتقل
يساقط بعـضها بعـضا = فمـا تنفـــك تقتتل
مقيم حيث يصطرع الــمنى و السعي و الفشل
و حيث يعارك البلوى = فتلويه و يعتــدل
لعمرى ما سمعت أجود من هذا الشعـر الذاتي فى زماننا هذا ! زمان التبعية النفسية و الأدبية للغرب البغيض و التأثر بمن هم أقل منا فكرا و إبداعا و خلقا ثقافيا , و لعلى إن أردت أن أتحدث عن إبداعات الشعراء العرب و سبقهم لرفيع المعانى و جميلها , لطال بنا المقام و المطاف , و لكن يبدو أنى سأضطر إلى ذلك يوما ما .
و إذا ما تعرضنا لقصيدة الجواهرى الخالد الباقى بشعره الرائع , التى يخاطب فيها دجلة الخير , لسمعنا عجبا :
أتضمنين مقيـلا لى سواســية = بين الحشائش أو بين الرياحين
لعل يوما عصوفا جارفا عرما = آت فترضيك عقباه و ترضينى
و لكنى أتمنى ألا يكون دجلة الخير تهذى إلا من حكامها من ألف عام مضت و ألا تكون قد هزأت من السلطان الإسلامي العظيم الذى سعت الصليبية المجرمة إلى تشويه صورته, و حكمه و دبرت ضده انقلابا مشئوما , أدى إلى وضع نهاية للرجل الذى وقف بكل صلابة دفاعا عن فلسطين و رفضا للتخلى عن بيت المقدس , أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين , ذلكم السلطان عبد الحميد , آخر سلاطين الدولة الإسلامية العظمى , و من عجب أن يهلل مثقفونا يومها لذلك الانقلاب الذى استهدف الإسلام و العربية معا , و أعجب كيف ينساق شاعر مثقف كبير مثل شــوقى مع ذلك التيار المضاد للإسلام و العرب , و يكتب شعـره الساخر عن ذلكم السلطان الواعى الخالد و الذى أثبتت الأيام و الأحداث أننا بحاجة لمثل وعيه المبكر و حنكته و خبرته , فقد أنشأ شوقى قصيدته :
عبد الحميد حساب مثلك فى يد الملـك القدير
و هي من قصائده المعروفة , بينما أنشأ حافظ :
لا رعى الله عهدها من عهود = كيف أمسيت يا ابن عبد المجيد
و أخذ يسخر ما شاءت لـه السخرية و ما طاوعه الشعـر ! و لست عاتبا كثيرا على حافظ , فلم يكن على درجة وعي و ثقافـــة شوقى , تلك الثقافة الخاصة التى نشأ عليها و عرف بها , و إن كنت أظن و أعتقد أن الشاعرية درجة من درجات النبوءة , و على الشاعر أن يكون عميقا و أن يستقرئ المستقبل , و إلا لما كان هناك فرق بين الشاعر و الإنسان العادى , و أعجب كثيرا أن يشوه أيضا شوقى قصيدة أبى تمام العصماء , التى سجلت انتصار عـمورية الرائع لمعتصماه الذى سعى هــرولة يلبى دعوة القرشية , و التى مطلعها :
السيف أصدق إنباء من الكتب = فى حده الحد بين الجد و اللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف فى متونهن جلاء الشك و الريب
مستغلا لها أسوأ استغلال , ليقول :
الله أكبر كم فى الفتح من عجب = يا خالد الترك جدد خالد العرب !
فالتكلف واضح , و لست أدرى أي خالد من الترك يعدل خالد العرب ؟ و لعلي أن افهم بعد حين , لماذا كان الدكتور طه حسين على حق حينما تعرض بحزم لهذه القصيدة موضحا ما بها من مثالب ! أقول هذا و قد نجح شوقى فى معارضته لسينية البحترى إلى حد كبير و جاء لنا بأبيات مأثورة كلنا يحفظها و يستشهد بها , و نجح فى مجاراته لقصيدة البوصيرى :
أمن تذكر جيران بذى سلم = مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
فقال شوقى :
ريم على القاع بين البان و العلم = أحل سفك دمى فى الأشهر الحرم
و القصيدتان من بحر البسيط , و قد ساءنى أن أحد الدكاترة المشهورين بتقديم المسابقات التليفزيونية , سأل عن قصيدة البوصيرى , و أخذ يتحدث عنها و يقطعها ليشرح بحرها , و فوجئت به يقول على مرأى و مسمع من الناس و على الهواء مباشرة , و يبدو أنه بدأ يقطع القصيدة فخدعته ( أمن ) فوزنها دون تفكير على (فعو) فزعم أن القصيدة من بحر الطويل , وأنا على ثقة أنه لم يكن من بين من يحضرون الحلقة من يعرف شيئا عن علم العروض , وكان ذلك على إحدى الفضائيات العربية التى استضافت الدكتور فى شهر رمضان , والصحيح أن (أمن) على وزن (مُتَفْ ) و( أمن تذكْ ) على وزن ( متفْعلنْ) , وهي التفعيلة مستفعلن بها خبن , وبحر البسيط ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فعل ) و يمكن أن ترد مستفعلن على وزن متفعلن أو فاعلن أو مستعلن و فاعلن يمكن أن تكون فعلن بكسر العين أو تسكينها , و هناك علل و شروط , و علم العروض بحر عميق من لا يعرفه غرق. و لعل هذا أن يكون نموذجا لما تهدم به أجهزة الإعلام جهود المدارس و المعلمين, تلك الأجهزة التى تقدم من لا يفرقون بين همزة القطع و همزة الوصل , و تكتب أخطاء إملائية و قواعدية شنيعة , فتضيف ألفا إلى مخرجى المسلسل و هي مضافة, فتكتب مخرجوا المسلسل و منفذوا الإنتاج معتقدة أن ألف واو الجماعة تدخـل على الأسماء , بينما ألف واو الجماعة تدخل على كل فعل أمر يخاطبهم لأنه مجزوم و تدخل على الفعل الماضى إذا نسب للجماعة و تدخل على الفعل المضارع المنسوب إلى الجماعة فى حالتي النصب و الجزم , أما مخرجون و منفذون فأسماء , تحذف النــون فى حالة الإضافة و لا تستبدل بألف ! و بمناسبة ذكر قصيدة الإمام البوصيرى , فقد يأخذ البعض عليه قولـه :
يا أكرم الخلق ما لى من ألوذ به = سواك عند حلول الحادث العمم
و يقولون كان عليه أن يلوذ بالله , و أنا أقول و نعم بالله و لكن الإمام لم يسلك طريقا يؤخذ عليه , فالرسول الكريم هو أفضل الخلق و أكرمهم , و أثبت الإمام بشريته , و قد تفهم الإمام قول الله سبحانه و تعالى ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) فعلم أن ذلك المقام المحمود هو الشفاعة التى سيعطيها الله لرسوله الكريم يوم القيامة, و الحادث العمم ما هو إلا يوم القيامة , فأي غضاضة فى ذلك و ليس من بين النبيين من يشفع للخلق عند الله سبحانه و تعالى سوى سيدنا محمد (ص) ؟ و قيل إن الرسول الكريم سيشفع أيضا للكتابيين المسلمين من غير المؤمنين به , بعد أن ينالوا عقابهم لعدم الإيمان بخاتم الأنبياء و اتباع رسالته , فهم كانوا مؤمنين بالله تعالى . و الله أعلم , فعال لما يريد , بيده الأمور .
و نعود لظلم الصليبية المغرض للسلطان عبد الحميد , فليس هو أول و لا آخر من وقع عليه الظلم المغرض , و قد استهدف من قبله الخليفة القائد الكبير هرون الرشيد , رأت فيه الشعوبية و الصليبية رمزا من رموز الإسلام العظماء و قائدا فـذا من قادة العـرب النادرين , حكم أكبر دولة عظمى فى ذلك الزمان , دولة لا تغرب عنها الشمس , يأتيه ريع كل سحابة أينما سالت , و بلغت دولته قمة فى التقنية الحديثة حينها , أخافت شارلمان حاكم فرنسا حينما كان الغرب يغط فى نوم عميق , و كان هرون الرشيد يصلى مائة ركعة ما بين فرض و سنة يوميا , و يتقى الله فى أعماله و أفعاله , و ترتعد فرائصه إذا ذكر بالله فى موقف , و حج لمرتين راجلا , و كان من الممكن أن تشد له الخيول المطهمة كما يقولون , لم يلتق قط بأبى نواس و لم تلتق زوجته العربية زبيدة كذلك بأبى نواس , و رغم ذلك حيكت حول الرجل و زوجته و أبى نواس مئات القصص , و نسبت للحاكم الإسلامى العربي العظيم القصص و الأقاويل و الليالى الحمراء , تستهدف التشكيك فى رموزنا العظيمة ! و حان الوقت لعلمائنا و مفكرينا و مؤرخينا أن يسعوا لغربلة التاريخ , نحن نريد تربية جديدة لأبنائنا و قومنا , و نريد لهم رموزهم العظيمة على ما هي عليه من عظمة .
و صحبة الجواهرى لا تمل , و لكنى أسجل خواطر اغتراب سريعة و لا أقدم دراسة متأنية متخصصة , فقد واجه الموت رغم خوف منه ووجل , و ترك ثروة أدبية هائلة , رحمه الله , و ما جاء اليوم العصوف الجارف العرم الذى تحيا به دجلة الخير و يحيا به هو , إلا من خلال ما كتب و ترك من قصائد تستعصى على غيره من الفحول , فهو على قدرة و ملكة المتنبى , و تصحيح لمسار المتنبى :
سلام من أخى دنف = تناهت عنـده العلل
و فيما قال من حسن = و سيْئ يكـثرالجدل
سلام أيهـا الثاوون = إنــى مزمع عجــل
سلام أيها الندمـاء = إنــى شارب ثمــل
سلام أيها الخالـون = إن هواكــمُ شغـــل
سلام أيها الأحباب = إن محبـة أمـــــل
سلام كلـــــــه قبــل = كأن صميمها شعل