المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسم التأنيث لبسمة البوعبيدي : بقلم عبد العزيز ضيف الله



فيصل الزوايدي
08/08/2007, 05:25 PM
روايــة: موســم التأنــيـث عبد العزيز ضيف الله
كشـف المستـور وراء الخـدور
محاولة الحفر في أرض حرام:
إن الحفر في المواقع المحرمة يعني التنقيب عن المستور والمسكوت عنه من آرائنا وهواجسنا وعقدنا ونظامنا المجتمعي وتقاليدنا و في رواية موسم التأنيت لبسمة البوعبيدي تتكشف صور كانت إلى وقت قريب في حصن حصين عن أعين الرقباء .
انفتحت الرواية على ظلمة الغرفة ثم على بيت "المونة" الذي لا يملك مفتاحه إلا كبير الأسرة يتوارثه الرجال كابر عن كابر وكذا صندوق الأم : الحرز الذي ستفك مريم مغلاقه فتجلب الموت في حقة مغلقة تضمنت عقربا أرسلتها زوجة الأب.أما جعفر صنوها في الرواية فيلج في صباه الخدر والفضاء المحرم أبدا امام الذكور فيرى مشهد تنقية جسد العروس من الشعيرات.
إن الرواية في عمومها جملة من المغلقات التي سيحاول جعفر ومريم فك رباطها لكن في أكثر من مناسبة يثبت أن الأقفال أكثر صلابة من ان يهتكها شابان غضان.
فجعفر لا يرى ابنة عمه الا خلسة في غيبة والدها عن الدار.
أما اذا حصل الوصل المحرم فإنه يتم في حال نوم الزوج فاذا العلاقة المفترض أنها قد اكتسبت مشروعيتها من متلازمة الأرض والدم ومن وصية الجد لا تتحقق إلا في مناخ هو إلى الحلم أقرب وفي فضاء الغابة وقريب من العين في إحالة على الفردوس المفقود.
وخلاف الأبوين الذي ليس وراءه إلا سبب تافه يغدو خندقا لا يمكن تخطيه و لا تنفع معه كل الجسور ولا تغيره الأحداث فلم تنفع رابطة الدم ولا نكبة التعاضد على الأسرتين في أن تردم هوة الخلاف بل باعدت الشقة وفرقت الحبيبين.
وتجربة التعاضد التي نشات نبتا شيطانيا في القرية وتجذرت ولم يؤثر فيها اعتراض جعفر و رفاقه واستمرت تقسم الأرض التي أراد الجد أن تظل موحدة وسببا لإستمرار رابطة الدم.
أحلام مجهضة:
ان عماد الرواية هو علاقة مجهضة بين مريم و جعفر وكان الفصل الأول كناية عليها و نذيرا لمن هو غافل عن تلاعب الأقدار .ففيه تنفتح عين مريم و القارئ معها على عملية إجهاض تجريها العمة فطوم و زوجة الأب لابنتها سالمة التي حبلت بطريق حرام.
إن النساء في هذه الرواية مغتصبات مكبلات لا يخرجن رغم جهودهن من دائرة الحرام و من المغاليق و الحروز فاذا نظرت إحداهن من ثقب في الباب أعد لها رجل من شوك النخيل نصلا حادا يفقا عينها.
لذا لا تجد بوكة المعتبرة في القرية بلهاء و في كناية قريبة و في تجاور غريب بدّا من القول أنها لا ترى ضرورة في تعرية عينها التي سترتها دائما لأن مجتمع الرجال كثير عليه أن يرى بعينين اثنـتين ولعل في واحدة الكثير.
فمجتمع يقتل فينا تطالعاتنا و يخنق أنبل مشاعرنا هو لا شك مجتمع أعرج في سائر السبل التي طرقها لذا رأينا البلد "الفردوس" و أهله في سكون مثقل بقيود تحبسه عن الإنطلاق فخلال الرواية لم نر أي تغيير طرأ أو تطور أو تقدم حصل فكل الوقائع والشخصيات و الفضاءات محكومة بالعرف و التقاليد و العادات فاذا شهد البلد حركة او ما يفترض أنه حركة فان جعفر كنى عليها بزهرة الجلنار التي دفعتها المياه إلى حيث لا تعرف و كذا تجربة التعاضد المسقطة على المجتمع تدبر للخلائق مصائرهم رغم رفضهم و اعتراضهم.
الإتكاء على الأسطوري:
في ما سأكتب الآن تهويم بخيالي أرجو ان يغفره لي قارئ متشدد.
ففي البلد الفردوس حيث تدور قصة جعفر و مريم يعجزان عن النوال و الوصال و يقف المجتمع سلطانا غاشما و ينكبهما ويقصم الظهر ألا يحيل هذا على جعفر البرمكي الذي نكبه الرشيد سلطانا وحارسا لشرف أخته التي قيل أنها كانت تقيم صلة مع الوزير المذكور.
- زوجة الأب التي حاكت مؤامرة قتل الأم و دخلت المنزل مع ابنتها على مريم (العذراء) عنوان البكارة والطهارة تخيب آمالها فتعاقب بالعار الذي لحق ابنتها اذ حبلت من علاقة محرمة ألا يحيل هذا على قصة تتكرر دائما في مخيال المجتمع عن ساندريلا و زوجة الأب.
إن ساندريلا في هذه الرواية (مريم ) هي ضديد لسالمة التي يفترض أن تكون قبيحة الوجه مادامت ساندريلا هي الأجمل ولكنها هنا كانت قبيحة الخلق.
و إن زوجة الأب التي صورت شيطانا و أفعى تتوسل بالسحر و العقارب و سائر المؤذيات لتغتصب لها مكانا في دار مريم و أمها هي هي النموذج المتكرر للشرير الذي يخترق المنع و يخل بالاستقرار في سائر الأساطير البشرية أما مريم فهي المسيح المصلوب على أخشاب مجتمع فاقد للرحمة.
موسم التأنيث أم موسم التأثيم:
ان الرواية رغم ما تبدى فيها من استعجال البحث عن عورات المجتمع و دق مسامير في تابوت مجتمع التابو حتى بدت بعض الفصول و الشخصيات ضعيفة البناء و الدلالة .هي بحق رواية الإناث المسكوت عنهن المضطرات قهرا الى السكوت.
وهي كذلك في لغة هي إلى الشعر أقرب أغنية المرأة ظاهرا و لكنها كذلك أغنية الإنسان المغترب عن أرضه و ذاته
و صلاته و جذوره العميقة.
وفي ختام يرشحها أن تكون من أبطال التراجيدييا الحقيقية تُسبغ مريم على الرواية دمها بيدها احتجاجا و رفضا
في نهاية قاسية و في مشهد بشع غير مسبوق يفضح بشاعة مجتمعها.

ابراهيم درغوثي
14/09/2007, 01:59 AM
أخي فيصل
شكرا على التعريف بنص يسمة البوعبيدي
هذه القاصة المتألقة
فروايتها تستحق القراءة والتمعن في معانيها
فكأنها نسخة جديدة من رواية البشير خريف الخالدة
" الدقلة في عراجينها "
الا أنها تحكي عن جريد اليوم
دمت متألقا

فيصل الزوايدي
15/09/2007, 01:12 AM
أخي العزيز ابراهيم درغوثي هذا ادنى ما يمكن تقديمه لكتابنا الاعزاء و الشكر ايضا للاخ عبد العزيز ضيف الله و هو قاص و ناقد و قد كتب هذا المقال مثلما كتب مقالا مطولا في مجموعتي القصصية " قصة بسيطة جدا "
يسعدني التواصل معك دوما أيها العزيز
مع مودتي