المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة/ مذكرات مسافر(1)......



حسين درمشاكي
15/08/2007, 10:01 PM
(لا شيء يجعل الانسان عظيماًن غير ألم عظيم)
- الفريد دي موسيه -


كان الشتاء يطوي طرفه و يلفظ أيامه الأخيرة ..انطلقت بنا مركبتنا مع بزوغ فجر ذلك اليوم ، متجهة شمالاً، عبر طريق رملية متعرجة وعرة.. أذكر أن صبياً صغيراً كان مصاباً بسعال حاد أقعدته أمه في حجرها و هي تهدهده. ناولته قطعة بسكويت ممزوجة بالشوكولاتة في محاولة منها لإسكاته....راح يقضم البسكويت و فتاته المبتل بريقه يتساقط على درواله. توسطت الشمس كبد السماء وبدأت أمواج السراب تغزو الرمال الذهبية فتحولها إلى بحر هائج. فعرج بنا السائق إلى عمق الوادي و أوقف المركبة..ترجلنا منها . انتقى كلٌّ منّا مكانا يدفن فيه تعب السفر..أخذت إحدى النسوة أكليماً و افترشته لنا تحت ظل شجرة طلح وارفة و شرعت تسكب الماء على الدقيق لصناعة الخبز فيما رحت و بعض الصبية نجلب الحطب لإشعال النار ..كان السائق - أحمد - قد انهمك في إعداد الشاي الأخضر.لحظات قليلة و كان الخبز الممزوج بلحم الغزال جاهزاً..تناولنا الغداء ..و استأذن " أحمد " لآخذ قيلولة قصيرة ..في تلك الأثناء انطلقنا في الوادي المليء بالأرانب و عدنا بأربعة منها صغيرة استطعنا مباغتتها في وكرها..كان احدها قد غرس مخالبه في يدي..استيقظ السائق وواصلنا السير ولما لاحت الشمس طرفها الأخير متوارية عن الأنظار، توقفنا لتأدية صلاة المغرب ، بعد أن اجتزنا نقطة الحدود النيجرية بأمان ؛ وتراءت لنا إنارة بوابة الحدود الجزائرية واضحة للعيان. واصلنا سيرنا ، هاربين من دورية حرس الحدود الجزائرية، أطفأ السائق- أحمد- أنوار السيارة وسلك بنا طريقاً جبلية التفافية قادتنا إلى قرية - عين عزام- من الناحية الشرقية..و بسرعة ادخل المركبة إلى احد الكراجات لإخفائها و يبدو أن مثل هذه الكراجات معدة أصلاً لهكذا غرض؛ و لإخفاء السيارات التي تقوم بتهريب السجائر و المتسللين الأفارقة.. مكثنا بالقرية أربعة أيام و شددنا رحالنا مساء اليوم الرابع إلى - تمنغست - عاصمة " الهوجار" * على بعد ستمائة كلم إلى الشمال.كان يوماً شاقاً لكنني شعرت و كأنني في نزهة و أنا أتأمل تلك الجبال الشامخة التي شهدت معارك ضارية بين سكان الصحراء و المستعمر الفرنسي..كنت كلما توقفت مركبتنا، وبينما الأطفال يلعبون فوق الصخور اللاهبة أمعن النظر في تلك اللوحات السريالية الجبلية الشاهقة المكسوة بأشجار الطلح و التي أضفت عليها أسراب الغربان السوداء جمالا و بهاء..استمرت رحلتنا يوماً كاملاً و دخلنا إلى المدينة في منتصف الليل..في " تمنغست " أول ما يلفت انتباهك هو تمازج سكانها بين عرب و طوارق و زنوج و كثرة ألاماكن السياحية بها والصناعات الجلدية التقليدية التي تبرز تراث سكان الصحراء عموماً.لم تكن عاصمة "الهوجار" إلا استراحة قصيرة بالنسبة لي و الطريق ما يزال طويلاً و شائكاً .لذا آثرت الارتحال إلى" ادرار" و تحديداً " قصر الجديد" مسقط رأس أجدادي..تناولنا الغداء قرب ضريح - مولاي الحسن- . كان ثمّةَ عُرفٌ يوجب على المسافرين المرور على هذا الضريح و الطواف حوله و من لم يقم بذلك يتعرض لمكروه، و قد رأيت بأم عيني السواح الغربيين يطوفون حول الضريح ..كانت محطتي التالية -عين صالح -، تلك الواحة الساحرة المحاطة باكواز الرمال و النخيل و العيون المائية ، حيث عبق التاريخ ، توحي إليك منذ الوهلة الأولى بعمق تمسك أهلها بالدين الإسلامي الحنيف بمساجدها التي بنيت على الطراز القديم ، و كثرة أضرحة أولياء الله الصالحين بها هناك رأيت و لأول مرة - الفقارة - و هي عبارة عن مجموعة أبار ماء يتم الربط بينها عبر مجرى مائي واحد ينساب بسلاسة و على جانبيه مساحة تكفيك للاستلقاء و المياه تنساب في الأسفل منك كان الأجداد يتخذون منها مآوي لهم يختبئون فيه عن أعين الجيش الفرنسي..فكانوا يتزودون بـ ( السفوف) **و يبقون لآماد طويلة و هم تحت الأرض و أحياناً يتنقلون من مكان لآخر لمسافة قد تصل إلى مئة كلم..لم امكث طويلاً في " عين صالح " و ودعتها ..و بعد يوم شاق وصلت إلى " ادرار" و في الصباح الباكر انتقلت إلى " قصر الجديد" ..زرت ضريح جدي "عبد الله" ..كان الصيف حاراً جداً في ذلك الوقت..و كنا نتناول طعامنا في " الفقارة "..كنت سعيداً برؤية ضريح جدي ، فمنذ سنوات مضت، كانت جداولي عطشى، و برؤيتي له انتشت جوارحي و غردت بلابلي و انتعشت نبضاتي دفئاً و تخيلت جدي نسراً شامخاً، حلق بسمائي وعندما وقعت عيني على أجداثه ، رأيته بدراً..و هناك استقر بي المقام إلى حين.

تمنغست : مدينة في أقصى الجنوب الجزائري.
الهوجار: من نبلاء الطوارق و اسم يطلق على جبال شاهقة في المنطقة.
السفوف : طحين التمر المجفف المخلوط مع الحلبة .




حسين بن قرين الدرم شاكي
قاص ليبي
عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب

الدكتورة كوكب سالم محمد
15/08/2007, 10:54 PM
اسلوب جميل
حلو...كلش حلو :vg:
بالمناسبة هناك موقع للروايات والقصص القصيرة والمسرحيات العالمية
وهو كما يلي:
http://www.readbookonline.net
مع تحياتي
د.كوكـب
العراق

حسين درمشاكي
18/08/2007, 11:30 PM
دكتورة/كوكب سالم محمد

شكراً لبهاء مطر حروفك الشجية..

دمت بالق الابداع..



اسلوب جميل
حلو...كلش حلو :vg:
بالمناسبة هناك موقع للروايات والقصص القصيرة والمسرحيات العالمية
وهو كما يلي:
http://www.readbookonline.net
مع تحياتي
د.كوكـب
العراق

عبد العزيز غوردو
18/08/2007, 11:59 PM
أخي المبدع حسين بن قرين:

رحلة جميلة بين التراث والجغرافيا... أمتعتنا بها...

وتدبيجك لها جميل أيضا: (لا شيء يجعل الانسان عظيماًن غير ألم عظيم)
- الفريد دي موسيه -

صحيح...

ومع الألم يولد الإبداع..

مودتي

ابراهيم درغوثي
21/08/2007, 02:44 PM
العزيز حسين
من خلال نصوصك القصصية الجديدة نتعرف على عوالم الصحراء
التي تسكن أرواحتنا فتأتي نصوصك ببوحها الجميل توقض فينا العودة للأصول

حسين درمشاكي
29/08/2007, 09:39 PM
سيدي عبد العزيز غوردو..
اشكر لك بهاء مرورك الجميل..
دمت في الق الابداع..



أخي المبدع حسين بن قرين:

رحلة جميلة بين التراث والجغرافيا... أمتعتنا بها...

وتدبيجك لها جميل أيضا: (لا شيء يجعل الانسان عظيماًن غير ألم عظيم)
- الفريد دي موسيه -

صحيح...

ومع الألم يولد الإبداع..

مودتي

حسين درمشاكي
29/08/2007, 09:47 PM
الوارف ابراهيم درغوثي..

و يا لها من عوالم ساحرة تحلق بنا بعيداً عن ازدحام المدن ..

في الصحراءفقط نشعر اننا أحياء..

و يقيناً ان لادب الرحلات رونقه الذي حاولته هنا ان أكتب بعضاً من سطوره

التي تعود بنا الى اصالتنا التي فقدنا الكثير منها في المدن..

أشكر لك بهاء مرورك الاسر..

كن بخير ايها الشجي...


العزيز حسين
من خلال نصوصك القصصية الجديدة نتعرف على عوالم الصحراء
التي تسكن أرواحتنا فتأتي نصوصك ببوحها الجميل توقض فينا العودة للأصول