المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة قصة روسية من أدب الخيال العلمي



Prof. Ahmed Shafik Elkhatib
05/11/2006, 11:19 PM
في ذكرى المناسبة*

للكاتب الروسي فلاديمير خلوموف **



بعد أن تناول فايني أولدرين عشاء فاخرا ، استقر في مقعد وثير ذي ذراعين ، ثم التقط الصحيفة كما كان من عادته أن يفعل. وكانت عناوين بارزة تعلن عن شتى أنواع الأحداث السياسية المثيرة. وتثاءب فايني وقلب عدة صفحات. ومثل معظم الناس العاديين أخذ في قراءة جريدته بادئا بالصفحة الأخيرة. وبعد أن ألقى نظرة عجلى على أخبار الرياضة ، حيث كان هناك خبر منها أدخل السرور إلى نفسه بصفة خاصة (في آخر جولة من بطولة كرة القدم الانزلاقية الأوروبية ، سدَّد فريقه المفضل ، وهو فريق شيكاغو بلاك هول ، ضربة ساحقة لمنافسة اللدود) ، اتجه إلى القسم المعنون حدث منذ مائة عام ، الذي يصف أحداثا مشوقة عديدة وقعت منذ مائة سنة ، أي في عام 1969. وعلى سبيل المثال ، قاطرة سكة حديدية خارقة القوة بناها مهندس فرنسي تقوم بنجاح برحلتها الأولى بين باريس وبوردو ـ حيث وصلت سرعة قطار الركاب إلى مائتي ميل في الساعة.

وابتسم فايني ابتسامة عريضة عندما جال بخاطره أن طائرته الشراعية الخاصة يمكنها أن تنطلق بضعف هذه السرعة. وقرأ عددا من الأخبار الغريبة الأخرى ، ولكنها أخفقت في أن تتغلب على رغبته في الإغفاءة المعتادة بعد تناول العشاء ؛ وكان يستعد للإغفاءة عندما جذب انتباهه فجأة خبر قصير ، حتى أن فايني اعتدل في جلسته وقد تملكته الدهشة. وأعاد قراءة السطور وهو لا يستطيع أن يصدق عينيه ! وكان ما يقوله الخبر هو إنه في يوليو سنة 1969 انطلقت سفينة فضاء اسمها أبوللو تحمل على متنها طاقما من رواد الفضاء ، متجهة إلى القمر من موقع الإطلاق في كيب كنيدي. وهبط رجال الفضاء على القمر ثم عادوا إلى الأرض. وأعاد فايني قراءة نص الخبر مرة أخرى وصاح : "جُو !"

وتدحرج إنسان آلي منزلي من النوع الشائع داخلا إلى الحجرة.

"ها أنذا يا سيدي ، في خدمتك."

"جو ، اقرأ هذا الخبر." قال فايني .

ونظر الإنسان الآلي إلى الصحيفة لدقائق قليلة ، ثم رفع رأسه وقال : "يا سيدي ، مازال أمامي غسل الأطباق. ماذا تريد تناوله في وجبة العشاء ؟"

"رقائق صغيرة محمرة ، أيها الأبله !" صاح فايني غاضبا. "لقد سألتك عن رأيك فيما هو مكتوب هنا ، لا عما سأتناوله في العشاء. ما هي المعلومات التي وُضعت في رأسك المعتوه عن هذا الأمر ؟"

" يا سيدي ، سوف أذهب لأغسل الأطباق. ماذا تريد تناوله في العشاء ؟"

وكان من الواضح أن هناك شيئا قد تعطل في الإنسان الآلي. وألقى فايني بالصحيفة عليه في غضب ، كما لو كانت مقلاة. ولكن الصحيفة أخذت ترفرف ، وكانت صفحاتها تشبه طائرا جريحا وسقطت في منتصف المسافة بينه وبين الإنسان الآلي.

"يا عزيزي جو" قال فايني بأقصى ما يستطيع من كبح للنفس "من فضلك تكرم بإبلاغي بما هو مخزون في رأسك حول الرحلات إلى القمر."

وكرر الإنسان الآلي كلمتي "قمر" و "رحلة" عدة مرات ، ثم رفع رأسه ، كما لو كان يتذكر شيئا وقال : "جولز فيرن ـ من الأرض إلى القمر ، هربرت ويلز البشر الأوائل على القمر. واستمر الإنسان الآلي في ذكر بعض العناوين الأخرى ، ولكن فايني استوقفه.

"كفى! ألا تعرف شيئا غير قصص الخيال العلمي؟"

"يا سيدي ، دعني أذهب وأغسل الأطباق. ماذا تريد تناوله في العشاء ؟"

وأشار فايني بيده في حركة تنم عن اليأس وأدار رقما على التليفون المزود بشاشة فيديو طالبا صديقه القديم جيري سلبرج. وظهر وجه متعب على الشاشة.

"أهلا يا فايني !"

"أهلا ياجيري. هل قرأت صحيفة التايمز اليوم ؟"

"لا. أنت تعلم أن الأمور كالمعتاد. إنني غارق حتى أذنيَّ في العمل. لا وقت للصحف."

"اسمع ! هناك بعض الهراء المحض منشور هنا. تحت عنوان حدث منذ مائة عام يقولون إن رواد الفضاء الأمريكيين هبطوا على القمر. هنا ، انظر بنفسك." والتقط فايني الصحيفة ورفعها إلى التليفون الفيديو.

وارتسمت أمارات الحيرة على الوجه الذي يظهر على الشاشة.

"لابد أنها نكتة" ، قال جيري.

"نكتة غبية. ثم إن اليوم ليس أول إبريل."

"لا ، إنك لم تفهمني. لقد قيلت النكتة منذ مائة سنة."

"ولم يكن اليوم هو أول إبريل حينئذ أيضا."

وفكر جيري برهة. "أنت على حق. إن هناك شيئا مضحكا بخصوص هذا الأمر. ماذا يقول أهل بيتك ؟"

"روبرت في المدرسة. أما سُو فهي في دار الأزياء ، بينما رفع جُو غطاءه عندما قرأ الخبر. هل ينبغي أن أتصل تليفونيا بالمحررين ؟"

"هل تريد أن تجعلهم يضحكون ؟ سوف يقولون إن مغفلا قد وقع في تصديق الخبر."

وظهر على الشاشة رجل يحمل مجموعة من الأوراق. وألقي جيري نظرة خاطفة على الأوراق وقال في التليفون الفيديو :

"انظر يا فايني ، إن أمامي بعض الأمور المتعلقة بالعمل لابد من القيام بها. فلنتصل ببعضنا هذا المساء."

"وهو كذلك " ، وافق فايني وأغلق التليفون الفيديو.

وكانت أصوات الأطباق تتناهى إلى سمعه من المطبخ. ونظر فايني حواليه بحثا عن بعض المراجع. ولكن لم يكن هناك شيء في متناول يده سوى أكوام من الصحف والمجلات والكتيبات. ولكن لماذا ينبغي أن تكون هناك مراجع ؟ لقد كان جو هناك ، وهو وفقا لما تؤكده الشركة العالمية للإنسان الآلي "يعرف كل شيء."

وعاد فايني إلى التليفون الفيديو واتصل بدار الأزياء. وكانت زوجته ، وقد امتلأ فمها بالدبابيس ، تقوم بعمل شيء ما بجانب الدمية. وأومأت برأسها لتجعله يعرف أنها قد سمعت الجرس يدق. وأخيرا تركت الدمية واستدارت ناحية فايني .

"ماذا هناك يا عزيزي ؟ هل أتلفت جو ؟ يا للإنسان الآلي المسكين ! لا ؟" ولم تمكِّن فايني من أن يقول كلمة واحدة. "روبرت؟ لا ! حمدا لله. هل تتصل بي لتقول فقط إنك لم ترني منذ وقت طويل جدا وأنك تفتقدني بشدة ؟ كف عن مقاطعتي. إنك لا تدعني أقول كلمة واحدة. حسنا ، لا تغضب. انظر إلى هذا الموديل ، مذهل أليس كذلك ؟"

"سو !" صاح فايني وأحدث الأثر المطلوب ، إذ صمتت زوجته.

"يا سو ، ماذا تظنين ، هل وصل البشر إلى القمر أم لا ؟"

"إلى القمر ؟"

"نعم ، إلى القمر !" كرر فايني.

"ماذا حدث يا فايني ؟ أسرع ، أفصح."

"كُفِّي عن هذا ، يا سو. لم يحدث شيء. فقط قولي لي ماذا كنت تقولين لو اكتشفت أن البشر قد قاموا برحلات إلى القمر ؟"

"كنت أقول كفوا عن التهريج. من الذي يمكنه أن يفكر في مثل هذه المغامرة غير المعقولة ؟"

"غير معقولة ، هذا صحيح " ، قال فايني واستغرق في التفكير. "ولكن في صحيفة التايمز اليوم ذكروا أنه منذ مائة عام طار الناس إلى القمر."

"ماذا يقول جيري عن هذا الموضوع ؟" سألت سو. "لقد تحدثت إليه ، أليس كذلك ؟"

"قال جيري إنه كان نوعا من أنواع النكات. لقد حاولت أن أكتشف شيئا عن طريق جو. ولكنه فقط يكرر الحديث عن الأطباق التي كان عليه أن يغسلها. من الواضح أنه لا يعرف شيئا عن هذا الأمر."

"انتظر لحظة ، لماذا تقول إنه ظل يكرر ؟ هل أحرقت المنصهر الخاص به ؟"

"لم أفعل. إنه في المطبخ ، يغسل الأطباق." واستدار فايني. إذ كان جو يقف عند الباب ، ومن الواضح أنه كان ينصت إلى حديث فايني مع سو.

"لا تبالي يا سو. لابد أنك مشغولة. إلى اللقاء." وأنهيا المكالمة.

وانعكس وجه فايني المنزعج على الشاشة المظلمة للتليفون الفيديو. وجلس برهة من الزمن ينظر إلى صورته ، ثم أعاد تشغيل التليفون وعاود دار الأزياء الظهور على الشاشة.

"سو ، ربما فعلوا ذلك من أجل الدعابة ؟"

وكانت سو قد عادت مرة ثانية إلى الدمية.

"من هم وماذا فعلوا ؟" سألت سو في حيرة حقيقية.

"الناس الذين قاموا بالرحلة إلى القمر."

"ر.. ربما. بالرغم من أنني لا أظن ذلك. عن أي شيء تتحدث ؟ هل نسيت النظام؟"

"هل تظنين أن النظام كان موجودا دائما ؟"

"أوه ، يا عزيزي. إنك مستحيل. دعني أعمل في سلام."

وتحولت الشاشة إلى السواد. ونظر فايني إلى الإنسان الآلي الذي كان مازال يقف عند الباب.

"جو ، هل غسلت الأطباق ؟"

"نعم يا سيدي."

"متى تم تشغيل النظام ومن قام بهذا ؟" سأل فايني بحذر.

"النظام كان دائما موجودا " ، أجاب جو.

وأصدر باب المدخل صريرا. لابد أن روبرت قد عاد ، اعتقد فايني.

"أهلا يا بابا " ، قال روبرت وهو يجري داخلا الحجرة. "فوز عظيم لفريقك ! لماذا تنظر إليَّ مثلما ينظر رجل شرطة إلى الجدول الدوري للعناصر[1]؟ هل نسيت ؟ أنت تعرف أن فريق شيكاغو بلاك هول … ألم تر المباراة ؟ هذه هي صحيفة التايمز. لقد اشتريتها في الصباح." وناول روبرت الصحيفة لوالده.

"شكرا" ، قال فايني أخيرا. ثم ، كما لو كان قد تذكر شيئا ، نهض مسرعا مغادرا الحجرة. ولبعض الوقت كان صوته يُسمع وهو ينقب في حجرة مكتبه. ثم عاد وسأل :

"يا روبرت ، هل يتصادف أنك تعرف أين يوجد صندوق السيجار القديم ؟"

"صندوق جدي ؟"

"نعم. صندوق قديم فيه كل أنواع الأشياء العتيقة."

"تعال معي " ، قال روبرت وسبق والده إلى حجرة المكتب. "ساعدني على إزاحة هذا المقعد." وحركا المقعد ذا المسندين إلى خزانة الكتب التي كانت مكدسة بنشرات سوق الأوراق المالية. وصعد روبرت إلى المقعد وأنزل صندوقا مغطى بالتراب من فوق الرف العلوي ونفخ فايني في التراب وفتح الصندوق. وأخذ يبحث عن شيء داخله ، وهو يتجه ناحية النافذة.

"هذا هو !" قال ذلك وأخرج شيئا من الصندوق. وأتى روبرت خلفه وقد تملكته حيرة شديدة. ولكن قبل أن يتمكن من رؤية أي شيء كان والده قد أخفى الشيء الذي وجده في قبضته.

"لا تندهـش يا روبرت. لم يحدث أن سألتك عن ذلك من قبل ولكن : هل تحب الأمور الخيالية ؟"

"نعم ، بالطبع " ، قال روبرت وهو مازال متحيرا.

"عن الرحلات إلى القمر ، إلى الكواكب الأخرى ، إلى النجوم ؟" واصل فايني حديثه.

"نعم ، نعم ، خاصة عن الرحلات إلى النجوم. إن جو يقرأ لي عن هذا الموضوع كل مساء."

"متى تعتقد أن الناس سوف يصلون إلى القمر ؟"

"في عشرين عاما أو نحو ذلك " ، أجاب روبرت في غير ثقة.

"إن رحلات الفضاء هراء "، قاطع جو الذي برز فجأة دون أن يكون متوقعا. "إن ذلك هو مجال الخيال. أما في الواقع فهناك النظام. إنك لم تدرسه بعد يا روبرت."

" ها ، ها ..." ضحك فايني بعصبية ـ "النظام ! لقد وصل البشر إلى القمر. لقد كانت هناك بعثة …"

"يا سيدي ، هل تفكر فيما قالته الصحيفة ؟ لقد كانت تلك نكتة. لقد اتصلت بالمحررين. نكتة غبية. وقد تم تأنيب المسئولين عنها " ، أعلن ذلك الإنسان الآلي.

"بابا ، هل كنت أنت أيضا تمزح بشأن الرحلات إلى القمر ؟"

"من الذي يمزح ؟ منذ مائة عام مضت وصل رجال الفضاء إلى القمر."

"عفوا يا بابا ، ولكن لابد من أن يكون جو على صواب. توصل إلى حل اللغز بنفسك : لو كنت أنت على صواب ، إذن لماذا لا توجد رحلات إلى القمر الآن ؟"

"كما تعرف يا روبرت ، إنه يوجد نظام مستقل بذاته في الفضاء ، كان قد قام شخص ما بتشغيله."

"يا سيدي ، لقد كان النظام دائما هناك. إنه الوصي على السلام يا روبرت. إن النظام يُسقط بصورة أوتوماتيكية أي صاروخ ينطلق من الأرض. ليس هذا لأنه لم يعد أحد ينتج الصواريخ. ولكن لأنها أصبحت بلا فائدة."

"اخرس ، أيها الغبي. منذ متى جرؤت على مقاطعتي ؟ صاح فايني غاضبا. "اذهب واغسل الأطباق أو اشغل نفسك بما تقدمه في العشاء."

ثم استدار ناحية ابنه.

"يا روبرت ، في الماضي ، بدلا من البطاقات الفردية ، كانت هناك نقود ورقية. ولكن في المناسبات الهامة كانوا يُصدرون عملات معدنية خاصة. ولقد احتفظ جدك بواحدة من تلك العملات. وظللت أنا أيضا أحتفظ بها ، بالرغم من أنه لم تكن لديَّ أدني فكرة عما هي. والآن فإنني أفهم ماذا يعني النسر[2] الجالس على سطح القمر. كما أن السنة هي هي. لقد وصل الإنسان إلى القمر. هل تفهم ذلك ؟ لقد مشى عليه ! لقد كانت بعثة ناجحة إلى القمر. لا ، لم يكن القمر فحسب ، بل كانت رحلة إلى المستقبل. على الأقل هذه هي الكيفية التي أراها بها الآن ..."

وفتح فايني أولدرين قبضته. وعلى راحة يده كانت ترقد عملة معدنية فضية يظهر عليها وادٍ ذو سطح خشن ، فوقه عاليا في السماء كانت تتدلى الأرض ...













--------------------------------------------------------------------------------

* المصدر : مجلة الأدب السوفييتي Soviet Literature عدد ديسمبر سنة 1988 ص ص. 61 -65. وقد ترجمت القصة إلى الإنجليزية ديانا راسل. وعنوان القصة في الإنجليزية هو : “Anniversary Date".

** ولد الكاتب سنة 1952 ، وتخرج في قسم الفيزياء بجامعة موسكو ، ويعمل في معهد للأبحاث العلمية. وقد نُشرت أول قصتين من قصص الخيال العلمي له وهما "مذكرة كولبوف" و "في ذكرى المناسبة" سنة 1987. ويعيش الكاتب في موسكو حاليا.



[1] الجدول الدوري للعناصر هو جدول تُرتب فيه العناصر الكيميائية وفقا لتكوينها الذري. (المترجم)



[2] النسر هو الرمز أو الشعار الوطني للولايات المتحدة الأمريكية. (المترجم)