المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تعكس اللغة المجتمع؟



د. دنحا طوبيا كوركيس
28/09/2006, 11:19 PM
هل تعكس اللغة المجتمع؟

هذا عنوان محاضرة ألقيتها باللغة الأنجليزية على طلبة الدراسات العليا في جامعة الموصل عام 1988، أنقلها لكم باللغة العربية لفائدة الجميع. أرجو أن تنال استحسانكم.

أ.د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا للدراسات العليا
إربد/ الأردن.


لقد شغل هذا السؤال أذهان الباحثين في علم اللغة الأنثروبولوجي من أمثال أدورد سابير وتلميذه بنيامين لي هورف، ويتوسطهما تاريخيا فرانز بوآز، منذ بداية هذا القرن. ثم تبعهم في ذلك علماء اللغة الأجتماعي من أمثال الرائدين ديل هايمز ووليم لابوف منذ بداية الستينيات. كما وتناولت البراغماطيقا (التداولية، أو الفائداتية)، التي باتت تتألق منذ نهاية السبعينيات، الموضوع عينه دون الوصول إلى نتائج حاسمة.

لاشك في أننا نتفق جميعا بأن اللغة عبارة عن وسيلة للتفاهم والأختلاف في وجهات النظر بين البشر، وأنها فوق كل هذا وعاء يحفظ لنا التراث الحضاري. لذلك نستطيع، وكما ألفنا على سماعها، بأنها مرآة للأمة، أية أمة كانت. وكنتيجة حتمية لهذا الأعتبار، جاز لنا أن نقارن بين اللغات كي نجيب على السؤال المطروح.

لقد قيل في التراث العربي، ويقال اليوم، بأن أمة العرب مضيافة وكريمة، من جملة الخصال الحميدة (دون الخوض في المذمومة منها أوالقبيحة)، على غير شاكلة الأمم الأخرى. قد يكون هذا صحيحا من وجهة نظر اجتماعية بحتة، وليس لغوية صرفة، بسبب ما ترويه لنا قصص الضيافة وأحاديث الكرم الموثقة، والتي يشهد عليها التاريخ. ولكن قد يكون هنالك مجتمعا يزيد العرب أو يقل عنهم ضيافة أو كرما، أو أي من الأخلاق الأخرى. ولأيجاد طريقة علمية، بعيدة عن الأنطباعية والتعصب الديني والقومي، أجد لزاما على الباحثين في علم اللغة الأجتماعي والفائداتية أن يلجأوا إلى المقارنة، ليس بين سجايا مجتمع وآخر كما تتناوله الأدبيات المتناظرة ، وإنما بين التعابير اللغوية الرائجة بين لغة وأخرى، والمستخدمة في سياقات متماثلة. وسيكون هذا المنهج الفيصل العلمي الذي يركن إليه في تحديد خصال هذا المجتمع أو ذاك. وبناء على هذا الفهم، ارتأيت أن أقارن بين عربية بغداد واللغة الأنجليزية المستخدمة في انجلترا في واحدة من الأستعمالات اللغوية اليومية، ألا وهي تعابير الضيافة المألوفة بعد الأنتهاء من الوليمة وحال مغادرة الضيف دار مضيفه. وحسبي في ذلك الجواب الشافي.

ماذا نجد في عربية بغداد؟
تأملوا الأمثلة التالية التي نسمعها عن الضيف بواحدة منها في الأقل:
1. الله يزيد.
2. صفرة عامرة.
3. عاشت ايدك (أو ايدج)، أو عاشت الأيادي.
4. بيت العامر.
هنا يتحتم على المضيف الجواب الذي لايقبل التأخير على هذا المديح المليح، ومنها (وهي كثر):
1. بالعافية.
2. عوّافي.
3. هنيئا.
4. هنيئا مريئا.
5. عافيات.
6. ألف عافية.
7. ميت (بتسكين كل الحروف، أي مائة) ألف عافية.
8. وين مينزل، خلي يهلل.
9. يمعود، شسوّينالك.

وعلى نقيض هذه التعابير المشحونة بغلو انفعالي وعاطفي، والتي تزداد فيها درجة الكياسة والمجاملة طرديا مع زيادة طول التعبير، نرى في الأنجليزية تعابير يسيرة وقصيرة، وخالية من أي غلو، حتى وإن كان بعضها طويلا:

1. Thank you for everything.
2. It was great.
3. (It was) delicious food.
4. (It was) marvelous.

Responses:

1. honour.
2. pleased.
3. (It's my) pleasure.
4. (With) pleasure.
5. Bon apetit.

وعندما يستأذن الضيف البغدادي بالأنصراف، كأن يقول:
1. نرفع الزحمة.
2. (إحنا) نستأذن.
3. طالت الكعدة (وياكم).

يتحتم على المضيف أن ينطق بواحد أو أكثرمن هذه التعابير:
1. أهلا، يا هلا.
2. يامرحب.
3. زورونا.
4. هذا بيتكم .
5. كل زحمة ماكو(هذا بيتكم).
6. هاي وين؟ مو بعد وكت.
7. مو كاعدين.
8. مو كاعدين متونسين.
9. يمعود، شسوينالكم.
10. شرفتونا (وآنستونا).

أما الأنجليزية، فأنها تكتفي بالقليل. أذكر منها:
1. Excuse me, I (we) have got to go.
2. It's rather late.
3. I need to get up early.

Responses:

1. Nice to see you.
2. See you again.
3. Hope you enjoyed.
4. (You're) welcome.


ومن هذه المقارنة البسيطة، والتي أدعوكم للبحث فيها بشكل واقعي ميداني وتفصيلي بين المجتمع العربي والأنجليزي، أو أي مجتمعين، نخلص إلى القول مبدئيا بأن البغدادين أكثر ضيافة من الأنجليز، ودليلنا في ذلك النماذج اللغوية التي تيسر لنا إدراجها في هذا المقام.

د. محمد طاهر حامد
25/11/2006, 06:49 PM
العبارات المستعملة في سياق إكرام الضيف

اخترت هذا العنوان لأول اشتراك لي في منتديات واتا التي لم ننل شرف العضوية فيها إلا مؤخرا. وأود في البداية أن أشيد بالمحاضرة وأشكر أ.د. دنحا طوبيا كوركيس لنشرها. واسمحوا لي بتعليق متواضع من أجل إثراء النقاش وتعميم الفائدة. يرتكز التعليق على نقطتين:
1- اللغة تعكس ثقافة المجتمع، والدراسة اللغوية للأمثلة التي ذكرها أ.د. كوركيس تسمح بالمقارنة بين ثقافتي المتحدثين باللغة العربية (لهجة بغداد) من جهة والانجليزية من جهة أخرى.
2- تعدد الأمثلة كما هو وارد في المحاضرة يسمح لنا بالقول بوجود نموذج إدراكي معين نقيس عليه وصفنا لثقافة المجتمع. وهذا التعدد ضروري لأن المثال الوحيد قد لا يعدو أن يكون تعبيرا منفردا لشخص واحد.

والآن اسمحوا لي أن أتناول طرفا من أساليب البيان الواردة في الأمثلة المذكورة في المحاضرة، وبالتحديد الاستعمال المجازي للكلمات والجمل. فهي عبارات يقصد بها المجاملة بين الضيف ومضيفه. وفي الغالب لا تحصل المجاملة أو الشكر أو التعبير عن السرور إلا بقول تلك العبارات أو ما شابهها حسب الثقافات المختلفة. فالغرض من إلقاء الخبر (وهو مصطلح أقترضه من ميدان البلاغة العربية، حيث الخبر كل إفادة تحتمل الصدق أو الكذب) هنا لا يتأتى بمجمل المعاني المعجمية للكلمات المستخدمة وإنما من دلالة السياق وهي إكرام الضيف.

وإذا تأملنا الأفكار التي بني عليها المجاز في العبارات المعنية نجد طرفا منها كالآتي:
- في اللغة العربية الدعاء للمضيف بزيادة نعم الله تعالى عليه وهنا تدخل مفاهيم دينية وهي مفهوم الدعاء ومفهوم الخالق المنعم المعطي المجيب الدعاء. كذلك الدعاء للمضيف بالعافية وبالهناء بسبب النعم ... إلخ.
- أما في اللغة الانجليزية فنجد أن الأفكار مختلفة وهي شكر المضيف وليس الدعاء له. كذلك وصف الطعام والتعليق على تصرف المضيف بدعوة الضيف، ثم ذكر سرور المضيف ومتعة الضيف Hope you enjoyed … وهي أفكار أكثر ميلا للمحسوس من الأشياء إذا قورنت بنظيراتها في العربية.

يرى أحد المؤلفين في مجال البراجماتية وهو مويشلر Moeschler أننا يمكن أن نستعين بتواتر الاستعمال المجازي لكلمة أو تعبير معين في لغة بعينها على وصف الثقافة التي تعبر عنها تلك اللغة. ووفق هذه النتيجة التي توصل إليها الكاتب بعد دراسة أمثلة عديدة اعتبر دراسة المجاز في اللغة بابا من أبواب الأنثروبولوجيا بشرط أن تراعَى براغماتية المجاز وينظر إليه على أنه تعبير لغوي عن نمط من الإدراك قائم لدى الناطقين باللغة المعنية. على سبيل المثال إذا أحصينا الكلمات والجمل الدالة على المركبات (أو السيارات) وحالتها وسيرها والتي تستعمل استعمالا مجازيا متواترا في الخطاب اليومي فإن هذا الإحصاء والتحليل نستدل بهما على صفة معينة لثقافتنا المعاصرة. ويمكن أن تكون فئة الناطقين محدودة مثلا الرياضيين أو مستخدمي شبكة الانترنت أو غيرهم فيكون التحليل دالا على صفة من صفات الثقافة الخاصة بتلك الفئة من الناس.

وإذا نظرنا إلى الأمثلة التي تفضل بها أ. د. كوركيس نجدها أدلة لغوية على تصور الضيافة وإكرام الضيف في ثقافتين هما العربية (في مجتمع بغداد مثلا) والانجليزية. ونجد أن الثقافتين تختلفان من حيث إدخال مفاهيم دينية معينة في مجال المجاملة بين الضيف والمضيف لدى العرب أو عدم إدخالهما لدى الانجليز (أو الناطقين المثقفين بالثقافة الانجليزية). كما تختلفان في التعبير المباشر عن أشياء محسوسة في نفس المجال لدى الانجليز أو قلة التعبير المباشرعنها أو عدمه لدى العرب. وهكذا تعكس اللغة ثقافة المجتمع الناطق بها، وتصبح أداة لإحداث أفعال مثل المجاملة والشكر وإدخال السرور إلى المخاطب، وبما أن الثقافة تؤثر وتتأثر فإن وظيفة الخطاب (بمعنى إعمال اللغة) هي التأثير والتأثر بالمحيط من حولنا. وهذا يستدعي إعادة النظر في اعتبار اللغة أداة للتواصل فقط .

أخيرا اسمحوا لي أن أقول بأني لم أوافق أ. د. كوركيس فيما ذهب إليه من اعتبار الأمثلة من مجتمع بغداد "مشحونة بغلو انفعالي وعاطفي". وذلك لأسباب ماذكرته آنفا. أما دعوته للبحث بين مجتمعين فإني مع احترامي لها أرى الأولوية لدراسة استعمال اللغة فهي كفيلة للتدليل على ثقافة المجتمع.

مع خالص تقديري واحترامي
د. محمد طاهر حامد

د. دنحا طوبيا كوركيس
25/11/2006, 07:33 PM
والله، والله، أسعدتني!
أين كنت، وإن كان مصدرك قبل عقد من الزمان؟ رجعت توا من الجامعة، وهي السابعة مساء بتوقيت الأردن. خاصمني، الله يخليك، ولك مني كل المودة. ولمعلوماتك، إنني بصدد اعداد مراجعة لأحدث ما نشر في اللغويات لمجلة language ، وللحديث بقية.

دنحا

أ.د. طاهر بادنجكي
25/11/2006, 08:47 PM
الزميل الدكتور دنحا

شكرا على ما تفضلت به ولو انتقلنا من بغداد الى الامارات لرأينا أن هناك عبارات دارجة تستعمل كثيرا للتعبير عن الامتنان ومنها العبارات التالية:

ما قصّرت

والله ما تقصّر

ماهي برايك الترجمة المقبولة لهذه العبارات.


مع الشكر

د. محمد طاهر حامد
26/11/2006, 10:34 AM
أشكرك أ. د. كوركيس لمرورك الكريم على تعليقي لمحاضرتكم. وقد أسعدني أنك أول المعقبين عليه بكلماتك الطيبة. وسأكون أسعد الناس إذا أتيحت لي فرصة الاطلاع على نص مراجعتكم لأحدث ما نشر في اللغويات. أما سؤالك أين كنت فألتمس لديكم العذر لأني متأخر في دخولي المنتدى. والحق أني كنت في العام الذي ألقيت فيه محاضرتكم (1988) طالب دراسات عليا لكن في جامعة أخرى غير جامعة الموصل وفي قطر آخر. يعني أنت أستاذي وإن كنت أنا الطالب غائبا عن قاعة الدرس معكم.
يهمني أن المكتبة العربية في تقديري وحسب ما تقع يدي عليه تفتقد كثيرا المؤلفات في مجال البراغماتية على الرغم من أهمية هذا الميدان في تعميق الفهم للغة.
كما يخطر لي أن تناولا جديدا للبلاغة العربية (البيان - المعاني - البديع) يمكن أن يحدث إذا وضعنا في الاعتبار بعضا من معطيات اللغويات الحديثة.
فكتبت المساهمة في تحليل العبارات التي تقال عادة في سياق إكرام الضيف راجيا منها أن تنحو هذا المنحى وأن تكون مفيدة كما كانت المحاضرة، ولكم جزيل الشكر.
مع خالص تقديري واحترامي.
د. محمد طاهر حامد

أحمد أغبال
26/11/2006, 01:25 PM
المعطيات البالغة الأهمة المتضمنة في محاضرة أ.د. دنحا طوبيا كوركيس، وكذا تعليق الدكتور محمد طاهر حامد عليها، كل ذلك يؤكد بعض النظريات الفلسفية التي تربط عقلية كل شعب ونمطه في التفكير بلغته: فالإنسان في نظر هيجل يفكر داخل اللغة، ولذلك يكون من الصعب جدا نقل الأفكار من لغة إلى أخرى دون أن تفقد شيئا من قيمتها، وإذن، فإن كل ترجمة هي ترجمة تقريبية. ويرى هامبولت أن كل لغة هي نظرة متميزة إلى العالم، تختلف تصورات الناس للحياة وفهمهم لقضايا الوجود باختلاف لغاتهم. ويقول هيدجر : "اللغة مأوى الوجود"، فإذا أردت أن تعرف حقيقة شعب من الشعوب فما عليك إلا ان تحلل لغته لتقف على ما يميز شخصيته الأساسية. أنا أتفق مع وصف أستادنا الفاضل أ.د. دنحا طوبيا كوركيس لتعابير الضيافة في سياق المجتمع العربي بأنها "مشحونة بغلو انفعالي وعاطفي". وسأجازف بالقول إن هذا الغلو هو سمة من سمات الشخصية الأساسية للشعوب العربية. وما على المحلل، إن هو أراد التأكد من هذه الفكرة، إلا أن يلاحظ اللغة المستعملة في المنتديات العربية على شبكة الأنترتيت ويقارنها باللغة المستعملة في منتديات فرنسية أو إنجليزية أو غيرها. إن تحليل اللغة يمكننا من تسليط الضوء على مناطق الظل في شخصيتنا الجماعية (اللاشعور الجمعي)، ويساعدنا على الوعي بالذات. وفي غياب هذا التحليل والدراسات اللغوية المقارنة سنظل غير فعالين في تواصلنا مع أنفسنا ومع الغير.

د. دنحا طوبيا كوركيس
26/11/2006, 07:17 PM
سأعلق بكلمات بسيطة، ولكنها مؤثرة.
أنتم منحلة، منحلة تصنع أنقى أنواع العسل! الكثيرون منا يعتقد أن الغرب أفضل بتفكيره. إنني مقدر ظروفكم. لو كانت أجرة ساعة محاضرتكم ألف دولار، كما ساعة الفيلسوف اللغوي، والبارع طبعا، جون سيرل، من جامعة بيركيللي الأمريكية، لفكرتم أضعافا، وأنتجتم أصنافا، ولكننا ضعاف. ولاتقولوا أن هذا مقدر علينا. حرام عليكم، وإن كانت القدرية حرفية في الأديان السماوية.
أيتها الأخوات، وأيها الأخوة.
لاتدرون حجم التزاماتي. وتغربي مصيبة أعظم!!!!
سأحاول الرد بأقرب فرصة، ولكنها ايجابية، وتتناسب مع أحدث ما قرأت. ويا لعجيب الصدف، أن ما علمته لطلبتي خلال 33 سنة الماضية يتوافق مع آخر مستجدات البحث في اللغويات، المصطلح الذي طرح للتصويت دونما الأخذ بأهل الرأي.

ودمتم غيارى للعلم وأهله، وإن عارضتموني.

الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا للدراسات العليا
إربد/ الأردن

عضو الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب
عضو الجمعية الدولية للفائداتية (التداولية)- بلجيكا
عضو الجمعية الدولية لعلماء اللغة- أمريكا
عضو هيئة تحرير مجلة Linguistik التي تصدر عن الأتحاد الأوروبي
عضو الجمعية الدولية لهيئات تطوير تحرير الدوريات اللغوية- أمريكا