المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : iraqi maqam to where المقام العراقي الى اين .؟ /الفصل الثالث /الحلقة 7



حسين اسماعيل الاعظمي
26/08/2007, 10:41 AM
كتاب


المقام العراقي
الى أيـــــن !؟


دراسة تحليلية فنية نقدية فكرية برؤية مستقبلية




















تأليف
حسين اسماعيل الاعظمي بغـداد 2000













الفصل الثالث


















الحلقة (7)















تعلم المقام ، أسهل هو ام صعب ..؟
أعتقد ان ناظم الغزالي كان مغنياً بغدادياً نادر المثال ، يتمتع بأسلوب فني فذ واداء جميل من حيث شكله ومضمونه مع حضور مسرحي ذي نزعة معاصرة في اسلوبه المعبر .. ونلاحظ ان ناظم الغزالي يتركنا في ادائه الخلاب للمقامات والاغاني ، ان كانت تراثية ام ملحنة ، في جو عالم رومانسي(1) خيالي حالم … وينقلنا الى كل هذا بواسطة لغته الادائية وسهولتها المتماسكة البناء في لحنها الغناسيقي ، ومن ثم اختياره للقصائد والزهيريات وكلمات الاغاني بشكل دقيق وجيد.
ان التعابير الحزينة التي تميز اداء المقام العراقي والموصوف بها ، توحي لنا رغم ذلك بجنةٍ اصيلة ، يتوجها الاحساس الصادق .. والعفوي التلقائي غير المقصود .. ورغم هذه المسحة التعبيرية الحزينة، لكنها تعابير مهذبة المشاعر والاحاسيس ، غير انهزامية وغير اندحارية ولا هروبية وغير يائسة ، بل انها تعابير متفائلة لان الشعب العراقي شعب حي جاد ومتفائل جابه مختلف الظروف بكل قوة على مدى تاريخه الطويل.
ان تأثير هذا الواقع الادائي عند الاكثرية وسماته ، يبدو ضارباً في الغموض ، الذي يكتنف تركيبه الحسي والتعبيري ، على الاقل لدى الجماهير التي لها ميول لسماع الوان غنائية اخرى غير المقام العراقي …. ولعل من الاسباب التي تبعد الجماهير عن المقام اوتعلمه، هم اهل المقام انفسهم من خلال ثرثرتهم المستمرة في الصحف ووسائل الاعلام الاخرى …بأن المقام غناء صعب جداً ومعقد !! حتى تصبح الصورة لدى الجماهير في ان تعلم المقام شيء معجزة .. وتتكرر أحاديهم الى الان .. المقام يحتاج الى صوت قوى !! المقام له اصول وشروط لا يتمكن منهـا إلا المغني النادر !! المقام كذا وكذا …!! الخ حتى غلفوه بفكرة اسطورية جعلت منه بعبعاً ..!!؟ وهكذا نراهم يساهمون بشكل فعال بابعاد الناس عن المقام وجعلهم يتصورون بأنهم عاجزون عن فهم المقام وتعلمه بل حتى سماعه لما اكتنف اقوالهم الكثير من صفة الغموض التي الصقوها بالمقام (2) …
الا انني ارى ان هناك ما يمكن به تدمير كل هذه التصورات والاقاويل الثرثارة، من خلال عرض المقام بأسلوب سهل وممتع وتهذيبه من كل الشوائب العالقة به على مدى تاريخه الطويل وتأثيراتها ، ومواكبة حياة المجتمع والاطلاع او استكشاف الاسس الجمالية الملائمة لاذواق الناس المعاصرين..
ومن ناحية اخرى .. قد يقصد بالاداء المقامي سهلاً كان ام صعباً على حد المفهوم الشعبي لهذا التساؤل .. هو سهولة او صعوبة اداء المقام بأصوله التقليدية التي تعارف عليها المؤدون على تأديتها عبر القرون الماضية وتطبيق كل القواعد والعناصر الموروثة التي كونت المسارات اللحنية المعقدة للمقامات العراقية عموماً .. لذا فان السهولة والصعوبة هنا امر خاص بشكل ومحتوى المقام تراثياً في مكوناته ومساره اللحني والتعبير عنه بيئياً .
اما اسهل الطرق وانجحها في التعلم هي حب ورغبة المتعلم للمقام العراقي ومدى اندفاعه لامتلاك فهم اعماق هذا اللون الادائي التراثي.
ومن ناحية اخرى فأنني اقف مندهشاً امام واقع الاداء الغنائي عموماً وللمقامات العراقية خصوصاً ، وتخلفه وابتعاده بشكل عام عن التغيير والتجديد والتطوير على المدى التاريخي الحديث والمعاصر لمدينة بغداد خاصة.. وما حدث لها منذ الغزو المغولي حتى يوم الناس هذا .. ولقد تحدثت فيما يخص شكل ومضمون المقام في مواقع سابقة ، ولكننا نحتاج الان ان نساهم جميعاً في تحليل هذا الشكل وهذا المضمون(3) واسباب غموضه وتأخره عن الركب الحضاري والجمالي للغناء والموسيقى الحديثة والمعاصرة والتراثية، ولقد تحدثت ايضاً عن ضرورة البحث عن اساس ادائي لغناء المقامات ليتسنى لنا الانطلاق من جديد نحو الافاق الابداعية الجديدة لننتشل اداءنا من غرقه وانغماسه في الكلاسيكية لاحداث نهضة تجديدية تعبيرية نستطيع من خلالها مواكبة حياتنا السريعة ، ويبدو لي أن اهم خطوة نبدؤها هي عملية تنويط(4) وتدوين(5) المسار اللحني لاصول اداء المقامات العراقية ، لكي نحتفظ بالاصل اللحني لتراثنا الغنائي ، عندها نستطيع ان نعرف منه ما أستطعنا الى ذلك سبيلا لنواكب به تطورات موسيقى حياتنا المعاصرة ، ولكي نكون ملمين وجديين اكثر في الشروع بهذا الموضوع ، وجب علينا ان نعمم دراسة الموسيقى وعلومها والاطلاع على المفاهيم العلمية الاكاديمية لكيفية التعامل مع التراث… ويتبادر الى ذهني احياناً ، ان من الاسباب المهمة كما يبدو لي التي تدعو المخلصين على تراثهم ان ينادوا بالحفاظ على تراثنا الغنائي دون تجديد بدعوى الخوف عليه من الضياع والتشويه ، وهم محقون في ذلك الى حد ما .. ولكن لماذا..؟ لان هؤلاء المحافظين يدركون حسياً انهم لا يملكون مادة مدونة لاداء المقامات تكون مرجعاً لهم تحت أي ظرف يمر به المقام ، فنراهم لذلك يمسكون بتلابيب الاصول المقامية القديمة ويحاربون كل من ينادي بتطويرها ، لهذا السبب المهم فأن موسيقانا لو كانت مدونة وموثقة لوصلنا بها الى اعلى المراتب العلمية والفنية واعلى المراتب العالمية.. وعليه فاني أعتقد وانا مطمئن ان عدم توثيق وارشفة تاريخنا الغنائي قد اخرنا كل هذه القرون الماضية، وفوت علينا فرصة ابداعية عظيمة لا يمكن تصديقها ولا يمكن تعويضها بسهولة .. فلابد اذن من استنفار كل طاقاتنا ، وادراك اهمية كلامنا وما ينبغي علينا القيام به فلا وقت لتضييعه ونحن على ابواب قرن جديد ، نسمع ونقرأ ونلاحظ مدى التطور السريع الحاصل للعلوم التكنولوجيا وتأثيراتها المباشرة على حياتنا وانعكاساتها الجمالية لشكل روح العصر الذي نعيشه .
على كل حال ، نحن معشر التراثيين من محبي المقامات العراقية ، مغنين وعازفين وجماهير وكتاب … نقف على اعتاب قرن جديد ، ولا يزال كثرة منا تتشابه في الميول والاهواء والعقلية بالرغم من تأشير الاختلافات المحسوبة لدى بعض المغنين ذوي النزوعات التجديدية ، التي ما انفكت تعطي الكثير للأداء المقامي من اضافات وتجديدات . ولا يزال هاجس العودة الى الطرق الادائية التقليدية عند كثير من مؤدي المقامات قويا وغارقا في الاساليب المتخلفة التي لا يتلائم لا شكلها ولا مضمونها مع حياتنا المعاصرة ، ومن ثم التركيز على جماليات انتهى رونقها وتداعت بعض اسسها وتهاوت … ان المقام عموما ونحن نتحدث عنه ، تتجلى قيمته في التطور التدريجي للمواقف او الموقف الذي يتخذه المؤدون نسبة الى روح الحياة المعاشة ، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ المجتمع البغدادي والعراقي عموما …
لقد اثرت حياتنا المعاصرة التي نعيشها بكل تفاصيلها الاجتماعية وجوانبها الاخرى مهما يكن شكلها وهدفها ، بالميول الجديدة لطرق الاداء ، بالرغم من التشبث والعشوائية في بعضها والفن والعلمية في بعضها الآخر ..التي حلت محل الجماليات السابقة وامسى لها شكل جمالي خاص وهو امر طبيعي نسبة الى الزمن المعاش .
ان ما قدمه المؤدون المقاميون المحدثون الابداعيون الى الاداء المقامي البغدادي كان اسهاما ذا حدين ، يمكن تلخيصه بيسر وسهولة ، فقد اسهموا بالطرق الادائية والاساليب ووجهات النظر ، وكذلك انصرافهم الى جعل كل عنصر من العناصر المكونة للمقام جزءً منخرطاً في وحدة متكاملة وفي بناء لحني متماسك الحبكة والصياغة ، استطاعوا ان يجتذبوا اليهم عدداً غير قليل من المناصرين ، بيد ان التجريح الذي استهدفهم كان اكثر ، وذلك لتعلق التجديدين والمبدعين بالشكل والمضمون الذين كانوا يرون فيهما اهتماما جماليا يتطلب شمولا وتفصيلا وملائمة لروح العصر ، وان كل جديد يواجه بالرفض في البداية بطبيعة الحال .
لقد استمر التقليد والتأثر بالفنان الفرد في غنائنا زمنا طويلا لا يزال مهيمنا .. حقا الا يشعر هؤلاء المؤدون المقلدون لطرق غيرهم لآلاف المرات غناء المقامات بأن تعابيرهم الادائية تصدعت وفرغت من محتواها ..!!؟ لقد عشقوا اداء المقامات ، وهو امر رائع ، ولكنهم انغمروا بالتقليد الاعمى وعالجوا نقصهم هذا بتصريحات رنانة لا وجود لها عمليا على ارض الواقع في ادائهم … فالكل يتحدث عن طريقته المبتكرة التي يدعي انها من مبتكراته ..! نعم يتحدثون كيفما اتفق ، مع العلم ان حديثهم عن هذه الطرق المزعومة مناقض جدا للحقيقة ، ومناقض بدرجة معينة الى حالتهم الادائية الاتكالية المعتمدة اصلا على طرق لمؤدين سابقين .. وبالنتيجة فان هذه الحالة هي حالة تشتت ذهني وتخلف في التفكير بحالة يرثى لها .. لذا فانهم مشتتوا الفكر والاداء دون وعي منهم .. انهم حقا اتكاليون .. لا تفكير ولا بحث وانما العيش في حالة استغراق قلقة ، وافضل ما لدى بعضهم انه ما تكاد تستهلك جملة ادائية معينة حتى تحل اخرى محلها مشابهة لها ..!! لذلك لم نعد نطيق انتظار نهضة تجديدية اخرى على طرق الاداء هذه التي امست طرقا مضحكة نسبة للاساليب والطرق الادائية الفنية ذات الاسس العلمية والجمالية …
ان الاخطاء الموجودة في الاساليب والطرق الادائية تعني اخطاء موجودة في حركة التفكير ذاتها ، وان معاملة الاداء عشوائيا يعني التفكير عشوائيا ايضا . حيث تضيع الدقة في هذه المتاهات اضافة الى كل ذلك ، فأنا لا اميل الى مبدأ تجديد او احداث متغيرات في طرق الاداء فقط ، بل اضيف لها قناعتي بوحدة الفن داخل النتاج الفني ، ليمسي الاسلوب في النهاية تعبيرا وحدويا كاملا عن الفكرة والشعور .
ان الثقافة والمعرفة العقلية تجبر المؤدي على التفكير ، الذي يعني في النهاية ادراكه لعالم الخيال ادراكا حقيقيا ، حيث ان للاسلوب مظاهر مختلفة لذلك النشاط الخيالي الابداعي(6) ، فلابد اذن ان ننقل الاسلوب من ساحة الخيال الى ساحة الفكر، اذا ما اردنا دراسته وتحليله وفهمه ، مع ان تعميق المشاعر والعواطف وتنميتها من شأنه ان يخلق التعابير الساخنة اضافة الى عنصر التفكير الذي يعمل على نجاح العملية الديناميكية في بناء الاداء الناجح وتماسك كل عناصر العمل والنتاج الفني …
لقد ادى بعض مؤدي المقام العراقي وفق الطريقة الذاتية التي فكروا بها وفهموا المجتمع من خلالها ، فلا ينبغي ان نعلم المؤدين الجدد خلاصة الاعمال الفنية او دراستها سطحيا ، بل يجب ان ندخل الى اعماق تلك النتاجات لفهم الفكرة الديناميكية المتوقدة فيها .. لأن الفنان عندما يؤدي مثلما يفكر ، فذلك يعني انه يتحدث ويعبر بالصورة التي يؤدي فيها .. لا أرى ضرورة للمجاملة عند الحديث عن التراث والعاملين فيه وما يكتنفه من غموض .. لأننا ازاء مادة تراثية تمثل تاريخنا وماضينا العريق وحاضرنا المعاش ومستقبلنا المنظور ، لأن واقعنا الموسيقي الثقافي يحتاج الى الموضوعية والدقة والمنطق ، لذا فالهدف من هذا الحديث هو المساهمة في نهضته وتطوره قدر المستطاع واوجه كلامي حاثا نفسي اولا ومذكرا زملائي المعاصرين ، ان على المؤدي ان يمتلك اسلوبه لأن المؤدي الناجح يستطيع ان يخلق اسلوبا خاصا به ، مازجا الموهبة بالعلم والمعرفة والفن في عملية ديناميكية فكرية لخلق اسلوب استاتيكي ناجح تتسم فيه روح العصر ليكون بالتالي اسلوبا اصيلا لذلك المؤدي … وعلى هذا المنحى يبتكر المؤدون وفي شتى البلدان اساليب فنية منسجمة ومتجانسة تمتاز بشكلها ومضمونها المترابط خلال ممارستهم للغناء والموسيقي …

محاولات جادة في تدوين الاساس
ظهرت في غضون الفترات الماضية محاولات عديدة ومختلفة لتحديد المفاهيم التراثية والسير على منوالها ، وكما قلت سابقا ان اكثر هذه لمحاولات كانت امبريقية(7) المضامين .. سماتها الالتزام بالاصول المقامية التقليدية للاداء .. لا يجوز اضافة او نقصان بعضا من القطع والاوصال الداخلة في المقام .. ولايجوز استحداث اساليب تعبيرية جمالية جديدة تخالف القدماء ، ولا يجوز تجاوز هذا المستوى الثقافي والاتيان بالجديد …الخ وهكذا بقي هذا الوضع القلق والمتناقض الى الآن ..!! فمنهم من يرى ان طريقة المؤدي الفلاني هي الاحسن وكذا الطرف الآخر … وفي نهاية الامر يبقى المؤدي اسير التقاليد الادائية القديمة واسير المستوى الفكري البائس .. وبذلك يكون من الصعب على المؤدي ان يفصح عن شخصيته وهويته الادائية بشكل لا ارادة له فيها في الاعم الاغلب .. ويمكننا ان نتحسس هذا الوضع من خلال استماعنا الى معظم تسجيلات مؤدي المقامات العراقية خلال القرن العشرين باصوات المؤدين الذين تنازلوا عن ذواتهم وتأثروا بالفنانين الاسبق منهم من المشاهير … فمن الضروري اذن بل ينبغي ان يكون هناك اساس ادائي واضح للمقامات خال من التعابير تجنبا من تأثر المؤدين الجدد بتعابير سابقيهم من المشاهير ، يسير عليه كل المؤدين الجدد في البداية ليعطي كل واحد منهم تعابيره الخاصة لهذا المسار اللحني الجامد لينطلقوا بعدها في بلورة اساليبهم الخاصة .. ومن الطبيعي ان ايجاد هذا الاساس الادائي ليس بالامر السهل مطلقا .. لأنه يحتاج ويعتمد على مؤدين يمتلكون ثقافة موسيقية .. أي انه يعتمد على تهيئة جيل جديد يمتلك الثقافة في الموسيقى وعلومها لكي يستطيع ان يفهم ويدرك الاساس العلمي المكتوب للمسار اللحني للمقام العراقي .. ان الاساس الغنائي المقصود هو تنويط الخط العام لمسار لحن الغناء المقامي ، ومن خلال هذا الاساس الذي وضع اعتمادا على معرفة بالمقام العراقي باصوله المتوارثة عبر القرون وتتابع الاجيال والاقرار الجماعي لهذه الاصول في مؤتمر او ندوة او مسلسل محاضرات او غير ذلك وصولا الى الاتفاق على هذه الاسس اللحنية للمقامات . ولنجرب معا في كتابة مسار لحني لتحرير(8) احد المقامات المعروفة وهو مقام البنجكاه مثلا .











ان هذا المسار اللحني خال من التعبير ( وهنا تكمن قوة العمل كله ) لأن المؤدي الجديد عندما يقرا بالنوتة هذا المسار اللحني ومن ثم يغنيه بلفظة امان امان فانه سيضع له تعبيرا وروحا جديدة من عندياته بطبيعة الحال وهكذا نرى الامر يتكرر على عدد المتعلمين مهما وصل عددهم ، اذ سنحصل في النهاية على اثراء واغناء لاعداد كثيرة من الطرق الخاصة التي تعبر عن كيان كل مؤد التي سيصقلهـا بعدئذ بالتجربة المستمرة ، وبذلك نكون قد أتحـْنا لأول مرة فرصة تأريخية للتعبير عن الذات ومن ثم نكون قد سحقنا التقليد الببغائي للمؤدين المشاهير الذي رافق غناءنا قرونا طويلة ارهق كاهلنا وضيع علينا فرصا عظيمة للابداع والابتكار .. نحن في امس الحاجة اليها لننطلق من جددي نحو مستقبل زاهر برؤية جديدة مستقبلية(9) .
ان هذا الحديث والمثال اعلاه ينسحب طبيعيا على الجمل الادائية الاخرى او المقامات الاخرى التي نكتبها كاملة … وزيادة في الحديث ان المسارات اللحنية للمقامات العراقية هي مسارات تراثية معروفة أي انها تراث يملكه المجتمع كله وليست ملك فرد بعينه ، لذا فنحن اذا كتبنا اساسا لحنيا مقاميا لأحد المؤدين المعروفين فاننا نكون قد رسخنا العملية التقليدية بكل تاكيد لأن هذا المسار يحمل تعابير وخصوصيات ذلك المؤدي ، اذ يصبح الامر بعد ذلك ، ان وضعنا خصوصية هذا المسار اللحني المعروف في كيان كل مؤدٍ جديد ورسخنا العملية التقليدية وقضينا على الطرق الادائية الانفرادية التي نتأملها من هؤلاء المؤدين الجدد ، ولكن يمكن لهذه العملية ان تتم اذا كان هناك بحث خاص عن أي مؤد ، عند ذاك يمكن ان ندون المسارات اللحنية الخاصة به والتي اداها في مسيرته الفنية لدراستها وبحثها كواحد من المؤدين المساهمين في اغناء هذا التراث دون ان نعممها على الآخرين كمادة تعليمية ببغائية .
ولسبب ما ، او لنُقل ان التأخر الثقافي والموسيقي وشؤون الاداء الغنائي هو من اهم الاسباب التي لم تجذب انظار المؤدين بشتى مستوياتهم والمهتمين بشؤون المقامات ، تلك الارهاصات والقابليات الاسلوبية الانفرادية وتدعيمها لدى كل مؤد .. بل جبل المجتمع المقامي على تقليد السابقين وجعله قانونا سائدا صارما .. ومن المؤكد ان الاسلوب الخاص بكل مؤد ينطوي على مواطن قوة معينة .. ومن مجموع مواطن القوة هذه لدى كل المؤدين الانفراديين الذين امتلكوا ذاتهم ، نحصل على الغنى والثراء في تعدد اساليبنا وتطور مفاهيمنا وثقافتنا الغنائية والسير بها نحو التفاؤل الاكيد ..
ان النقاشات والصراعات والآراء الفكرية التي دارت حول تطور المقام العراقي في هذا العصر من خلال الصحافة او الاذاعة او التلفزيون او غيرها ، كانت مفيدة في حقيقة الامر ، رغم فقرها ، فقد كانت هذه الاشارات والمناقشات قد بينت لنا كثيرا مما نحتاجه لعكس واقع جماليات عصرنا الراهن في اداء المقامات العراقية ، لذلك كان على حق من نادى بضرورة الفهم العميق للتراث من حيث تاريخه ومبادئه ومفاهيمه واسسه العلمية التي تؤلف بين مادته وجماليتها في كل زمن .. وبيّن كذلك كيف تتجلى طبيعة ادراك المؤد لواقع الاداء المقامي ، وكيف ينبغي ان يكون .. ان هذا المستوى من الادراك في تعاملنا مع التراث ينبغي ان يقترن حتميا بفهم الروابط المهمة بين هذه المفاهيم والاسس العلمية للتراث ولغة عرض نتاجاته .
على كل حال وفي الواقع ان أي ابداع في الاداء المقامي ، او أي ابداع بشكل عام ، مهما كانت قيمته فهو لا يمتلك الحرية المطلقة بطبيعة الحال لان الحرية مهما اتسعت فهي في الحقيقة تخلق لها قيودا اخرى جديدة اضافة الى ان الابداع في التراث امر موكول بكثير من التحفظات والتأني .
في الواقع ان معظم الابداعات التي جاءت من خلال بعض المؤدين السابقين قد حدثت بشكل تحوير جزئي لهيكل المقام الغنائي او تقديم وتأخير بين القطع والاوصال(10) او تبديل بعضها او اضافة قطع جديدة داخل الهيكل اللحني للمقام . وكل ذلك حدث داخل اطار الخزين النغمي العراقي والبغدادي في المقام العراقي ، أي ان هذا الابداع جاء ضمن الشكل والمضمون المقامي المحلي … وكما مر بنا ان ظهور محمد القبانجي هو الذي احدث انقلابا في المفاهيم الابداعية المقامية بخروجه عن المحلية ومن ثم تعريقه لبعض الجمل الغنائية غير العراقية في التعبير …
قد تعتقد عزيزي القارئ ، المستمع للمقامات ، ان مواجهة ابداع جديد ضمن عملية الاداء المقامي يمثل مشكلة بحد ذاته ، الا انها في الحقيقة قياس لفكر وتطور المجتمع ومن خلاله قياس لتطور الفن الغناسيقي المقامي .. والواقع ان الابداع مشكلة ليست بالسهلة ، فهو مقاومة متأتية مما يسمى بصراع الاجيال او التطور التاريخي للاشياء ، لأنه يعتمد او يخضع لظروف المجتمع بشتى جوانب الحياة ، يعتمد على اسس علمية واجتماعية وثقافية وسياسية وفنية …الخ يخضع في مفهومها بالتالي لروح العصر ، او الفترة الزمنية المعاشة ، وعلى هذا الاساس فان ليس من الغريب ان نرى المبدعين قليلي العدد … لذلك نرى ايضا ان كثيرا من المقامات التي اديت من قبل كثير من المؤدين الذين استمعنا اليهم ، اما عن طريق جهاز التسجيل الصوتي او مباشرة ، لا يزالون على هذه الحال يروون الوضع المأساوي لطرق الاداء المتخلفة والفقيرة الثقافة(11) ، بل تكاد تكون بدائية جدا ، من حيث شكلها ومضمونها ، في بنائها اللحني وتماسكه او الايمان المطلق بتطبيق الاصول التقليدية للمقام ، وحتى هذا التطبيق يفتقد الى الكثير من مستلزمات الجمالية والاهتمام بالتعبير الفني او التطريب الغنائي وسلامة صوت المؤدي وغيرها من الامور الاخرى الواجب توفرها لدى المؤدين .. اما الكلام الغنائي من الشعر الفصيح وطريقه وعملية النطق بالكلمات ولفظ الحروف ومخارجها واصول قواعد التجويد ، فسلبية هي الاخرى .. وهذا ينطبق علينا جميعا نحن المؤدين ..
من الوهلة الاولى ونحن نستمع الى هذه المقامات ، يبدو لنا اننا في حضرة غناء يصعب التصديق ان تعبيراته هذه قبل اربعين سنة او خمسين او ستين ..!! بل يخيل الينا انه يبتعد عنا اكثر من ذلك زمنيا ، وقد نشك ان بعض من هذه التعابير الادائية مؤداة قبل اكثر من قرن او قرون !! مع ثقافة ادائية فقيرة وفجأة ، في خضم مقارنة قاسية للطرق الادائية لهذه التعابير التي نسمعها يخرج علينا المؤدون انفسهم من خلال الصحف او الاذاعة والتلفزيون باطلاق تصريحاتهم الرنانة مدعين الفن والعلمية والابداع حتى وصل الامر عند بعضهم الى مستوى النزاع وجرح مشاعر زملائهم .

تقييم الاداء
يمكن تقييم الاداء الغنائي والموسيقي بشكل عام في العراق خلال القرن العشرين ، بانه مساو في المهارة والمتعة التي يتصف بها معظم الاداء الغنائي العربي ، الا ان الاداء الغنائي المصري قد استغرق وقتا اطول واجتهاد اكثر وظروفا اوفر للوصول الى مرحلة النضج التي يتميز بها عن الاداء الغنائي في البلدان العربية الاخرى بشكل عام كما يبدو ذلك … ولقد عانى الاداء العربي عموما والعراقي خصوصا خلال القرن العشرين ، الكثير من التعقيدات والتغييرات الاصولية الاساسية لاشكال ومضامين الاداء ، ولا يزال الكثير من عدم الاهتمام باصول لفظ مخارج الحروف ونطقها او الجهل بها تماما ، موجودا الى يومنا هذا في الوطن العربي عموما .. الا انني ارى من المناسب دراستها وفهمها وادراكها مع وعينا ان الفشل تجربة ممتعة ، لأنه ينبه عن مواقع الاخطاء والافادة من هذه التجربة ، وحرى بنا ان نصحح اخطاءنا اذا ما اخطأنا والاجمل من ذلك ان نستفيد من اخطاء الاخرين ، ولأن الاهتمام بموضوع اللغة في الشعر الغنائي ، حيث يكون الفحوى الاكاديمي والجمالي للاداء ، ولعل قواعد اصول تجويد القرآن الكريم هي اعظم ثقافة لضبط لفظ مخارج الحروف والكلمات فيزيد الاداء جمالا .
يكون الاداء بكل جوانبه ، ناجحا لانه يوضح المضمون الشعري واللحني كما هو ، وليس كما يريده المؤدون انفسهم ، ومن الطبيعي ان الاداء الذي يوضح الشكل والمضمون الشعري واللحن كما هما يكون بعيدا عن التخريب الجمالي ، بل يزيد جمالا وحسنا وروعة واتقانا .
وعلى هذا الاساس علينا ان نتخلص من الاعجاب بالغريب وان لا نبقى اسرى نقد وانتقاد نتاجاتنا والاعجاب بما هو غير نتاجنا ، وليكن اعجابنا موضوعيا يميل الى الجمال الحقيقي وصولا الى الحقيقة العلمية التي تعلو ولا يعلى عليها ..





أخوكم your,s
مطرب المقام العراقي singer of Iraqi maqam
حسين إسماعيل الأعظمي hussain ismail al aadhamy
عمّان amman jordan
00962795820112 gabel al hussain
الأردن ، عمّان ، جبل الحسين b.x 922144
ص . ب 922144 hussain_alaadhamy@yahoo.com