المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "الغيبية" و"الغيبيون"!



جواد البشيتي
04/09/2007, 12:52 PM
"الغيبية" و"الغيبيون"!

جواد البشيتي

"الغيب" هو من الأمور والأشياء التي ينبغي للمؤمن الإيمان بها؛ والله هو وحده "عالِم الغيب"، أو "عَلاَّم الغيوب". و"الإيمان بالغيب" إنَّما يعني أن يؤمِن المؤمِن بما غاب عنه مِمَّا أخْبَرَ به النبي من أمْر "البعث"، و"الجنَّة"، و"النار"، فكلُّ ما غاب عن المؤمنين مِمَّا أنبأهم به النبي هو غيب.

و"عالِم الغيب"، أي الله، هو العالِم بما خَفِيَ، وبكل الأسرار، وبما سيَحْدُث. أمَّا "عالَم الغيب" فهو عالَم كل مجهول لا يُرى.

دائماً، ومنذ القِدَم، مال الإنسان إلى الاعتقاد بوجود قوى خفيه (عن الأنظار، مستترة، غير ظاهرة) حَوْلَهُ، ومَصادِر سرِّية للمعرفة، وقدرات كامنة في داخله. وقد لازَمَت المعتقدات الغيبية الحضارات جميعا؛ وإنْ اختلفت (شكلا ومحتوى) من حضارة إلى أُخرى، وتبدَّلت مع تَقَدُّم العِلْم.

وإذا كان سقوط تُفَّاحة من شجرتها قد أثار لدى نيوتن رغبة علمية في تفسير هذه الظاهرة (التي طالما عرفها البشر جميعا) فانتهى في سعيه العِلْمي إلى اكتشاف "الجاذبية" وقوانينها فإنَّ ذوي المعتقدات الغيبية فضَّلوا أنْ يسألوا "لماذا سقطت التُفَّاحة على رأس هذا الشخص من دون سواه؟" على سؤال العالِم البريطاني العظيم "لماذا التُفَّاحة، في انفصالها عن شجرتها، تتحرَّك سقوطاً ولا تتحرَّك صعوداً؟".

في رأيهم يَدُلُّ سؤالهم هذا، أو ما يماثله من أسئلة، على أنَّ الحاجة إلى "الجواب الغيبي" لا تَقِلُّ عن الحاجة إلى "الجواب العِلْمي"، فإنَّ لـ "عِلْم الغيب"، على ما يعتقدون، مجالات لا تشملها، ولا يمكن أن تشملها، "سُلْطة العِلْم".

"عِلْم الغيب"، وخلافاً للعلوم الطبيعية المضبوطة، لا يُعْنى بـ "تفسير" الأحداث، فهو يتنازل عن هذا الدور للعِلْم. إنَّه يُعْنى فحسب بـ "التنبؤ" بالأحداث، أو "تداركها"، أو "استعجال وقوعها"، مع أنَّ التجارب الموثوق بها أثبتت وأكَّدت أنَّ أصحاب هذه المعتقدات لم ينجحوا إلا مصادفةً في التنبؤ بالأحداث، أو تداركها، أو استعجال وقوعها. وثَبُت وتأكَّد، أيضا، أنَّ بعضا من هؤلاء لا ينطقون، في تنبؤاتهم، عن "غيبية"، على ما يزعمون، وإنَّما عن معلومات وتقديرات يستقونها من "مصادِر استخبارية أو صانعة للأحداث"، فثمَّة أجهزة ومؤسسات وساسة يفضِّلون أن يُلْبِسوا الأحداث التي ستقع عمَّا قريب، والتي يَعْلَمون بها، أو يتوقَّعونها، أو لهم يد في صُنْعها، لبوس "النبوءة".

المشتغلون بما يسمَّى "عِلْم الغيب" يقولون بوجود عالَمٍ في خارج الطبيعة، يضم آلهةً وشياطين تؤثِّر في الأحوال الجوِّية والغلال والإنجاب. ومعتقداتهم الغيبية تَضْرِب جذورها عميقا في فكرة أنَّ الحياة لا تنتهي بالموت.

بعض رجال الدين القدامى، أمثال المجوس، وهم كهنة فارسيون، اكتشفوا قوة "الإيحاء"، أو الإيحاء الذاتي، فأقاموا طقوسا وشعائر واخترعوا رموزا تساعد على "تركيز الفكر". واستمرت العبادات الوثنية المبنية على بعض هذه الطرائق حتى بعد ظهور الديانات الكبرى.

لكنَّ الكنيسة، ومنذ القرن الرابع عشر، بدأت تُحَرِّم الممارسات الغيبية بصفة كونها شرَّاً. وقد أدى اضطهاد طائفة "الألبيجيين"، التي كانت تقول بأن العالم المادي من خلق الشيطان، إلى ملاحقة السحرة في قارة أوروبا بأسرها، وبعد ذلك في أمريكا. غير أن تعذيب المتهمين بممارسة السحر وإحراقهم أشاع جوا من الهستيريا، ثم أفضى إلى تعزيز السحر.

لقد كان التنبؤ بالمستقبل، وما يزال، يشغل بال الناس، بدءاً من مراقبة السماء وتفحُّص أحشاء الحيوانات، انتهاءً بالاستخدام الغيبي لقطع النقود وأوراق اللعب، وغيرها. وكان أشهر المتنبئين الأوروبيين بالغيب، في القرن الرابع عشر، نوستراداموس، الطبيب والمنجِّم الفرنسي الذي ألَّف أكثر من 600 بيت شعر غامض يمكن أنْ تُفهم على أنها تنبؤ بوقوع الثورة الفرنسية وأحداث أخرى مهمة.

وشهد منتصف القرن التاسع عشر انبعاث الاهتمام بالاعتقاد القديم بأنَّ أرواح الموتى يمكن أحيانا أن تُرى وتُسْمَع. وجاء اختراع التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) ليعطي الاعتقاد بأن الأشباح ليست سوى أرواح عالقة بين هذا العالم والعالم الآخر زخما قويا، فقد ظهر أحيانا على الأفلام المعروضة ما يبدو كأنه أشباح.

واعتقد الروحانيون أنَّ باستطاعة شخص ذي حساسية نفسانية، يدعى "وسيطا"، أن يدخل في غيبوبة ويتلقى، وهو في هذه الحالة، رسائل من الموتى.

وقد انتشرت الحركة الروحانية في أمريكا، بعدما ادَّعت الأخوات المراهقات فوكس أنَّ بيتهن أصبح مسرحا لأصوات غريبة، وأنَّ الأشياء تتساقط أو ترمى عن الرفوف كأنها مدفوعة من قبل شبح صاخب أو روح مؤذية. ادِّعاؤهن الاتصال بالأرواح كُذِّب لاحقاً؛ لكن سرعان ما برز عدد من "الوسطاء" كانت لهم، على ما يبدو، مواهب خارقة. من بين هؤلاء ذاع صيت دانيال هوم، الذي أدهش الأسر الملكية الأوروبية، وحيَّر المتشككين، بإحداثه ظاهرات غريبة، مثل تسببه بتدنٍ مفاجئ في درجات الحرارة، وجعل المناضد تسبح في الهواء، وإطالته قامته، ورفع جسمه عن الأرض. ثم شاع عقد جلسات أو اجتماعات ترمي إلى الاتصال بالأموات.

وأخذ العلماء، اليوم، يوجِّهون اهتمامهم إلى تفسير القوى "النفسانية" و"المستبصرة"، لعلَّهم يتمكَّنون من رفع النقاب عن بعض تلك العناصر الخفية التي تجعل العالم يبدو، على حد تعبير جيمس جينز، أكثر شبها بفكرة عظيمة منه بآلة كبيرة.

على أنَّ هذا التوجُّه العِلْمي الجاد لم يمنع من استمرار تغذية الاعتقاد، عبر الأعمدة في بعض الصحف والمجلات، بأن المنجمين يحاولون التنبؤ بالمستقبل مع أنَّ بعض "المنجمين الجديين" يصرِّحون بأن عملهم التنجيمي لا يتعدى تعيين الاتجاهات التي يجب تجنبها أو تعزيزها عبر القيام بأعمال معينة.

لقد ظل المنجِّمون يدَّعون أنَّ الشمس والقمر والكواكب تقوم بدور حيوي في حياة وشؤون البشر. في البلدان المتقدمة علميا وتكنولوجيا زال تأثير التنجيم بمفهومه القديم، وصرف النظر عنه باعتباره عديم الفائدة وضرب من الاحتيال؛ لكنه ما يزال يتمتع بتقدير رفيع في بعض البلدان المتخلفة.

ويُعتقد أنَّ التنجيم قد نشأ في بلاد ما بين النهرين؛ لكنَّه لم يكن تنجيما شخصيا بل كان يعنى بالشؤون العامة كالحرب والطوفان والخسوف لجهة تأثيرها بالملك الذي كان يمثِّل شؤون الدولة ومصالحها.

كما يُعتقد أنَّ هذا التقليد قد انتقل من بلاد ما بين النهرين إلى مصر، فالهند، فالصين وسائر آسيا، ثم انتقل إلى الإغريق، الذين أعادوا صياغة المعارف التنجيمية وفق تقاليدهم الخاصة، فهم الذين عمَّموا الطريقة لاستنتاج المصائر الفردية من تاريخ الولادة.

إنَّ البشر على اختلافهم يمكن تقسيمهم إلى مجموعات من حيث تماثل أو تشابه الصفات الشخصية والسلوكية العامة؛ ولكن هذا التقسيم لا يمت بأدنى صلة إلى تاريخ الولادة، أو إلى المواقع الظاهرة للأجرام في النظام الشمسي.

وأحسب أن للعِلم مهمة تنويرية على درجة عالية من الأهمية، وتتمثَّل في أن يفسِّر للعامَّة من الناس تفسيرا عِلْميا تلك "الظاهرات الغريبة" التي يجعل إحداثها على أيدي بعض الناس العقول والأنفس على استعداد لتقبُّل التفاسير والمعتقدات الخرافية، التي تزدهر، عادة، عندما لا يكون العِلْم قد تمكَّن بعد من تفسير ظاهرة محيِّرة، فحيث يعجز العِلْم (مؤقتا) عن أن يملأ فراغا معرفيا تتهيأ الفرصة للخرافة للقيام بهذا العمل.

المؤمنون بالغيب يسعون دائما في تمييز أنفسهم عن "المُنجِّمين" و"تنجيمهم"، فـ "الغيب"، في مفهومه الديني، ليس في متناول البشر، أبصاراً وبصائر، فالله وحده هو "عالِم الغيب"، أو "عَلاَّم الغيوب". حتى الأنبياء لا يملكون شيئا من هذا السلطان الإلهي (عِلْم الغيب) فالله يَمْنَح البشر ما يشاء، وقدر ما يشاء، من العِلْم والمعرفة، عَبْرَ ما يبذلونه من جهود علمية ومعرفية؛ ولكَّنه يَمْنَع عنهم كل ما يمت بصلة إلى "عِلْم الغيب"، الذي هو من اختصاصه وحده من دون سواه. إنَّه، أي الله، يُخْبِر أنبياءه بأمورٍ غيبية من قبيل "البعث"، و"الجنَّة"، و"النار"، فيُخْبِرون بها الناس أو أقوامهم؛ وعلى هؤلاء أن يُدلِّلوا على إيمانهم الديني من خلال إظهارهم الإيمان بهذه الأمور، أي بما غاب عنهم مِمَّا أخْبَرَهُم به أنبياؤهم.
وعليهم، أيضا، أن يؤمنوا بـ "عالَم الغيب"، الذي هو عالَم المجاهيل التي لا تُرى.. لا يرونها، ولا يُمْكنهم أبدا رؤيتها، وبأنَّ الله وحده هو العالِم بما خَفِيَ، وبكل الأسرار، وبما سيَحْدُث.

في حياتنا وتجاربنا، ليس من شيء يُمْكِن أن يَحْمِلنا على الاعتقاد بأنَّ مَنْ مات من البشر يُمْكِن أن يعود إلى الحياة، فكلُّ ما لدينا من حقائق وأدلَّة وبراهين إنَّما يُظْهِر لنا ويؤكِّد (تأكيدا لا ذرَّة من الشكِّ فيه) أنَّ الحياة تنتهي بالموت، وأنْ ليس من ميِّت قد عاد، أو يمكن أن يعود، إلى الحياة. وهذا هو ما يُدْعى "الإيمان العقلي أو العِلْمي". أمَّا "الإيمان الديني" فلا يتحقَّق ويتأكَّد ويَكْتَمِل إلا إذا آمن المؤمن بأمْرٍ من قبيل أنَّ الموتى (من البشر) ولو شبعوا موتا، وغدت عظامهم رميما، وتَبَعْثَرت وتوزَّعت وتناثرت ولم يبقَ لها من أثر، سوف يعودون، حتماً، إلى الحياة في يوم يسمَّى دينيا "يوم البعث". وهذا ما أُخْبِرَ به البشر عَبْر أنبيائهم، الذين، بحسب المنطق الديني، أُخْبِروا به مِمَّن يَعْلَم وحده الغيب بأموره كافَّة، ومنها هذا الأمر.

والإنسان، في الزمان والمكان اللذين يَظْهَر فيهما نبيٌ، ينبغي له أن يؤمن بأمر "البعث"، وبغيره من أمور الغيب، من غير أن يطلب أدلَّة وبراهين يطلبها، وينبغي له أن يطلبها، من أجل تصديق أمْرٍ من قبيل أنَّ الأرض كروية، أو أنَّها تدور حَوْل الشمس، أو أنَّ الجسم المغمور في سائل يَفْقِد من وزنه بقدر وزن السائل المُزاح، ففي أمور الغيب والإيمان بها لا مكان لكل ما يستعمله الإنسان من قوى وأدوات ووسائل وطرائق توصُّلا إلى "الحقيقة".

ولكنَّ إيمان الإنسان هذا بأمْر البعث، وبغيره من أمور الغيب، لا يمكن أن تقوم له قائمة قبل أن يستوفي شرطا لا بدَّ منه هو أن يأتي النبي بما يُعَدُّ "معجزة" بالنسبة إلى قومه، فلا نبي إذا لم يكن مؤيَّدا بما يُعَدُّ "معجزة" بالنسبة إلى قومه.

"المعجزة" أوَّلاً، فإذا أتى بها النبي، واقتنع بها قومه على أنَّها معجزة حقَّاً، أصبح ممكنا، وضروريا، عندئذٍ، أن يؤمنوا بما يُخْبِرهم به من أمور الغيب، كأمر البعث. والنبي، أي نبي، يحتاج في المقام الأوَّل إلى أن يُصَدِّقه قومه، وأن يَنْظروا إليه، ويعاملوه، ويعترفوا به، على أنَّه مُرْسَلٌ إليهم من خالق الكون، فأمرٌ كهذا إنَّما هو من الصعوبة بمكان، ولا بدَّ، بالتالي، من أن يأتيهم، أوَّلاً، بما يُحوِّل شكَّهم إلى يقين.

وأحسبُ أنَّ الناس، الذين جاء إليهم نبي، كانوا يحتاجون، في المقام الأوَّل، إلى ما يسمح لهم بأن يتأكَّدوا أوجه وحقيقة الإعجاز في الأمر الذي ظَهَر لهم، أو أُظْهِر لهم، على أنَّه "معجزة" لا يمكن أن يأتي بها، أو بمثلها، إلا أناس مُرْسِلين إلى أقوامهم من خالق الكون، وهم الأنبياء.

أمَّا المؤمنون في أزمنة لاحقة، أو أماكن مختلفة، أي مِمَّن لم يروا بعيونهم تلك "المعجزة"، أو "المعجزات"، فقد صَدَّقوها إذ "رُوِيَت" لهم، وعَبْر ما تلقُّوه منذ نعومة أظفارهم من تربية دينية (عائلية ومجتمعية).

إنَّ "العجز الإنساني"، النسبي، مع الشعور به، هو ما يُوَلِّد ويُغَذِّي ويُشدِّد المَيْل لدى الإنسان، فرداً كان أم جماعة، إلى الاعتقاد بـ "المعجزات"، والالتجاء إليها. والشعور بالعجز هو ما يَجْعَل صاحبه يملك من البصر والبصيرة ما يجعلانه يرى "معجزات" في أُمور معيَّنة. وللتذكير إن نفعت الذكرى نقول إنَّ بعضا مِنَّا قد آمن وصدَّق بأنَّه رأى صورة صدام حسين في القمر!

ولو تمكَّن صدام حسين من أن يهزم الولايات المتحدة شرَّ هزيمة في العراق، أي أن يأتي بمثل هذه المعجزة، التي سنميل إلى تفسير حدوثها تفسيرا ميتافيزيقيا في المقام الأول، ولو أخْبَرنا بعد ذلك أنَّه سيأتي يوم تَلِدُ فيه الأبقار عصافير، لأظْهَر كثيرون مِنَّا مَيْلاً إلى تصديقه.

إنَّ العقل المُحْتَل عُقْرُهُ، ومنذ نعومة أظفار صاحبه، احتلالا ميتافيزيقيا، هو وحده الذي لا يبدي أقلَّ مقاومة لتصديق كل أمْرٍ ميتافيزيقي، عديم الوزن في الميزان الذي به نَزِن "الحقيقة" في الأفكار والمعتقدات.

مِنَ "العجز الإنساني (النسبي)"، في بُعْديه المعرفي والعملي، تتولَّد الحاجة لدى كثير من الناس إلى "الكمال الميتافيزيقي"، فكلُّ ما أجهله (حتى الآن) وكل ما أعجز عن القيام به (حتى الآن) إنَّما يؤكِّد وجود، ووجوب وجود، مَنْ يَعْلَم ما أجْهَل، ومَنْ يَقْدِر على ما أعجز عنه.

منذر أبو هواش
05/09/2007, 09:29 AM
أعداء الإسلام يهاجموننا في أساس عقيدتنا ... وفي منتدياتنا ...
أعداء الإسلام يهاجمون عقيدة الإسلام ... (عقيدة الغيب) ... علنا وعلى رؤوس الأشهاد ...

بتصرف عن (مقال سياسي خطير) للشيخ محمد اسعد بيوض التميمي
بعض الخبثاء الملاحدة من الليبراليين والشيوعيين يحملون عقيدة مُناقضة ومُعادية لعقيدة الأمة الإسلامية القائمة على (الغيب)، وهم بالأساس يتسترون بالليبرالية والماركسية ليُخفوا الروح الصليبية التي يحملونها ككثير من العملاء من أعداء الأمة الإسلامية الذين تبينت حقيقتهم بتحالفهم الحالي مع (أمريكا) في سياستها المعادية لكل ما هو عربي وما هو إسلامي.

فكيف يتحالف النقيضان (الإمبرياليون مع الاشتراكيين), انه العداء للإسلام, والدليل على هذه الروح الصليبية انهم يستهزئون بعقيدة الإسلام القائمة على (الغيب), فعندما يُريدون ان يُهاجموا من يدافع عن الإسلام فإنهم يُعيرونه بأنه (غيبي) أي انه مسلم, أي انه موحد لله رب العالمين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)) آل عمران.

وتجد هؤلاء الملحدين كثيرا ما يستهزئون بعقيدتنا (عقيدة الغيب) التي نفديها بأرواحنا. (عقيدة الغيب) التي صنعت أمتنا وصنعت لنا تاريخا مفعما بالعزة, وبها ارتقينا ذرى المجد, وبها استلمنا زمام التاريخ وأقمنا أعظم حضارة في تاريخ البشرية, حيث قدنا الإنسانية بالعدل والرحمة, وان (عقيدة الغيب) هي التي تهزم (أمريكا) الآن وحلفائها وعملائها وأعوانها في (العراق وأفغانستان) ومن ضمنهم الحزب الشيوعي الذي خرج معظمهم من رحمه في معركة ميزان القوى المُختلة بالكامل لصالح العدو المادي الكافر, هؤلاء الملاحدة الماديون في دُنيا الإسلام الذين يستهزؤون ب(عقيدة الغيب) هم الذين صنعوا لنا الخزي والعار والانكسار وهزائم أغرب من الخيال وهم الذين أضاعوا (فلسطين) وهم الذين يُريدون (الكيان اليهودي) أن يكون كيانا للشعب الفلسطيني، وهم الذين يسوون بين صاحب الحق مع السارق والمغتصب للحق!

فإن كان هؤلاء المستهزئون لا يدرون هذه الحقيقة عن (عقيدتنا الغيبية) فهو الجهل بعينه, وإن كانوا يدرون فهي (الحرب الصليبية) على عقيدة المسلمين (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) سورة البقرة. فالله سبحانه وتعالى غيب, والملائكة غيب, والجنة غيب, والنار غيب, هذه هي عقيدتنا الغيبية التي يستهزؤون بها .

ومن ضمن حربهم على عقيدة أمتنا فإنهم يدعون إلى إعادة إنتاج أمتنا على أسُس جديدة تتناقض مع (عقيدة الغيب), وتتوافق مع عقلانيتهم, فيدعون أنهم يريدون مسلمين تنوريين وإسلاما تنويريا, أي انهم يُريدون إسلاما يُبيح كل المُحرمات ليس له علاقة بالإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, لذلك تجدهم الآن خائفون ومرعوبون جداً من انتصار (الغيبيين المُجاهدين في العراق) مثلهم كمثل كثير من الصليبين الذين يتخفون ويتسترون بالماركسية والأحزاب القومية لمحاربة (عقيدة الغيب)، فلقد صرح أحدهم في إحدى الندوات في (قناة الجزيرة) بأن هزيمة (أمريكا) في (العراق) ومجيء هؤلاء ليحكموا (العراق) بأفكارهم التي يحملونها ستكون كارثة وهو يقصد (عقيدة الغيب) عقيدة المسلمين, طبعا ستكون كارثة على رأس أعداء الأمة.

فالقادة الحقيقيون لأمة الغيب هم الذين يتمسكون ب(الكتاب والسنة) الذين يؤمنون (بعقيدة الغيب) التي تدعوا إلى مُوالاة الله ورسوله والمؤمنين والبراءة من الكافرين ولو كانوا آبائنا أو إخواننا أو عشيرتنا, فأبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه تبرأ منه, فهو ليس من أمته, وإن أصحاب هذه العقيدة هم الذين يُقاتلون (الشيطان المارد الأمريكي) في (العراق وأفغانستان) فلماذا لا تقتدوا بهم إن أردتم حرث الآخرة؟؟

فالنصر لا يُمكن أن يجيء إلا (بعقيدة الولاء والبراء عقيدة الغيب) التي فتحنا بها العالمين, فنحن عبر تاريخنا لم ننتصر لا بكثرة عدد ولا عدة وإنما بهذه (العقيدة الغيبية) التي هي أعز علينا من أنفسنا وهي مُقدمة على الولاء للوطن والعشيرة, فهي قبل كل شيء، فبها صنعنا (بدر واليرموك والقادسية وعين جالوت وأجنادين وحطين, وبها فتحنا بيت المقدس أول مرة, وبها فتحنا القسطنطينية والأندلس, وبها ستعود بغداد عزيزة بعز الإسلام, وبها سندخل المسجد الأقصى كما دخلناه أول مرة, وبها سنحرر فلسطين من النهر الى البحر ونتبر علو اليهود وكيانهم تتبيرا.

فهذا وعد الله لنا (نحن الغيبيون) ولو كره الكافرون والملاحدة في دنيا الإسلام، وسنبقى الأوفياء (لعقيدتنا الغيبية) نبذل دماءنا دفاعا عنها, وسنبقى نقول الحق ونصدع بالحق بأمر ربنا لا نخاف في الله لومة لائم, وسنبقى الأمناء على فلسطيننا الحبيبة من النهر إلى البحر مهما طال المشوار, والسلام على شعبها المرابط الصامد البطل, وليعلم الجميع أننا نرصد دبيب النمل على صعيد قضيتنا المقدسة ولن يضرنا من خالفنا حتى يأتي نصر الله .

بتصرف عن (مقال سياسي خطير) للشيخ محمد اسعد بيوض التميمي

:fight:

وحيد فرج
05/09/2007, 11:28 AM
السلام عليكم

ليس الغيب فقط هوما لايستطيع الإنسان رؤيته بعينيه ، بل كل مالا يستطيع إدراكه بالكلية فلحظة ميلادنا غيب بالنسبة لنا نحن البشر جميعا .. فكلنا لايدرك هذه اللحظة رغم مررونا جميعا بتجربة الميلاد ! ولحظة الموت هي الغيب الثاني لكل البشر ... فمن منا يستطيع أن يعرف وقت حدوثها ، ولحظة البعث غيب أكبر بالنسبة لنا جميعا. وتتجلى قدرة الخالق عز وجل في معرفته وإطلاعه على أمور الغيب فقد أحاط علمه كل شئ لقدرته المتناهية عز وجل ، أما الإنسان ذو القدرات المحدودة فالأمر يختلف كثيرا بالنسبة له : إذ أن نسبة الغيب في حياته تمثل تقريبا السواد الأعظم من معرفته .. .. لمحدودية الملكات والقدرات والحواس والإدراك ... فلايمكن لكائن ما أن يحول كل غيبياته إلى معارف !!! ومن ثم يلجأ الكثير من الماديين والملحدين إلى إنكار الغيب كنوع من الغرور العقلي اوالرغبة في دفع تهمة العجز أو الكبر ليس إلا . والإيمان بالغيب لايناقض حقيقة السعي لتحويل بعض الغيبيات إلى شهادة ويمكن أن يندرج هذا تحت تحت مسمى البحث العلمي فهذه الأمور يدخل الكثير منها في إطار القدرة البشرية .. وعلى الجانب الآخر هناك من الأمور الغيبية التي يستحيل على أي إنسان أن يحولها إلى شهادة لأنها خارج ملكاته فهو بحاجة إلى قدرة الخالق سبحانه ليطلعه عليها أو يجعله يمر بها . والإقرار بمثل هذه الغيبيات هو من صميم الإنسان المؤمن الحق إذ يمثل إقرارا منه بقدرة الخالق عز وجل ( عالم الغيب والشهادة ) وهذا الإيمان الغيبي يجعله يعيش في حالة من السكينة والرضا يفتقدها الآخر المنكر لها الذي يقضي عمره باحثا عن السكينة والرضا بلا جدوى لأنه وضع نفسه في صراع مع إنكار حقيقة الغيب رغم مروره بتجارب الغيب كل لحظة من لحظات عمره .

يقول البروفسور ب.كدريا فستف في كتابه "أصوات لا تسمع" (ويعتبر عدم حساسية الأذن البشرية للاهتزازات ذات الترددات المنخفضة من النعم العظيمة التي يتمتع بها الانسان، فهي تحول دون سماعه لضربات قلبه، ولولا ذلك لكان لضربات القلب ضجيج لا ينقطع) فلا يستطيع تحمل الحياة.. نسوق هذا لكي يشعر الانسان أن حجب الكثير من الحياة عنه هو من رحمة الله به، ولا ينبغي من خلال هذه الرحمة التي يجب شكرها أن يتطاول فينكرها كلية..
و ماذا لو كٌشف لكل انسان معرفة ما غاب عنه؟ بل ماذا لو عرف كل انسان ما في نفس كل انسان أمامه من الأمور الغيبية عليه؟ هل يمكنه أن يعيش؟
وهل عدم معرفة الانسان بما في نفس الانسان الذي أمامه يعني أنه لا يحمل في نفسه شيئاً؟
مبدأ إيمان الانسان بالغيب، أو بالأمور الغيبية مبدأ طبيعي، ولابد منه في حياة الانسان، وعدم إحاطة الانسان بهذه الأمور الغيبية بواسطة حواسه أو معاملته، رحمة من الله بالانسان وضرورة من ضرورات وجوده.
ماذا يضر الحياة وسيرها لو آمن الانسان بوجود مخلوقات أخرى غيره تسمى الجن أو الملائكة؟ وماذا يعطل ذلك من سير الحياة العلمية أو العملية؟
وهل الذين فكروا ودبروا للوصول إلى القمر تخلوا أولاً عن إيمانهم بالله والملائكة والجن حتى أمكنهم أن يفعلوا ما فعلوا؟ أعتقد لا.. كما أعتقد أن كل واحد منهم مؤمن بالله وملائكته وبرسوله الذي يعتقد فيه.. فتمحك الشيوعيين والماديين بهذه المسائل إنما هو من قبيل التهريج على الناس، وضعاف الإيمان باسم العلم.
وهم في هذا يعطون العلم مجالاً فوق طاقته. إذن العلم التجريبي لا يمكن أن يتناول إلا الأشياء التي يمكن إجراء التجربة عليها.. وليست المخلوقات كلها من هذا النوع الذي يخضع للتجربة الحسية بل فيها وفيها. فيها الروحيات التي هي فوق طاقة العلم ومجاله.. ولا يمكن للانسان العاقل المتزن، أن ينكر أن هناك روحيات، وهي غير الأشياء المحسوسة..
وأتعجب من أمر الكثير منا لميله الشديد لتصديق إشاعة ما ( قد لا تخرج عن كونها إشاعة كموت رئيس دولة أو غيرها ) ورفضهم القاطع لوجود جنة وحساب وخالق وبعث !!!
لو أن الإنسان الأول كان منذ بدأ الخليقة يؤمن بهذه الخرافة ( عدم وجود غيب )لما توصلت البشرية اليوم لهذا الكم المعلوماتي والمعرفي والتكنولوجي الهائل ، فالرغبة في المعرفة هي في حد ذاتها إقرار بوجود غيب يستحق العمل والإجتهاد للوصول إليه وتحويله إلى شهادة ولكن يأتي دور الإيمان الذي يحدد لنا حدود الإيمان بالغيب لنعيش في سلام مع النفس والكون .

عزيزي الإنسان الناقص ليس كل مالاتدركه يعد غير موجود !!

جواد البشيتي
06/09/2007, 12:18 PM
الأستاذ وحيد فرج
تحية
تقول: "الغيب ليس فقط ما لا يستطيع الإنسان رؤيته بعينيه.."؛ وأنا أتَّفِق معكَ على أنَّ الأشياء، بعضها يمكن أن يرى بالعين (أو بالعين الاصطناعية كالمجهر والتِّلسكوب) وبعضها لا يمكن أن يُرى (بالعين المجرَّدة أو بالعين الاصطناعية) مع أنَّه موجود بالفعل، فالجسيم "المادي" المتناهي في الصِغَر لا يُمْكِن أن يُرى حتى بأقوى المجاهِر. و"الثقب الأسود" لا يُرى هو أيضا لا بالعين المجرَّدة ولا بالتِّلسكوب؛ لأن لا ضوء يستطيع الإفلات من قبضة جاذبيته. ومع ذلك يمكننا الاستدلال على وجوده؛ والأشياء التي من خلالها نستدل على وجوده يمكن أن نراها بالعين المجرَّدة أو بالتِّلسكوب.
كل ما هو "مادة" موجود بالفعل، وهو "حقيقة موضوعية"؛ ولكن بعض "المادة" يُمْكننا رؤيته، وبعضه لا يُمْكننا. أمَّا "الفكر" فلا يُمْكننا رؤيته، أو لمسه؛ لأنَّه ليس بـ "مادة". ومع ذلك فـ "الفكر" موجود، وهو جزء من "الواقع"، فـ "الواقع" بعضه مادي موضوعي، وبعضه مثالي ذاتي. وعليه، ثمَّة أشياء ليست بـ "مادية"، في ماهيتها وطبيعتها، كـ "الفكر"، ومع ذلك لا ننفي وجودها، ولا نَسْتَثْنيها من "الواقع".
إنَّ ثمَّة أشياء (في العالَم المادي الواقعي) لا يراها الإنسان بعينيه، ولا يُمْكنه رؤيتها، كمثل "الإلكترون"، أي أنَّها "تغيب" عن بصره؛ ولكَّنها لا تنتمي إلى "عالَم الغيب"، مفهوما ومعنى.
متى يموت عمرو؟ لا يستطيع عمرو (ولا غيره) أن يجيب عن هذا السؤال. والإجابة تستعصي أكثر إذا ما حاولنا تضمينها السنة، والشهر، واليوم، والساعة، والدقيقة. على أنَّ هذا الاستعصاء لا يمنع "الإجابة المبدئية"، التي تقوم على متوسِّط عُمْر الإنسان، فعمرو لن يعيش 200 سنة مثلا.
"لحظة الموت" هي من الأمور التي لا يَقْدِر الإنسان أن "يتوقَّعها" كما "يتوقَّع"، مثلا، موعد إمطار السماء. إنَّها لحظة "تغيب" عن "توقُّع" الإنسان. وبما يوافِق هذا المعنى فحسب يمكن فَهْم "لحظة الموت" على أنَّها من "الأمور الغيبية".. ويمكن، أيضا، القول بـ "عالَم الغيب".
و"عالَم الغيب (الواقعي)" هذا نراها في "التاريخ"، فكثير من أحداث التاريخ لم يتوقَّعه البشر، ولم يرغبوا فيه، ولم يريدوه. لقد رغب الإنسان (الفرد أو الجماعة) في أمرٍ ما، وأراده، وسعى إليه، و"توقَّع" حدوثه؛ ولكن حَدَثَ أمرٌ آخر، لم يرغب فيه، ولم يُرِدْهُ، ولم يسعَ إليه، وذهب بـ "توقُّعه"، وكأنَّ يدا خفية هي التي صَنَعَت هذا الحادث التاريخي. لقد حَدَثَ ما لم "يتوقَّعه".. حَدَثَ شيء كان "غائبا" عن بصره وبصيرته؛ ولكن هذا الذي حَدَث إنَّما يُظْهِر ويؤكِّد "القانون الموضوعي" للتطوُّر الاجتماعي ـ التاريخي للبشر.
وهذا الذي حَدَث لا ينفي، وإنَّما يؤكِّد، "السببية (المادية)"، فكل ما حَدَثَ يصبح جزءا من الواقع الموضوعي، ويَكْشِف أنَّ "أسباب حدوثه" قد اجتمعت وتهيَّأت، فلو لم تجتمع وتتهيأ لَمَا حَدَثَ هذا الذي حَدَث. حتى قوى "المصادفة" يمكننا وينبغي لنا أن نرى فيها ما يؤكِّد قانون "السببية (المادية)"، أو "الضرورة (الطبيعية أو التاريخية)".
كل ما أعرفه كنتُ أجهله من قبل؛ ولكن هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّ كل ما أجهله الآن لن أتمكَّن أبدا من معرفته، فالإنسان يَصْعَد، في استمرار، في "سُلَّم المعرفة"، الذي ليس من درجة عليا له، فـ "الجهل" و"المعرفة" لن ينفصلا أبدا، وسنظل ننتقل من جهل إلى معرفة، ومن معرفة إلى جهل، من غير أن نتوصَّل إلى "المعرفة النهائية الشاملة المطلقة".
وعليه، يُمْكننا أن نُحَوِّل، في استمرار، ما كان "غائباً" عن أبصارنا وبصائرنا إلى "حاضِرٍ" فيها.. ما كان "مجهولا" إلى "معلوم". وعليه، أيضا، لا يُمْكننا أبدا أن نحوِّل "كل" ما تسمِّيه "غيبيات"، بالنسبة إلينا الآن، إلى "معارف"؛ لأنَّنا لا يمكننا أبدا أن نبلغ "المعرفة المطلقة"، فمعارفنا ستظل إلى الأبد "معارف نسبية تَضُمُّ شذرات من الحقيقة المطلقة". إنَّ دوران الأرض حَوْل الشمس هو "حقيقة مطلقة"؛ ولكنَّ كثيرا من تفاصيل هذه الظاهرة يتغيَّر ويتبدَّل، أي أنَّه "نسبي".
الإنسان ليس بعاجِزٍ عجزا مطلقا عن معرفة أمر ما. إنَّه الآن، وفي هذا المكان، وبما يملك من وسائل..، عاجِز عن معرفته. وهذا العجز النسبي (والطبيعي) يجب ألا يَحْملنا على القول بعجز الإنسان عجزا مطلقا عن وعي وإدراك ومعرفة ما يجهله الآن.
الإنسان "يتوقَّع" حدوث أمر ما، فتذهب "النتيجة" بـ "توقُّعه"، فيَسْتَنْتِج من ذلك، أي من هذا الفشل في "توقُّعه"، أنَّ كائنا ميتافيزيقيا يملك القدرة على أن يَعْلَم عِلْم اليقين هذا الذي حَدََثَ والذي ذهب بـ "توقُّعه".
في العالَم المادي الواقعي نكتشف، في استمرار، أشياء لم نكن نعرفها من قبل، ونجهل وجودها. على أنَّ اكتشافنا ووعينا لها لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّها كانت غير موجودة؛ فكل ما نكتشفه ونعيه موجود بالفعل، وكان موجودا بالفعل، ولكن ليس كل ما هو موجود بالفعل يمكننا وينبغي لنا أن نكتشفه ونعيه.
"الغائب" الآن عن أبصارنا وبصائرنا لا عدَّ له ولا حصر. و"الغائب" عن أبصارنا وبصائرنا من أحداث المستقبل لا عدَّ له هو، أيضا، ولا حصر. و"النتائج" التي ستذهب بكثير مِمَّا "نتوقَّع" لا عدَّ لها ولا حصر.
على أنَّ هذا لا يعني جواز اختراع ما يشبه "عروس البحر"، والقول بوجوب الإيمان بوجود "عروس البحر"؛ لأنَّ "الغائب" عن أبصارنا وبصائرنا (اليوم وغدا) لا عدَّ له ولا حصر.
لو كنتُ أنا وأنتَ قبل الإسلام، وجِئتُ إليكَ زاعما أنَّني مُرْسل من خالِق الكون، فستقول لي، قبل أن تُصدِّقني وحتى تُصَدِّقني: جِئني بالدليل المُقْنِع المُفْحِم.
هذا من حقِّكَ، وهذا ما ينبغي لي القيام به.
لقد جِئتُكَ بالدليل الذي طَلَبْت. الكرة الآن في ملعبك. إنَّ عليكَ أن تُمْعِن النظر في "الدليل"، وأن تتمكَّن، بالتالي، من أن ترى فيه معنى "المعجزة". إذا رأيتَ فإنني أستطيع، عندئذٍ، أن أجعلكَ تؤمن بمجيء يوم تَلِد فيه الفراشات أبقارا، فَبَعْدَ إتياني بـ "الدليل ـ المعجزة" يمكن ويجب أن يتوقَّف عقلكَ عن السؤال والشك، ويشتد المَيْل لديكَ، بالتالي، إلى "التسليم" بكل ما سأزْعُم.
هنا مبتدأ "القصَّة" كلها، فأنا وأنتَ في الزمان ذاته، وفي المكان ذاته، وفي الظروف الاجتماعية ـ التاريخية ذاتها. هنا يبدأ التدقيق والتمحيص في "الدليل ـ المعجزة". وهنا يبدأ البحث في الأسباب الحقيقية التي حَمَلتكَ على تصديقي، أو على إظهار تصديقكَ لي.
أمَّا مَن يأتي من بَعْدِك فلن يملك من "الحدث" إلا "روايته"، التي تَظْهَر، في التربية التي نتلقَّاها، على أنَّها الحقيقة الخالصة المطلقة النقية.
عزيزي "الإنسان الكامل"، أقولُ لكَ وأنا "الإنسان الناقص"، إنَّني أوافقكَ الرأي الذي عَبَّرتَ عنه في قولك "ليس كل ما لا ندركه يُعَدُّ غير موجود"، فثمَّة أشياء كثيرة، أشياء لا عدَّ لها ولا حصر، لا ندركها؛ ولكنَّها موجودة وجودا فعليا؛ ولكنَّ "عروس البحر"، أو ما يشبهها، ليست بجزء من هذه الأشياء!

وحيد فرج
06/09/2007, 01:32 PM
السلام عليكم
أخي الأستاذ جواد

أريد أن أوضح أمرا هاما في سياق تحديد ماهية الإيمان بالغيب ....إذ أظن أن هناك لبسا في الفهم بين ماهو غيب وماهو خرافة( عروس البحر ) ! فالغيب بمعنى الإيمان بموعود الله على لسان رسله حتى وإن لم يتسن لنا أن نراهم أو نسمعهم هو ما أقصد تحديدا وهو في رأيي الإختبار الكبير للإيمان والحد الفاصل بين الرقي والتردي، بين النفاق والتسليم. أما الخرافة فلاخلاف على أنها جهالة.

لو سلمنا بأن الإنسان أكثر رقيا من حيث الإدراك والفهم من الحيوان .. فهل معنى ذلك أن حواس الإنسان أكثر قدرة على إدراك مايحيط بها من قدرة الحيوان ، فلماذا إذن يرى الصقر بعينيه الحادتين مايعجز الإنسان عن رؤيته ولماذا يسمع الكلب أو الخفاش مالا نستطيعه ولا نطيقه !! فعلى الرغم من الرقي الفكري والقدرات الهائلة للإنسان سيظل محدودا بمحدودية بعض القدرات البديهية لديه والتي يتفوق عليه فيها حيوان أقل منه رقيا... إذن هناك منطقة لن يتمكن الإنسان إجتيازها وهي إدراك الكل ... سيظل إدراكه دائما جزيئيا وكلما إنتقل من جزء إرتقى إلى أعلى وهكذا إلى ما لانهاية ولكن عليه ألا ينكر كل مالا يعرفه ويثبته المعمل لأن أدواته قد تكون قاصرة كأذنيه بالنسبة للخفاش ، فالإيمان بالغيب الذي جاء على لسان الرسل هو سفينة النجاة من الوقوع في هلاك وشرك الإدعاء بأن ليس هناك غيبا على لسان الرسل .
( الذين يؤمنون بالغيب .) . فلا تقوم حواجز الحس دون الاتصال بين أرواحهم والقوة الكبرى التي صدرت عنها ، وصدر عنها هذا الوجود ؛ ولا تقوم حواجز الحس بين أرواحهم وسائر ما وراء الحس من حقائق وقوى وطاقات وخلائق وموجودات .

والإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان ، فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه ، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس - أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس - وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي ، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود ، وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير . كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض ؛ فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته .

هناك إدراك البديهة والبصيرة ورؤية مالاتستطيع عيون الإنسان الغائب عن حقيقة الإيمان إدراكه ... إنه إدراك القلوب وبصيرتها . إنه الفارق بين البصر والبصيرة.
(إنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)

تحية مباركة ورد على عَجل.