المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبث: قصة قصيرة: سعدية اسلايلي



سعدية اسلايلي
09/09/2007, 02:29 AM
خرجت وما يزال دمي موزع على الأحلام الباردة في سوق المهملات النتن، مشيت تدفعني غريزة القطيع، وليس لخطوتي أثر على التراب المبلل. لمحت أنثى تنبعث منها رائحة الخطيئة فصرت خلفها...، مررنا في تمنعها الواعد باللقاء على جانب عمارة من زجاج فاكتشفت أنني أنثى ، صعد الألم من تاريخ كنت أحاول نسيانه فأنساني هويتي. انشغلت في عد الطوابق في العمارة التي صعدت مكان قمامة الحي ولم يكن لها أثر قبل ليلة البارحة، وجدت أن الواجهة الأنيقة تخفي مدن القصدير وبعض المكاتب المشبوهة، ركضت، ولم تتعود قدماي على كعب عال ولا على رصيف مبلط فتنبهت أن رجلي حافيتان وأن الأزقة قد توقف تبليطها بعد نهاية الحملة الانتخابية. صدمت قمامة كبيرة، كتب عليها "مقبرة التاريخ"، وميزت دواوين ومجلدات، وكتب قانون، ودساتير....تذكرت أنني لم أكن أومن بأغلبها وأن ذلك لم يقتلني ففرحت قليلا، يبدو أن الفرحة لم تكن ظاهرة على وجهي حتى أن قطة ملطخة بالعفن ورائحة القبور اعترضت طريقي بثقة وعرضت علي .
:"هل تبدلين حياتك بحياتي؟"
ذكرتها أنني لا أملك من حياتي سوى الإسم، وأنه يتعين عليها أن ترفع طلبا لحاكم البلدة في هذا الأمر. نظرت إلي بتقزز وامتنعت عن المواء ورحلت سعيدة بحريتها.
غزت أول خيوط الصبح سماء رمادية، فاستغربت كيف توجد امرأة خارج سريرها في مثل هذا الوقت، ارتفع في صدري نبض كنت نسيت إيقاعه منذ طفولتي وركضت في اتجاه لا أعرفه. كان الضوء قد صار أقوى فانطلق خلفي ظلي يطاردني، صار أكبر مني في لحظات فنبتت له مخالب وأنياب رأيتها في زوبعة الخوف فالتقطني مثلما نلتقط ذبابة ميتة.... عندما رماني ظلي من ثقب المفتاح في غرفتي التي استأجرتها بالأمس ولا زالت لا تعرفني، وجدتني على مقربة من مرآة فرغبت في التعرف على شكلي زيادة في الضياع، نظرت في عيني الوجه الذي يقابلني فصادفت ثقبا يؤدي إلى بيت الجيران: رجل وامرأته: هي تقبله وهو يذبحها، ثم يقلبان الأدوار...وحين حاولت الإمعان في صورتي لربح الوقت على حساب النهار، صادفني ثقب أخر واكتشفت أن البيت ليس فيه مرآة وأنه لا يوجد في الغرفة قرب سريري غير كتاب ل"فرانز كافكا" وبعض المهدئات.

خالد ابراهيم
02/10/2007, 12:21 PM
الكاتبة الكبيرة سعدية اسلايلى
بلا شك كيف نرى انفسنا واقعنا ألأمر يحتاج الى مبدع وفيلسوف وقائد وفنان
كل هذه الصفات توفرت فيك أيتها ألأنثى
الحقيقة انا أرجو أن تتقبلى إعجابى بهذا الاسلوب الخاص فى الكتابة والتعبير بلغة رائعة
عند قرأة هذا العمل أشعر باننى أمام شيئ جديد مختلف
ألأمر عندى ليس مجرد مجاملة
أعود لأشكرك
خالد ابراهيم

سعدية اسلايلي
24/10/2007, 08:14 PM
الأخ المبدع الجليل خالد إبراهيم،
يخجلني تعظيمك لشأني وما انا إلا مبتدئة متلعثمة في محراب الكلام،
لا أشك في صدق رأيك، وأشكر تفاعلك الإيجابي، ولا أخفيك تخوفي من هذا النص بالذات لأنه غريب لكنه فرض علي نفسه فلم أستطع مقاومة إغرائه.
دمت مبدعا ولماحا في قراءتك
مع مودتي

عبد الحميد الغرباوي
24/10/2007, 09:12 PM
...ولا أخفيك تخوفي من هذا النص بالذات لأنه غريب لكنه فرض علي نفسه فلم أستطع مقاومة إغرائه.
ليكن هذا المساء مناسبة للاحتفاء بك..
فنصوصك هنا تتتابع، معلنة عن نفسها بقوة السرد، بفتنة الشعر، بحرارة عواطف المرأة التي ترى الإجحاف و النظرة الدونية تحيط بها من كل جانب...
صوتك أيتها الأديبة المتمكنة، هل كان محتشما لدرجة أن ولا واحد التقط نبراته ليرد عليك ولو بكلمة آه...
نصوصك، هل كانت في حاجة إلى كل هذا الوقت لينتبه إليها الأعضاء في المنتدى؟...
لننتبه لها نحن الذين نستمتع هذه الليلة، بـ" لذة النص"...
و إذا كنت في صفحة أخرى من صفحات المنتدى و بالضبط في صفحة حسام الدين نوالي قد دعوته إلى التفكير في إصدار مجموعة قصصية، فأنا أجدك أنت الأخرى مؤهلة إلى أن تمتعينا بمجموعة قصصية. أنت ودون مجاملة، مؤهلة لذلك..
لا داعي للخوف أيتها الأديبة، وغرابة النص نابعة من إحساس مرهف، توفرت في النص كل مكونات الإبداع الجميل... أمثالك زينة المنتدى دون مبالغة..
مودتي

بديعة بنمراح
25/10/2007, 01:02 AM
ماذا أقول أمام ما قاله الإخوان الاعزاء قبلي الأستاذ خالد إبراهيم ، و أستاذنا الكبير الكاتب و الناقد عبد الحميد الغرباوي؟
هل أقول أعرفك و كنت دوما معجبة بأفكارك و حملك للهم الإنساني . هل أقول أنك الرقة و الحرف البهي و الكلمة الصادقة و الحارقة في آن؟
أسجل إعجابي بكل ما قرات لك هنا و أنتظرهطولك بشوق عارم
محبتي و تقديري

محمد المهدي السقال
25/10/2007, 01:10 PM
قصة قصيرة واعدة ، تعكس اقتدارا فنيا ولغويا على السرد الموحي والجميل في آن واحد ، لفت انتباهي ذلك الحضور القوي لتيار الوعي ، ضمن صياغة فنية أبانت عن تحكم في مجمل أدوات النص السردي المعاصر . قد نختلف في الرؤيا التي تصدر عنها الكاتبة / الساردة ، لكننا لا نختلف حول المستوى المتقدم للتجربة السردية .
تحياتي

سعدية اسلايلي
25/10/2007, 04:31 PM
سيدي وأستاذي عبد الحميد الغرباوي،
أأعتبر قولك شهادة ميلاد قاصة من دون سابق إصرار؟
الله يعلم أنني قاربت القصة بحثا عن الاستراحة من نص روائي طويل أنهكني (أقصد روايتي الأولى"الجبال لا تسقط"): لكنني اكتشفت عالما ساحرا وانسابت افكاري وخواطري في علاقة راقصة مع الواقع ، فجاءت نصوصي كما وصفتها( أو ربما هي ليست لهذا الحد من الجمال والكمال؟ الكل يتوقف على زاوية النظر...)
سيدي،
إذا كان لي مولود جديد فسيكون جنسه"قصة" وعرابه "حضرتك" وعائلته الصغيرة أسرة "واتا".
لك مني كل الشكر والعرفان والمودة.

سعدية اسلايلي
25/10/2007, 04:35 PM
أختي وبنت مدينتي/ المحنة: بديعة بن مراح،
ماذا اقول بدوري، غير الاعتراف أن نصوصك كانت محرضا لي على خوض تجربة القصة.
أظن هذا كافيا ليكون اعتزازك بي اعتزازا بنفسك.
محبتي الصافية الدافئة لك.

كرم زهران فرج
26/10/2007, 01:43 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعانة الله على على ما قدمتية لنا
وشكرا لكل من شارك بالموضوع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طه خضر
26/10/2007, 05:46 PM
هل هو هروب من واقع فرض نفسه قصرا؟ وبات المثقف على إثره عرضة لرياح ٍ هوج تتقاذفه كيفما تشاء وفي كل الاتجاهات إلى أن تهوي به في مكان سحيق؟.. على كل حال لا لوم على من أعياه فهم الواقع المعقد الذي نعيش فيه فيما لو مارس هروبا مؤقتا بطرق ٍ قد تبدو للبعض مجنونة أو شاذة، لكنها بالنسبة للبعض الآخر هي العقل بعينه! وكل ذلك في سبيل غاية واحدة ألا وهي عدم جنوح العقل أو انفجاره فيما لو تكالبت عليه المتناقضات واعيته الطرق والمحاولات لاستيعاب واقع ٍ كل ما فيه يوحي بشذوذ ٍ لا منطقية فيه ولا مبرر له..!!

احترامي وتقديري ..

سعدية اسلايلي
29/10/2007, 07:54 PM
أخي المحترم طه خضر،
كنت دائما أقول:"لو لم أكن كاتبة لكنت مجنونة" وهذا يثبت فرضية أن الواقع أقسى من أن نتعامل معه بمنطقية ثابتة، والجنون الحقيقي أو الافتراضي / المتخيل في النص هو صرخة في وجه لا معقول قاس وضاغط حتى الألم. ...
إن الجنوح عن المألوف في التعبير نوع من الصراخ في وجه الواقع وعبثيته.
شكرا على تفاعلك.
دمت قارئا ومبدعا.

حسين راشد
18/01/2008, 03:06 PM
اكتشفت أن البيت ليس فيه مرآة وأنه لا يوجد في الغرفة قرب سريري غير كتاب ل"فرانز كافكا" وبعض المهدئات.
هذا هو يا عزيزتي .. دور الأدب في حياة الانسان
يجعل المتلقي يهيم في.. الخيال .. و يؤهله لملامسة الواقع .. ويعطيه خلاصة التجربة الإنسانية ..في البحث عن الذات في ذوات أخرى
دمت مبدعة

سعدية اسلايلي
18/01/2008, 10:12 PM
أخي المبدع حسن راشد،
إذا كانت القصة أوحت لك بكل هذا العمق فذلك وسام جميل على صدرها،
شكرا على قراءتك العميقة

غفران طحّان
19/01/2008, 01:45 AM
من العبث ألا نتوقف وطويلاً عند هذا النص
نص يحمل لهاث امرأة
فكرة جديدة
وأسلوب موفق في الطرح
لغة مدهشة وتقنيّة عالية المستوى
أضم صوتي لصوت الأستاذ عبد الحميد
تتوق أرواحنا لتلقف مجموعة قصصيّة تسجل بحب لك
دمت بروعة غاليتي