NejmehHabib
06/11/2006, 11:45 PM
مسألة انتماء
يتجه الى قلم الاقتراع في حيه في إحدى ضواحي سدني وبريق فرح طفولي يشع في عينيه. خطواته رشيقة مرحة حتى لا تكاد تطأ الارض . . . يشد على يد زوجته مستحثا همتها وهي بدورها تجهد للحاق بخطواته المتسارعة التي تستعجل الوصول الى مبتغاها
اليوم, ولأول مرة على مدى عمره الذي قارب نهاية العقد الرابع , يمارس هذا الحق . اليوم هو واحد كبقية خلق الله لا يقل عنهم بشي. . . فيما مضى كان يحس بالاختلاف, بل الدونية, عندما كان يتجه رفاقه في العمل وجيرانه في الحي الى صناديق الاقتراع ليدلوا باصواتهم وينتخبوا ممثليهم في البرلمان . كان "يحس طعم زيت القطن في حلقه" عشية كل عيد استقلال وهو يرى المدينة تلبس حلتها القشيبة وهو مستشنى من حق المشاركة في هذه المشاعر. لماذا لا يحق له المشاركة في هذا التقليد وهو لا يعرف في حياته وطنا الا هذه المدينة ؟ ! . . . لماذا صنفوه غير شكل؟ ! . . . هو في اعماقه لا يرى اختلافا بينه وبين زملائه, لا لونا ولا جنسا ولا لغة , حتى لكنته تلونت بلون هذه المدينة التي ابصر النور فيها . . . إلا انهم مرة كل اربع سنوات , وعشية كل عيد استقلال ينحوه جانبا
لقد تقاسم وابناء الحي نفس المدرسة وخضع مثلهم لكل انواع غسل الدماغ الذي يمارسه اعلام البلد ومثقفيه على ابنائه . قرأ وعادل وسميرة واحمد وسوزان واندريه نفس كتب التاريخ والادب والجفرافيا , وتتلمذ واياهم على نفس الجريدة والمجله , ولكنهم في يوم الانتخاب ينحونه جانبا . . . كان بوده ان يعرف كيف يشعر اصدقاؤه وزملاؤه وهم يتجهون الى صناديق الاقتراع , وكثيرا ما طرح هذا السؤال عليهم فلم تشف غليله اجابة واضحة . بمرور الزمن تعلم ان لا اهمية تذكر لهذا الموضوع في نظرهم فهو حق مكتسب لا يعرف قيمته إلا من حرمه
صحا من افكاره على صوت الموظفة المسؤولة تساله بلطف عن اسمه وعنوانه. هجأ اسمه ـ الغريب على مسمعهاـ ليسهل عليها عملها. اهتدت الى الاسم , ناولته قسيمه الاقتراع مرفقة بابتسامة هادئة.
يا الله ! ! . . . حتى انها لم تستنطق هويته . لم تطلب اوراقا ثبوتية . ما هذه الانسانية ! ! . . . ما هذه النعمة ! !. . . وينك يمه شوفيني! ! . . .
اخذ ورقة الاقتراع , انتحى إحدى الزوايا المخصصه لملء القسيمه . كان قد هيأ نفسه لهذه اللحظه المباركة . قرأ بإمعان الطريقة الصحيحة للاقتراع. لا . . . لن يقع بالخطأ, لن يسمح لصوته ان يهدر. سيكون له دور في صنع القرار لاول مره في حياته . يعرف كل التفاصيل حتى غير اللازم منها . لم يكتف بالارشادات التي املتها الصحف والاذاعات توضيحا للموضوع بل طلب كتيبا من الدوائر المختصة وقرأه بتمهل وتلذذ وشغف كمثل ما كان يفعل مع القصص البوليسية ايام المراهقة الاولى
وتراءى له صديقه عادل
ـ يا اخي لماذا انت حزين؟ ! . . . انت تنتخب بواسطتنا , انت تفند المرشحين وتظهر سلبيات وايجابيات كل واحد منهم. انا والله كنت محتاراً بين بريّ والحسيني ورأيك نوّرني. صدقني يا أخي نحن ننتخب عنك . . .
ـ كلام من باب المؤاساه ليس إلآ. . .
ووقف امام القسيمة. منذ إعلان يوم الانتخاب كان قد قر رأيه. سينتخب العمال, فهو بطبعه يميل الى اليسار, يهوى العدالة الاجتماعية وتعجبه التعددية الثقافية التي ينادون بها. . . الفريق الاخر يطرح البرنامج الاجتماعي ذاته ويعد بالابقاء على الضمان الصحي medicare . إذا ما الفرق بين العمال والاحرار في هذا البلد ؟ ! . . .
نكاية بكل الاحزاب الاشتراكية التي حكمت بلاده لن ينتخب العمال. اولئك الذين ادعوا الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ماذا فعلوا بنا ؟ . . . ماذا فعلوا بليبيا . . . بالعراق . . . باليمن. . . بمصر. . .بسوريا بلبنان, بماذا كانوا افضل من غيرهم, بماذا اختلفوا عن الملك في السعودية او الاردن او المغرب, او حتى عن الشاه في ايام عزه ؟ ! . . . نكاية بكل هؤلاء المنافقين لن انتخب العمال . . .اذا انتخب الاحرار . . . يعني المحافظين . . . يعني الذين يستلهمون السياسة الانكليزية ومن ورائها الامريكية . . . يعني السياسة المسؤولة عن كل المآسي التي المت بي وبشعبي , المسؤولة عن رحيلي الى اقاصي المعمورة . . . السياسة التي افرخت وعد بلفور ومن بعدة 15 أيار وكل هذا التشتت والاضطهاد والابعاد والتهجير القسري والهجرة شبه الاإرادية
سانتخب من المستقلين . . . ووقف طويلا امام لوائحهم جميعا , قرأ اسماءهم واحدا واحدا , لم يعن له احدهم شيئا . قرأ عبارات مرفقة مع كل رسم تروج للمرشح وتدعو له فما اثارت تعليقاتهم حماسا في دمه ولا استطاعت ان تحرك اصابعه لتملآ قسيمة الاقتراع
طال وقوفه . . . انتهرته زوجته. . . وبانكسار مزق القسيمة وعاد صامتا مثقل الخطى
يتجه الى قلم الاقتراع في حيه في إحدى ضواحي سدني وبريق فرح طفولي يشع في عينيه. خطواته رشيقة مرحة حتى لا تكاد تطأ الارض . . . يشد على يد زوجته مستحثا همتها وهي بدورها تجهد للحاق بخطواته المتسارعة التي تستعجل الوصول الى مبتغاها
اليوم, ولأول مرة على مدى عمره الذي قارب نهاية العقد الرابع , يمارس هذا الحق . اليوم هو واحد كبقية خلق الله لا يقل عنهم بشي. . . فيما مضى كان يحس بالاختلاف, بل الدونية, عندما كان يتجه رفاقه في العمل وجيرانه في الحي الى صناديق الاقتراع ليدلوا باصواتهم وينتخبوا ممثليهم في البرلمان . كان "يحس طعم زيت القطن في حلقه" عشية كل عيد استقلال وهو يرى المدينة تلبس حلتها القشيبة وهو مستشنى من حق المشاركة في هذه المشاعر. لماذا لا يحق له المشاركة في هذا التقليد وهو لا يعرف في حياته وطنا الا هذه المدينة ؟ ! . . . لماذا صنفوه غير شكل؟ ! . . . هو في اعماقه لا يرى اختلافا بينه وبين زملائه, لا لونا ولا جنسا ولا لغة , حتى لكنته تلونت بلون هذه المدينة التي ابصر النور فيها . . . إلا انهم مرة كل اربع سنوات , وعشية كل عيد استقلال ينحوه جانبا
لقد تقاسم وابناء الحي نفس المدرسة وخضع مثلهم لكل انواع غسل الدماغ الذي يمارسه اعلام البلد ومثقفيه على ابنائه . قرأ وعادل وسميرة واحمد وسوزان واندريه نفس كتب التاريخ والادب والجفرافيا , وتتلمذ واياهم على نفس الجريدة والمجله , ولكنهم في يوم الانتخاب ينحونه جانبا . . . كان بوده ان يعرف كيف يشعر اصدقاؤه وزملاؤه وهم يتجهون الى صناديق الاقتراع , وكثيرا ما طرح هذا السؤال عليهم فلم تشف غليله اجابة واضحة . بمرور الزمن تعلم ان لا اهمية تذكر لهذا الموضوع في نظرهم فهو حق مكتسب لا يعرف قيمته إلا من حرمه
صحا من افكاره على صوت الموظفة المسؤولة تساله بلطف عن اسمه وعنوانه. هجأ اسمه ـ الغريب على مسمعهاـ ليسهل عليها عملها. اهتدت الى الاسم , ناولته قسيمه الاقتراع مرفقة بابتسامة هادئة.
يا الله ! ! . . . حتى انها لم تستنطق هويته . لم تطلب اوراقا ثبوتية . ما هذه الانسانية ! ! . . . ما هذه النعمة ! !. . . وينك يمه شوفيني! ! . . .
اخذ ورقة الاقتراع , انتحى إحدى الزوايا المخصصه لملء القسيمه . كان قد هيأ نفسه لهذه اللحظه المباركة . قرأ بإمعان الطريقة الصحيحة للاقتراع. لا . . . لن يقع بالخطأ, لن يسمح لصوته ان يهدر. سيكون له دور في صنع القرار لاول مره في حياته . يعرف كل التفاصيل حتى غير اللازم منها . لم يكتف بالارشادات التي املتها الصحف والاذاعات توضيحا للموضوع بل طلب كتيبا من الدوائر المختصة وقرأه بتمهل وتلذذ وشغف كمثل ما كان يفعل مع القصص البوليسية ايام المراهقة الاولى
وتراءى له صديقه عادل
ـ يا اخي لماذا انت حزين؟ ! . . . انت تنتخب بواسطتنا , انت تفند المرشحين وتظهر سلبيات وايجابيات كل واحد منهم. انا والله كنت محتاراً بين بريّ والحسيني ورأيك نوّرني. صدقني يا أخي نحن ننتخب عنك . . .
ـ كلام من باب المؤاساه ليس إلآ. . .
ووقف امام القسيمة. منذ إعلان يوم الانتخاب كان قد قر رأيه. سينتخب العمال, فهو بطبعه يميل الى اليسار, يهوى العدالة الاجتماعية وتعجبه التعددية الثقافية التي ينادون بها. . . الفريق الاخر يطرح البرنامج الاجتماعي ذاته ويعد بالابقاء على الضمان الصحي medicare . إذا ما الفرق بين العمال والاحرار في هذا البلد ؟ ! . . .
نكاية بكل الاحزاب الاشتراكية التي حكمت بلاده لن ينتخب العمال. اولئك الذين ادعوا الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ماذا فعلوا بنا ؟ . . . ماذا فعلوا بليبيا . . . بالعراق . . . باليمن. . . بمصر. . .بسوريا بلبنان, بماذا كانوا افضل من غيرهم, بماذا اختلفوا عن الملك في السعودية او الاردن او المغرب, او حتى عن الشاه في ايام عزه ؟ ! . . . نكاية بكل هؤلاء المنافقين لن انتخب العمال . . .اذا انتخب الاحرار . . . يعني المحافظين . . . يعني الذين يستلهمون السياسة الانكليزية ومن ورائها الامريكية . . . يعني السياسة المسؤولة عن كل المآسي التي المت بي وبشعبي , المسؤولة عن رحيلي الى اقاصي المعمورة . . . السياسة التي افرخت وعد بلفور ومن بعدة 15 أيار وكل هذا التشتت والاضطهاد والابعاد والتهجير القسري والهجرة شبه الاإرادية
سانتخب من المستقلين . . . ووقف طويلا امام لوائحهم جميعا , قرأ اسماءهم واحدا واحدا , لم يعن له احدهم شيئا . قرأ عبارات مرفقة مع كل رسم تروج للمرشح وتدعو له فما اثارت تعليقاتهم حماسا في دمه ولا استطاعت ان تحرك اصابعه لتملآ قسيمة الاقتراع
طال وقوفه . . . انتهرته زوجته. . . وبانكسار مزق القسيمة وعاد صامتا مثقل الخطى