المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حق الشعوب في ممارسة ملكة التفكير



د. تيسير الناشف
07/11/2006, 08:11 AM
حق الشعوب في ممارسة ملكة التفكير
د. تيسير الناشف

من صفات التفكير أنه وسيلة يتوسل بها الإنسان ابتغاء أداء وظائف، منها معرفة محيطيه الاجتماعي والطبيعي. وبالنظر إلى أن معرفة المحيطين الاجتماعي والطبيعي من شأنها أن تساعد الإنسان مساعدة كبيرة على تأمين بقائه فإن للتفكير أهمية جوهرية بالنسبة إلى بقاء الإنسان. وممارسة الإنسان للتفكير حق أصيل طبيعي من حقوق الإنسان. وبالنظر إلى أنه حق طبيعي فإنه لا يمكن إلغاؤه أو التصرف فيه. وبالنظر إلى أن الإنسان كائن فمن الطبيعي أن يحاول الحفاظ على ذلك الكيان أو الوجود أو البقاء. وبممارسة ملكة التفكير يحاول الإنسان أن يحافظ على كيانه وبقائه. ومن هنا حق الإنسان الطبيعي في ممارسة التفكير وأصالة هذا الحق. ونظرا إلى الأهمية التي يحظى التفكير بها فإن من المأساوي بالنسبة إلى الإنسان أن تقتل لديه القدرة على التفكير وا\أن يسلب منه حقه في ممارسته.

ويقوم أفراد وجماعات وحكومات ودول بتدمير قدرة المرء أو المرأة على التفكير أو بمحاولة تدمير هذه القدرة. ويجري هذا التدمير أو هذه المحاولة لدوافع شتى سياسية واقتصادية وعقائدية. ولدى الجماعة أو الحكومة الأقوى قدرة على قمع فكر الجماعات الأضعف. وللسلطة الأجنبية الغربية تركة قوية في مجالات مختلفة في البلدان النامية. ومن أقوى وأخطر جوانب هذه التركة إسهامها في محاولة قمع ملكة التفكير لدى شعوب بلدان الجنوب. من سمات تاريخ الشعوب النامية قيام السلطة الأجنبية بهذا الدور

الخطير. وما انفكت مجتمعات العالم كله، وعلى وجه الخصوص مجتمعات البلدان النامية، تشهد محاولات الذين يتولون السلطة الحكومية لقتل ملكة التفكير لدى الأفراد الذين لهم مركز الرعايا ولا يحظون بمركز المواطنين والذين لا قوة لديهم على التصدي لطغيان القلة الذين يتربعون على كرسي السلطة الحكومية.

وبالنظر إلى أصالة وطبيعية حق الإنسان في ممارسة ملكة التفكير فلا يجوز لأي فرد أو جماعة أو حكومة أو دولة أو إمبراطورية أن تقمع أو أن تحاول أن تقمع ملكة التفكير لدى أي إنسان أو إنسانة. وبالنظر إلى أن هذا الحق أصيل طبيعي فله الأولوية والأولية على القوانين والأنظمة الوضعية. وتختلف المجتمعات بعضها عن بعض في مدى ميل مجموعات وأفراد فيها إلى محاولة قمع ملكة التفكير لدى مجموعات أخرى وأفراد آخرين. ويعزى هذا الإختلاف إلى مختلف العوامل. ومن أهم تلك العوامل التنشئة على احترام حقوق الآخرين وعلى مراعاة الحدود الطبيعية والوضعية القائمة أو المفروض أن تكون قائمة بين البشر. ومن تلك العوامل أيضا مدى الوعي لدى الإنسان بمعنى المواطنة الصالحة وبأهمية المحافظة على العلاقات الطيبة لصون المجتمع والمحافظة على صالح أفراده.

وتختلف الدول بعضها عن بعض في مدى ميلها إلى محاولة قمع التفكير لدى السكان. ويتوقف هذا الاختلاف على عوامل منها ما إذا كان شكل الحكم السائد ديمقراطيا أم طاغيا، وما إذا كان يقوم على حكم الأغلبية أم الأقلية، وعلى مدى قوة الأفراد والجماعات في الميدانين الاقتصادي والتنظيمي في الدولة، ومدى الاستقلال الاقتصادي لدى الأفراد والجماعات عن سلطات الدولة، وعلى مدى تقدير المتولين للسلطة الحكومية لأهمية الحرية الفكرية
ولمدى وعيهم بقداسة حقوق الإنسان وطبيعيتها وحرمتها. ودون توفر ملكة التفكير لا ترد مسألة إمكانية التعبير عن الفكر. من المُسَلَّمات - كما أسلفنا - أن للمجتمع البشري مصلحة المحافظة على بقائه والنهوض بهذا البقاء. وتواجه المجتمعات البشرية - وخصوصا المجتمعات البشرية في بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي أنهكتها السيطرة الأجنبية القاسية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وحضاريا- تحديات معقدة.

وتعقُّد التحدي يعني دخول عوامل متفاعلة في إيجاد ذلك التحدي. وتعقٌّد التحديات التي تواجه المجتمع البشري يتطلب توفر الفرصة لدى جميع أفراد المجتمع لأن يمارسوا تفكيرهم للإتيان بتصورات ومقترحات للتصدي للتحدي. وتوفر هذه الفرصة أفضل من أن تكون تلك الممارسة مقصورة على عدد محدود من الأفراد أو الجماعات أو على أصحاب السلطة أو على شريحة اجتماعية معينة.

فللناس، أفرادا وجماعات، دوافع واعتبارات وتصورات محدودة لدى تناولهم لقضية من القضايا. وإتاحة الفرصة للجميع لأن يمارسوا ملكة التفكير في القضية المطروحة أو التحدي الماثل من شأنها أن تجعل من الممكن الإحاطة بجوانب أكثر من جوانب القضية، مما يجعل احتمال التوصل إلى الطريق الأصح للتصدي للقضية أكبر أو يجعل احتمال الإبتعاد عن ذلك الطريق أقل.