تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مجـــرد تأخيـــر



تيسير نظمي
15/09/2007, 08:01 PM
قصة تيسير نظمي

الحراس ، بعيون متيقظة رصدوا تحركاتي ، ردود فعلي ، ملامح قامتي ، خطواتي الثابتة ، طريق الليمبو Limbo الذي أتيت منه ، الذي سأعود فيه ، غير عابئ لهذا الخطأ البسيط . الحراس الذين انفقست توقعاتهم ظلوا مشدوهين حائرين. كأنما مجرد وصولي هكذا متأخراً و قلة مبالاتي عن هذا التأخير أتلف معني وجودهم و أبطله علي نحو مهين. فقد توقعوا احتجاجي أو إلحاحي أو ربما اعتذاري أو توسلاتي. لكن شيئاً من هذا لم يحدث. توقعوا أن أستعيذ أو أن أقيم الصلاة. توقعوا أن أتذاكي قليلاُ أو أن أمثل دوراً ما. هناك علي الأبواب التي يحرسونها، الأبواب المغلقة ليس لأنني وصلت أنا تحديداً و لا لأنني وصلت متأخراً، بل لأنهم يعلمون تماماً ما يحرسون و من يحرسون و ممن يحرسونها أبواب الجنة!
الحراس ، ذهلوا ، عندما أقفلت راجعاً دون أن أترك بالباب عريضة أو حتي استدعاء ، بل دون أن أترك تظلماً ما أو مجرد استفسار. و كيف لي أن أفعل مثل ذلك و أنا أعلم أنني وصلت متأخراً ؟ هناك. بل وأعلم أن الناس، كثيرا من الناس، تسابقوا و غذوا الخطي نحوها صائمين أو ملتحين، مقصرين، وصلت عرباتهم و لورياتهم محملة بالحسنات. هناك . إلي هناك ، حيث دخلوا لنيل الثواب و البركة و اقتسام الخير المكتوب تحيطهم الحوريات و تناغيهم ظلال القصور و الحدائق و الأنهار ، حيث لا ممات و إنما الخلود في جنائن الخلود. هناك ، هم الآن جميعاً في حور عين و الأحباب يحيطون بهم و الثمرات و فائض رأس المال و ما نجم عن الزكاة و فعل الخير و إطعام الطير و عدم التنكر للغير. أجل. دخلوها سالمين مكرمين غانمين حيث لا متسع لي الآن بينهم. أجل . فقد وصلت متأخراً بعض الشيء بعد أن اكتظت الطرق بمن ازدحموا علي أبوابها و تكاتفوا و تآزروا و تدافعوا في يوم النفير. لا لم أكن ساعتذاك في سابع نومة و لا كان منامي مزعجاً بالشخير. بل كنت أروض نفسي علي عدم التسرع في المشي أو في الأكل أو في حتي في فعل الخير. وكان في طريقي ما يسوغ لي أن أتأخر. و كان طريقي بحد ذاته قد أصبح طريقي الذي تصادف أنه فعلاً يفضي للجنة. كنت قد صادفت ما صادفت و فعلت ما اقتنعت أنني فعلت. و سعدت أيما سعادة أنني فيه لست مزاحماً علي ما ليس لي ما ليس بي و ما ليس لأحد. فقد صادفت عجوزاً يائساً لم يستدل علي قبره فأعنته علي احتمال البلاء و قدته إلي حيث استراح وكنت أيضاً قد تأخرت قليلاً في مواراة الجثث علي الطرقات بالتراب وكنت قد تأخرت فعلاً في حراسة النملة و حراسة الفراشات فوق ذات قبر و حراسة السماء السماوية اللون و البحر الغادر و الشعب الثائر. كان لدي ما أفعله في الطريق، نعم الطريق، فهو لم يفض إلي مجزرة و لا إلي لا شيء، و لا إلي ليل و لا إلي تيه أو صحراء. لكنه حقاً طريق وستدهش أنك فيه انقدت الباب بعد أن تمهل الحريق. و ما كان الباب لا شيء و لا كان سراباً. فالحراس هم أيضاً إن هم إلا بشر مثلنا و بالباب ما عادوا غراباً. باب الجنة الوردي. الباب الكبير الكبير اللامع بالضوء و المضاء بالأضواء الخافتة هاهو اليوم قد امتلأ بالأسماء. وكل من فازوا في نهاية المطاف. لكنني و قد وصلت ما وصلت أدركت أنني وصلت و عن أول الطريق ربما ضعت و ربما انحرفت. لكنني بعد أن فازوا بما فازوا أسلمت نفسي للسكينه و الصبر و تريثت كي لا أضل طريق عودتي أو أنسي أنني فزت حقاً بالطريق. اليوم فعلاً أصبح لي طريق فعلام العجلة و التكالب و الرفيق. في طريق عودتي إلي ما لا أعلم ، أدركت أنني مهما مشيت و مهما طالت الطريق قد فزت بالحياة أولاً لأنــــــــــني برغم كبر السن لســــت بغريق. و لا أنا مقتول ولا أنا قاتـــل. و لا هبّ بأمثالي الحريق. هكذا أقفلت راجعاً أحمد الله ألف مرة و مرة أن جهنم بلا أبواب.
www.nazmi.org

عبد الحميد الغرباوي
19/09/2007, 01:59 PM
مثل هذه النصوص أقرأها قراءة أولى و ثانية و ثالثة، و أقتنع في النهاية ، مع نفسي، أنها نصوص التوغل في ثناياها محفوف بالكثير من المخاطر و أولها الدخول في دوامة من التيه..
إنها نصوص تمنحك المتعة القرائية و كفى، أما الإلحاح في معرفة ما تريد قوله أو إيصاله فذاك موضوع آخر...
توظيف الجنة و النار في نص قصير كهذا فيه نوع من المجازفة، و البعض قد لا يستسيغ توظيف الملفوظين ( الجنة و جهنم) بهذا الاقتضاب الشديد، و المكثف جدا، و الذي لا يتيح للقارئ مساحة كبيرة للتفكر و التأمل و محاولة إدراك ما يريد قوله الراوي (الكاتب)، في مثل: للجنة باب و جهنم بلا أبواب و الراوي يحمد الله لأن هذه الأخيرة (جهنم) بلا أبواب، فهل هذا يعني أن لجهنم عند الكاتب أفضلية على الجنة؟...