المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخاتم المفقود / قصة من الادب الصيني الحديث ل : زي ريكاينغ ترجمها ابراهيم درغوثي



ابراهيم درغوثي
16/09/2007, 04:21 PM
قصة من الأدب الصيني الحديث :
الخاتم المفقود
زي ريكاينـغ / الصين

ترجمها عن الفرنسية / ابراهيم درغوثي / تونس

هو رجل أعزب. جاء لمحطّة المياه المعدنية فاكترى بيتا في نزل المحطّة لقضاء شهرين في هذه القرية الجميلة المسجيّة بالجبال يستمتع خلالهما بالمياه الحارّة التي جعلت الزّوار يقصدونها من كلّ جهات البلاد.
بعد أن استحمّ في مياه العين الحامية، التفّ في مئزر صوف واستلقى على كرسي ليقرأ جريدته : " أسبوعية النّبع الحارّ " التي وصلته منذ قليل.
هي جريدة ذات أربع صفحات تصدرها القرية كلّ أسبوع. رأى في مكان بارز من صفحتها الأولى الإعلان الذي بعث به منذ أيّام لهيئة تحريرها:
« في اليوم التّاسع من شهر سبتمبر وجدتُ خاتما مرصّعا بالأحجار الكريمة قريبا من ضفّة النّبع، في الجهة الشّرقية من القرية».
قرأ بدقّة الإعلان المنشور مرّتين وحرّك رأسه متهكّما . وأحسّ بأجفانه تثقل فأغفى فوق الكرسي . لكنّ دقّات جرس الهاتف أزعجت نومه ، فأفاق.
أغلب من اتّصل به نساء. نساء تختلط في أصواتهنّ المفاجأة بنفاذ الصّبر. حدّثنه عن خواتمهنّ المفقودة بأسف ولوعة، حتّى أنّ واحدة منهنّ انخرطت في بكاء محموم وهي تحكي قصّة خاتمها الضّائع. وأخريات عبّرن له عن شكرهنّ الحميم ما أن قرأن الخبر.
لكن كلّ هذه المشاعر الجيّاشة والدّموع لم تجد لها مكانا لدى الرّجل، فكان يسأل المتّصلات به عن لون وشكل الخاتم ، فيبدأن في وصف دقائقه وجلات متردّدات.
ويستمع الرّجل إليهن ، لكنّه كان يعلن في الأخير لكلّ واحدة منهنّ :
- أنا آسف ! فالخاتم الموجود لديّ ليس خاتمك يا سيّدتي !
الآن. وقد هرب النّوم من عينيْه ، أحسّ كأنّه أصبح واحدا من الرّجال المهمّين. رجل أعمال مثلا تكثير في حضرته النّقاشات حول البيع والشّراء. لكنّ جرس الهاتف أعاده إلى الواقع. عاد الجرس إلى الرنين فلم يرفع السّماعة. وتمادى الجرس في الدّق يعنف كأنّما يعلن عن مصيبة ، فرفع السّماعة ووضعها على الطاولة ، حينها فقط عاد للبيت هدوءه وسكينته. فحرّك الرّجل رأسه وارتسمت على وجهه ابتسامة طافحة بالهزء والسخرية. وغاص في تأمّلاته : إنّ إعلانه عن الخاتم المفقود جلب انتباه كلّ الزّوار الذين قضّوا أوقاتا في هذه المحطّة. وربّما سيظلّ كثير منهم ساهرا هذه الليلة.
عندما وصل إلى هذه النّقطة بدأ يضحك. سخر من نفسه وهمس في داخله : «يجب أن أوقف اللعبة عند هذا الحدّ.»
وقرّر مغادرة القرية بعد يومين ، هو الذّي بلبل راحة المصطافين في هذه المحطّة الاستشفائية بعد أن ألقى في الغدير حصاته الذّهبيّة.
بعد الغداء خرج يتجوّل في الغابة. اتّبع الدّروب المسيّجة بالصّنوبر ، المضمّخصة بالنّدى المُسكر والسّكينة. بعيدا... بعيدا عن صخب المدينة وضجيجها. إنّه حقّا مكان رائع للاستمتاع والمؤانسة. قضّى كامل العشيّة في التّأمّل. وعندما بدأت الأنوار تسطع داخل البيوت القريبة قرّر العودة إلى القرية. حين وصل إلى محطّة الاستجمام كانت القرية قد تزيّنت بآلاف الأنوار اللّماعة.
استقبله جرس الهاتف وهو يخطو خطواته الأولى داخل الغرفة فابتسم وقرّر عدم الردّ على النّداء. لكنّ فضولا غريبا دفعه إلى رفع السمّاعة. إنّه نداء غريب. جاء من الجهة الأخرى من الخط صوت نسائي خجول ومتردّد. فكأنّ صاحبته تودّ قطع المحادثة بعد كلّ لحظة. فشجّعها :
- تكلّمي بصراحة ! فكلّ إمرئ مًعرّض لإضاعة شيء من أشيائه. أنا متفهم جدّا يا سيّدتي !
إنّ هذه المرأة تملك صوتا حنونا. صوت يذكّر بخرير المياه الصّافية.
قالت :
- لقد فقدت كلّ الأمـل في الحصول على خاتمي. إنّه، ماذا أقول ... إنّه كما لو كنت تملك شيئا ظلّ في حوزتك مدّة طويلة حتى أنّك لم تعد تهتمّ باختباره. ظلّ لديك حتّى أنّك كدت تنساه. كدت تنسى أنّه بحوزتك. ثمّ فقدته فجأة . فتحسّرت على فقده حسرة شديدة. لكنّني لن أستطيع تحديد منظره. قد يضحكك كلامي غير أنّني أقول الحقّ. فهو خاتمي الذي وضعته في إصبعي طيلة ستّ سنوات قبل أن أفتقده منذ سنة في هذه القرية. أين وقع بالضّبط؟ لا أعرف ! إنّه خاتم عادي. عليه ياقوتة لمّاعة. ياقوتة شديدة اللمعان.
لا يدري لماذا امتلكته رغبة عنيفة في التّعرف على هذه المرأة .
فقال لها :
- يمكننا أن نتقابل في قاعة الشاي. سأحمل في يدي جريدة. « أسبوعية النّبع الحار» الجريدة الصّادرة هذا اليوم.
ووصل قبلها إلى قاعة الشّاي. بعد قليل وصلت إمرأة. عرف من النّظرة الأولى أنّها المرأة التي يترقّب. أشار إليها رافعا جريدته المطوية. إنّها هي كما توقّع. فطلب لهما فنجانيْ قهوة.
هي امرأة في منتصف الثلاثينات. ترتدي ثيابا أنيقة دون تغنّج. فانبهر بها. انبهر بنضجها وبهدوئها وبوجهها الضّاج بالحنان حتّى أنّه ظنّ أنّه رآها ذات مرّة. رآها في مكان ما.
ظلاّ صامتين مدّة طويلة وهما يترشّفان القهوة بين الحين والآخر، إلى أن أخرج من جيبه خاتما مرصّعا بالزّبرجد.
قال لها:
- خديه !
فحرّكت رأسها وهي تبادله الابتسام، فاستعجلها:
- جرّبيه ! جرّبيه فقط !
انزلق بنْصرها بسهولة داخل الحلقة. وحرّكت إصبعها فانطوى بسهولة فكأنّ الخاتم قُدّ على قياسه. إلاّ أنّها حاولت قلعه فمنعها بحركة من يده وهو يردّد :
- احتفظي به !
فاحتجّت :
- هو ليس خاتمي !
منذ سنة، جاءت إلى هذه القرية بعد الإعلان عن طلاقها. جاءت تبحث عن الخلاص من همومها وأوجاعها تحت اللمسات الحنونة لمياه النّبع الدّافئة. ففقدت من حيث لا تدري خاتمها.
وأعجبها المكان فقرّرت أن تستقرّ مؤقتا في هذه المحطّة وهي لا تعرف ماذا تترقّب بالضّبط.
استمع إليها بانتباه محرّكا رأسه بين الفينة والأخرى.
أخيرا قال :
- هذا الخاتم يخصّ مهر أمي. كانت ترغب في أن أضعه في إصبع امرأة مشتهاة. وهو الآن لك. يمكنك أن تحتفظي به.
في هذا اليوم، انهمكا في حديث بلا نهاية إلى أن أقفرت قاعة الشاي إلاّ منهما. وأعلمتهما النّادلة أنّ ساعة الإغلاق قد حانت فغادرا المكان وهما يعتذران لها. لقد أسرّ كلّ منهما للآخر بمكنونات قلبه المدفونة هناك منذ سنوات عدّة.
بعد يومين ، استقلّ الرّجل والمرأة الحافلة معا وغادرا محطّة الاستجمام.

ترجمة : ابراهيم درغوثي
( تونـس )


dargouthibahi@yahoo.fr
www.arab-ewriters.com/darghothi

عبدالقادربوميدونة
16/09/2007, 05:12 PM
السيد المترجم المقتدر ابراهيم درغوثي شكرا
بارك الله فيكم على حسن الترجمة ونقل تجارب الآخرين في الحياة إلينا.. تجارب من لا يكادون يفقهون قولا..
كنت أفضل لو بدأ القصة صاحبها من: " هي إمرأة في الثلاثينات ....لجاءت رائعة ولتجنب الوقوع في الطول المتعب لكل البشر اليوم.. مأحلى القصة الومضة الأس أم أس الفاكس والفاست فود والطائرة والبرق كل شيء يميل إلى السرعة والاختصار شكرا على الاختيار.

ابراهيم درغوثي
16/09/2007, 05:57 PM
الفاضل عبدالقادر بوميدونة
سعدت بمرورك على ها النص
شكرا وتقديرا