مشاهدة النسخة كاملة : اشرفيات ..
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 12:47 PM
ذكرني مشهدُ البجع ِ بتلك اللحظات الساحرة ،
يوم َ أصرّتْ على التقاط ِ
صورة ٍ لي وأنا ُأطعمُ البجع َ وفيما كنتُ ُأحاولُ أنْ َأتمركز َ بوضعيّة ٍ ُتتيحُ
التقاط َ أفضل مشهد ٍ تزحلقتُ وسقطتُ في البحيرة ِ ..
فرصدت ِ الصورة ُ سقوطي داخل الماء
والبجعُ تهربُ من حولي !
كمْ ُتضحكني هذه الصورة ،
َأتذكّرُ جيّدا ً كمْ ضحكتْ يومها .
تلك الضحكة ُ لا بدّ أنْ تفرضَ نفسها في حكاية سردي ،
على عكس روايتي !
لم تكتب يوما ً على الأسطر فإذ ْ بها ُتنشر ُ !
لمْ تقبلْ أنْ أسرد َ حكايتي على صفحاتها
فإذ ْ بهم القراء يكشفون َ كلّ ما لم ْ يكتب ْ من ْ صفحاتي .
وأنا الذي قد ظننتُ أنّ الروايات تحضن ُ الحياة الضائعة
لتوثق ولادتها مجددا ً على صفحات الأدب !
أقبلتُ نحوها لتحضن َ منّي ما قد أثقل َ على أعماقي
فأبتْ أنْ تمنحني حق العناق ِ ،
واجهتني بخوفها ممّا قد يخطه ُ قلمي ..!
رواية ٌ تريد ُ إقناعي أنّ بياض َ صفحاتها
أسلوب ٌ من التمكن تأتمن ُ من خلاله على صفحاتها ،
وتأمنُ على قلمي كي لا يضيع َ بما يخط ّ ُ
فتضيع حياتي جرّاء ما خطّه ُ قلمي !
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 12:50 PM
أذهلتني على الأسطر البيضاء ثقة ُ الرواية بكلماتها !
هل ُيعقلُ أنّ بعض الروايات تعرف ُ عنّا ،
أكثر ممّا نعرفه ُ عن أنفسنا
قبل َ أن ْ نكتب َ كلمة ً واحدة ً من كلماتنا !!-
فكيف َ إذا ً لم ْ تفطن ْ أنّها بموقفها هذا .. ُتحملني هاجس خوفها
وعبىء مسؤوليتي على منحها ما ُيخفّف من روعتها ،
كيف َ أصبحت ُ طبيبها المعالج ومحامي الدفاع َ عنها ..أمامي !!
وفوق بياض ورقها شئتُ فقط أنْ أكتب َ ما قد ْ ُيطلق ُ سراحي ،
صرخة َ المظلوم ِ المُلقى خلف القضبان !
فذاكرتي الآنَ لا ترصد إلا
مشهد أحرف اللغة الفرنسيّة مكتوبة ٌ على لافتة ٍ
يحملها واقفا ً ُمتظاهرٌ فهمتُ من الصورة المعلقة ِ بجانب الأحرف
أنّها بخصوص المجاعة ِ في بلاد العالم الثالث ،
فجاءتْ صورة الطفلة السمراء الفرحة بهدية اللعب
وهي تنظر للسماء
على شكلِ ٍ سرياليٍّ وكأنّ العاب الأطفال ِ قصائد شعر ٍ ُيخاطبون َ
من خلالها ألوان الطيف ِ وإيقاعات السماء المكشوفة فقط للأطفال ِ
يستمعون َ لاعترافاتها أنّها ُتمطرُ لأجلهمْ أولا ً
وفقط من أجلهمْ ثانيا ً .. يستمعون لامتعاضها أنّه ُ بالرغم ِ من كلّ هذا
أكثر جياع الأرض ِ من الأطفال !!
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 12:52 PM
ذكر الجوع ِ غيّب ذاكرتي عن فيض ِ ذاكرتها !
داخل َ سجنها ، عناوين الذاكرة المغيّبة ، َتسألُ براءة َ أسئلتها وخلاصها ،
َتطلب ُ التصريح َ علّهُ .. يمنحها حقّ عناق أجوبتها ،
فعمق الإجحاف النابض المُتكدّس شعور ٌ ُيهيمن ُ ، يتذمرُ ،
يضربُ برجليه ِ عرض حائط الصد ّ ، إلى منْ يشكو ميزان العدل
حين َ ُيؤجلّ البتّ في حقّه بالدفاع عن نفسه ،
إلى منْ سيقدّم استئنافه ُ ليحظى بمحاكمة ٍ ُمعادة ٍ عادلة ٍ ..!
هنالك تفاصيل َ قديمة ٍ ، ُغيّبت ْ َ وُهمش ّ َحقّها بالنمو ،
ُتريد ُ أنْ ُتشاهد َ أبعادها َتكبرُ ، تشاء أنْ ُترافقَ خطواتها المفقودة
من َتطوّر قدرها المسلوب ِ منها !
تفاصيل َ تنظرُ حولها فلا َتجدُ من مخرج ٍ لأزمتها سوى أسطر الصفحات البيضاء ،
رحم الأمومة ِ يحضنُ مصير التفاصيل الضائعة في الحياة ، ليخرجَ الجنين ُ ،
و يكبر خطوة ً خطوة ً على الأسطر ،
تفاصيلَ من البراءة ِ لا تحتملُ سلوك الرواية المشبوهة حين تتمنّع ُ ..،
ترفضُ بحجة ِ الحفاظ على ما تبقّى من صفحات حياتي وحياة صفحاتها !
لا تعلم ُ أنّها َتسلبُ بالصدّ حقّ التفاصيل الرُ ضّع ِ من رضاعة حليب ذاكرتها !
فمذاق اللبن الُمصنّع ، المُجفّف ُ ، المُستورد ُ ، له ُ نكهة غريبة ،
ُيخلخلُ في شرايين الذاكرة ،
ُيجنّبها روعة َ إحساسها بعزّة ِ تاريخها ،
وشعورها الحميم بهويّتها ،
ليسرق َ منها لاحقا ً حقّ َتألق اللغة في ذاكرتها .
اللبنُ المُقنّع ُ ، مواده ُ الأوليّة ُمركبة وفق َ ُمخطّط ٍ شامل ٍ َيسير ُ بالأسطر ِ
لتجد َ نفسها عارية ً ، ُمجرّدة من أيّ عمق ٍ ُيحصّن ُ من صمودها ،
يوم َ تنكشف ُ على الثقافات ِ الأخرى .. ُتسحق ُ !!
ِ ، ترتبكُ عند التحديق إلى الآخر ،
بدل َ وقوفها أمامهُ وقفة َ الند ّ للند ّ ،
تتفاعل ُ معه ُ وفق َ شروط ٍ ُمنصفة ٍ ،
ُ ، تتبنّى منه ُ ما ُيطوّرها ، وتعطي الآخر ما ينقصه ُ !
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 12:54 PM
في تلك اللحظة بالذات كانَ ينقصني ثياب البحر ،
تصبّب عرقي ليس من حرقة الشمس بقدر الأجساد شبه العارية
تستلقي على شاطىء البحر ،
لم اصح الا على صوت الضحك من حولي ، كنتُ قد دخلت البحر من دون أنْ ادري !
فالثقافة ُ العارية ُ من زيّها َتخجل ُ من ُضعفها ’ تنصهرُ بالآخرَ ،
تذوب ُ ،
تتلاشى
وتتبدّد ُ ..
رواية ٌ
تصد ّ ُ قناعتي بعدل الرحلة ِ على الأسطر ،
َتدّعي أنّها تعرف ُ أفضل َ منّي التوقيت َ الأمثل الذي .. سيخدم ُ براءتي ويحررني ،
ترفضُ استئنافي بحجة .. أنّ الماضي ما زال َ ُيلاحقني ،
خطرٌ على ُمشتبه ٍ مثلي أنْ َيفتح َ َملفّات الماضي ليعيد َ ترتيب َ الأحداث ِ وكتابة تاريخه من جديد ،
عقدان من الزمن ، ُأحاول ُ أنْ ُأقنعها بالمفاوضات دون جدوى ،
كأنّ شيئا ً لنْ َيجعلها تتراجع ُ عن قرارها مهما حدث ،
وسنوات عمري اللواتي اختبرن ّ مجاراة قدرهن ّ وفق هذا السياق اختمرن ّ عنادا ً !
غريب ٌ أنْ تبقى الأسئلة ُ القديمة ُ نابضة بهذا القدرَ من الإلحاح ِ ،
غريب ٌ وقد سارت الأسئلة ُ كلّ مسافات ِ زمنها السابق باحثة عن الأجوبة
فلم ْ تهتدِي من بعد طول السفر ِ إلا لتلك البقعة من الحياة ،
حيث ُ ُتشكّك ُ تجاعيد
النفس المرهقة من عناء السفر منْ وجود الإجابة ِ أصلا ً لكن ْ ...
بدلَ أنْ َتعدلَ الأسئلة ُ عن محاولات البحث ...
تعود ُ بهمّة ٍ أكبر ونشاط أقوى
مقتنعة أكثرَ منْ أيّ وقت ٍ مضى أنّ الخلاصَ لنْ يأتي إلا من خلال خوض الدرب الشائك .
لكنّ تنظيف الأطباق في المطعم لم تكن عملية سهلة ً على الإطلاق
لكمْ أطلق المدير صرخات السخط والتذمر من أدائي الثابت على كسر الزجاج
لم تنجح كلماتي العربيّة في استعطافه على منحي فرصة ً أخيرة للبقاء بالعمل ،
نسيتُ لحظتها انه لا يتقن العربية ،
فأقالني بأحرف الفرنسيّة .. لا أتقنها .. لكنني فهمت ُ طردي من العمل !
وأدركتُ شقاء رحلة تشرّدي !!
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 12:57 PM
الغرق ُ في الترحال ِ َفوّت َ على الأسئلة رصد َ أهمّ درس ٍ من قصص الحروف
المتصفّحة للورق ..
أسطرُ الحياة ِ قد تختلط ُ على المرء في صفحة ٍ تجعله ُ
لا يعي بعدها رقمها من التسلسل ِ ،
لا يذكرُ الصفحاتَ السابقة ولا ُيبصر ُ من الصفحات الآتية سوى بياضها !
بياضُ الفاجعة ِ ..
اعترافٌ خطيّ لا ُيرى بالعين المجرّدة ِ ،
ُيوثقُ تفاصيل َ القطيعة ِ بين َ أحداث ِ الحياة التي تتمنعُ عنْ كشف ِ أبعادها على الأسطر ِ
وبينَ ذلك المنفى الذي يجعلُ الورق الأبيض َيكفُرُ بحروفه !
فلا يبقى أمامَ القلم إلا أنْ َيشطبَ كتاباته !!.
سجنُ الأفكار ِ ، مداها المُغلقُ بالأقفال ِ ، ُتجاهدُ لفك القيد ِ ، لتختبرَ شيئا ً
جديدا ً من رائحة الحياة .. كيف تنجحُ والسجان ُ ُيغلقُ باب َ الحرية بإحكام ٍ ،
ُ ليُشوّه من جمال الدنيا باختزالها بين الجدران الأربعة ِ ،
ُتبصرُ نافذتها في أعلى الزاوية لكنّها لا تستطيع الصعود وجاذبيّة الحديد
تتواطأ مع جاذبيّة الأرض ِ .. فعلُ استحالة ِ التحليق !
تتناثرُ معطياتها بدقّة ٍ هندسيّة ٍ دائريّة ٍ لا تقبل ُ الخطوط المستقيمة ،
كرة ٌ ناريّة ٌ لا يفترُ لهبها ،
هذا الخلل في المعادلة أدفعُ ثمنهُ من حرقتي ، من ناري ،
تتطايرُ شرارتها لوعة ،
اسمرّتْ مسامات القناعة تحت شمس القهر ! ،
أحرقتني معادلة الحياة ِ ، أحترسُ وسط اشتعالي ألا أفرضَ قدري
على صفحات ِ رواية ٍ َتخافُ النارَ ،
تخافُ أنْ يكون َ قدرها الأدبيّ مثل قدري في الحياة .
معضلة ٌ ساخنة ٌ تطلبُ حلا ً حاسما ً ، عادلا ً وشاملا ً لكنْ ما منْ طرف ٍ ثان ٍ
يمنحُ محنتي أملا ً بالفرج ِ ، أملا ً بالعدل ِ الشامل ِ ...
ما أصعب أنْ ُيبصر الأديب ُ أنّ دربه ُ المُستقيمة ُتسافرُ طريقا ً ُأحاديّ السير
نحو الرجوع إلى نقطة الانطلاق ،
مأساةُ الكتابة التي تحتالُ على أحرفها ،
ُتبترُ جوهر القضيّة بطرق ٍ التفافيّة ٍ
ُتضعفها (بكانتونات ) ، بثكنات ٍ وحواجز طرق ٍ تمتد ُ امتداد القضية ِ .. بقضيتها ،
مناورة ٌ من الجبروت والقسوة ،
بها من فرض واقع ٍ يبغى خلخلة قناعة القضية
ببلوغ ِ هدفها .. فتحينُ عندها الفرصة َ .. لأنتهز َ فرصتي !
ما شئت ُ مصادرَة حقّها ،
لكنّي لا أجدُ أرضا ً بديلة ً بقدرتها احتواء
غربتي التائهة سوى تراب الصفحات .. فيكون العدل !!
اقتسمتُ من الشطيرة نصفها وهربت ُ بعيدا ً
فيما الطفل ُ لا يلحظ ُ ، يهنأ بالأرجوحة ، تحلقُ به عاليا ً
تترقبه ُ نظرات أمه الثريّة ،
تبتسم ُ لضحكته المرسومة على وجهه ،
فكان بعد شبعي .. وجعي !
تأنيب الضمير المغترب في صراعه الفلسفيّ مع منطق العدل يظلمُ الرواية
لو أخذ حيّزا ً كبيرا ً على الأسطر ،
فلم ْ تتجاوز مدّة النقاش نصف دقيقة ٍ
حسمها منطق صراع البقاء لصالحه بالضربة القاضية
وعاد للنزال مع الرواية على الحلبة ،
صولات وجولات ٌ ستحسم بالنقاط على الأرجح !
ما بين َ حقّها التاريخي بالأرض وحقّ غربتي التائقة لأرض ٍ تحضن ُ لوعة شوقي للوطن ،
ُأعايشُ مصيري ...
أوليسَ لي الحقّ بتقرير المصير بعد شتات ٍ لا يرحم ، بعد نزوح ٍ طالَ أمدهُ ؟
لا أريد ُ أنْ ُأباغتها بقرار ٍ يفرض ُ إرادتي مساحات أسطرها ،
فالعدلُ القائمُ على القوة سريعا ً ما يخون صاحبه لحظة ضعفه ،
فكم بالحال ِ بسطور ٍ ُتوثّق ُ حقّي برواية ٍ أأتمنها على أغلى ما عندي ، على ذاكرتي ،
ذاكرة ُ الشعوب ِ هويتها المحافظة على الذاكرة الجماعية ،
تنبضُ كلّما مدّها الوجدان بحميم ِ حرصه ِ عليها
ذلك الشعور الأمين لجذوره ، ثقافته ولغته ،
صامدٌ ، غيورٌ على خصوصيته ،
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 01:00 PM
ُيطورها قناعة ً منه ُ بضرورة التفاعل والتحرك الدائم
وفق مسار ٍ ذكيّ يتبنّى من خلاله ما يجعل ُ ذاكرته ُ المستقبلية أكثر قيمة ، سموّا ً ،
أكثر قوة ً وصمودا ً بارتكازها إلى قاعدة ٍ صلبة ٍ من الوعي والإدراك .
قد ضاعت ْ منّي أشياء كثيرة فيما ُكنتُ أحرصُ على الأغلى ،
ضاعت ْ أشياء كثيرة عرفتها وضاعت أشياء أخرى أجهلها ، لا بدّ أنها ضاعتْ !
ما بين َ حسرتي على الذي قد ضاع منّي بمعرفتي ،
وحسرتي على الذي ضاع
وأجهله ُ من ماضي مستقبلي .. وجدتك ِ أنت ِ !!
تظهرين َ ،
يوم اعتدت ُ برودة غرفتي ، يومَ سئمتُ لعبة الأحرف المشطوبة ،
يوم َ اعتدت ُ أنْ أسمعَ ألحان العشّاق المنسيّة في أزقّة الذاكرة فيطربُ هذياني ويرقصُ !
تظهرين َ
لتخلطي أوراقي ُمجددا ً
وأنا لم ُأرتب بعدُ من سطوري سوى ما يزيد من ..تبعثري !
تظهرين َ
لتبعثري انسجامي الُمفتعل مع الحياة ..
فقدري أنْ يأتي ضياعك ِ على الأسطر
ليجعل َ من مأساتي رواية ً تبحثُ عنك ِ فوق الأسطر التي تتمنّع ُ !
هذه معضلتي معك ، شبه خيال ٍ لك ِ
وتصرّ خفايا النفس على إقرار ملامحك ِ كاملة ً !
من ْ أينَ جئت ِ أو بالأحرى .. عدت ِ ..
ُأعجوبتي تناثرتْ منذ ُ زمن ٍ ، حملها الفراشُ
مداهُ الورديّ ، يبدو أنّه ُ قد ُأسهب َ في الطريق من نبضها الربيعيّ ..
فضاعتْ خريطة نسيمه .. وضاعتْ معها أحلام الورد الزهريّة !
صدقا ً منْ أنت ِ !
نصفُ هلال ٍ يرقصُ في السماء ،
يقفزُ بين النجمات ،
ألا تبصرين منْ أعالي ذاكرة الكون
أنّ تاريخي قد سئم موسيقى الليل
وتبدد الألحان في الصباح .
منْ سمحَ لك ِ بالظهور لترقصي في سجني ،
فتنسابين خلسة ً في تدفّق الحبر ِ
فتكتبك روايتي من وراء القضبان ،
تعيدين على الأسطر أحلاما ً منسيّة ً ..
ُتعيدين َ الحياة إلى أشلائي ،
ُتهمّشينَ تصوّف إبداعي ،
أيعقلُ أنّ فراشة ً جديدة ً شقيّة ً تزور ُ زنزانتي ، دخلت ْ خطأ ً ،
أو عاد القدر ُ ليصحّح خطأ ذلك القدر الذي ضاع َ في رحلة الفراش التي تاهت ْ
عن ربيع الورد !!
ما الحكمة من كلّ هذا وخريف العمر ينعمُ بخريفه ِ
لمْ يعدْ ُيجاري القلم هذا النوع من ألعاب المراهقة !!
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 01:07 PM
موازينُ القوى في روايتي ليست في صالحي ،
فأنا ُمقيّدٌ بعمر ٍ يحملُ كثيرا ً من التفاصيل والخبرة ،
لنْ يسمحَ للمعة ِ شوق ٍ أو نزوة ِ عشق ٍ
أنْ تأخذ َ مكانها على الأسطر ،
ثمّة لحظاتٌ ندركها جميعا ً ولو بعد حين ٍ ،
تدخلُ فيه النفسُ ذلك المدى الثابت من الإيقاع ،
تقفُ عندهُ النفسُ عن التجدّد ولا تخطو خطوة ً أخرى إلا بعد جهد ٍ جهيد ٍ ،
تلمحُ فقط نبض الحياة المُتغيّر يبتعد بخطواته السريعة
فلا يزيد ذلك سوى من مسافة البعاد لبلوغه !
لا نلبثُ أنْ نتخلّى عن المجاراة ،
حتّى لو كان الثمن ُ غاليا ً بقسوة المنفى ،
يحتجزُ حريّة الفكر في عزلة ٍ انفراديّة ٍ ،
تجعل من التأقلم لأجواء القبر ، نزهة ً في عرف الموت ..!
كم ُيخطىء الأدب حينَ يلعبُ هذه اللعبة َ ،
فالتفاصيل المخفيّة التي لا ُتجاهر بها الأسطرُ
هي في غالبية الأحيان المشاهد الأهم من بين كلّ المشاهد !
دفنِ الأحرف ِ علّها تنطق ُ من خلف تراب القبر !!
فيكون الموت على أمل انبثاق البداية ...
رحتُ أجري في سباقي حتى لا يدركني الشرطيّ فقد ضاع جواز سفري منّي
اركض من دون عنوان ٍ ، لم أقف لالتقط انفاسي الا حين عبرتُ قوس النصر ،
كان نصري الأول منذ زمن ٍ بعيد ٍ لمْ أعدْ أذكره ُ !
لكنني سأحفظ إلى الأبد لحظتي هذه ، كيف لا وقد اكتشفت أنه في الغربة فقط
تنجح في الهرب من الشرطة ..!
لكن كيف أواجه مأزقي في الصمود ، كيف أواجه واقعي وقد أصبحت المقابر عنوان
بيتي الجديد !
خيارُ العيش النابض بالموت وفق فلسفة البيان المتوهّج بالصمت ،
سلاح ٌ حدّ ه ُ لا يرحم ،
يخشاه ُ الحبرُ ، ويأملُ أن َيطلّ المنقذ ُ بتلك البداية التي تسيرُ إلى بدايتها ،
فالعيشُ على الصفحات .. سلسلة ٌ من البدايات تتسلسلُ لتصل إلى نهايتها ،
والموت ُ .. تلك النهاية التي تحضن سلسلة البدايات حين تبلغ نهايتها !
أمّا العيش النابض بالموت ..
فهي تلك النهاية التي تعود إلى بدايتها
جاعلة ً من البداية سلسلة ً من النهايات التي تصل دائما ً إلى بدايتها !
هذه الدائرة ُ الُمقفلة ُ تدوخ ُ من مساراتها التي ..
سئمتْ كلّ شبر ٍ من مسارها ،
فتختار ُ اختراق َ قدرها على الأسطر ِ لتصطدم َ بجدار ٍ فاصل ٍ
يصد ّ من حقّها بالانطلاق ،
لتبقى البداية ُ تحلم ُ بنهايتها !
إنْ حاولت تسلّق َ الجدار َ ُعوقبت ْ بإحكام الإغلاق على دائرتها ،
فتضيق الدائرة أكثر ،
ويتبدّد جزء آخر من حلمها حين لا يتواصل مع بقيّة ُترابه !
أيّ خيارات ٍ تبقى أمام البدايات المُحاصرة ُ بحلمها .. ُيصادرُ منها ،
بداية ٌ تلو َ بداية ٍ نحو النهاية ،
ما الذي يبقى من خيارات ٍ سوى نسف ِ بؤسها وامتعاضها
بحزام ٍ ناسف ٍ
ُيعلنُ أنّ الدائرة َ الضيّقة َ لنْ تتسع َ لحلم ٍ بمثل ِ حجمها !
رحتُ اكسرُ أغصانها ، حاولت اقتلاع جذعها فاستعصى ..
أوشكتُ أن احرقها حين لحظته !
قاموسٌ فرنسي – عربي متروكٌ على المقعد وحيدا ً ،
أصبح أنيسي الدائم وصديقي الوحيد ،
يخطو معي خطوتي الأولى في درب تحقيق الأحلام !
فالأحلام الكبيرة ُتفصّلُ حسب شعورنا بعدل قضيتنا ،
زيّ ٌ ُيغطّي كلّ مسامات جلدنا وقناعاتنا ،
نريد ه ُ بهيّا ً كزيّ العيد ، يعكس البهجة والسعادة ،
فالأمل المتلوّن اشراقا ً في مساماتنا ، ينتظرنا على مشارف مستقبلنا القريب ،
نحتفلُ بقدومه ِ فنشرب كأس التحرير والنصر ، نخب العزّة والكرامة ،
أمّا حين ُيمزّقُ الثوب خيوطا ً من التفاصيل الصغيرة ليُبقي فقط
على ما يستر عورات انكسارنا وإخفاقنا
لا يبقى إلا أنْ ُنلملمُ خيوطه البيضاء لنُخيط كفنه ُ الأبيض بأيدينا ..
عندها ينعكسُ الأسود ،
داخل القبر الجماعيّ المعتم ، تراتيل مرثيّة الفناء ،
ُيصلي القاتل فوق جثماننا ! ،
لا بدّ عندها لبراعم الأحلام
قول كلمة الفصل حتّى لو كان الثمن ُ
نسفَ ما ُيهدّد تسلسل بداية جديدة من بدايتها ،
ستمضي حتما ً في صياغة ردع ٍ بأجسادها
لتُغيّرَ من مجرى نهايتها ،
لنْ ُتهبط َ نيرانُ صائد الأحلام من عزيمتها ،
يغتالها ، يغتالُ وجهة نظرها التي تسيرُ على أرض ِ بدايتها !
يغتالُ تلك السلسلة من النهايات .. ُتحاولُ أنْ َتكتب َ بدمائها بداياتها !!
هذه الرواية ُ المسجونة ُ بقفصها جرتني معها إلى قفصي !!
"فالأنا " يعرف ُ شيئا ً من حقيقته ِ ..
و يبحث ُ عن بقيّة الحقيقة من خلال رحلة
عيشه انعكاسا ً بالآخر ،
فانعكاس القبول أو الرفض ُتصبحُ لعبة َ حياتنا ..
رحلة ٌ من التفاعل الثابت والتغيّر الدائم !
لمْ تنجح التسريحة الجديدة ُ في تحديث أيّ جديد ٍ من واقعي ،
فورقة ُ الحظّ الفرنسيّة التي عقدتُ عليها الأملَ بالثراء
اكتفتْ بمنحي جائزة الترضية .. ثمن البطاقة !
قيودُ الكتابة لا ُتحررنا أحيانا ً ،
تسيرُ بنا إلى خلق ِ شخصيات ٍ ُنريد ُ لها
أو نأملُ منها أن ُتعوضنا عن ردّة الفعل التي عايشناها في الحياة ،
فلكلّ ٍ منّا ذلك الشعور ..
أنّ شيئا ً قد فاتنا من قدرنا ،
جعلنا نسيرُ في درب ٍ
غيّرت من مستقبل قدرنا !!!
ذلك الشعور العالق بجذور وجداننا ،
كلّما راهنا على الزمن كي يمحو آثاره العالقة فينا ،
نراهُ يخلط ُ الألوان َ ُمجددا ً لتأتي تقاطيع الذكرى أشدّ تأثيرا ً فينا !
حينما يكون الرفضُ كبيرا ً كحجم مساحة الوطن ،
أيّ رواية مهما كانت محبوكة ٌ تفاصيلها
لن ْ يكون َ بإمكانها من تعويضنا عمّا فاتنا ،
لحظة تخلّى الوطن عنّا كوننا
شئنا له أنْ يكون وطنا ً أجمل ،
فتحلو حقيقة انعكاسنا فوق ترابه ،
فنرى أنفسنا أبهى ،
ونراه ُ أجمل بنفوسنا !!
ذلك الوطن الذي لا ُيتقن دورَ الأبوّة إلا حين َ ُيسافرُ الأبناء للغربة ِ
فتبقى رائحته ُ في ثيابهم المغادرة
بالرغم ِ من قرار إقصائه لهم بالفرقة !
ما أقسى قرارات الإقصاء ،
فحتّى الرواية حين لا تجد وطنها ،
تشعرُ بالغربة ِ على أسطر التراب الذي يحضنها !
لا تستعجل التمدّد على أرضه ِ ،
عليها أنْ تتريّث قليلا ً لتُعاين َ مكانها ،
لتفحص َ إنْ كانَ بإمكانها أنْ تأخذ راحتها بالكشف عن أسرارها ،
فلكلّ مكان سرّه ُ وحشمته ُ ،
لا يقبل أنْ تكشف منه ُ على الأسطر
ما لا ُيريد ُ أنْ يمنحك َ إيّاهُ في الحياة !
فالرواية ُ الخائفة ُ على أحداثها ،
تستشعرُ ُأمومتها قبل الولادة ،
فتحتاط ُ من هاجس ٍ قد يقتل أولادها !
هي حذرة ٌ من بلاد ٍ تمنحها الشعور بالحريّة ِ ،
فقط لتستدرجها لتكشف َ عمّا يدور ُ بداخلها ،
فتصطدم ُ بضياع ِ أفكارها منها ،
ُيبعثره ُ بإتقان ٍ تام الرقيب المسؤول عن حذف الأفكار التي لا تخدم الوطن ،
نفسه ُ الرقيب الأميّ يقرأ قائمة المحظورات بأحرف جهله ،
فيلمح ُ الأحرف المُشابهة للكلمات التي ُتزيّن ُ قائمة الممنوعات أدبيّا ً ،
فيشطبها
مبتسما ً
كونه قد أفلح َ في تأدية ِ واجبه ِ القوميّ برصد الخطر الكامن في أبعادها
الرواية ُ الحائرة ُ لا تقبل بالمخاطرة ، تتخذ حيطتها
ويوم يفرض الواقع وقعه ُ ُتسرعُ إلى مغادرة الأرض التي ُتقبل ُ على حرق الأوراق ،
فلسفة المحرقة ونازيّة الطغيان ، لا بدّ من الحيطة ،
تدخلُ الرواية ُ مخبئها ، زنزانة ٌ من الحذر ، تترقبُ الفرصة َ المناسبة للسفر ،
للهرب إلى البلاد التي ُتتيحُ لها التعبير عن أبعادها ،
دون أدنى أنواع التحفّظ !!
تتبنّى التخلّي عن فكرة الحلّ النهائيّ مؤقّتا ً
ريثما تحظى باعتراف الشرعيّة الفكريّة ،
لا خيار حاليّا ً سوى بالحلّ المؤقّت ، ينثرُ تداعياته ،
حواجز بين الوطن الكتابيّ ، ُيقطّعُ أجزاء الرواية ، يحذف ُ ، ُيعدّلُ ، يجعلها
على شكل ٍ لا يتوافق مع تضاريسها المنشودة ،
وطنٌ كتابيّ يجهلُ بعض ذراته ،
ما أصعب اغتراب الرواية عن وطنها الحاضن لصفحاتها ،
فكم بالحال من جلاد ٍ ُيصادرُ جواز سفرها ، يمنعها من التواصل مع نبضها !
فحدود الرواية ومعالمها لا ينكشفان للقارىء حتّى يقرأ أخر كلمة ٍ من كلماتها .
وإلا سيستشعرُ غربة الأسطر على ورقها ،
سيتيقّن أنّ خللا ً في ضبط الحدود قد حلّ بواقعها .
فكيف ُتسلم نفسها لمن يسأل التجوال بأبعادها وهي تعي أنّ فصلا ً كاملا ً مفقود من تاريخها
تنتهي الكثير من الأشياء جرّاء خطىء ٍ في أوراق رسميّة
فما بالك بخرائط هندسيّة ٍ
يأتمنها التاريخ الكتابيّ على حقّه .. ُتحرّف !
كأنّك تسرقُ من أمّهات الأحرف الثكلى والأرامل صوت الوطن من أرحامهنّ !
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 01:11 PM
إجهاض الرواية
لا بد ّ أنْ َيفرز أزمة ثقة ٍ بينها وبين قرائها ،
لن تحتمل الرواية تخلي قرائها عنها لعدم ثقتهم بخصوبة شرعيّتها !!
فثقتها بعدل قضيتها يجعلها ُتنادي دائما ً عن الذي يبحثُ عنها ،
تمنحهُ حلما ً ، أملا ً ، تمنحه ُ مدّا ً من الإمكانيات المفقودة !
فما عليه سوى تحقيق أحلامه بالحلم ِ !!
لو كان َ بإمكانها ... منح الأفق .. مثل بلاد الفرص الممكنة ..
جنّة الحليب والعسل ، ُتغدقُ على المهاجر ما لم ْ يجدهُ في دياره !
فالبلاد حين تنهضُ من جهلها تدركُ أنّ ضياع أبنائها منها هو ضياعٌ لها ،
والحضن الذي تمنحه ُ للسائل عنها
سيجعلُ من أبنائها أكثر ثقة ً بأنفسهم
وأكثر ثقة ً بترابها ،
فيغدقون َ عليها كما أغدقت ْ عليهم ليصبحوا حماة صحوتها
بعيدا ً عنْ تاريخ الجهل الذي ..
ُيغرق كلّ البلاد الغارقة بجهلها !
والجهلُ حليفُ الغموض ِ ُيثقلُ العيش على الأسئلة الحائرة ،
أسئلة ٌ كبيرة ٌ تنتظرُ أجوبة ً أكبرَ
ليسَ بمقدورها التسليم َ بالمنقذ الذي يتكلّم ُ قليلا ً !
فما بين خطاب الصمت الصامت واقتناع الكلمات الخائفة بالسكوت ،
تنتحرُ بعض الأسئلة الكبيرة على الأسطر ،
هكذا بدأتْ روايتي ،
هكذا تزيّنت بالأبيض صفحاتها !
كفن الرواية .. ميلادها الجديد
تأتي ولادتها من بعد الموت أجمل وأبهى ،
تخط ُ ملامحها بعمق ٍ ، بعد أن اختبرتْ أعمق أنواع العيش ،
تتجرأ على مواجهة ما قد ضاع منها في الحياة السابقة ،
لتحملَ رسالة الأحرف ..
قد ُتهلك تفاصيلها ، قد ُترهق أسطر بدايتها ،
ومحاولة تصعيد تطوّر شخصيّاتها وأحداثها ،
وضرورة ايجاد خاتمة تليق بنهايتها !!
لا ُيحسدُ القلمُ المستسلم لجموده ، وعرق الكلمات تصرخُ من حرقتها !
الدنيا أكبر من أسطر الرواية ،
لكنّ الأسطر أحيانا ً قد تضيق بها !
من أينَ يبدأ القلم ُ إذا ً ؟
ببداية ٍ هادئة ٍ تتطوّرُ وفق إيقاعها ،
أمْ ببداية ٍ ُتحرقُ اشتعالا ً من بدايتها ،
وماذا لو أخذت ْ تخمدُ كلّ الطريق فتنطفىء في نهايتها ،
أقادرٌ أحدٌ على الاحتراق كلّ الوقت ِ ،
ليشعلَ رواية تحرقُ بتفاصيلها وكلّ أبعادها ؟
ما هذا الأرق الذي قد حلّ فجأة ً ؟
أأعودُ ثانية ً لفنجان القهوة وحرق سيجارة ٍ أخرى ،
لا يزيدني ُدخانها سوى غموضا ً ...
دخانٌ لا يفتح النافذة على إطلالة ٍ تأخذني بيدها لأتنزه في حديقة الخيال والحلم ،
أجوب عناويني المُخزنة في ذاكرتي ، تلك الرحلة التي ُتنشّط ُ من نبض عروقي ،
َتلفّ يدها لتحضنَ الإلهام في جلسة ٍ من الدفىء الحميم وأجواء الاستشعار الرومانسيّة ،
فيعانق ُ السفر الإبداعيّ خريطة طريقه المجهول ‘
ترحا لا ً نحو كلّ المحطات الضائعة منه في الحياة !
تحترم الحياة خيار ترددنا
فلا ُتصارحنا بما قد فوتناه على أنفسنا ،
احتراما ً منّا لقرارنا وخيارنا .
لكنني أدرك جيدا ً ذاك الذي فاتني ،
فاتني قبل أنْ َتضيعَ منّي أنْ ُأصارحها بحبّي لها ،
فاتني كما لو أنّ شيئا ً قد سرق قدرتي على الكلام ،
يحدثُ أنْ نقول َ كلّ الكلام ،
ونعجز عن قول بضع ِ كلمات ٍ هي الأهمّ من كلّ الكلام !
قد ترددتُ حينها ، فضاعتْ منّي بالصمت ِ في الحياة ِ
فهل ستجدك ِ كلماتي على الأسطر ثانية ً ما بعد الصمت !
هل ستبحرُ إليك ِ كما ُيبحرُ الماء في كأسي ،
أم ستختصرُ الأسطرُ مسافة بحثها عنك ِ ،
لتشرب قليلا ً من نزف ذاكرتي ،
فينقصُ كأسي ولا ترتوي أعماقي !
هلْ دخلَ تاريخي ربعهُ الخالي من التاريخ لأسير إليك ِ ،
ولا أدري هل ُتبصرُ كلماتي ملامحك ِ أمْ هو السراب على الأسطر ُيذكرني بفاجعتي ،
وكأنّ الحياة تأبى أن تعيش حياتها فوق أسطر الأدب .
قصتي معها كقصة روايتي ،
بدأت بعد الكثير من التردد ، بكلمة ٍ واحدة ٍ في البداية ، " تفضلي "
كنتُ قد رأيت ُ ولاعتها الذهبيّة حين سقطت منها ،
فتطورت روايتي بكلمة أخرى قالتها " شكرا ً "
لكنّ عينيها كتبتا في لحظة ٍ كلّ أسطر الحكاية قبل أن تبدأ ،
ما أقسى البدايات التي ُتشرق لتعلن لحظة انبثاقها خاتمة النهاية !
كأنّها قد كانت تعلم أن هذا المشهد ،
لا يستحق أكثر من بضع ثوان ٍ ، شأنهُ إضرام النار لتقرأ من على صفحاتي
ً بعد عشرين عاما ً ، ما الذي قد حلّ بالجمر من بعد النار !
كنتُ قد فكرتُ لحظتها أنْ أدعوها لفنجان ِ قهوة ٍ في مقهى المطار ،
لكنّ طائرتي كانتْ ستقلعُ بعد بضع دقائق ،
فما الجدوى من المحاولة ،
صدقَ حدسي حين رأيتها تعبرُ بوابة العائدين من السفر ،
صدق حدسي لأربح خسارتي بجدارة ٍ !
ما لا أفهمه هو سرّ الحرقة التي أشعلتها الصدفة ،
تماما ً كوهج اللمعة الإبداعيّة ِ ُتعلن قدومها من دون أيّ إنذارٍ مسبق ،
لا تعلم إلى أين َ ستقودك أو متى ستتخلّى عنك َ ،
قد تكون رحلة تستحق العناء ،
وقد تكون من دون رجاء ٍ بالرغم ِ من كلّ الجهد ،
لكنّكَ لن تعرفَ أبدا ً ما لمْ ُتقلع خطوات السفر !
ها أنا ُأسافر ُمجددا ً ... علّي ُأبصر من حدود السماء شيئا ً ُيبهرني على الأرض ،
لكنّ قدر بعض الرجال أنْ ُيصبحوا على ما أمسوا عليه بالرغم من كلّ البحث !
يوم َ ُيصبحُ المطار بيتك الدائم ،
فهذا يعني إما أنّكَ رجلٌ مهمٌ ُيسافرُ كثيرا ً ،
أو أنّكَ ما زلت َ تبحث ُ عن الأهم من خلال السفر ،
لكنّ الفاجعة الكبرى أنْ َيجعلك السفرُ رجلا ً مهما ً على حساب العثور على الأهم !!
باريس محطتي التالية ،
الحلمُ المترجمُ ُيحاولُ أنْ ُيحقق ذاتهُ في ديار ٍ لمْ يطأها من قبل ُ ،
شأنهُ شأنَ كلّ الأحلام ِ التي لمْ تجدْ فسحة ً لتتحقق على أرض الديار ،
تركبُ غربتها قطارا ً أو طائرة ُتحلق ُ ما بعد الضيق والإختناق ،
ُتراهنُ على الأمل ، قد يكون أو لا يكون ،
على عكس التراب الجامد ، لا أمل فيه مهما سيكون !!
ما بين خارطة الطريق
وعنوان أرض الميعاد ،
تضيع أشياء مهمة ٍ ، منها ما لا يستحق التفكير به لصغره
ومنها ما لا ُيفارق بالرغم من تفاصيله الصغيرة !
ُأحاولُ من على صفحاتي أنْ َأبتكرَ مزيدا ً من الذكريات ،
فتاريخي انطفأ فجأةً في مكان ٍ مجهول ٍ كما لو أنّهُ لمعة َ شعر ٍ
اختفتْ منذ ُ زمن ٍ تاركة ً أثرها الدائم الخفيّ يتجددُ في قدري ،
تنادي بحق العودة !
حطّتْ طائرتي أرضها الجديدة ُ ،
أمشي فوق ترابها بخطوات ٍ واقعيّة ٍ ،
لا أبني أحلاما ً شاهقة ً في صدري ،
فالبدايات في الغربة ِ ليسَ ُمقدرٌ لها أنْ تكون َ من السهولة ...
وكأنّ أرض الديار قد حملتني على ريش النعام !
الورقُ ، الغربة ، وأنا
ثلاثيّة البطولة في روايتي !
لن أنسى المزاج الإبداعيّ الذي يتنقّلُ بين الفصول ِ ،
لا يحمل مظلّة ً حين ُتمطرُ الأحرفُ ،
ولا ُيشعلُ ُمكيّفا ً حينَ تحرق ُ الأسطر ،
يرتدي ثيابهُ كاملة ً وهو يمشي على رمل البحر ، في عزّ الصيف ،
يستلقي فقط بعد أنْ يطلّ ربيعهُ فيشهدَ لهُ الزهرُ برحيق الحبر ،
يبني الشواهق ، فيسكن التألق ُ الطابق َ الأعلى من أدوار البطولة !
ما أسخف َ الروائيّ حين يتجاهل وقع القدر في الرواية
يسيرُ بها شوارع َ باريس ، لا يملك عنوانا ً يمضي إليه ،
ولا مكانا ً يأوي إليه ،
ينظرُ حوله ُ ، الأزياء من حوله َتلبسُ نفسها ،
كثرة ُ الألوان ِ ُتخفي أحيانا ً حيرة النفوس من تعدّد خياراتها ،
فمأساة ُ البعض فقدانهم لطعم الألوان في حياتهم ،
والبعض من كثرة الألوان فقدوا طعم الحياة !
ما أكثرَ النظارات الشمسيّة التي ُتسرع في باريس !
تحمي العيون من الشمس وتُخفي من ورائها خوف العيون من المجاهرة بحقيقة العيون !
يختارون مشاهدة الشمس على عكس لونها ،
على خيار كشف الحقائق النابضة بالعيون !
أضيعُ في شوارع باريس ،
أجد في ضياعي وغربتي أنيسا ً !
لا أستوحش ُ وحدتي ،
فعيون المارة المختبئة وراء النظارات لن تقشع شقاء نفسي ،
العيون الهاربة من لون الحياة ،
لا يعنيها سوى الوصول سريعا ً إلى مكان الاختباء .
رائحة القهوة والفطائر المُحلاة ،
أسير إلى الجادة ، أطلبُ الكعكة العسليّة ، قد سئمت أكلي من كعك الحياة التائق للسكر
الغارق بالملح ،
ذلك الحاوي على مرأى من نظري ،
أراهُ على طبيعته ِ من دون نظارتي ،
ُيتقن اللعين خداع الكبار كالصغار ،
بعضهم قد مرّ قبل قليل ٍ ،مرور الكرام من أمام متسوّل ٍ يعرض بضاعة بؤس
واقعه فآثروا الشراء ،
ودفعوا من حرّ مالهم عن طيب خاطر ٍ للحاوي الذي ُيتقن بيعهم فنّ الخداع !
تابعتُ سيري بعد آخر قضمة من كعكتي ،
تابعتُ بالرغم أنني لا أعرف ُوجهة دربي ،
وانتهى بي الأمر إلى غرفة ٍ في فندق ٍ متواضع ٍ ، يحملُ عنّي همّي لليلة ،
أخلدُ فيها إلى النوم ِ ، إلى بعض ٍ من الراحة ِ ، قبل أنْ أصحو ثانية ً لأجابه
قدرا ً لا أعرف كم سيتعبني !
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 01:13 PM
لكنّ الأقدار في باريس تتغيّر بسرعة ٍ حتّى لا يضيق بها أحدٌ ،
فأسير إليه لأجدهُ في حلبة رقص ٍ ،
ُيراقصني على إيقاع سكرتي ،
فلا أصحو إلا على لذة البارحة ِ ُتنعشُ يقظتي ،
أيقظتني من نومي ، كنتُ أحلم ، جعلت من يقظتي حلما ً أروعَ من حلمي بها !
مع أنّها قد فارقتني بالأمس فقط ، إلا أنّ شوقي إليها استعجلَ عقارب الساعة ،
تأتي بعد أن ضاعَ الليل منّي ، لتوقظ الفجر ، تلمع ضفائرها الذهبيّة
كالشمس في غرفة نومي !
لحظات ُ اشراق ٍ ، ُتراعي صحوة وردي المتفتح ُيراقب طلّة الربيع ،
وابتسامة الملاك ،
ُتسرعُ كلّ الذكريات الكئيبة وخيبات الأمل العتيقة إلى الإحتراق بنور البريق الدافىء ،
أخيرا ً قد حاز الرماد على فرصته ليتعلّم معنى الوهج الذي لا يتبدد ،
تلك الومضات الساحرة تلمع ، كانتْ دفينة في النفس المدفونة ،
فأتتها الحوريّة تحملُ مصباح السحر فكان السحر ُ !
لحظاتٌ ،
أصبحتُ لا ُأبصرُ من تاريخي سوى حاضرهُ ،
لا أرى من الدنيا إلا جمالها ، بدرها وفجرها !
تفتّح زهرُ القلب ِ على المدى اليانع ،
فأبصرَ قوس قزح ٍ بألوانه الجميلة تخطف من الأسود ليله ،
لترسم في وجدان القلب التائق للخلاص ملامح الجنّة !
لحظاتٌ ،
تجعلني أعشقُ الوجه الآخر للحياة ،
أرى كلّ ما كان ينقصني من معرفة ٍ ، من تفاهم ٍ ، وقبول ٍ ،
أحضن جسدها الملائكيّ فتستريحُ النفسُ من عوالق الحياة العالقة بشقائها ،
عناقٌ طال مدّة كافية لأكتب اسمي على النجم وأجوب الدنيا ُمبشّرا ً بفلسفة
العشق وإرادة الحياة في العيش !
كلّ هذا الإشراق وهي لمْ تنبس بكلمة واحدة ٍ بعد ُ ،
اقتربتُ من شفتيها لا لأسمع همسها ،
بل لأخاطبها بهمسي الصامت الصارخ ،
يفضحُ شوقي الجارف من دون الكلمات ،
بالأمس ،
بعد تعارفنا الذي ابتدأ وانتهى من دون الكلام ،
كانتْ ُتحاول أنْ تصلَ إلى تفاهم ٍ جسديّ ٍ ،
حوار الذبذبات الملتهبة ،
لا أذكر تماما ً ما الذي آلت إليه كلّ المفاوضات ،
غير أنني أذكر أنّها أفقدت الزمن وجوده ،
حققت للإنسان الحالم بالطيران ُأمنية تحليقه ،
ضعنا في المدى ، ما بعد الوجود ،
لا أذكر ساعة حلّقنا ، أو ميعاد هبوطنا ،
فهي من الأنوثة لتجعل الرجل سعيدا ً برجولته ،
عيناها الصامتتان ُتخبرانني كمْ أسعدتْ رجولتي بالأمس ُأنوثتها !
لا أذكرُ تحديدا ً أين التقينا ،
أو كيف تفاهمنا ،
فدخان السجائر والموسيقى الصاخبة استحوذتا على جلّ اهتمامنا ،
لكنّ ملامحها الفاتنة كانتْ أقوى من كلّ الإغراءات الأخرى ،
يبدو أنّها استشعرتْ إعجابي بها ،
فللمرأة تلك القدرة عل كشف المستور من أوّل نظرة ٍ ،
وأنا لمْ أبخل أمسُ بالنظرات ،
ما كنتُ لأفوّتَ مشهدا ً تتوافق فيه جميع النقائض
وفق تضاريس شيطانيّة ٍ لا ُتقاوم !
تضاريس تتكلّم بلغة الورد المغري ، ولغتي تبحث عن ربيعها ،
حركتها تحمل إيقاعا ً ولونا ً ، أصمت علّي ألمحُ لون ذبذبات الخطاب اليانع
فأنا بتاريخي الخريفيّ فقدت شيئا لا أعرف ما هو !!
هل ُيمكن للنفس الباحثة عن السعادة أنْ ُتسعدَ ؟
لحظاتٌ من أجواء المجهول يتخوّف من الفشل ،
فكلام الورد حين لا يجد الصدى الزهريّ سرعان ما يذبلُ ،
أناورها بالصمت ريثما تستعيد النفس نفسها ،
أعلمُ إنني لا أريد أنْ أفقدها لكنني لا أعلم كيف أفوز بها
أريد أنْ أربح كلّ الوقت الذي أملكه والذي لا أملكه !
فشيئا ً بداخلي قد بدأ يستيقظ ، بدأ يستشعر أنّ حكايات الخريف ُيمكن لها
أنْ تنتهي بخاتمة ٍ تحملُ طلّة نيسان !
مسكينٌ تاريخي ، قد عانى الأمرين في الديار ،
ويوم بكى لوعة الفراق .. اهتدى ..!
أبصر في ديار الغربة درب الشبع من الحرمان !
ليلة ٌ واحدةٌ فقط وأسئلة ٌ كثيرة ٌ وجدتْ أجوبتها ،
هذه السهولة البراقة تجعل القلب َ أصغر سنّا ً وأوسم كلّما مضى الزمن ُ !
فنقائض الأمور تلعب لعبتها وعلى الإنسان في ظرف ٍ زمنيٍّ معيّن ٍ
أنْ يلعبَ معها لا أنْ يجعلها تلعب به !
نظرة الروح في لحظة ٍ من السحر ، اصطادت نصرها وكبريائها ،
اختفت ملامح الإجحاف ، الذلّ ، والجوع في ضربة ٍ واحدة ٍ ،
لا أدري لما لم أسألها عن سرّها ،
لعلّ قناعتي أنّ التفاصيل قد ُتفوّت استمتاعي بأجمل لحظات عمري هي السبب ،
إنْ شاء القدرُ أنْ يتبسّم لي بعد أنْ عبسَ بوجهي طيلة سنواتي ،
أأبدّد زمني الساحر في التحقّق وراء السبب ؟
أليس من السخافة أنْ ُأرهق نفسي بتفاصيل ما قبل الغرق ،
وسحرها يغرقني ، بموج ٍ يفوق أجمل أحلامي الزهريّة ،
يكشفُ أمامي مساحات ٍ من المعرفة تفوق معرفتي بنفسي وبقدراتي
لأصحو من نومي في العسل ،
فأجد برّ الآمان بانتظاري ،
لا أعرف شيئا ً عنها سوى أنّها ُتتقنُ تحضير القهوة ،
ُتذكرني برائحة القهوة في دياري لكنّ
هذه اللحظات أجمل من أنْ ُأبددها بالمقارنة !
ُترى هل تعلم مدى ولعي أمْ أنّها تدركُ أنها مجرد نزوة ٍ أريد لها أن تطولَ
إلى حدٍّ لا أعلم نهايته ،
ُأدركُ فقط أنّ بدايتهُ ستكون أجمل منْ خاتمته مهما أصبحتْ عليه تفاصيل النهاية !
؟ ولكنّ أفكاري عربيّة ٌ ، أتراها ُتتقنُ العربيّة ؟
أم أنّ للأفكار ِ لغة ٌ يفضحها قارىء الأفكار بغض النظر عن اللغة أو اللهجة !
ما بالها تتبسّم الآن ؟ أتقرأ في مخيلتي تقاطيع جسدها العاري الذي أدهشَ البارحة جوارحي ؟
تنظرُ في فنجاني ولا أدركُ سرّ الإعجاب ،
أهي ساحرة ٌ تقرأ طالعي ؟
ظننتُ أنني خلّفتُ بدياري مهزلة السحر والشعوذة !!
ما بالها تنظر إلى الوردة البيضاء في الماء؟ ، هل ُتوحي لي بصمتها
أنّها اشترتها خصيصا ً لي أمْ لتعاتبني أنني لمْ أرى الوردة ؟
ألا ُتدركُ أنّها غطّتْ بجمالها الأبيض أزهار الكون !
فما عدت ُ أبصرُ سواها من الأزهار!
هذا الجسد الفارض نفسه ُ أمامي ُيهيمنُ على أجوائي ،
لا أرى الصحف العربيّة بيديها طيلة فترة الصباح !
كلا ، لستُ معنيّا ً بقراءتها ، فماذا ستخبرني سوى عن كلّ ما لا يجدي ،
وكلّ الحقائق التي هربت ُ منها في الحياة ،
لتلحقني عناوينها على الأسطر ،
على ماذا ستطلعني الصحف العربيّة ؟
على استمرار التحفّظ على مجموعتي الشعريّة أو على مقاطعة روايتي ،
أو خبر نعتي بالمهرج ، بالعميل ، بالدخيل ، أو عن ماذا بحق السماء !
هنا في ديار ٍ لا تعرفني ، ترجموا أعمالي ،
أغدقوا عليّ بالجوائز ، تهافت القراء على شراء كتبي ،
كلّ هذا دون َ أنْ يعلموا عنّي شيئا ً من محطات تاريخي ،
لا كيف كنتُ أمشي بحذاء ٍ ُمرقّع ٍ كي أصلَ إلى مدرستي ،
ولا كيف شاهدتُ ملامح العيد دون أنْ ُأشاركَ بالاحتفال ،
لا يعلمون عدد المرات اللواتي خلدتُ إلى فراشي دون عشاء ٍ ،
لا يعلمون من كانتْ حبيبتي الأولى التي رفضت قصيدتي ،
فهي تكره ُ الشعر وتعشق المال الذي يأبى على جيوب الشعراء والكتاب أمثالي ،
لا يعلمون َ أنني كنتُ أحملُ حقيبة صديقي الثري مقابل أنْ ُيعيرني رواية ً لم يقرأها يوما ً ،
اقتناها فقط ليتباهى بقدرته على دفع ثمنها ،
لا يعلمون عنّي أشياء كثيرة ُتنغّصُ العيشَ وتقتل ُ الأحلامَ في سنٍّ ُمبكّرة ٍ !
اشرف مجيد حلبي
18/09/2007, 01:16 PM
علاما ستطلعني الصحف العربيّة ؟
عن مسيرتي وحيدا ً في أرض الغربة ِ ،
أحملُ ترجمة َ أعمالي للفرنسيّة ِ ، يطّلعُ عليها لأوّل مرّة ٍ في حياته ،
محررٌ أدبيّ في إحدى دور النشر المشهورة فلم يبع ضميره ُ ،
لمْ ُيتاجر هذا الذي لا يعرفني .. بأوراقي .. ، لمْ ُيحاول استغلالي ،
قرأ أعمالي موضوعيّا ً فاقتنع بقيمة فنّي ،
تعاقد َ معي ُمقابل أجر ٍ ماليٍّ ما كنتُ لأحلم َ به ِ حتّى في أزهى أحلامي ،
مبلغٌ لن أجنيه في دياري على مدار ِ عشر سنوات ٍ ،
هذا إنّ تكرّمتْ لائحة البطالة ،
ِ
وحذفت اسمي من قائمة العاطلين َ عن العمل ِ !
عشرون عاما ً أجاهد ُ أنْ أترك بصمة ً إبداعيّة ً ،
لم ترقَ بموضوعيّتها لأحد حرّاس الإبداع ِ ببلادي
فشطب بقرار ٍ أميٍّ جاهل ٍ تاريخي وجهدي ،
أغلق الباب في وجهي وصادر حياتي !!!
ما الذي نجهلهُ حتّى أغرقنا الجهلُ بوحله ِ ،
ما الذي نفتقده ُ حتّى نهتدي دائما ً إلى درب الهزيمة والانكسار ؟
أنظرُ حولي فأجدُ أنّ غالبيّة المغتربين كحالتي ،
تشهدُ لهم البلاد التي لم ُتنجبهم بالكفاءة والتميّز ، يلمع اسمهم بأعلى مستويات التألق ،
كيف لا نحظى بالاعتراف إلا في الغربة !!
حتّى حين غادرتُ دياري لمْ أجد شيئا ً قيّما ً آخذه ُ معي في سفري ،
ُيذكرني برائحة الديار ..!
هذه التعاسة التي حلّتْ فجأة ً ليستْ في محلها ..!
كنتُ قد نسيتُ أنْ أسألها عن عنوانها أو رقم هاتفها ،
بل إنني لا أعرف حتّى اسمها !!
ستعود حتما ً ، فكلّ النساء على هيئتها يعدنّ في النهاية ،
ستعود لترى ما الذي خلّفته ُ أو تعود لتكمل الذي بدأته ُ !!
كلّ النساء يعدن َ في النهاية ،
إنْ لم يكن في الحياة ، يعدنّ على أسطر الرواية !
سجن الكاتب المسجون بالتفاصيل المتمنّعة !!
" افتحْ بابَ الزنزانةَ ِ "
سارعتُ إلى إخفاء صفحات روايتي البيضاء !
دخل الضابط حاملا ً ورقة بيضاء ، وصلنا قبل قليل ٍ قرار العفو عنكَ
تخفيضُ مدة سجنكَ من خمسة وعشرين عاما ً إلى عشرين عاما ً ،
جهّزْ نفسك َ لمغادرة السجن غدا ً ، قد أصبحتَ حرّا ً ُمجدّدا ً ،
واسمع لنصيحتي ، إيّاكَ وذلك النوع من الكتابة حتّى لا تعود لضيافتنا ثانية ً ،
حملتُ صفحاتي البيضاء وأشهرتها على مرأى الضابط ،
هزّ رأسهُ ُمقتنعا ً أنني قد عدت ُ إلى رشدي أخيرا ً ،
بعد عشرون عاما ً من الضياع ..!!
عشرون عاما ً تركتها من ورائي ، وحلّقتُ إلى مدينة الأنوار
كان باستطاعتي تحمّل َ سجني من وراء القضبان ،
لكنني كنتُ أعلمُ أنّ حريتي لن تكونَ ما لم أكتب روايتي !
لن أجعلها تتخفّى بعد الآن وراء بياض صفحاتها !!
السجنُ من ورائي ، الوطنُ من ورائي ، وروايتي المكتوبة تنتظرني كمشهد ٍ آخر ،
أمضي نحوهُ ، نحو ما تبقّى من ُمستقبلي !
يسبقني إلى باريس
ليفاجئني بتحقّق أسطر روايتي مع بعض ملامح التغيير التي
جعلتْ من حياتي نصّا ً كتابيّا ً أروع وأجمل ممّا كانَ باعتقادي 1!
بعد خمس أعوام ٍ من غربتي في باريس
اختار القدرُ أهمّ ليلة ٍ من ليالي تكريمي ،
ليلة ُ منحي وسام الفروسيّة ُيعلّقُ على صدري
تقديرا ً لما تحمّلهُ هذا الصدرُ المُثقل ُ بالهمّ والهزائم ،
لكنّ دور البطولة ِ بهذه الأمسية ِ لمْ َيكنْ لي ،
لمْ يكن لروايتي التي تصدّرتْ قائمة أعلى المبيعات ،
البطولة ُ المطلقة ُ كانتْ للقدر ِ !!
للقدر ِ أحيانا ً صفحاتٌ لا تدري وأنتَ ُتتابع تفاصيلها ،
هل فعل الكتابة تقليد ٌ بائسٌ لاقتفاء أثرُ ذلك التألق ِ المستعصي على الكتاب ِ ،
ُتبصرُ أمامك فلا تدري ،هلْ لكَ الحقّ بالتحرّش بفلسفة القدر ،
ونحنُ كلما ظننا اننا فهمنا بعدا ً من ابعاده نرصد ُ جهلنا في فهم البعد الآتي !
فحين ينضجُ وعينا ُندركُ عمق مساحتنا التي نصنعُ بها قدرنا
غير غافلين عن تلك المساحة التي يلعب بها القدرُ وحده ُ وفق ما شاءهُ لنا قدرنا ،
لكنكَ تدري أنّهُ إنْ جادَ غيثهُ بالفرح ِ
ستكون الإطلالة ُ بأبهى وقع ٍ على النفس ،
لحظة ٌ زفّ القدرُ .... قدري .... بالأبيض ِ ،
سلّمتُ عندها أنّ الوجود َ سرٌّ ُيتحفنا ُمجدّدا ً بأبعاد ِ سرّه ،
فكرةٌ تغلّبتْ ُمسبقا ً على عصب الإنسان المُفكّر !
ملامحٌ شكّلتها أحرفي على أسطر روايتي
فإذ ْ بالحياة ِ ُتواجهني بها نابضة ً بكلّ ملامح الحياة !
أهو الامتداد ُ الخفيّ بين الحياة والأدب ؟
يجمعُ بينهما سحرُ عينيك ِ ...
لتُصبحَ صفحاتي بلحظة ٍ مجرّد ُسجادة ٍ من الحبر الأزرق !
أفرشها لتمشي عليها صاحبة ُ الفستان الأبيض ،
تخضرّ جرّاء وقع خطاها أحرف الكتابة ِ ،
فتنتهي صفحات روايتي ،
ويبدأ على الأسطر
عهد الورد الأبيض في روضة الاخضرار المُبهر !
تقفُ أمامي ، هي ذاتها ... صاحبة الولاّعة الذهبيّة ِ ...
فارقتني في مطار روايتي لتحط ّ طائرتها على مسار حياتي ،
تحملُ الشمسَ بين أصابعها ، ُتشعلُ نور السماء ،
أبصرُ دخّانَ سيجارتها غموضا ً ُيوحي بكلّ تفاصيل الوضوح من لعبة قدري !
انطلق لساني بكلّ الكلام لأعرفَ أنّي أتقنُ الكلام َ على عكس مشهد روايتي !
لمْ ُتبهرني شهادة الماجستير الحاصلة ِ عليها وتخصصها بالترجمة ،
لكنّني كدتُ أتلعثمُ حينَ طلبتْ منّي حقّ اللغة العربيّة ِ من مشروع فنّي ،
بلحظة ٍ أصبحتُ فارس العروبة الأول من تاريخ العرب ،
أدركتُ أنّ الفصل َ القادم سأكتبهُ بماء الورد ،لتنعم روايتي ببيتها ،
رواية ٌ عربيّة ٌ تحملُ قناعة َ الوجدان ِ بضرورة ِ التمسّك ِ بكلّ ذرّة ٍ من تراب الوطن ،
بالرغم ِ من العواصف ، بالرغم ِ من الأعاصير والفيضان ،
أسطرٌ ستقتلعُ َترسّبات الغربة ِ من الوجدان ،
لدينا الكثير لنقوله ُ بالعربيّة ،
ولدينا الكثير بانتظارنا لنفعله ُ من أجل عروبتنا ، ومستقبل ذاكرتنا
رائحة ُ الوطن ِ التي تفوحُ من فستانها الأبيض ِ أيقظتْ مرحلة ً جديدة ً بالعروق ،
ونشّطت ْ من حواس البدن المثقل بالغربة ، فانتفضت الرؤيا ..
أريدُ حقّي من وطني ،
سأقومُ بواجبي قبلا ً كي يكبر وطني فيكبر حقّي من وطني !
لنْ نتوانى حتّى لو تجرأ الوطنُ نفسه ُ على إحباط عزيمتنا ،
لن نقبل َ بعد الآن بالورق الأبيض الخائف في قاموس عرفنا ،
سنكتب ونجاهرُ بالرواية التي ستجبر الوطن على الإذعان لإرادتنا ،
على إعادة الثقة لنا بأنفسنا ،
لنغدق عليه ،
بعطاء الأبناء الذين يعلمون قيمة الوطن ،
أكثر ممّا يعتقد الوطنُ أنّهُ يستحقّ منّا !!
وقبلَ أنْ أفصح لها عن موافقتي للعرض ِ ،
عاد نفس الصوت ، صراع المفتاح مع القفل ينتهي بوقع القدر ِ الأسود ِ
يلبسُ هالة َ الأبيض ِ
يدخلُ وبيده ورقة ، نظر نحوي وقال َ :-
لقد ُرفض استئنافك بتقصير فترة عقوبتك َ ،
أنتَ باق ٍ معنا لخمس سنوات ٍ أخرى ...
حتّى تنتهي فترة عقوبتك َ كاملة ً ،
لكنّهم أجازوا القلم لتكتب ما تشاء !!!
( النهاية )
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir